إسرائيل خسرت الحرب على غزة بالفعل بسبب 5 "قادة" يرأسهم بنيامين نتنياهو في مجلس الحرب، بحسب جنرال سابق في جيش الاحتلال، فكيف حدث ذلك؟ وإلى أين تتجه الأمور؟
في مقال نشرته صحيفة معاريف، رصد الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي، إسحاق بريك، الموقف في الدولة العبرية بعد 222 يوماً من الحرب على غزة، واصفاً إياه بأن "الأسوأ لم يأتِ بعد".
إسرائيل "خسرت" الحرب على غزة
يُحمل بريك مسؤولية "الفشل غير المسبوق" يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لخمسة مسؤولين هم: بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة، ويوآف غالانت وزير الدفاع، وبيني غانتس، وغادي آيزنكوت، وهم يمثلون "مجلس الحرب"، ومعهم هيرتسي هاليفي رئيس أركان جيش الاحتلال، "الذي تصطف روحه ومواقفه مع أعضاء مجلس الحرب حتى لو لم يجلس معهم إلا عندما تتم دعوته لحضور بعض الاجتماعات.
المجموعة نفسها، المسؤولة عما وصفه بريك بالفشل، إشارة إلى عملية طوفان الأقصى العسكرية، هي أيضاً من تدير الحرب على غزة وبالتالي "تتحمل المسؤولية كاملة عن الهزيمة أمام حماس (حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية)، والمصيبة الأكبر حتى من هذا كله هو أن الأسوأ لم يأتِ بعد".
يسترسل الجنرال السابق في رصد القرارات الخاطئة التي اتخذها "قادة الحرب" وأدت إلى إلحاق الهزيمة بإسرائيل، منطلقاً من القرار الأخير بتوسيع "العمليات العسكرية في رفح"، على الرغم من أن قراراتهم السابقة قد أدت إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف من القوات الإسرائيلية حتى يجتاح الجيش 80% من قطاع غزة باستثناء رفح.
كان جيش الاحتلال قد أعلن قبل أشهر عن انتهاء المرحلتين الأولى والثانية من حربه على شمال ووسط القطاع الفلسطيني المكتظ بأكثر من 2.3 مليون نسمة، والانتقال إلى "المرحلة الثالثة"، وسحب غالبية الفرق العاملة في القطاع. لكن فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها حماس، عادت للسيطرة مرة أخرى على 90% من أراضي القطاع بعد أكثر من 7 أشهر من الحرب.
وصف بريك الموقف بقوله إن "الغارات والاجتياحات الإسرائيلية على المناطق التي تم اجتياحها من قبل في غزة لن تؤدي إلى انهيار حماس؛ لكنها ستزيد من عدد قتلى وجرحى الجيش بصورة أكثر سوءاً مما حدث حتى الآن".
كانت الأيام القليلة الماضية قد شهدت تكبد جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة في شتى مناطق القطاع، شمالاً ووسطاً وجنوباً، بينما عاد إطلاق الصواريخ صوب المدن والبلدات في العمق الإسرائيلي وعلى مستوطنات غلاف غزة، فيما وصفته وسائل الإعلام العبرية بأنه "عودة إلى المربع صفر".
إذ اشتد القتال في أنحاء قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية، بما في ذلك الشمال، مع عودة جيش الاحتلال الإسرائيلي للمناطق التي زعم أنه قضى فيها على وجود حماس قبل أشهر. وقال سكان لرويترز إن الاشتباكات التي وقعت الثلاثاء 14 مايو/أيار كانت الأعنف منذ أشهر.
كما استمرت معارك ضارية في مخيم جباليا، وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري أن 13 جندياً إسرائيلياً أصيبوا الثلاثاء، أربعة منهم في حالة خطيرة. بينما أعلنت فصائل المقاومة عن تدمير 21 آلية إسرائيلية خلال 24 ساعة.
تدهور العلاقات مع مصر
ما وصفه بريك في مقاله بأنه "هزيمة أمام حماس" أضاف إليه "تهديدات من جانب مصر"، على خلفية التوتر الذي تشهده العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، زتوقف الجنرال الإسرائيلي السابق عند "التهديدات التي يرددها إعلاميون وباحثون محسوبون على النظام المصري والمطالبات بتعليق أو إلغاء اتفاقية السلام"، وكيف أن الخارجية المصرية قد حمَّلت في بيان رسمي تل أبيب المسؤولية المباشرة عن إلحاق الضرر بالمدنيين في غزة وتدمير البنية التحتية".
"إلغاء اتفاقية السلام مع مصر كارثة أمنية لدولة إسرائيل بكل ما تحمله الكلمة من معان، ففي مثل هذا الموقف لن يكون لدينا سوى التضرع إلى الله، والأمر كله الآن بين أيدي مجموعة من الحمقى يديرون الحرب من خلال مجلس الحرب المصغر"، في إشارة إلى القادة الخمسة الذين يُحمّلهم بريك المسؤولية عن الكارثة التي حاقت بإسرائيل، ويصفها بأنها "لا سابقة لها منذ تأسيس الدولة قبل 76 عاماً".
التوتر مع مصر يحظى بتغطية مكثفة في الإعلام العبري، إذ نشرت صحيفة Israelhayom تقريراً عنوانه "حشر إسرائيل في الزاوية: التهديد المصري"، يلقي الضوء على تبعات هذا الخلاف العلني بين القاهرة وتل أبيب، والذي خرج من الغرف المغلقة إلى العلن في أعقاب نكوص نتنياهو ومجلس الحرب عن إتمام مقترح الهدنة وتبادل الأسرى ومن ثم إعادة الأمور إلى المربع الأول.
تقرير الصحيفة العبرية يرصد 3 أسباب "لنفاد صبر مصر من الموقف الإسرائيلي"؛ الأول هو أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر تؤثر بشكل سلبي للغاية على دخل مصر من قناة السويس، وأعلنت الجماعة اليمنية أنها لن توقف تلك الهجمات ما لم تتوقف الحرب على غزة.
إلى أين تتجه الأمور؟
أما السبب الثاني فهو أن أي عمليات عسكرية في رفح، حيث يوجد أكثر من 1.4 مليون نازح فلسطيني من القطاع، سيؤدي على الأرجح إلى تدفق الكثيرين منهم إلى الأراضي المصرية في سيناء، وهو ما أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رفضه منذ بداية الحرب.
والسبب الثالث، بحسب تقرير صحيفة إسرائيل هيوم، هو أن استمرار الحرب واجتياح رفح سيقضي عملياً على أي نافذة ضيقة قد تكون لا تزال متاحة حالياً للتوصل إلى هدنة توقف الحرب، وهو ما يعني أن تنتهي جهود الوساطة وتفقد مصر ورقة ضغط هامة ينتج عنها تدفق المساعدات والقروض من المؤسسات الدولية والحلفاء لإنقاذ الاقتصاد المصري المترنح بشدة.
أما على المستوى الرسمي، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس قال الثلاثاء إن مهمة "منع حدوث أزمة إنسانية في قطاع غزة تقع الآن على عاتق أصدقائنا المصريين". وأضاف أنه يتعين "إقناع مصر بإعادة فتح معبر رفح".
لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري رد بغضب على تصريحات كاتس بالقول في بيان إن سيطرة إسرائيل على معبر رفح وعملياتها العسكرية في المنطقة هي العائق الرئيسي أمام إدخال المساعدات.
جيش الاحتلال يواجه الكارثة!
كانت صحيفة معاريف قد نشرت مطلع الأسبوع مقالاً للجنرال بريك رصد فيه "تصاعد الإحباط بين القوات في غزة: إذا لم نتحرك – سينتهي بنا الحال برفض الخدمة".
ونشر بريك عدداً من رسائل لأمهات جنود وضباط في جيش الاحتلال يتحدثون عن خشيتهم من أن غياب القرار السياسي وعدم اتخاذ القرار بشأن اليوم التالي للحرب يؤدي إلى وفاة جنود لا لزوم لها، "فقط بسبب المماطلة لأسباب سياسية".
ويرى كثير من الجنرالات وكبار الضباط السابقين في جيش الاحتلال أن السبب الرئيسي للفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة يرجع إلى تخبط المستوى السياسي وعدم واقعية الأهداف الموضوعة للحرب من الأساس.
كما يرى هؤلاء، ومنهم إسحاق بريك، أن التأخير في إعلان وقف الحرب من خلال الموافقة على صفقة لتبادل الأسرى، سيجعل الأمور الصعبة جداً الآن أكثر صعوبة في المستقبل: "إذا لم نعلن وقف إطلاق النار الآن، فليس لدينا أي ضمانة بأن حماس وحزب الله سيكونان مستعدين لوقف القتال خلال بضعة أشهر، حتى لو كانت إسرائيل مستعدة لإنهائها. سيفهمون أن حرب الاستنزاف ضدنا تعمل لصالحهم، وفي وقت قصير ستنهار دولة إسرائيل على نفسها".
في السياق ذاته، كانت صحيفة هآرتس قد نشرت تحليلاً شاملاً يلقي الضوء على "الصورة القاتمة" التي تواجهها دولة الاحتلال داخلياً وإقليمياً وخارجياً. رصد التحليل كيف ترى قيادات الجيش أن عودة الحرب إلى المربع صفر بعد ما يقرب من 8 أشهر، أي إرسال المزيد من القوات والدبابات إلى مناطق تم الإعلان عن السيطرة عليها بالفعل، سببه الرئيسي هو غياب "القرار السياسي" بشأن اليوم التالي للحرب.
على الجانب الآخر، يتهم المستوى السياسي، وبخاصة نتنياهو وحلفاؤه اليمينيون المتطرفون، أو "أسياده" بحسب صحيفة Haaretz في مقال لها بعنوان "على طريق التطهير العرقي"، الجيش بالفشل في تنفيذ مهامه القتالية في غزة.
فخلال الأيام الماضية، ألمح ضباط كبار إلى أنه لو لم يرفض نتنياهو أصر على عدم إجراء أي نقاشات مع الأمريكيين بشأن إيجاد بدائل لحكم حماس في غزة، ربما لم يكن الجيش بحاجة للعودة للقتال في الشمال والوسط.
لكن اليمين المتطرف استشاط غضباً وقال إن مجلس الوزراء أمر الجيش بالقضاء على حكم حماس في غزة، ولو كان الجيش ليس "قادراً على أداء مهامه، يكون الوقت قد حان لإقالة رئيس الأركان هيرتسي هاليفي".
المدافعين عن موقف الجيش، من جانبهم، يرون أن عناد نتنياهو ورفضه أي نقاشات بشأن إيجاد بدائل لحكم حماس "يعرض إنجازات الجيش للخطر"، بحسب تحليل هآرتس. هناك بطبيعة الحال وجهة نظر أخرى لمراقبين ومحللين يرون أن الحديث عن إيجاد بدائل لحكم حماس "غير واقعي"، في ظل الفشل الإسرائيلي في الاقتراب من هدف القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية.
مسؤولية نتنياهو ومجلس الحرب
يلخص بريك المشهد الآن بقوله: "كيف يمكن لهذه المجموعة المسؤولة عن أكبر فشل وكارثة منذ قيام الدولة أن تدير لنا حكومة الحرب؟ ليس هناك سخافة أكبر من هذه في تاريخ دولة إسرائيل. في أي مكان آخر، كانوا سيواجهون المحاكمة بتهمة الإهمال الجنائي.
فهل هذه هي الأمة التي لم تنضج بعد 75 عاماً لإدارة وطنها، أمة تسمح لمثل هؤلاء "الكباتن" (نتنياهو وغالانت وغانتس وآينزكوت وهاليفي) بمواصلة إدارة حياتها وحروبها؟ لقد أصبحنا جمهورية موز بكل معنى الكلمة".
فوضع الجيش الإسرائيلي اليوم هو أنه لا يملك القدرة على هزيمة حماس حتى لو طال أمد الحرب. والأكثر من ذلك أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على إبعاد حزب الله عن ما وراء نهر الليطاني والسماح بعودة مئة ألف مستوطن إسرائيلي إلى منازلهم في الجليل الشمالي. لن يكون هناك أي فائدة من استمرار القتال داخل قطاع غزة، وسنعاني من أضرار جسيمة للغاية على الوطن والمواطنين. استمرار القتال يعني أن جيش الاحتياط سينهار خلال فترة قصيرة ومعه الجيش بأكمله، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، والمجتمع الممزق من الداخل، يقول الجنرال السابق.
"وبما أننا لن نحقق هدف تدمير حماس، وربما نفقد في وقت قصير حياة بقية المختطفين، فليس هناك سوى طريقة واحدة للخروج من المأزق – أن تعلن إسرائيل وقف الأعمال العدائية لفترة زمنية للسماح بعودة مختطفينا ومهجرينا إلى منازلهم. ومن المهم بنفس القدر استعادة الجيش والاقتصاد والمجتمع والعلاقات الدولية وإعداد الجيش لحرب إقليمية متعددة الساحات لسنا مستعدين لها على الإطلاق." ويختتم "الجنرال الغاضب" كما يطلقون عليه في إسرائيل بقوله إنه "لا يزال من الممكن إعلان وقف الأعمال العدائية".