كشفت مصادر مقربة من رجل الدين الشيعي والسياسي العراقي مقتدى الصدر، لـ"عربي بوست"، عن أن عودته للمشهد السياسي العراقي "باتت قريبة جداً"، وأنه حصل على "مباركة" لهذه الخطوة من المرجع الشيعي الأكبر في العراق علي السيستاني.
وأكدت أن "عودة الصدر للحياة السياسية قرار حُسم أمره منه شخصياً، إذ قرر العودة عن اعتزاله السياسة، الذي أعلن عنه في أغسطس/آب 2023".
أما عن موعد العودة، فأوضحت أنه سيكون مرتبطاً بخوض الانتخابات البرلمانية القادمة في العام المقبل، أو إذا تم إجراؤها مبكراً.
زيارة الصدر للسيستاني
التقى مقتدى الصدر علي السيستاني في منزله بمدينة النجف، في بداية الشهر الجاري أبريل/نيسان 2024، ولم تصدر عنه أي تصريحات أو بيانات من الطرفين عن محتوى اللقاء بين الرجلين.
لكن مصدراً مقرباً من مقتدى الصدر، قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن "الصدر كان يريد مباركة السيستاني له للعودة إلى الحياة السياسية، لذلك ذهب لمقابلته للحصول على موافقته، وقد كان له ذلك".
بعد أيام قليلة من زيارة مقتدى الصدر للسيستاني، تناول أنصار الصدر على منصة "إكس"، الشعار الجديد للتيار الصدري باسم "التيار الوطني الشيعي"، الذي زاد من التكهنات حول عودة محتملة لمقتدى الصدر للسياسة.
كان الصدر الفائز الأكبر في الانتخابات البرلمانية لعام 2021؛ إذ حصد التيار الصدري 73 مقعداً من أصل 329 مقعداً في مجلس النواب العراقي، ليصبح الكتلة البرلمانية الأكبر التي يحق لها تشكيل الحكومة، لكنه أمر لاحقاً نوابه بالاستقالة من البرلمان، بعد فشله في تشكيل حكومة أغلبية وطنية.
بعد شهر من مظاهرات أنصاره في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، التي وصلت إلى حد الاشتباكات مع أنصار الإطار التنسيقي الشيعي المنافس لمقتدى الصدر، أعلن الصدر في نهاية شهر أغسطس/آب 2023، اعتزاله الحياة السياسية، وكان قد أعلن اعتزاله في مرات كثيرة سابقة.
ما سبب عودة الصدر للسياسة؟
أفاد قيادي في التيار الصدري لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، بأن "الصدر لم ينسحب بشكل نهائي من المشهد السياسي، مفضلاً الابتعاد، وعندما رأى أنه من الممكن تنفيذ الإجراءات التي غاب بسببها، قرر العودة".
فيما يتعلق بموعد عودة مقتدى الصدر بالتحديد، قال المتحدث إن "الموعد المحدد سيعلنه الصدر في الوقت المناسب، وإنه غير مرتبط بإجراء انتخابات مبكرة من عدمها".
سبق لمقتدى الصدر، أن دعا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لحل الأزمة السياسية عقب انسحابه من البرلمان والحياة السياسية، لكن الإطار التنسيقي الشيعي لم يوافق على هذا المقترح.
وقال مصدر آخر مقرب من مقتدى الصدر لـ"عربي بوست"، عن سبب عودة الصدر إلى السياسة مرة أخرى، إنه "يسعى إلى تأكيد نفوذه مرة أخرى، وكان الانسحاب من السياسة انسحاباً تكتيكياً لمعالجة ما حدث بعد الانتخابات الأخيرة، والاستعداد للقادم، وحشد قاعدته الجماهيرية مرة أخرى".
وأفاد بأن "مقتدى الصدر أمر فصيله المسلح (سرايا السلام) بالاستعداد، وإعادة فتح مكاتب التيار الصدري التي تقدم الخدمات الاجتماعية للجماهير العراقية".
أكد القيادي في التيار الصدري أن عودة مقتدى الصدر إلى الحياة السياسية مرتبطة أيضاً بالتغييرات الإقليمية والمحلية، موضحاً لـ"عربي بوست" أن "التغييرات الإقليمية تؤثر على العراق بالتأكيد، وعودة الصدر للسياسة تأتي ضمن لحظة حساسة في التعامل مع هذه المتغيرات الإقليمية، وهو لديه القدرة على لعب دور مهم في هذه اللحظات الهامة".
ما هو التيار الوطني الشيعي؟
تقول مصادر سياسية من التيار الصدري لـ"عربي بوست"، إنه يريد خوض الانتخابات ضمن "التيار الوطني الشيعي"، لكنها أوضحت أن هذا التيار "لن يلغي التيار الصدري، لكنه سيكون الأداة السياسية للتيار الأساسي للانخراط الجديد في السياسة".
ووصف أحد المصادر التيار الوطني الشيعي لـ"عربي بوست"، قائلاً: "التيار الوطني الشيعي تنظيم سياسي خالص تابع للتيار الصدري رمزياً، لكنه في الوقت ذاته ملتزم بالرؤية الأكبر للتيار الصدري الأساسي، ومن الممكن أن يضم الكثير من التيارات السياسية العراقية الشيعية الأصغر".
عن إمكانية تحالف التيار الوطني الشيعي الجديد التابع للتيار الصدري، مع رئيس الوزراء العراقي الحالي محمد شياع السوداني، في الانتخابات البرلمانية المقبلة، التي من المقرر إجراؤها في نهاية عام 2025، يقول قيادي سياسي في التيار الصدري لـ"عربي بوست"، إن "هذا أمر وارد بالتأكيد، وأعتقد أن مقتدى الصدر لن يعارض هذا التحالف".
هل يتصالح مع نوري المالكي؟
يربط نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق (2006:2104)، وزعيم ائتلاف دولة القانون، بزعيم التيار الصدري تاريخ طويل من العداء بين الرجلين.
في هذا الصدد، يقول مصدر مقرب من المالكي لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الإسناد، إن "المالكي سعى لمصالحة الصدر أكثر من مرة في الأشهر الماضية، وأرسل إليه العديد من الرسائل التي أكد فيها على موافقته على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة كما طلب الصدر من قبل".
كان نوري المالكي من أشد المعارضين لفكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، بعد الأزمة السياسية التي أعقبتها نتائج الانتخابات البرلمانية في عام 2021.
في حين أفاد قيادي سياسي في الإطار التنسيقي الشيعي لـ"عربي بوست"، بأن "المالكي يريد مصالحة الصدر، لكي ينجح في السيطرة على الطموحات السياسية للسوداني".
وأضاف أن "المالكي ضاق من تطلعات السوداني في تأسيس حزب سياسي والخروج من عباءة الإطار التنسيقي، والحصول على ولاية ثانية لرئاسة الوزراء، كان يعتقد أن السوداني سيكون تابعاً، لذلك فالمالكي يعتقد أن مصالحة الصدر والتحالف معه ستمثل حائط صد أمام طموحات السوداني".
فيما يتعلق بموقف مقتدى الصدر من مساعى المالكي للمصالحة، يقول المصدر المقرب من الصدر لـ"عربي بوست"، إن "مقتدى لم يرد على رسائل المالكي حتى الآن، ولا أعتقد أنه سيذهب إلى عقد صفقات سياسية معه في المستقبل القريب".
وأضاف أن "لدى الصدر انطباعات جيدة إلى حد ما بخصوص السوداني، ومن الممكن أن يتحالف معه في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكن بشروط الصدر".
الموقف الإيراني من عودة الصدر للحياة السياسية
عندما قرر الصدر الانسحاب من الحياة السياسية، لم يبارك المسؤولون الإيرانيون هذه الخطوة، بالرغم من أنه كان يريد إقصاء الأحزاب الشيعية الموالية لها، لا سيما خصومه في الإطار التنسيقي.
فيما يتعلق بعودته المحتملة، يقول سياسي عراقي مقرب من طهران لـ"عربي بوست"، إن "إيران سترحب بالتأكيد بعودة الصدر إلى الحياة السياسية، صحيح أن الإيرانيين يعاملونه بمنتهى الحذر والقلق من تقلباته، لكنهم يعلمون جيداً أنه يستمع إليهم، ويعلمون أن غيابه عن المشهد السياسي العراقي، أضر بالحياة السياسية العراقية، وتوازن البيت الشيعي العراقي".
في السياق ذاته، يقول دبلوماسي إيراني يعمل في العراق، ومطلع على الأمر، لـ"عربي بوست"، إن "إيران ترحب بعودة الصدر للحياة السياسية في أي وقت، فالتيار الصدري شريك أساسي في المشهد السياسي العراقي، وطهران لا تقبل أن ترى البيت الشيعي العراقي يتعرض إلى الانقسامات والتشرذم".
في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي تم إجراؤها في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2021، وكان الصدر المنتصر الأكبر فيها، تحالف مع القوى الكردية والسنية لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، لكن الإطار التنسيقي الشيعي بذل جهوداً كثيرة لعرقلة هذا التحالف.
اتهم الإطار التنسيقي الصدر حينها، بمحاولته إقصائهم من المشهد السياسي، لاسيما بعد سلسلة من الأحداث، التي انتهت بالاشتباكات العنيفة التي شهدتها بغداد في نهاية شهر أغسطس/آب 2023، بين أنصار مقتدى الصدر، وأنصار الإطار التنسيقي الشيعي.
انتهت الاشتباكات بمقتل 30 شخصاً وإصابة آخرين، ليقرر الصدر وقتها الاعتزال السياسي وإغلاق مكاتب التيار الصدري والاعتكاف في منزله بالنجف.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.