تترقب إسرائيل صدور قرار من الأمم المتحدة يضع تل أبيب في "القائمة السوداء" ويصنف جيش الاحتلال "منظمة تقتل الأطفال"، فماذا يعني هذا القرار حال إصداره فعلاً؟ وكيف قد يؤثر على تل أبيب؟
في منتصف فبراير/شباط الماضي، وجهت مجموعة من خبراء الأمم المتحدة اتهامات مباشرة لجيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم بأي عمل مسلح ويبحثون عن ملجأ آمن، ومن ضمنهم الأطفال.
"إننا مصدومين من التقارير بشأن الاستهداف المتعمد والقتل خارج إطار القانون لنساء وأطفال فلسطينيين في أماكن النزوح أو خلال هروبهم من القتال. بعض هؤلاء الضحايا كانوا يرفعون قطع قماش بيضاء اللون عندما تعرضوا للقتل بواسطة الجيش الإسرائيلي أو ميليشيات مرتبطة به"، بحسب تقرير الخبراء.
إسرائيل "تستهدف" الأطفال
في إفادة رسمية أمام الأمم المتحدة مطلع أبريل/نيسان الماضي، قالت فيرجينيا غامبا، المبعوثة الأممية للأطفال في مناطق الصراع المسلح: "دعوني أكون واضحة للغاية؛ معاهدة جنيف ومعاهدة حقوق الطفل تحتوي على بنود رئيسية تتطلب تسهيل وصول الإغاثة الإنسانية للأطفال الذين يحتاجونها. إنكار وصول المساعدات الإنسانية للأطفال والهجمات بحق عمال الإغاثة هي أيضاً أعمال يحظرها القانون الإنساني الدولي".
وبحسب البيانات التي تأكد مكتب غامبا من صحتها، وقعت 4 آلاف حالة منع وصول للمساعدات. كان ذلك في عام 2022، وجاءت الأراضي الفلسطينية المحتلة في طليعة المناطق التي شهدت النصيب الأكبر من تلك الحالات، تليها اليمن وأفغانستان ومالي.
الوضع في 2024 ازداد سوءاً، بحسب غامبا، مضيفة أن "بعض المواقف شهدت ارتفاعاً ضخماً في حالات منع وصول المساعدات للجميع، وخاصة الأطفال، وعلى رأس القائمة جاءت الأراضي الفلسطينية المحتلة"، طبقاً لتقرير لموقع شبكة VOA الأمريكية.
لكن حرمان المدنيين، وضمنهم الأطفال، من المساعدات الإنسانية واستهداف عمال الإغاثة ليسا فقط الاتهامات الموجهة لإسرائيل وجيشها منذ بدأت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فثلث الشهداء الذين ارتقوا في القطاع هم من الأطفال، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية نقلاً عن تقارير منظمات دولية كانت تعمل في غزة.
الطبيبة الكندية، فوزية ألفي، قالت للصحيفة البريطانية إنها كانت شاهدة على علاج عشرات الحالات من الأطفال المصابين بطلقات نارية في الجزء العلوي من الجسم (الرأس ومنطقة الصدر)، وهي الشهادة نفسها التي أدلى بها 9 أطباء آخرين -جميعهم باستثناء واحد- أجانب يعملون في منظمات إغاثية أممية أو غربية.
جيش الاحتلال "منظمة تقتل الأطفال"
بالتزامن مع ما ارتكبه جيش الاحتلال الإسرائيلي من مذابح الخيام في رفح خلال الأيام الثلاث الماضية، يبدو أن الأمم المتحدة أصبحت قريبة من وضع تل أبيب في "القائمة السوداء" وتصنيف جيشها على أنه "منظمة تمثل خطراً داهماً على الأطفال أو تقتلهم"، بحسب تقرير إعلامي إسرائيلي الأربعاء 29 مايو/أيار.
كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ألقى، مساء الأحد 26 مايو/أيار، قنبلة أمريكية الصنع تزن 110 كيلوغرامات على خيام النازحين في رفح، ليرتقي أكثر من 45 شهيداً فلسطينياً غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء النازحين من شمال ووسط القطاع، إضافة إلى إصابة عشرات آخرين.
والثلاثاء 28 مايو/أيار أعادت إسرائيل إلقاء القنابل مرة أخرى على النازحين في رفح، وهذه المرة في منطقة زراعية مفتوحة هي المواصي "وعدت إسرائيل الفلسطينيين بأنها منطقة آمنة يمكنهم التوجه إليها".
رغم تبريرات إسرائيل وجيشها لمثل هذه الجرائم بحق المدنيين، إلا أنه لم يعد أحد يصدقهم، ولا حتى البعض في داخل إسرائيل نفسها، إذ أكدت افتتاحية صحيفة هآرتس الأربعاء وعنوانها "في إسرائيل نتنياهو، رعب رفح ليس خطأً ولا استثناءً"، على أن استهداف المدنيين بات تكتيكاً تحرض عليه الحكومة اليمينية المتطرفة وينفذه جيش الاحتلال.
في هذا السياق، يبدو أن الأمم المتحدة باتت في طريقها إلى إصدار قرار يدين إسرائيل ويصف جيشها بأنه "منظمة تقتل الأطفال"، بحسب تقرير لموقع ميدل إيست مونيتور البريطاني.
كانت القناة 13 الإسرائيلية قد أكدت في تقرير لها أن هناك نقاشات تجري على مستوى حكومة نتنياهو من أجل الرد على القرار الأممي الوشيك: "في ظل أحداث رفح والقرارات الصادرة ضد إسرائيل من محكمة العدل الدولية في لاهاي، يجري إعداد قرار وشيك للأمم المتحدة يعتبر الجيش الإسرائيلي "منظمة تقتل الأطفال"".
ماذا تخشى إسرائيل من هذا القرار الأممي الوشيك؟
"يجرى في إسرائيل ماراثون من السجالات قبل صدور حكم دراماتيكي في الأيام أو الأسابيع المقبلة، حول ما إذا كانت إسرائيل ستدخل إلى القائمة السوداء للأمم المتحدة، وما إذا كان سيتم إعلان جيش الدفاع الإسرائيلي "منظمة تقتل الأطفال""، بحسب تقرير القناة العبرية.
"النتيجة التي انبثقت من المناقشات التي جرت في مقر الأمن القومي وداخل الجيش هي أنه هذا العام، ولأول مرة، بعد تهديدات عديدة وبسبب الحرب، ستعلن الأمم المتحدة فعلياً أن جيش الدفاع الإسرائيلي كيان يلحق الأذى ويقتل الأطفال".
اعتبرت القناة أن هذا الإعلان "يثير قلقاً كبيراً لدى كبار المسؤولين في الاحتلال، لأنه يأتي على خلفية خلاف حول قرارات سياسية دراماتيكية ضد إسرائيل، كما أن له عواقب عملية يمكن أن تضر بإمدادات الأسلحة لإسرائيل".
وأوضحت كذلك أن قراراً سيكون ساري المفعول لمدة أربع سنوات، إذا تم قبوله بالفعل، ومن سيقبله بشكل نهائي هو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي شهدت علاقاته مع إسرائيل العديد من اللحظات الصعبة. "في إسرائيل، بدأوا بالفعل في صياغة إجراءات رد فعل ضد الأمم المتحدة، تحسباً للإعلان الوشيك"، بحسب القناة.
وهناك في واشنطن، ترى إدارة جو بايدن أنه "يوجد خطر حقيقي من احتمال أن تصبح إسرائيل معزولة عن المجتمع الدولي بدرجة أكبر بسبب طريقة تنفيذها لهذه العملية"، بحسب جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، مشيراً إلى مذبحة الخيام في رفح.
ما هي "القائمة السوداء"؟
تعود قصة القائمة السوداء للدول التي تتسبب في إلحاق الأذى بالأطفال خلال الصراعات المسلحة إلى عام 2001، عندما أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يؤسس لهذه القائمة ويتعهد بتوفير "الحماية للأطفال من أهوال الحرب والصراعات المسلحة".
ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الأمم المتحدة، عبر لجنة حقوق الطفل، تصدر سنوياً "القائمة السوداء للدول والحركات والمنظمات التي تتسبب في إلحاق الضرر بالأطفال". وهناك منظمات وحركات مسلحة من أفغانستان إلى جنوب السودان ونيجيريا ومناطق أخرى موجودة في تلك "القائمة السوداء" بصورة شبه مستمرة منذ اعتمادها، من بينها القاعدة وتنظيم الدولة وبوكو حرام وغيرها.
في تقرير العام الماضي، أضيفت القوات المسلحة الروسية إلى "القائمة السوداء لمن يقتلون الأطفال"، خلال الحرب في أوكرانيا التي كانت قد اندلعت في فبراير/شباط عام 2022. وفي التقرير عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن "صدمته من الأرقام المرتفعة للانتهاكات البالغة بحق الأطفال في أوكرانيا عام 2022 ومن عدد الهجمات على المدارس والمستشفيات"، بحسب تقرير لوكالة AP الأمريكية.
في ذلك الوقت، تعرض غوتيريش لانتقادات حادة من جانب بعض الدول والمنظمات الحقوقية لعدم إدراج إسرائيل في "القائمة السوداء" ذاتها، على الرغم من الانتهاكات بحق 1139 طفلاً فلسطينياً، استشهد منهم 54، خلال نفس الفترة التي رصدها التقرير الأممي. بل على العكس من ذلك، أشاد غوتيريش نفسه بتعاون إسرائيل مع المبعوثة الأممية الخاصة بالأطفال في مناطق الصراع المسلح (هي نفسها فيرجينيا غامبا)، وبحرص تل أبيب على "اتباع إجراءات عملية من ضمنها مقترحات أممية" بغرض حماية الأطفال.
الحرب على غزة وسمعة إسرائيل عالمياً
من المتوقع أن يصدر مكتب غامبا تقريره السنوي بشأن موقف الأطفال في مناطق الصراع خلال أيام، وعلى مدى الأسابيع الماضية يسعى المسؤولون الإسرائيليون إلى عدم إدراج تل أبيب في "القائمة السوداء" للمرة الأولى على الإطلاق، وهو ما يمثل كابوساً للاحتلال، بحسب تقرير لقناة "كان" العبرية الشهر الماضي.
ولا يبدو القلق الإسرائيلي غير مبرر، إذ يواجه الاحتلال موقفاً مستحيلاً لم يتعرض له من قبل منذ نشأتها، لكن يبدو أن حكومة نتنياهو تتجاهل التهديدات المحدقة بتل أبيب؛ المتمثلة في قرارات محكمة العدل الدولية بالوقف الفوري للحرب في رفح، وتوجه المحكمة الجنائية الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، وخطر إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً جديداً بوقف الحرب على غزة، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستستخدم الفيتو لعرقلة إصداره، والأخطر من كل ذلك تلك العزلة الدولية المتزايدة واتجاه الاتحاد الأوروبي لإصدار عقوبات على إسرائيل، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس.
وإدراج إسرائيل في القائمة السوداء ستكون له تداعيات قانونية وعملية مباشرة، مثل فرض عقوبات اقتصادية أو تجارية أو حظر أسلحة… إلى آخر تلك القائمة من التداعيات التي تواجهها الدول التي تجد نفسها مدرجة في تلك القوائم الأممية السوداء، وما تعرضت له روسيا من عقوبات غربية وأممية كاسحة ليس ببعيد.
صحيح أن إسرائيل ليست روسيا، فتل أبيب تحظى بدعم أمريكي لن يتأثر على الأرجح بإدراجها في القائمة السوداء، لكن في الوقت نفسه لا تمتلك تل أبيب إمكانيات موسكو الاقتصادية والعسكرية والبشرية ولا حتى علاقاتها حول العالم، وهو ما يعني أن دولة الاحتلال تتجه إلى المجهول بالسرعة القصوى، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس.
تداعيات "القائمة السوداء" داخلياً
أما على المستوى الداخلي، فلا شك أن إدراج إسرائيل في قائمة الأمم السوداء للدول والمنظمات التي "تلحق الضرر بالأطفال وتقتلهم" سيضعف أكثر من موقف نتنياهو لصالح المعارضة التي تسعى للإطاحة به وبحكومته الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية. هذا في الوقت الذي توشك المهلة التي حددها بيني غانتس (الوزير في مجلس الحرب) لنتنياهو على الانتهاء، في إشارة إلى طلبات غانتس المتمثلة في وجود خطة لما بعد الحرب لإدارة غزة وعقد صفقة لتبادل الأسرى مع حماس، وهي المهلة التي تنتهي يوم 8 يونيو/حزيران المقبل.
لكن المؤشرات حتى الآن تسير في اتجاه إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب واجتياح رفح، حيث إن الموقف الأمريكي يبدو أنه يلعب الدور الأكبر الآن في "تشجيع" نتنياهو على عدم التراجع. إذ يسعى نتنياهو إلى توظيف الاستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين لصالحه بهدف إطالة الحرب على غزة، بغض النظر عما يعنيه ذلك لإسرائيل وتأثيره المدمر على مستقبل العلاقة بين تل أبيب وواشنطن.
في الوقت نفسه، يشير المسار الحالي للعدوان الإسرائيلي إلى أنه لا شيء مما يحدث في رفح الآن مختلف عما حدث خلال الحرب على غزة منذ بدايتها قبل نحو 8 أشهر. وفي الوقت الحالي لا يبدو أن هذه الحرب يمكن أبداً أن تؤدي إلى أي انتصار استراتيجي لإسرائيل بأي حال من الأحوال، بحسب تحليل لموقع Vox الأمريكي.
فمنذ البداية، زعمت إسرائيل أن قيادة حماس المركزية والأسرى أيضاً موجودون هناك في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة في الشمال، وشنت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة وجيش الاحتلال "حملة علاقات عامة مكثفة" لإقناع الداخل والخارج بهذا الزعم لتبرير اقتحام المجمع الطبي الأكبر في القطاع المحاصر، فماذا حدث؟
نفذت إسرائيل الاقتحام، الذي يمثل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، وتسببت في مقتل وإصابة الآلاف من المدنيين والطواقم الطبية على مرأى ومسمع من العالم، وفي النهاية لم تجد لا قيادات حماس ولا الأسرى ولم تحاسب على جرائمها، ولم يتزعزع دعم إدارة بايدن، وظل "الضوء الأخضر" على حاله.
جاء الدور على خان يونس في وسط قطاع غزة، وتكرر الأمر نفسه وبالنتائج نفسها وأيضاً لم تحقق إسرائيل شيئاً، باستثناء التقتيل والتدمير بحق أهل غزة من المدنيين العزل، وأيضاً لم يتم إطفاء "الضوء الأخضر" الأمريكي ولا توقفت المساعدات العسكرية أو الغطاء الدبلوماسي.