حصل "عربي بوست"، على معلومات من ملف التحقيقات في قضية "الشاهد السري" التي أثارت عاصفة من الجدل في تركيا، إثر تكشف بعض حقائقها بعد ليلة 15 مايو/أيار في أنقرة، التي تتحدث عن "محاولة انقلابية" جديدة في البلاد، ومرتبطة بالشرطة والقضاء، وبعصابات إجرامية.
قضية الشاهد السري في تركيا مرتبطة بالحديث عن "محاولة انقلابية" جديدة على السلطة، من خلال فضيحة متعلقة بالقبض على زعيم عصابة مافيا، والرجل الثاني فيها، الذي اتهم الشرطة بإجباره على أن يكون شاهداً سرياً، وعلى أن يزج بأسماء مسؤولين كبار في الحكومة حاليين وسابقين في إفاداته، متحدثاً عن أن الهدف من ذلك هو الإطاحة بالتحالف بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية.
قضية الشاهد السري في تركيا
في ساعة متأخرة من ليل الثلاثاء 14 مايو/أيار 2024، استدعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كلاً من رئيس جهاز الاستخبارات الوطني إبراهيم كالن، ووزير العدل يلماز تونتش؛ دون الإفصاح عن سبب الاستدعاء بهذا الوقت حينها.
في صباح اليوم التالي، الأربعاء 15 مايو/أيار، وأمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، تحدث أردوغان عن أشخاص "يحاولون تقويض روح يني كابي، من أجل سداد ديونهم لمنظمة فتح الله غولن"، أي الاجتماع الجماهيري في ميدان يني كابي عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016.
وقال: "نحن نعرف جيداً كل الدمى ومحركها، ومن كتب المسرحية كذلك"؛ مضيفاً أنهم "يتابعون جميع التفاصيل حول القضايا التي طرأت على الساحة مؤخراً، كبيرها وصغيرها"، ليبدأ الحديث في الإعلام التركي عن "محاولة انقلابية".
ما قصة ليلة 15 مايو في أنقرة؟
تحقيق في قضية زعيم مافيا "النمور" آيهان بورا كابلان، وإيقاف 3 رؤساء شرطة، وحديث عن رجل يدعى "سردار سيرتشيليك"، و"التخطيط لانقلاب جديد" على نسق ما حدث في 17/25 ديسمبر/كانون الثاني 2013، كل ذلك ملامح من ليلة 15 مايو/أيار في أنقرة، فما الذي حصل؟
بحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من ملف التحقيقات في القضية؛ فإن الأحداث تعود بداية إلى يوم 8 سبتمبر/أيلول 2023، حينما اشترى شخص يدعى "أيهان بورا كابلان" تذكرة سفر لخارج تركيا.
في طريقه إلى مطار أنقرة في حي "إيسينبوغا" شمالي العاصمة، أوقفته قوة من مديرية أمن أنقرة بقيادة نائب رئيس شرطة العاصمة مراد جيليك، الذي بدوره تم إيقافه عن العمل لاحقاً.
بثت عملية الاعتقال بعض وسائل الإعلام المحسوبة على تنظيم فتح الله غولن "المصنف إرهابياً في تركيا" التي تبث من ألمانيا؛ وخلالها وُضع بورا كابلان على الأرض مُكبل اليدين، وعثر معه على كميات كبيرة من الأموال تتجاوز 60 ألف دولار أمريكي، ليتضح بعدها أنه زعيم منظمة إجرامية محلية تركية تدعى "النمور".
الشاهد السري "في دبي"
بعد 28 يوماً من عملية الإيقاف، أعلنت مديرية أمن العاصمة التركية أن هناك شاهداً سرياً ظهر في القضية، ويدعى "سردار سيرتشيليك"، وتم إحضاره من قبرص التركية.
في نحو 19 صفحة، أدلى سيرتشيليك بإفادته كشاهد سري في أنقرة، ووافق مكتب المدعي العام على هذه الإفادة؛ كونه الرجل الثاني في منظمة "النمور" الإجرامية، وتم وضع أساور إلكترونية حول معصمه، مع منعه من السفر، بعد أمر قضائي بإطلاق سراحه "تحت المراقبة".
على الرغم من خضوع سردار سيرتشيليك للإقامة الجبرية في أنقرة، إلا أن سوار معصمه أثبت أنه خرج من منزله 9 مرات خلال فترة إقامته الجبرية، ورغم إطلاع الشرطة على تحركاته، وإمكانية اعتقاله من جديد، إلا أن ذلك لم يحدث.
خلال خروجه في إحدى هذه المرات، تحديداً في يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تم استهدافه بأربع رصاصات في ساقه، بينما كان يتجول برفقة صديقه في أحد مطاعم أنقرة.
وفقاً لادعائه الخاص، فإنه بعد يوم واحد من إطلاق النار عليه في أنقرة، ذهب من بودروم إلى جزيرة كوس اليونانية، لكن بحسب معلومات أمنية في القضية، فإن سردار تشيلك موجود في دبي، ويقوم بنشر مقاطع حول هذه القضية من المدينة الإماراتية.
محاولة توريط مسؤولين سابقين وحاليين بينهم وزراء
بعد هروبه، تم الكشف لأول مرة عن سردار سيرتشيليك، على أنه الشاهد السري، الأكثر أهمية في قضية زعيم المنظمة الإجرامية أيهان بورا كابلان.
قدّم الشاهد السري سيرتشيليك، الذي يحمل الاسم الرمزي "M7" في الملف، ادعاءات صادمة حول قسم مكافحة الجريمة المنظمة التابع لشرطة أنقرة، الذي أجرى معه التحقيق، وذلك بعد فراره إلى الخارج.
كما نشر سيرتشيليك، الذي ادعى أنه تعرض للتهديد، وأُجبر على أن يصبح شاهداً سرياً، التسجيلات الصوتية لمكالمته الهاتفية مع رئيس الشرطة شوكت دميرجان.
زعم سرتشيليك أنه جرت محاولة لإثبات مؤامرة ضده، وزعم أن الشرطة حاولت أن تدرج في الملف أسماء العديد من الأشخاص الذين شغلوا سابقاً منصب وزير في حزب العدالة والتنمية، وبعض البيروقراطيين الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية، سيذكر هذا التقرير أسماءهم في الأسفل.
كما ادعى سيرتشيليك أن فرق مكافحة الجريمة المنظمة كانت تحاول القيام بانقلاب من خلاله، عبر هذه العملية التي أطلقوا عليها اسم "عملية الأيدي النظيفة".
استجواب عناصر الشرطة طوال الليل
فتحت وزارة الداخلية تحقيقاً بناءً على تعليمات وزيرها على يرليكايا، وتم تكليف كبير المفتشين المدنيين للتحقيق في هذه الادعاءات.
في 8 مايو/أيار 2024، أخذ المحققون أقوال نائب رئيس شرطة أنقرة، مراد جيليك، المسؤول عن مكافحة الجريمة المنظمة، وكرم جوكاي أونر، رئيس فرع مكافحة الجرائم المنظمة، وشوكت دميرجان، نائب الرئيس.
بعد أخذ الإفادات طوال الليل، تم إيقاف المديرين الثلاثة عن العمل في 9 مايو/أيار، وتساءل كبير المفتشين المدنيين: "لماذا تمت محاولة إدراج أسماء سياسيين وبيروقراطيين لا علاقة لهم بالتحقيق في الملف، من خلال شهود سريين، وهل تم تلقي تعليمات من الجهات العليا للعملية؟ وكيف تم إدراج الأسماء التي تم ذكرها من قبل الشاهد السري؟ ومن شارك في هذه العملية غير ضباط الشرطة؟".
عقب انتهاء التحقيقات تم تفتيش منزل نائب رئيس شرطة أنقرة مراد جيليك، المسؤول عن مكافحة الجريمة المنظمة.
كان ممن تم إيقافهم عن العمل في نطاق التحقيق الذي بدأه مكتب المدعي العام الرئيسي في أنقرة؛ إلى جانب كيرم جوكاي أونر، رئيس فرع مكافحة الجريمة المنظمة، ونائب الرئيس شوكت دميرجان، والمفوض أوفوك غولتكين، الذي كان مسؤولاً عن الفرع المنظم، وسائق مراد جيليك.
وتم إجراء تفتيش منازلهم ومركباتهم الخاصة، ومصادرة بعض المواد الرقمية أثناء عمليات البحث التي أجرتها فرق فرع مكافحة الإرهاب في شرطة أنقرة.
"التمرد ضد الحكومة"
يتم التحقيق في القضية التي حملت عنوان "التمرد على حكومة الجمهورية التركية" بموجب حكم المادة 316، إضافة إلى "الاتفاق على الجريمة"، وفق المادة 258 من قانون العقوبات التركي، و"إفشاء الأسرار المتعلقة بالواجب"، في المادة 277 من قانون العقوبات التركي، و"محاولة التأثير على موظف قضائي أو خبير أو شاهد".
من خلال التحقيقات، تمت إضافة جريمتي "محاباة المجرم" بموجب المادة 283 و"انتهاك القوانين السرية" بموجب المادة 285، والمادة 316 من قانون العقوبات التركي؛ كما اتهم المشاركون في العملية "بتشكيل منظمة لارتكاب جرائم ضد أمن الدولة والنظام الدستوري في البلاد".
من أهداف هذه المحاولة، استهداف التحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية، بتوريط مسؤولين من الحركة، بقضية "الشاهد السري في تركيا"، لنزع الثقة بين الحليفين.
في الفيديو التالي، يقول نائب مدير الأمن، إن التحالف بين العدالة والتنمية والحركة القومية "سينهار".
موقف مدير شرطة أنقرة؟
بعد انتشار خبر العملية والمشاركين فيها، تتحدث وسائل إعلامية محلية، عن احتمالية إقالة قائد شرطة أنقرة إنجين دينتش، الذي أصبح رئيس شرطة العاصمة بالمرسوم الرسمي المنشور في 1 أغسطس/آب 2023، وشغل سابقاً منصب رئيس قسم المخابرات، ورئيس مديرية أمن شرطة ولاية إسكي شهير، وبعدها رئيس شرطة ولاية قونية.
اللافت أيضاً أن اسم إنجين دينتش يرد في العديد من الأحداث، مثل انفجار محطة قطار أنقرة، بينما كان يشغل منصب رئيس إدارة الاستخبارات في العاصمة.
كيف هرب الشاهد السري إلى خارج تركيا؟
بحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من التحقيقات؛ فيما يتعلق بهروب سيرتشيليك إلى الخارج، رغم السوار الإلكتروني على ساقه، أظهرت التحقيقات أنه تم اعتقال ميتيهان إلكياز مفوض فرع الجريمة المنظمة التابع لشرطة أنقرة، و3 مدنيين مرتبطين بعملية تهريب الشاهد السري إلى خارج تركيا.
بناءً على تعليمات من مكتب المدعي العام في أنقرة، تم الكشف عن قيام 3 مشتبهين، بتنسيق من إلكياز؛ بنقل سيرتشيليك من أنقرة إلى إسطنبول بالسيارة، ومن هناك نظموا هروبه إلى جزيرة كوس اليونانية عبر مدينة بودروم جنوبي تركيا، ثم إلى دبي في الإمارات.
مع وصول التحقيقات في هذه القضية إلى توقيف قيادات الشرطة المشاركين في عملية اعتقال آيهان بورا كابلان، واعتقال أربعة آخرين؛ تنتظر تركيا نتائج التقرير الذي أعده كبير المفتشين المدنيين في وزارة الداخلية التركية، حول الإجابات المتعلقة بالعملية.
خلال التحقيقات، كان السؤال الأهم الذي طرحه المفتشون: "من هو الشاهد السري؟ ومن الذي سُمح له بمقابلته أثناء وجوده في الحجز؟ وكيف تم إخلاء سبيله رغم خطورة تصريحاته؟ ومن سُمح له بلقائه بغرفة لا توجد بها كاميرات مراقبة؟".
من الأسئلة أيضاً بحسب معلومات ملف القضية التي حصل عليها "عربي بوست": "كيف يمكن للشاهد السري التجول بحرية وهو يرتدي سواراً إلكترونياً وليس من المفترض أن يغادر منزله؟ ولماذا لم يتم تنفيذ قرار النيابة العامة بالقبض عليه عقب تعرضه لهجوم ناري في أحد مطاعم أنقرة؟".
بالإضافة إلى: "هل تم إعداد تقرير طبي بعد في المستشفى؟ وكيف هرب إلى الخارج وهو تحت المراقبة بالمنزل بعد خروجه؟ ومن أو ما الذي ساعده على الهرب خارج تركيا؟ لماذا تمت مقابلة شاهد سري يخضع لبرنامج حماية الشهود؟".
في الفيديو التالي، تسجيل صوتي لنائب مدير أمن أنقرة، وهو يضغط على الشاهد، لقبول أن يكون شاهداً سرياً، ويقول له في نهاية المقطع: "إن لم تأتِ، سآتي إليك بنفسي، وأحضرك إلى تركيا، وإن لم أفعل ذلك فلن أكون رجلاً".
أسماء المسؤولين الكبار في القضية
اتصل الشاهد السري سردار سيرتشيليك بأحد الصحفيين الأتراك، وادعى أنه أصبح شاهداً سرياً تحت ضغط الشرطة من شرطة أنقرة، وأن الشرطة تلاعبت بإفادته.
كما ادعى سيرتشيليك أن الشرطة أجبرته على الإدلاء بشهادته بشأن وزراء العدل السابقين بكر بوزداغ، وعبد الحميد غول، ووزير الصحة فخر الدين كوكا، وسليمان صويلو، والسكرتير الخاص لأردوغان حسن دوغان، وأحد مستشاريه مجاهد أصلان، وابن عم سليمان صويلو، صادق صويلو.
نشر سيرتشيليك لاحقاً تسجيلاً صوتياً بينه وبين شوكت دميرجان، نائب مدير فرع الجريمة المنظمة بقسم شرطة أنقرة، الذي أجرى التحقيق مع كابلان، وفي التسجيل الصوتي، الذي تم قطع بعض أجزاء منه، قال سردار سيرتشيليك: "هناك مجاهد أصلان على الجانب الآخر، وعلى هذا الجانب، هناك بكير بوزداغ (وزير العدل)".
في وقت لاحق، ادعى سردار سيرتشيليك، عبر قناته على موقع "يوتيوب"، أن "قسم شرطة أنقرة حاول الانقلاب على حزب العدالة والتنمية". وشوهد سيرتشيليك وهو يقرأ نصاً أمامه أثناء خطابه.
بيان الداخلية التركية
أصدر وزير الداخلية التركي علي يرليكايا، بياناً مكتوباً، نشره عبر حسابه على منصة "إكس"، قال فيه: "من يتحد مع المنظمات الإرهابية وامتداداتها، ومنظمات الجريمة المنظمة، ويحاول تنفيذ لعبة ضد رئيسنا وحكومتنا وسياسيينا، باستخدام تكتيكات منظمة غولن الإرهابية، المدعومة بوسائل التواصل الاجتماعي؛ فسوف ندمر ألعابهم، والفخاخ التي نصبوها".
تحدث الوزير التركي عن قضية "الشاهد السري"، وقال: "لمن يريد أن يسود نظامه المظلم من خلال تكتيكات الشاهد السري، فإننا ندمر نظامهم، وسنستمر في تدميره"، مضيفاً: "إذا كان هناك هيكل داخل أي مؤسسة يستهدف رئيسنا وحكومتنا وسياسيينا، فسوف نصل إلى النهاية، ونحدد تلك الهياكل ونقدمها إلى العدالة".
بهجلي يحذر من الانقلاب
سبقت كل هذه التطورات تصريحات رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، أمام الكتلة النيابية لحزبه، بمجلس الأمة التركي، التي قال فيها: "إن هناك محاولة انقلاب جديدة تشبه محاولة 15 يوليو/تموز عام 2016، وإن هناك من يسعى لتقويض تحالف الشعب -تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية- ويسعى لتفكيكه".
حذّر رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهجلي، ممّا أسماها العصابات المعششة ضمن جهازي الشرطة والقضاء، الساعية إلى استهداف تركيا، قائلاً: "في أيامنا هذه، يبدو أن العصابات الخسيسة والمتخفية داخل الشرطة والقضاء، تخطط مرة أخرى ضد تركيا"، مؤكداً: "لن نسمح بتكرار حصول محاولة انقلاب بين الشرطة والقضاء كالتي وقعت في 17 و25 ديسمبر/كانون الأول عام 2013".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.