كان التحول الرقمي للدولة الهندية -التي كانت تعتمد على الدفتر سابقاً- مع برنامج تحديد الهوية العالمي والخدمات المصرفية عبر الإنترنت للجميع، واحداً من أكبر التحولات الرقمية التي شهدتها الهند في العقد الذي قضاه الرئيس القومي الشعبوي ناريندرا مودي في السلطة.
ولكن مع توجه الهند إلى صناديق الاقتراع على مدى الأسابيع الستة الماضية، لتحديد ما إذا كان مودي يستحق فترة ولاية ثالثة، برزت الدولة الرقمية كواحدة من أقوى الأدوات التي استخدمها مودي لصالحه ولصالح حزبه، مما أثار استياء المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان٬ محذرين من أن مئات ملايين المواطنين يسيرون وهم نائمون نحو فخ استبدادي٬ كما تقول صحيفة التايمز البريطانية.
مودي يستغل بيانات مئات الملايين من الهنود كي يفوز بالانتخابات
وتقول الصحيفة إن الاستهداف الرقمي٬ الذي ابتكرته حملات أوباما ثم ترامب في الولايات المتحدة، ليس بالأمر الجديد. فقد كشفت فضيحة كامبريدج أناليتيكا كيف تم جمع البيانات الشخصية لملايين مستخدمي فيسبوك دون موافقتهم واستخدامها لدعم محاولة ترامب الأولى للوصول إلى البيت الأبيض.
وفي الهند، سلّم الناخبون أنفسهم الجزء الأكبر من المعلومات التي وصلت إلى أيدي حزب بهاراتيا جاناتا، وقاموا بالتسجيل في التطبيقات الحكومية التي من المفترض أن تسهل حياتهم اليومية.
فقد تم نقل قواعد البيانات الحكومية الضخمة الخاصة بتفاصيل المواطنين إلى أيدي الحزب الحاكم الهندوسي المتشدد٬ لاستخدامها في آلة الحملة الانتخابية. وفي حين سعت حكومات الولايات التي تقودها المعارضة إلى القيام بالشيء نفسه، فإن السيطرة على قاعدة البيانات الوطنية أعطت حزب بهاراتيا جاناتا ميزة لا يمكن لمنافسيه إلا أن يحلموا بها.
وقال براتيك واغر، المدير التنفيذي لمؤسسة حرية الإنترنت لصحيفة التايمز: "لا ينبغي للعاملين في الحزب الوصول إلى البيانات التي تعمل عليها الحكومة لبرامج الدولة لصالح خدمة المواطنين٬ ما نكتشفه هو أن العاملين في الحزب الحاكم أنفسهم يأخذون هذه المعلومات ويذهبون إلى شخص ما ليقولوا مرحباً، نحن نعلم أنك تلقيت فلاناً وفلاناً، واستفدت من الحكومة٬ ويجب أن تنتخبنا"!.
تطبيق "نامو".. مودي يستغل بيانات شعبه منذ سنوات طويلة
ويقصدون بذلك مودي شخصياً، الشخصية القومية الهندوسية البارزة التي تزين صورتها علب حصص الأرز، والتي تلوح في الأفق أكبر من أي بيروقراطية بعيدة. يبلغ عمر مودي الآن 73 عاماً، ويعود توجّه مودي نحو الرقمنة إلى أكثر من عقد من الزمن: فخلال ترشحه الأخير لمنصب رئيس وزراء ولاية جوجارات قبل صعوده إلى المسرح الوطني، ظهر في شكل ثلاثي الأبعاد في تجمعات حاشدة في قرى عبر الولاية الغربية. لدى مودي تطبيقه الخاص، NaMo، والذي يأتي مثبتاً مسبقاً على الهواتف الهندية منخفضة التكلفة وأصبح محور نزاع حول الخصوصية عام 2018 عندما تبين أنه يستخرج البيانات من أجهزة المستخدمين ويستغلها.
وتتسم هذه البيانات بحساسية خاصة في المناخ السياسي الذي يتسم بالانقسامات الطائفية والعنف ضد المسلمين. وفي مؤتمراته الانتخابية، أثار مودي الاستياء ضد المسلمين واتهم المعارضة بالرغبة في سحب المساعدات الاجتماعية من الطبقة الدنيا من الهندوس ومنحها إلى "بنك أصواتهم" الإسلامي٬ لكن الأقليات تخشى العكس.
وفي حين يحصل المستفيدون حالياً على الرعاية الاجتماعية بغض النظر عن هويتهم الدينية أو الطبقية، فقد أثار مناخ الاستقطاب في الهند مخاوف من إمكانية استخدام البيانات لاستهداف المدفوعات الصغيرة بشكل انتقائي.
التزييف العميق
واحد من أكبر المخاوف بشأن إساءة استخدام التكنولوجيا في الانتخابات – التزييف العميق الناتج عن الذكاء الاصطناعي – لم يتحقق بعد. وقد انتشرت التزييفات العميقة لنجمي بوليوود، رانفير سينغ وعامر خان، اللذين يدعمان المرشحين السياسيين، قبل انتخابات الولاية العام الماضي قبل أن يتم حذفها.
لقد حذر مودي نفسه من تهديد التزييف العميق عندما اعتقد خطأً أنه ضحية لذلك من قبل خصومه. وذلك عندما انتشر فيديو له بشكل فيروسي على منصات التواصل الهندية٬ وأعاد مودي نشر الفيديو وكتب: "مثلكم جميعاً، استمتعت أيضاً برؤية نفسي أرقص".
وقال واغر: "أنا أكثر قلقاً بشأن فقدان الثقة مع كثرة انتشار فيديوهات التزييف العميق، مثلاً عندما يكون هناك شيء حقيقي في الواقع ولا يصدقه الناس ويعتقدون أنه مزيف". وقد حدث هذا بالفعل في حالة أحد مرشحي حزب بهاراتيا جاناتا في ولاية أوتار براديش، والذي تم تصويره وهو يقول عبارة "دعهم يأكلون الكعكة" عن الفقراء بشكل مهين٬ حيث ندد المؤيدون له بالفيديو الحقيقي٬ ووصفوه بأنه مزيف.
وتمثل الانتخابات العامة في الهند لهذا العام لحظة فارقة في تاريخ الحكم الديمقراطي الهندي. فمع وجود أكثر من 900 مليون ناخب في الهند، تمثل هذه الانتخابات أكبر ممارسة ديمقراطية على مستوى العالم. خاصة مع طول مدة هذه الانتخابات التي تمتد لستة أسابيع بدءاً من 19 أبريل/نيسان وحتى 1 يونيو/حزيران، ومن المنتظر الإعلان عن نتائجها في 4 يونيو.