مناورات عسكرية بنكهة الحرب.. كيف تكشر الصين عن أنيابها لرئيس تايوان “الانفصالي”؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/24 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/24 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
شاشة عملاقة في بكين تعرض المناورات العسكرية حول تايوان / رويترز

أجرت الصين تدريبات عسكرية قالت إن الهدف منها "معاقبة" القوى الانفصالية في تايوان، فما طبيعة وحجم تلك التدريبات؟ وهل هي استعداد لضم الجزيرة بالقوة؟

كانت الصين وتايوان قد انفصلتا خلال حرب أهلية في الأربعينيات، وتعتبر تايوان نفسها دولة ذات سيادة وتحظى بدعم أمريكي وغربي، لكن بكين لا تزال تصرُّ على أنه ستتم استعادة الجزيرة في وقت ما، وبالقوة إذا لزم الأمر.

ولا يعترف بتايوان سوى عدد قليل من الدول؛ إذ تعترف معظم الدول بالحكومة الصينية في بكين بدلاً عن ذلك. ولا توجد علاقات رسمية بين الولايات المتحدة وتايوان، ولكن لدى واشنطن قانون يلزمها بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.

الصين تجري مناورات عسكرية "حول تايوان"

أجرى الجيش الصيني مناورات حربية موسعة، استمرت يومين (الخميس والجمعة 23 و24 مايو/أيار)، وشملت حصاراً شبه محكم حول تايوان. التدريبات شملت مناورات هدفها اختبار القدرة على "الاستيلاء على السلطة" والسيطرة على مناطق رئيسية.

القيادة الشرقية لجيش التحرير الشعبي الصيني أصدرت الجمعة بياناً مقتضباً قالت فيه إن قواتها واصلت تدريباتها، وأضافت أن التدريبات تهدف إلى "اختبار القدرة على الاستيلاء بشكل مشترك على السلطة وشن هجمات مشتركة واحتلال مناطق رئيسية".

قيادة العمليات الصينية نشرت الجمعة مقطع فيديو لمحاكاة على الكمبيوتر بالرسوم المتحركة على حسابها على منصة "وي تشات" للتواصل الاجتماعي يظهر إطلاق صواريخ صوب تايوان من البر والجو والبحر لتسقط بعد ذلك على مدن تايبه وكاوشيونج وهوالين بكرات من اللهب. وفي نهاية المقطع كتبت عبارة "أسلحة مقدسة لقتل الانفصال".

تايوانيون يتابعون الموقف / رويترز

وتظهر خرائط ومقاطع فيديو توضيحية نشرها الجيش الصيني أن المناورات شملت تدريبات على أساليب الحصار، وأن القوات الصينية تستهدف 5 مناطق رئيسية تضم مساحات واسعة من المياه المحيطة بجزيرة تايوان الرئيسية وجزر أخرى أصغر تابعة لها وتقع بالقرب من بر الصين الرئيسي. وهذه الجزر الصغيرة لم تكن ضمن أهداف مناورات حربية مماثلة أجراها جيش التحرير الشعبي الصيني عامي 2022 و2023، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

ما مناسبة هذه المناورات الصينية؟

تأتي هذه المناورات بعد يومين فقط من تنصيب الرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ-تي، الذي فاز بالانتخابات في يناير/كانون الثاني الماضي، ليخلف الرئيسة السابقة تساي إينغ-وين، التي شغلت المنصب لفترتين متتاليتين (منذ 2016). تشينغ-تي وإينغ-وين ينتميان إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو حزب يميل إلى الانفصال عن الصين واستقلال تايوان.

العلاقة بين الصين والرئيسة السابقة كانت متوترة للغاية واستمر هذا التوتر مع تنصيب تشينغ-تي، الذي تصفه بكين بأنه "انفصالي"، واعتبرت خطاب تنصيبه "استفزازياً"، وبالتالي جاءت هذه المناورات لمعاقبته بحسب وسائل الإعلام الصينية.

الرئيس التايواني لاي تشينغ-تي / رويترز

كان تشينغ-تي قد طالب، في خطاب تنصيبه يوم 20 مايو/أيار، بكين بالكف عن تهديد تايبيه وقال إن جانبي مضيق تايوان "لا يتبعان بعضهما البعض".

الصين ترفض تماماً إجراء أي محادثات مع تشينغ-تي كما فعلت مع الرئيسة السابقة، انطلاقاً من إصرار كل منهما على أن "تايوان دولة مستقلة"، وهو ما يثير الغضب الشديد في بكين بطبيعة الحال.

هل هذه أول مرة تجري مناورات بهذا الحجم؟

كلا. أجرت الصين مناورات ضخمة وبالذخيرة الحية شهدت حصاراً شاملاً على تايوان للمرة الأولى في أغسطس/آب عام 2022، رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة. اعتبرت الصين أن الزيارة "لعب بالنار" في قضية قومية، وقامت بتغيير "الوضع القائم" في مضيق تايوان بشكل جذري.

فقبل زيارة بيلوسي والرد الصيني الحاسم، كان هناك خط وهمي فاصل في مضيق تايوان يعتبر حدوداً بين الجزيرة والبر الرئيسي وكان أي اختراق صيني محدود له (جواً أو بحراً) يثير غضباً أممياً (بقيادة غربية بطبيعة الحال) ضد بكين. لكن في أعقاب زيارة بيلوسي، أصبحت الصين لا تقيم وزناً لهذا الخط الوهمي وباتت طائراتها الحربية وسفنها التابعة لحرس السواحل تخترقه بشكل يومي تقريباً، وإن بصورة غير مكثفة من حيث عدد الطائرات والزوارق.

وفي أبريل/نيسان 2023 أجرت الصين مناورات عسكرية ضخمة، على غرار ما قامت به في أغسطس/آب 2022. وبالتالي فهذه هي المرة الثالثة التي يجري فيها جيش التحرير الشعبي هذه المناورات.

محللون ودبلوماسيون في المنطقة ومسؤولون بارزون في تايوان قالوا لرويترز إن نطاق التدريبات العسكرية الصينية الجارية أصغر حتى الآن من تدريبات 2022 كما أنها متوقعة أيضاً لكنها ما زالت تشكل خطراً من وقوع حوادث أو إساءة تقدير.

ما رسالة "السيف المشترك -2024أ

في المقابل، حشدت القوات المسلحة التايوانية قواتها لمراقبة وتتبع تحركات القوات الصينية. ونشرت وزارة الدفاع التايوانية الجمعة صوراً لطائرات إف-16 وهي مسلحة بصواريخ وتقوم بدوريات جوية. كما عرضت أيضاً صوراً لسفن خفر السواحل الصينية المشاركة في التدريبات وطرادات صينية من طراز جيانغداو، لكنها لم تحدد مكان التقاط الصور بالضبط.

وقالت الوزارة إنها رصدت 49 طائرة عسكرية صينية و19 سفينة بحرية وسبع سفن لخفر السواحل حتى الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي من يوم الجمعة (2200 بتوقيت غرينتش). وعبرت 28 طائرة الخط الفاصل الذي يقسم مضيق تايوان والذي يمثل حدوداً غير رسمية تقول الصين إنها لا تعترف بها.

أمريكا الصين
زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في أغسطس/ آب 2022/ رويترز

تايوان إذاً معتادة، منذ سنوات، على التهديدات العسكرية الصينية ولم تتسبب المناورات العسكرية حولها في إثارة قلق كبير بين سكان الجزيرة وتسير الأمور اليومية فيها بشكل طبيعي. لكنّ محللين قالوا لشبكة CNN الأمريكية إن بكين ترسل بهذه المناورات تحذيراً مصاغاً بدقة مفاده أن القوات الصينية قادرة على إخضاع الرئيس الجديد تشينغ-تي إذا أرادت.

فقد عرض تشينغ-تي مراراً إجراء محادثات مع الصين لكنها رفضت. ويقول الرئيس الجديد إن شعب تايوان وحده هو الذي يستطيع أن يقرر مستقبله، ويرفض مطالبات بكين بالسيادة على الجزيرة.

"تهدف مناورات السيف المشترك-2024أ إلى إعادة تنشيط رافعة الضغط العسكري للتأثير  على الإدارة التايوانية الجديدة وروايتها (بشأن الانفصال). فالضغط العسكري الظاهر والمستمر على الجزيرة سيساعد أيضا في تعميق الاستقطاب السياسي إن لم يكن الاستقطاب في النسيج الاجتماعي ذاته وزهو ما سيضعف الجزيرة داخليا"، بحسب ما قاله ليونيل فوتون، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ويبستر بجنيف للشبكة الأمريكية.

ولا شك أن اختيار اسم المناورات (السيف المشترك-2024أ) يشير إلى أن هذه التدريبات ليست إلا بداية سلسلة منها يبدو أنها مقررة لهذا العام.

الصين "تكشر عن أنيابها"

يرى محللون آخرون أن مناورات هذا العام تحمل رسائل أخرى ذات طابع عسكري وليس فقط طابعاً سياسياً. فتحركات خفر السواحل الصيني القريبة من وحول الجزر الواقعة على حدود تايوان يمثل جانباً لافتاً في مناورات هذا العام.

"إن تضييق خفر السواحل وقوات أخرى على المياه القريبة من تلك الجزر الساحلية أمر مستفز للغاية"، بحسب ما قاله كارل شوستر، مدير العمليات السابق في مركز الاستخبارات المشترك التابع لقيادة الباسيفيك الأمريكية، لشبكة CNN.

وتوقع شوستر استمرار هذه العمليات الصينية حتى تصبح "أمراً طبيعياً"، وهو ما يجعل بكين "قادرة في أي لحظة على تحويل تلك التدريبات/ المناورات إلى عملية عسكرية حقيقية".

الصين
الرئيس الصيني شي جين بينغ/رويترز

كريغ شيلتون، زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التابعة للكونغرس، استبعد أن تكون المناورات الصينية الحالية إشارة على قرب وقوع "الغزو"، لكنه حذر من أن "هذه المناورات تساهم في تمييع الخط الفاصل بين السلم والحرب، لدرجة أن التدريبات المستقبلية قد تستخدم كغطاء للغزو الحقيقي".

في هذه النقطة، قال مسؤول أمني تايواني كبير لرويترز إن عدة قاذفات قنابل صينية نفذت محاكاة لهجمات على سفن أجنبية بالقرب من الطرف الشرقي لقناة باشي، التي تفصل تايوان عن الفلبين، ونفذت تدريباً على كيفية فرض "السيطرة الكاملة" على مناطق واقعة إلى الغرب من أول سلسلة من الجزر.

وتشير أول سلسلة من الجزر إلى المنطقة التي تمتد من اليابان مروراً بتايوان والفلبين وبورنيو حتى سواحل الصين. وبحسب المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه بسبب حساسية الأمر، فإن عدة زوارق تابعة لخفر السواحل الصيني أجرت أيضاً تدريبات على عمليات وصفها بأنها "مضايقات" قبالة ساحل تايوان الشرقي تضمنت عمليات تفتيش وهمية لسفن مدنية.

وذكر خفر السواحل الصيني في بيان مقتضب الجمعة أنه أجرى "تدريبات على إنفاذ القانون" في المياه شرقي تايوان ركزت على سبل التحقق وتحديد الهوية والتحذير والإبعاد.

ما طبيعة الوضع السياسي في تايوان؟

على الرغم من أن الرئيس تشينغ-تي ينتمي للحزب الديمقراطي التقدمي، المطالب بالانفصال عن الصين والذي تكرهه بكين بطبيعة الحال، إلا أن حزب الكومينتانغ المعارض يسيطر مع حلفائه على البرلمان والمحليات في أغلب المقاطعات التايوانية.

الوضع السياسي في تايوان إذاً غير مستقر، وبدأت رئاسة تشينغ-تي بعاصفة سياسية، حيث يسعى البرلمان إلى تمرير تشريعات تحد من صلاحيات الرئيس وتوسع من صلاحيات المشرعين وقدرتهم على مراقبة الإدارة التنفيذية وسياساتها الداخلية والخارجية.

وبما أن الملف الأبرز في تايوان هو طبيعة العلاقة مع الصين، سيكون لاستمرار المناورات والضغوط العسكرية الصينية تأثيره المباشر على الأوضاع في الجزيرة، لكن يظل السؤال معلقاً بشأن اتجاهات هذا التأثير في الرأي العام، فهل يصب في صالح التيار المطالب بالانفصال عن بكين أم العكس؟

هل تخطط الصين للحرب؟

الرئيس الصيني أعلن صراحة في أكثر من مناسبة أنه يريد "حل المسألة التايوانية" أن يكون جزءاً من تراثه كرئيس، وأن إعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي سيتم "بالقوة إذا لزم الأمر". المحللون والتقارير الاستخباراتية الغربية تضع تواريخ تقريبية لهذا الحل العسكري، أقصاها عام 2027، بحسب تقرير للغارديان.

أحد المحاضرين الصينيين في جامعة الدفاع التابعة لجيش التحرير الشعبي، زانغ تشي، قال في تصريحات للإعلام الرسمي إن المواقع الشمالية من مناورات "السيف المشترك-2024أ" ترسل "تحذيراً" للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم في تايوان. وركز تشي على أن السيطرة على المناطق الشرقية تعني حرمان تايوان من صادرات الطاقة وخطوط الإمداد من أمريكا والحلفاء الآخرين، وتقطع أيضاً "طريق الهروب على قوات الاستقلال التايوانية".

على الرغم من أن زانغ لا يتحدث باسم جيش التحرير الشعبي، إلا أن تصريحاته ترسل رسالة مباشرة إلى الأطراف الدولية، وبخاصة واشنطن على الأرجح، مفادها أن الجيش الصيني يأخذ هذه المناورات "على محمل الجد تماماً" وطمأنة الداخل الصيني أيضاً على بكين تمتلك "القوة والسيطرة".

بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن / رويترز

افتتاحية صحيفة Global Times الصينية الناطقة باللغة الانجليزية، وهي تعتبر الناطق غير الرسمي باسم الحكومة الصينية، جاءت تحت عنوان "محاولة لاي (رئيس تايوان) السعي للاستقلال ستقابل حتما بهجوم مضاد". ورغم عدم ذكر أي نوايا صينية لهجوم عسكري صيني، إلا أن رسالة الصحيفة ركزت على أن "محاولات الرئيس الانفصالي الاستقواء بالخارج لن تفيده وربما "تستفز بكين" للتسريع بضم الجزيرة "بأي وسيلة مهما كانت التضحيات".

أسئلة كثيرة تطرحها كل هذه المعطيات، ربما يكون أبرزها بطبيعة الحال ماذا قد يكون رد الفعل الأمريكي إذا ما وقع المحظور وقررت الصين تحويل "المناورات" إلى هجوم عسكري على تايوان؟ الرئيس الأمريكي جو بايدن غارق تماماً في حملته الانتخابية من جهة وفي التعامل مع "صداع" الحليف الإسرائيلي الذي يشن حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، فهل سيفي بايدن بوعده "بالدفاع عن تايوان عسكرياً"؟!

"نعم، سندافع عن تايوان عسكرياً إذا هاجمتها الصين!"، كان هذا هو رد بايدن على سؤال خلال مؤتمر صحفي في اليابان يوم 24 مايو/أيار 2022!

تحميل المزيد