أصدر وزير حرب الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت، تعليماته بإلغاء قانون فك الارتباط، بعد تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، الأمر الذي أثار تساؤلات عن تداعيات هذا الأمر وتوقيته، إلى جانب تأثيره على الفلسطينيين، وارتباطه بحرب غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ما تداعيات إلغاء قانون فك الارتباط؟
يسمح القرار لحكومة الاحتلال ويمينها المتطرف، بالشروع بتوسيع الاستيطان والقضاء على جهود إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967، ما يعني إنهاءً لخيار حل الدولتين من جانب واحد.
وذلك بحسب الخبير في شؤون الاستيطان بالقدس والضفة الغربي خليل تفكجي، في حديثه لـ"عربي بوست"، مؤكداً أن قرار غالانت "يُعدّ رسالة واضحة من الحكومة الإسرائيلية بأن الضفة الغربية هي أراضٍ متنازع عليها، ولا يمكن إقامة دولة فلسطينية عليها متواصلة جغرافياً، وفي الوقت ذاته، وتأكيداً على ما طرحه نتنياهو بأنه لا توجد دولة فلسطينية".
وقال: "بالتالي، فإن الاستيطان هو الجوهر، وما يجري في الضفة الغربية من استخدام الكثير من القوانين الإسرائيلية، خاصة قوانين الاستملاك التي يعتبر الاحتلال من خلالها أملاك الفلسطينيين أملاك دولة أو أملاك غائبين، يدل على أن الجانب الإسرائيلي في طريقه لتنفيذ مشروعه من البحر إلى النهر".
أوضح تفكجي، أنه منذ سن قانون فك الارتباط، بشكل أحادي الجانب، والانسحاب من المستوطنات، بقيت تلك المناطق تحت السيطرة الإسرائيلية، ولم يستطع الفلسطينيون استغلالها، بحجة أنها أملاك دولة، ووريثة الحكومة الأردنية سابقاً، فاعتبرها الاحتلال أراضي متنازعاً عليها.
المقصود من إلغاء القانون -برأيه- أنه تأكيد من الاحتلال أنه "لا توجد دولة فلسطينية بالنسبة له"، وأنه بعد خطوة الاعتراف من بعض الدول بدولة فلسطين، فإن نتنياهو يريد القفز إلى الأمام، بفرض أمر واقع على الأرض بدعم أمريكي، وهو العودة للاستيطان.
نوّه تفكجي إلى أن الاستيطان لم يتوقف حتى بعد اتفاق أوسلو، واليوم كل الأحزاب الإسرائيلية يميناً أو يساراً تتفق على نقطتين، هما الاستيطان بالضفة الغربية والقدس التي يقولون عنها إنها عاصمة لهم.
في الضفة الغربية الآن 145 مستوطنة كبيرة، فيما أقيمت 175 بؤرة صغيرة، إلى جانب استيلاء الاحتلال على مزيد من الأراضي، كما يجري الآن من انتشار ظاهرة الاستيطان الرعوي، أي السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي، مقابل عدد قليل من المستوطنين، كما يجري في الأغوار وغيرها، بحسب تفكجي.
من شأن إلغاء فك الارتباط، أن يعطي صفة شرعية لعشرات البؤر الاستيطانية العشوائية، وفقاً للقانون أو التصنيف الإسرائيلي، بحسب المتحدث ذاته.
وأشار كذلك إلى أنه "قبل إعلان غالانت إلغاء فك الارتباط، كان محظوراً على المستوطنين العودة إلى هذه المستوطنات، رغم عدم السماح للفلسطينيين بإقامة مشاريع عليها، أو استغلال أراضيها.
تقويض الوجود الفلسطيني
الخبير في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أوضح لـ"عربي بوست"، أن "إلغاء قانون فك الارتباط، يعني أنه ليس فقط العمل جارياً على تقويض الدولة الفلسطينية، بل الوجود الفلسطيني نفسه أصبح مهدداً، وحياة الفلسطيني ستصبح شبه مستحيلة، بسبب الهجمة الاستيطانية".
عن مواجهة هذا القرار فلسطينياً، رأى منصور أن ما يجري لا يدع أمام الفلسطينيين سوى خيارات محدودة، قائلاً: "أعتقد أن المطلوب فلسطينياً إلغاء أوسلو، ومواجهة ميدانية سياسية دبلوماسية".
وأوضح أنه أمام محاولة إنهاء حل الدولتين، فإن الموقف الفلسطيني من الإدانات والاستنكار لن يجدي، فكل من يريد إعادة انتخابه في إسرائيل يتقرب من اليمين والاستيطان والترحيل والحرب الشاملة على الفلسطينيين، سواء في غزة من إبادة جماعية، أو الضفة كإبادة وتطهير عرقي".
المحلل السياسي المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، ذهب إلى أبعد من ذلك، في رؤيته لمجمل القرارات الإسرائيلية الأخيرة، التي تلت الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، وقرارات محكمة الجنايات الدولية ضد نتنياهو وغالانت.
إذ قال عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي، إنه "رغم الكثير من الملاحظات على السلطة وأدائها، إلا أنه لم يعد مقبولاً لدى الإسرائيليين بقاء السلطة الفلسطينية بهذا الشكل، بالتالي فإن الأمور ذاهبة باتجاه تصعيد كبير وخطير بالضفة الغربية، استيطانياً وعسكرياً ومالياً واقتصادياً، ما سيؤدي في لحظة ما إلى تفكيك السلطة، كما حدث في الانتفاضة الثانية عام 2002، ثم إعادة بنائها من إسرائيل".
أوضح شديد أن تفكيك السلطة سيكون من خلال تشكيل سلطات في كل مدينة أو محافظة، أي بنظام البلديات.
فصل جنوب الضفة عن شمالها وإلغاء حدود 1967
وقال الخبير الفلسطيني، إن "إلغاء قانون فك الارتباط، الذي أعلنه وزير جيش الاحتلال، بعودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات المخلاة، وبناء عشرة آلاف وحدة استيطانية جديدة، وجزء منها في المنطقة المسماة "أي وان" شرقي القدس، يعني فصل جنوب الضفة الغربية عن شمالها، وربط البحر الميت مع تل أبيب عبر مدينة القدس".
أضاف أنه ستتم شرعنة 68 بؤرة استيطانية، وتحويلها إلى مستوطنات، والأخطر من ذلك هو ضم مستوطنة كريات أربع ومستوطنات الخليل إلى منطقة بئر السبع، أي إلغاء حدود عام 1967، أي إلغاء فكرة حل الدولتين.
وختم شديد تحليله، بالقول، إن "الضفة الغربية مقبلة على مرحلة صعبة جداً".
وتشهد محافظة جنين تصعيداً كبيراً من الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية الحرب في غزة، إذ يشن عمليات اجتياح بين حين وآخر ضد المقاومة فيها، فيما يعني عودة المستوطنين إلى تخوم المحافظة من خلال عودة المستوطنات، تصعيداً أكبر، واشتباكات أوسع.
ما هو قانون فك الارتباط؟
قانون فك الارتباط، هو خطة أحادية الجانب نفذتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرئيل شارون في صيف 2005، وأخلت بموجبها المستوطنات ومعسكرات الاحتلال في قطاع غزة، إضافة إلى 4 مستوطنات شمالي الضفة.
صدّق الكنيست على إلغاء قانون فك الارتباط، في مارس/آذار 2023، لكن القرار كان بحاجة إلى موافقة عسكرية من قائد المنطقة لتنفيذه.
جاء إعلان الإلغاء على لسان وزير الحرب الإسرائيلي، الأربعاء 22 مايو/أيار 2024، في اجتماع له مع رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات الضفة.
إلغاء القانون في شمال الضفة الغربية، يسمح بعودة المستوطنين إلى مستوطنات تم إخلاؤها قبل 19 عاماً، في خطوة تدخل حيز التنفيذ في 28 مايو/أيار 2024.
الخطوة التصعيدية الإسرائيلية، جاءت رداً من الاحتلال على اعتراف 3 دول أوروبية بدولة فلسطين، وهي إسبانيا والنرويج وأيرلندا، في 22 مايو/أيار 2024.
يسمح القرار بعودة المستوطنين إلى مستوطنات "غانيم" و"كاديم" و"صانور"، في محافظة جنين، استكمالاً للأمر الأولي الذي تضمن مستوطنة "حوميش" على أراضي برقة، شمال غرب مدينة نابلس.
عن الخطوات هذه، قال غالانت: "بعد إقرار قانون إلغاء فك الارتباط في الكنيست، تمكنا من استكمال الخطوة التاريخية"، مضيفاً أن "السيطرة اليهودية على الضفة الغربية، تضمن الأمن"، بحسب زعمه.
لم يوضح الاحتلال تأثير هذا القرار على غزة، لكنه يمنح الضوء الأخضر مستقبلاً بما يتعلق بالاستيطان في القطاع.