تصاعد حملة مقاطعة شراء الأسماك في مصر.. من يتحمل مسؤولية ارتفاع أسعارها، الصيادون والتجار أم الحكومة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/05/01 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/05/01 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
من بين أسباب ارتفاع الأسماك بمصر التصدير إلى الخارج بكميات أكبر/ رويترز

لم يتوقف الجدل في مصر خلال الأيام الماضية حول ارتفاع أسعار الأسماك بمصر، الأمر الذي دفع إلى إطلاق مبادرات شعبية لمقاطعة شرائها، الأمر الذي يثير تساؤلات عن أسباب ارتفاع سعرها وقلة وفرتها هذا العام 2024.

يقدم "عربي بوست"، في هذا التقرير، رصداً لأهم المشكلات البيئية والإدارية التي تسبب أزمة شح الأسماك في سواحل البحر الأحمر، وأسباب ارتفاع الأسماك بمصر.

ارتفاع أسعار الأسماك بمصر

يتراوح متوسط سعر الأسماك في مصر عام 2024، ما بين 100 و200 جنيه مصري للكيلوغرام الواحد.

أما متوسط سعر الأسماك عام 2023، فقد تراوح ما بين 50 و100 جنيه للكيلوغرام الواحد.

وتأتي الأزمة هذه على الرغم من أن نسبة الاكتفاء الذاتي من الأسماك في مصر بلغت 88% في عام 2023. 

ومن المتوقع أن يصل حجم إنتاج الأسماك في مصر إلى 3 ملايين طنّ خلال عام 2030، وفقاً لتصريحات حكومية.

تصاعد حملة مقاطعة الأسماك في مصر "خلّيها تعفن"

ما زالت حملات المقاطعة التي حملت عنوان "خليها تعفن"، مستمرة للأسبوع الثاني على التوالي.

تمددت الحملة، بحسب مراسل "عربي بوست"، إلى أكثر من 15 محافظة مصرية، مسفرة عن "نتائج إيجابية حتى الآن؛ إذ تسببت لتجار الأسماك في محافظات الإسكندرية وبورسعيد ودمياط والإسماعيلية والشرقية وبني سويف والسويس والغربية بخسائر كبيرة، وفق تأكيدهم".

وقال بعضهم لـ"عربي بوست"، إن "الحملة أفضت إلى خلو العديد من أسواق السمك من عملائها وروادها، كما أن الأسماك تعرضت للتلف فعلاً، لعدم وجود من يشتريها".

لم تصدر إحصائيات حكومية أو غيرها، متعلقة بهذه الحملة، كما لم تعلق السلطات عليها حتى الآن.

ورصدت مواقع محلية تخفيضات كبيرة في أسعار الأسماك في العديد من أسواق السمك، إلى جانب إغلاق عدد من متاجر الأسماك بسبب الحملة الشعبية، إلا أن العديد من التجار تحدثوا عن أسباب إدارية وبيئية وراء ارتفاع أسعار الأسماك، وأنهم لا يتحملون مسؤولية هذا الارتفاع.

من بين أسباب ارتفاع الأسماك بمصر الصيد الجائر/ رويترز
من بين أسباب ارتفاع الأسماك بمصر الصيد الجائر/ رويترز

أسباب ارتفاع الأسماك بمصر.. بينها تصدير الأسماك إلى الخارج

أشار مصدر مطلع بشعبة الأسماك التابعة للغرفة التجارية في القاهرة، في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى هناك جملة من الأزمات التي تسببت في مشاكل تراجع المعروض من الأسماك هذا العام، في مقدمتها توجه الحكومة نحو التصدير إلى الخارج.

وقال إن تصدير الأسماك إلى الخارج بلغ في عام 2024، نحو 200 طن تقريباً، في حين لم يتجاوز خلال العامين الماضيين حاجز الـ50 ألف طن.

عن سبب ذلك، قال إن الحكومة تريد تحقيق أقصى استفادة من العملة الصعبة التي تواجه هي الأخرى أزمة في شحها. 

وأفاد بأن غالبية إنتاج مزارع الأسماك اتجهت إلى الخارج، دون أن تدخل إلى السوق المحلي هذا العام 2024، بالتالي فإن الاعتماد كان بالأساس على أسماك البحرين المتوسط والأحمر.

لكن مع المشكلة التي طرأت في البحر الأحمر أخيراً، بما يتعلق بتداعيات الصيد الجائر، جرى الاعتماد بشكل كلي على أسماك البحيرات وأسماك البحر المتوسط، وتسبب ذلك في ارتفاع الأسعار، بحسب المصدر.

وشدد على أن السفن التي كانت تقوم بعمليات صيد في مناطق بالبحر الأحمر قريبة من باب المندب عند الحدود اليمنية والصومالية، لم تقم برحلاتها منذ بداية العام الجاري 2024، بسبب الأوضاع المضطربة في تلك المنطقة.

وأكد أن ذلك أثر أيضاً على كميات الأسماك الموجودة بالأسواق المصرية. 

يذكر أنه بحسب إحصاءات حكومية في عام 2021، بلغ حجم التصدير إلى الخارج في عام 2023، إلى 29 ألف طن، في حين بلغت كمية الأسماك المستوردة نحو 373 ألف طن.

أسباب إدارية

بحسب المصدر بشعبة الأسماك التابعة للغرفة التجارية في القاهرة، فإن العديد من الصيادين لم يحصلوا هذا العام على تصاريح صيد من البحر المتوسط، لأسباب تتعلق أيضاً بوجود شكاوى من دول أوروبية للحكومة المصرية بشأن قيام مراكب صيد بتهريب مهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا. 

واستجابت القاهرة لتلك المطالب خلال الثلاثة أشهر الماضية.

وذكر أن العديد من الصيادين تركوا المهنة خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد أن قررت الحكومة المصرية زيادة أسعار السولار مرتين متتاليتين في منتصف العام الماضي، وقبل شهر ونصف تقريباً (مارس/آذار 2024)، إذ إن تكاليف عملية الصيد تضاعفت، وبدت هناك قناعة بالتوجه العام نحو الاعتماد على أسماك المزارع. 

ونشب العديد من المشكلات بين التجار والصيادين بسبب الأسعار، إذ إن ارتفاعها تسبب في حركة ركود لدى أسواق الأسماك الرئيسية الكبيرة في الإسكندرية وبورسعيد والسويس والإسماعيلية، بحسب المصدر.

ارتفاع أسعار الأسماك بمصر بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي/ رويترز
ارتفاع أسعار الأسماك بمصر بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي/ رويترز

أسباب بيئية

قررت محافظة البحر الأحمر في مصر، حظر الصيد، ومنع تداول أسماك البحر الأحمر في المطاعم والمحلات التجارية، بداية من الأول من شهر مايو/أيار 2024، ولمدة شهرين ونصف الشهر.

علّلت السلطات سبب هذا القرار، كإجراء منها "لمواجهة اختلال النظام البيئي ونقص المخزون السمكي، وتنفيذاً لتوصيات المستشار البيئي لمحافظ البحر الأحمر، بالحد من فرص هجمات أسماك القرش".

أضافت إلى ذلك "الحفاظ على موارد البحر الأحمر الفريدة، كإحدى ركائز الأمن القومي والصالح العام، ووقف ممارسات الصيد الجائر".

حمل القرار الذى أصدره اللواء عمرو حنفي، محافظ البحر الأحمر، إيقاف عمل مراكب الجر، والشانشولا، لمدة 5 سنوات، على أن يقتصر عملها شمالاً في منطقة خليج السويس. 

تضمن القرار إيقاف الصيد الترفيهي بكافة أنواعه، ومسابقات الصيد، سواء كانت باستخدام مراكب النزهة أو اليخوت الخاصة، أو الركوبة بالأجرة، بدءاً من 1 مايو/أيار 2024 ولمدة 5 سنوات، على أن تقتصر هذه الأنشطة على منطقة خليج السويس.

قرارات إدارية "لا تنفّذ"

وفقاً لقرار جهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، الذي يصدره محافظ البحر الأحمر في كل عام، يتوقف صيد الأسماك بخليج السويس في 15 مايو/أيار، ويستمر حتى 15 سبتمبر/أيلول من كل عام.

دائما ما يحذر مسؤولو هيئة الثروة السمكية الصيادين المخالفين بإيقاف ترخيص أي مركب صيد يتم ضبطه لمدة شهرين، ومصادرة معدات الصيد، وفي حالة تكرار المخالفة إيقاف 6 أشهر، والإحالة للنيابة، غير أن غالبية القرارات تبقى حبراً على ورق.

لكن محمد جاد، وهو أحد الصيادين، اشتكى في حديثه لـ"عربي بوست"، من "عدم محاسبة المخالفين وتطبيق القرار"، الذي شدد على أهميته. 

وشدد على أن "الأسماك شحيحة بالأساس"، مطالباً بأن "الصيادين الذين يقومون بعملية الصيد أثناء فترة التوقف والمخصصة للراحة البيولوجية للأسماك يجب محاسبتهم".

عبر جاد عن استيائه لما يحصل، وعن نفسه قال إنه قرر وقف عملية الصيد منذ بداية شهر أبريل/نيسان، وربط مركبه بالميناء دون عمل، لأنه يعرف تداعيات عدم القيام بذلك على البيئة السمكية، وأن الصيادين أكثر من يدفعون ثمن الرعي الجائر.

وقال: "لكن للأسف لا رقابة على البحار، ما تسبب في خسارة آلاف الأسماك هذا الموسم".

ارتفاع كلفة رحلة الصيد

عن كلفة رحلة الصيد، قال جاد إنها شهدت ارتفاعاً كبيراً، لا سيما مع ارتفاع أسعار السولار، ليوضح أن الرحلة تحتاج إلى أكثر من 100 ألف جنيه، ثمن شراء براميل سولار تكفي لمدة 12 يوماً، إلى جانب ارتفاع تكاليف أجرة العمال على المركب، وصيانته.

أشار كذلك إلى ارتفاع أسعار الثلج المستخدم في حفظ الأسماك أثناء رحلة الصيد، ما يتطلب صيد كميات هائلة من الأسماك بأنواع مختلفة لتعويض هذه التكاليف، شريطة بيعها للتجار بسعر مرتفع أيضاً، ما تسبب بمشاكل ارتفاع أسعار الأسماك، وشحها.

حملة مقاطعة الأسماك في مصر
حملة مقاطعة الأسماك في مصر "خليها تعفن" أثرت على التجار/ رويترز

الصيد الجائر.. وشح الأسماك

يؤكد عادل عبدالرحمن، وهو أحد الصيادين في محافظة السويس المطلة على ساحل البحر الأحمر، لـ"عربي بوست"، أن الإجراءات التي اتخذتها محافظة البحر الأحمر بمثابة "خراب بيوت للصيادين"، الذين سيكون عليهم البحث عن مهنة أخرى يعملون بها، وفق ما أكده.

وأشار إلى أن مراكب الصيد عانت خلال شهر نيسان/أبريل 2024، من مشكلات عدم وجود أسماك في البحار، في كثير من المرات، ليتعرضوا إلى خسائر فادحة، لأن تكاليف رحلة الصيد تفوق ما يحققه الصيادون من أرباح في حال وجدوا الأسماك، وقاموا ببيعها للتجار.

وأوضح أن أزمة شح الأسماك هذا العام ترجع إلى أسباب عدة، بينها عدم وجود رقابة على الشواطئ والبحار، إذ يستمر الصيد الجائر في أوقات معروفة بأنها غير مخصصة للصيد حفاظاً على البيئة البحرية وتفريخ الأسماك.

وقال: "تفضّل أمهات الأسماك الحاملة للبيض الأماكن الهادئة في الشٌعب والجزر، ولا تصل إليها الشباك بسهولة، ولكن مع غياب الرقابة، شهدت الفترة ما بين منتصف مايو وحتى نهاية أغسطس من العام الماضي 2023، عمليات صيد عديدة، في ظل رغبة الصيادين تعويض خسائرهم، جراء الارتفاعات المستمرة في تكاليف رحلات الصيد".

وكشف أن النتيجة ظهرت بوضوح في الموسم الحالي، إذ إن البحر لم يكن به صيد طبيعي منذ منتصف مارس/آذار 2024، وتفاقمت الأزمة مع بداية أبريل/نيسان 2024، وعقب نهاية عيد الفطر الذي يشهد إقبالاً من المواطنين على شراء الأسماك.

يضاف ذلك -بحسب عبد الرحمن- إلى مشكلات عديدة بين التجار والصيادين بسبب توزيع الأسماك، وعدم حصول البائعين على احتياجاتهم اليومية.

في حين أن رحلات الصيد التي قد تستغرق ما يقرب من أسبوعين، كانت تأتي محملة بكميات قليلة، وقد تكون حصيلة 12 يوماً هي ما كان يحصده الصياد في يوم واحد، بالتالي تسبب ذلك في شح الأسماك بغالبية أسواق البحر الأحمر، وارتفاع أسعارها بصورة كبيرة، وصلت إلى زيادة بلغت 70% عن سعرها قبل شهر ونصف تقريباً، وفق قوله.

وأكد أن ارتفاع أسعار الأسماك في المحافظات والمدن المطلة على البحر الأحمر مثل السويس والغردقة وجنوب سيناء، وقلة تواجده في الأسواق، تسبب في إغلاق عدد كبير من التجار محالهم؛ ما ساهم في ارتفاع أسعار الأسماك بالمحافظات الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط مثل الإسكندرية وبورسعيد ومرسى مطروح والإسماعيلية.

إذ جرت عمليات نقل الأسماك إلى محافظات السويس ومدينة الغردقة، ما أحدث حالة من الغضب بين المواطنين في المحافظات المطلة على البحر المتوسط، الذين اعتادوا على شراء الأسماك بأسعار زهيدة طوال العام، خاصة أنهم يعتمدون على الأسماك كوجبات غذائية رئيسية.

مهاجمة القرش للسائحين

ووصل مستوى التضخم في بند الأسماك والمأكولات البحرية إلى نحو 180%، خلال العامين الماضيين، بحسب بيانات التضخم الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وبلغ حجم الإنتاج السمكي مليوني طن، في 2021، بحسب الجهاز ذاته، وتشكل المزارع السمكية المصدر الرئيسي للأسماك بنسبة 78% من إجمالي ما يتناوله المصريون، تليها البحيرات بنسبة 12%، وإنتاج البحرين الأحمر والأبيض بنسبة أقل من 5%.

وقال مسؤول بوزارة البيئة، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن بيئة البحر الأحمر تعاني في السنوات الأخيرة من تغيرات عدة، لعل أبرزها مسألة شح الأسماك، التي تدفع لانتشار ظاهرة مهاجمة أسماك القرش للسائحين.

مع تزايد حجم المنتجعات السياحية، وعدم الاهتمام بتنفيذ عمليات غوص تتماشى مع الطبيعة البيئية للمنطقة، إلى جانب انتشار ما يسمى بالصيد الترفيهي، وغياب الرقابة على عملية الصيد، أدى كل ذلك لتراجع حجم الثروة السمكية بشكل كبير وملفت.

علق المصدر كذلك على القرارات الأخيرة التي شملت حظر الصيد لمدد طويلة لأول مرة، بأنها تهدف إلى إعادة تأهيل المخزون السمكي في البحر الأحمر.

لكنه كشف عن أن "هناك هدفاً رئيسياً آخر لا يتحدث عنه أحد، يتعلق بتوصيات غرف السياحة ووزارة السياحة بشأن التعامل مع مسألة ظهور أسماك القرش على الشواطئ، التي تعد مهدداً رئيسياً للصورة الذهنية لدى السائحين عن منتجعات البحر الأحمر، التي تجذب النسبة الأكبر من السياح".

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

تحميل المزيد