خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي (حزب نيلسون مانديلا التاريخي) أغلبيته البرلمانية، في نتيجة تاريخية للانتخابات، ربما تضع دولة جنوب أفريقيا على مسار سياسي جديد، للمرة الأولى منذ نهاية نظام الفصل العنصري الذي كان قائماً على حكم الأقلية البيضاء قبل 30 عاماً. فيما دعا سيريل رامابوسا، رئيس جنوب أفريقيا، وزعيم الحزب الحاكم، يوم الإثنين 3 يونيو/حزيران 2024، الأحزاب السياسية في البلاد إلى العمل معاً من أجل مصلحة البلاد. فماذا تعني هذه النتائج، وكيف تنعكس داخلياً وخارجياً على جنوب أفريقيا؟
انتخابات جنوب أفريقيا.. 28 مليون ناخب يقررون التغيير
في 29 مايو/أيار، توجه الناخبون في جنوب أفريقيا إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة الديمقراطية السابعة في البلاد منذ انتهاء نظام الفصل العنصري في عام 1994، وتم تسجيل حوالي 28 مليون ناخب للتصويت في الانتخابات الوطنية والمحلية حيث شهدت إقبالاً كثيفاً يعد الأكبر بعد انتخابات العام 1994.
وبعد فرز الأصوات واجه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ANC أصعب انتخابات له حتى الآن، حيث خسر أغلبيته التي حظي بها منذ فوزه في عام 1994 عندما تم انتخاب نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد، حيث حصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حينها على 62.5% من مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 400 مقعد.
لكن الآن، وفقاً للنتائج النهائية التي أعلنتها لجنة الانتخابات بجنوب أفريقيا، الأحد، تراجعت أصوات حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى 40% من 57.5% في الانتخابات التي جرت عام 2019. وأشارت النتائج إلى أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي حصل على 159 مقعداً من أصل 400 مقعد في الجمعية الوطنية (البرلمان).
ما هو نظام الانتخابات في جنوب أفريقيا؟
يتم انتخاب 400 عضو في الجمعية الوطنية والتي يقوم أعضاؤها بانتخاب رئيس البلاد، ويحتاج الرئيس إلى 201 صوت على الأقل من أصوات الجمعية الوطنية (البرلمان).
وكان مجلس النواب الذي أفرزته انتخابات 2019 الماضية، يضم 400 عضو من 14 حزباً سياسياً، موزعين على الشكل الآتي:
- حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم: 230 مقعداً (57.5%) وهو حزب نيلسون مانديلا والحزب الذي تشكل بشكل أساسي من المناضلين الذين قادوا عملية التحرر من نظام الفصل العنصري.
- حزب DA (حزب تحالف الديمقراطية): حصل على 84 مقعداً (21%) وهو حزب البيض في دولة جنوب أفريقيا وهو حزب المعارضة الأبرز في البلاد، وقد حل في المركز الثاني في كافة الانتخابات العامة السابقة منذ انتهاء نظام الفصل العنصري، وهو حزب داعم بقوة لإسرائيل ومواقفه معادية للقضية الفلسطينية.
- حزب EFF (حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية) حصل على المركز الثالث بـ44 مقعداً بنسبة (11%) من الأصوات، وهو الحزب الذي انشق عن الحزب الحاكم في وقت سابق، وهو من الأحزاب الداعمة بقوة لفلسطين.
- حزب إنكاثا للحرية IFP: كان يملك 14 مقعداً (3.5%) وهو حزب داعم للقضية الفلسطينية بشكل كبير ورغم حصوله على عدد قليل من المقاعد إلا أنه كان من أكبر الأحزاب الداعمة للقضية الفلسطينية داخل الجمعية الوطنية (البرلمان).
- وشغلت أحزاب أخرى المقاعد الـ28 المتبقية.
ما خارطة البرلمان في جنوب أفريقيا بعد ظهور نتائج انتخابات 2024؟
- حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم أو ANC حصل على 40.2% من الأصوات.
- حزب تحالف الديمقراطية DA وهو حزب البيض المعارض، حصل على 21.8% من الأصوات.
- حزب MKP وهو حزب جديد حصل على 14.6% من الأصوات وهو حزب الرئيس السابق لجنوب أفريقيا جاكوب زوما، المنشق عن الحزب الحاكم.
- حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية EFF حصل على 9.5% من الأصوات.
- فيما حصلت الأحزاب الصغيرة الأخرى على نسبة تقدر بـ 14% من مجموع الأصوات، وهي نحو 10 أحزاب.
لكن ما أسباب تراجع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في انتخابات 2024؟
يقول الصحفي عبد العزيز أبو بكر، المقيم في جنوب أفريقيا، إن قضايا مثل الفقر والفساد، وتفشي البطالة، وارتفاع مستوى الجريمة، ومشاكل الخدمات والبنية التحتية خصوصاً انقطاع الكهرباء بشكل واسع داخل الدولة، كانت من أبرز أسباب تراجع الحزب الحاكم في انتخابات 2024 بجنوب أفريقيا.
ويضيف أبوبكر لـ"عربي بوست" أن السبب الأبرز في هذا التراجع الكبير يعود إلى انشقاق الرئيس السابق جاكوب زوما عن الحزب الحاكم وتأسيسه لحزب جديد (MKP) حيث إن اسم الحزب مأخوذ من لغة الزولو وهو يشير إلى الفصيل المسلح الذي كان يتبع حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم خلال فترة مقاومة نظام الفصل العنصري.
وقد شغل زوما سابقاً منصب رئيس جنوب أفريقيا وأيضاً رئيس الحزب الحاكم (ANC) وهو يتمتع بشعبية عالية في مناطق عرقية الزولو خاصة في مقاطعة كوازولو ناتال، وقد أدى انشقاقه إلى سحب ما يقارب 10% على الأقل من حصة الحزب الحاكم.
ما هي التأثيرات المتوقعة لنتائج الانتخابات؟
يقول أبو بكر لـ"عربي بوست" إن انقسام نسب البرلمان بين 4 لاعبين هم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، والحزب الديمقراطي، وحركة (MKP) وحركة المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF)، يفقد الحزب الحاكم الأغلبية، بالتالي يحتاج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى عقد تحالف مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية، وسيعتمد اختيار شريك الائتلاف على نسبة الدعم اللازمة لتجاوز نسبة الـ50%.
وهذا يعني أنه بحاجة إلى التحالف مع أحد الأحزاب الرئيسية الثلاثة المذكورة لأن الأحزاب الصغيرة (باستثناء حزب IFP) لن توصله إلى الأغلبية. ونظراً لحالة الاستقطاب الشديد والاتهامات المتبادلة بالفساد وقضايا شائكة أخرى بين الحزب الحاكم وحزب الرئيس السابق جاكوب زوما المنشق عنه، فإن التحالف بينهما مستبعد نوعاً ما.
وعليه، يبقى التحالف مطروحاً مع كل من حزب DA المعارض، وحزب EFF، علماً بأن العلاقة بين الحزب الحاكم وكلا الحزبين أيضاً متوترة بحسب أبوبكر، كما أن تحالف الأحزاب الثلاثة الرئيسية مع بعضهم دون الحزب الحاكم أيضاً مستبعدة نظراً لصعوبة تحالف حزب MKP وحزب EFF مع حزب البيض DA.
وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تولي حزب DA إدارة الجمعية الوطنية (البرلمان) من خلال جعل قادة حزب DA يشغلون مناصب عليا مثل رئيس الجمعية الوطنية ونائب رئيس الجمعية الوطنية، كما سيتم استيعاب حزب IFP الصغير القريب من سياسات الحزب الحاكم في السلطة التنفيذية ويرأس بعض اللجان.
لكن بعض كبار قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يعارضون العمل مع حزب DA الذي يمثل البيض، حيث ستكون لهذا الخيار عواقب وخيمة على كلا الحزبين؛ حزب المؤتمر الديمقراطي DA وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي ANC؛ لأنهما سيجدان صعوبة في شرحه لقواعدهما.
الخيار الآخر، هو تشكيل حكومة أقلية، وسيشهد هذا الخيار انتخاب رئيس دون اتفاق، وسيقدم كل حزب مرشحه الخاص، وسيشكل المرشحون الحاصلون على أكبر عدد من الأصوات الحكومة. ويشير معارضو هذا الخيار إلى أنه سيكون من الصعب إقرار القوانين في البرلمان، حيث ستسبب الأطراف التي تقرر الانسحاب من الاتفاقيات حالة عدم استقرار سياسي في البلاد، وهذا سيؤثر بطبيعة الحال على الاستقرار الاقتصادي.
كيف ستنعكس نتائج الانتخابات على دعم جنوب أفريقيا للقضية الفلسطينية؟
يقول أبو بكر لـ"عربي بوست"، إن احتمال تحالف الحزب الحاكم مع حزب DA الأبيض والمؤيد بقوة لإسرائيل سيؤثر بلا شك سلباً على موقف الدولة من القضية الفلسطينية، رغم أن الحزب الحاكم اعتمد كثيراً على مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية في التعبئة للانتخابات، حيث إن المزاج العام الغالب في البلاد هو داعم للقضية الفلسطينية حتى في بعض الأوساط الداعمة لحزب DA المعارض.
أما في حالة تحالف الحزب الحاكم مع حزب EFF فمن المتوقع أن يكون التأثير إيجابياً على القضية الفلسطينية؛ نظراً للمواقف القوية الداعمة لفلسطين وللمقاومة الفلسطينية من قبل الحزب، حيث كان للحزب الكثير من المواقف الداعمة كان آخرها مطالبة الحزب داخل البرلمان بتسليح المقاومة الفلسطينية.
وفي حال التحالف مع MKP إذا حدث، فسيكون أيضاً ذا تأثير إيجابي على موقف الدولة في جنوب أفريقيا تجاه القضية الفلسطينية، أو على الأقل لن يكون له أي تأثير سلبي، بحسب أبوبكر.