كانت جامعة كولومبيا الأمريكية نقطة الصفر في حركة طلابية جارفة ضد جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين؛ حيث أقام الطلبة المتظاهرون مخيمات في الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وأصبح الأمر يمتد لدول أخرى عديدة. في حين أُلقي القبض على مئات المتظاهرين الطلبة في جامات كولومبيا، وييل، وكلية إيمرسون، وجامعة جنوب كاليفورنيا، وغيرها بسبب تضامنهم مع فلسطين.
ويقول المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، ويهدفون إلى تسليط الضوء على المعاناة. لكن بعض الطلاب اليهود الذين يدعمون إسرائيل وما يعتبرونه "حقها في الدفاع عن نفسها ضد حماس" يقولون إن الاحتجاجات جعلتهم خائفين من المشي بحرية في الحرم الجامعي؛ حيث يدين المتظاهرون الصهيونية ويهاجمونها بشدة.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع عبر الإنترنت، يقف زعيم الحركة الطلابية المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا بالقرب من وسط حديقة الحرم الجامعي وينادي: "لدينا صهاينة دخلوا المخيم". العشرات من المتظاهرين، الذين أقاموا "مخيم التضامن مع غزة"، يرددون عليه كلامه: "لدينا صهاينة دخلوا المخيم".. يقول القائد بينما يستمر الطلاب في تكرار كل أقواله، "امشوا وخذوا خطوة إلى الأمام، حتى نتمكن من البدء في طردهم من المخيم".
ربط المتظاهرون أذرعهم وساروا في تشكيل نحو ثلاثة طلاب دخلوا داخل المعسكر. وقال آفي واينبرغ، أحد الطلاب الداعمين لإسرائيل لصحيفة نيويورك تايمز: "كان الأمر مخيفاً حقاً لأنه تجمع حوالي 75 شخصاً حولنا بسرعة، وأحاطوا بنا، وفعلوا بالضبط ما قال لهم القائد أن يفعلوه". وأضاف أنه ذهب هو وأصدقاؤه لرؤية المعسكر، ولم يكن لديهم أي نية للاستفزاز، على حد تعبيره.
وفي يوم الخميس، اكتسب الحادث أهمية جديدة عندما ظهر مقطع فيديو من يناير/كانون الثاني على وسائل التواصل الاجتماعي يُظهر نفس زعيم الاحتجاج، خيماني جيمس، وهو يقول: "الصهاينة لا يستحقون الحياة" و"كونوا ممتنين لأنني لن أخرج وأقوم فقط بالخروج بعد قتل الصهاينة". وفي اليوم التالي، أعلن مسؤولو جامعة كولومبيا أنهم منعوا السيد جيمس من دخول الحرم الجامعي.
كيف يستقبل الطلبة المعتصمون في الجامعات الأمريكية الاتهامات بمعاداة السامية؟
تقول الصحيفة الأمريكية إن التوتر في الجامعات الأمريكية يصل إلى جوهر السؤال الذي أثار الجدل بين المراقبين ومنتقدي الاحتجاجات: عند أي نقطة يتجاوز الخطاب السياسي المؤيد للفلسطينيين في زمن الحرب الخط إلى نوع "معاداة السامية" التي تعهدت الكليات بمكافحتها؟
إذا كانت هذه مسألة أثارت حفيظة القادة السياسيين ومديري الجامعات وبعض طلاب الجامعات اليهودية، فداخل المعسكرات بالكاد تتم مناقشة فكرة معاداة السامية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المتظاهرين لا يعتقدون أن التسمية تنطبق على نشاطهم أو رفضهم للصهيونية. ويشير قادة الاحتجاج إلى مشاركة واسعة من الطلاب اليهود ويتحدون فكرة أن راحة أنصار إسرائيل يجب أن تكون مصدر قلق.
وهم يفرقون بين معاداة الصهيونية، والكراهية تجاه الشعب اليهودي بشكل عام. وهي حجة يعتبرها كثير من اليهود الأمريكيين بمثابة ورقة توت لمهاجمة الطلبة المعتصمين في الجامعات الداعمين لفلسطين.
وفي رسالة إلى طلاب جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي، قال مسؤولو الجامعة: "نحن نعلم أن العديد منكم يشعرون بالتهديد بسبب الأجواء واللغة المستخدمة.. الهتافات واللافتات والسخرية ومنشورات طلابنا على وسائل التواصل الاجتماعي التي تسخر من الشعب اليهودي وتهدد بـ(قتله) غير مقبولة على الإطلاق، وسيتم محاسبة طلاب كولومبيا المتورطين في مثل هذه الحوادث"٬ على حد تعبير البيان الجامعي.
المتظاهرون يريدون وقف الحرب ومحاسبة إسرائيل وسحب الاستثمارات
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن الاحتجاجات خارج مدينة نيويورك كانت مستوحاة من طلاب جامعة كولومبيا، لكنها منتشرة إلى حد كبير، وتنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الحركات الاحتجاجية الأخرى، بما في ذلك حركة "حياة السود مهمة" و"الربيع العربي".
في كولومبيا، تقود المظاهرة مجموعة تعرف باسم CUAD -جامعة كولومبيا لإنهاء الفصل العنصري- وهو ائتلاف يمثل أكثر من 100 منظمة طلابية في كولومبيا بما في ذلك "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" و"الصوت اليهودي من أجل السلام". ويتواصل المنظمون عبر تطبيق المراسلة Telegram ويقدمون التدريب الإعلامي للناشطين الذين يوفرونهم للتحدث إلى الصحافة.
ومن غير الواضح ما هو الدعم المالي الذي تتلقاه المجموعة وممّن. وعندما سُئل أحد قادة الطلبة من قبل صحيفة نيويورك تايمز، رفض التعليق. لكن المؤيدين من جميع أنحاء نيويورك استجابوا لنداءات المجموعة على إنستغرام للحصول على الماء والبطانيات والقفازات والسجائر. وفي الأسبوع الماضي، قدمت منظمة "فلسطين القانونية"، وهي مجموعة مناصرة، شكوى اتحادية بشأن الحقوق المدنية نيابة عن المتظاهرين، بحجة أنهم تعرضوا لمضايقات معادية للفلسطينيين ومعادية للإسلام في الحرم الجامعي.
ويطالب المتظاهرون الطلاب جامعاتهم على وجه التحديد بإضفاء الشفافية على جميع الممتلكات المالية وسحب الاستثمارات من الشركات والصناديق التي يقولون إنها تستفيد من إسرائيل وسياسات حكومتها أو تدعمهما. كما يريدون العفو عن الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين قامت الجامعة باعتقالهم أو فصلهم نتيجة لاحتجاجهم.
وفي جامعة كولومبيا، يدعو الطلاب الجامعة أيضاً إلى إنهاء برنامجها المزدوج الذي دام خمس سنوات مع جامعة تل أبيب. ويعترض البعض أيضاً على وجود جيه جونسون في مجلس إدارة الجامعة، والذي شغل منصب وزير الأمن الداخلي في عهد إدارة أوباما، وهو عضو في مجلس إدارة شركة الأسلحة لوكهيد مارتن، الموردة للطائرات المقاتلة للجيش الإسرائيلي. وحاولت نيويورك تايمز التواصل مع جونسون لكنه رفض التعليق.
وفي المعسكرات في جميع أنحاء البلاد، تشير اللافتات أيضاً إلى السياسة الأوسع للعديد من المتظاهرين. وهم يدعمون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المناهضة لإسرائيل PDS، والتي سبقت الحرب في غزة. ويستحضر الطلاب القضايا التاريخية للاستعمار والفصل العنصري.
ويقول الطلاب الناشطون الذين ليسوا فلسطينيين إنهم انضموا إلى الحركة لأسباب عديدة ومتنوعة: رفضهم للأزمة الإنسانية في غزة ؛ وتوبيخ استجابة الجامعة والشرطة للاحتجاجات؛ والالتزام بالعدالة المتعددة الجوانب للطلبة؛ ورغبتهم المثالية في أن يكونوا جزءاً من جهد مجتمعي يطالب بالعدالة والحرية؛ والشعور بأن النضال من أجل الفلسطينيين هو استمرار للعمل الذي بدأ نيابة عن المضطهدين خلال حركة "حياة السود مهمة".
ويقول العديد من الطلاب اليهود المشاركين في الاحتجاجات الحالية إنهم يفعلون ذلك كتعبير عن قيمهم اليهودية التي تؤكد على العدالة الاجتماعية والمساواة. واستضافت المعسكرات عشاء السبت وعيد الفصح اليهودي. وفي جامعة كولومبيا، قال أحد الطلاب إن الجهات المانحة قدمت وجبات الكوشر اليهودية.
وقال صموئيل لو، طالب دراسات عليا في جامعة تكساس في أوستن وهو يهودي وشارك في الاحتجاجات التضامنية مع فلسطين، إنه استلهم فكرة المعسكرات التي ظهرت في جميع أنحاء البلاد.
كلمة "الانتفاضة" تثير انزعاج الطلبة الداعمين لإسرائيل: "لا نشعر بالأمان"!
وخارج المخيمات المؤيدة للفلسطينيين، واجه الطلبة اتهامات بالتعصب والمضايقة ضد اليهود، من القادة السياسيين وكذلك من بعض الطلاب اليهود الداعمين لإسرائيل.
قال جيمي هايوارد، وهو طالب جديد في جامعة كولومبيا، إن لديه العديد من الأصدقاء الذين يدرسون في المدرسة اللاهوتية اليهودية التابعة لكولومبيا والذين يشعرون بالقلق. قال: "لديّ أصدقاء يحتاجون إلى الذهاب سيراً على الأقدام إلى الحرم الجامعي، إنهم يريدون مني أن أسير معهم لأنهم لا يشعرون بالأمان عند المشي بمفردهم"؛ على حد وصفه.
وتتضمن اللافتات داخل وحول معسكر كولومبيا اقتباسات ملهمة، بما في ذلك "العالم ملك للشعب، والمستقبل ملك لنا"، المنسوبة إلى جيانغ تشينغ، الثوري الشيوعي الصيني. لكن هناك أيضاً احتفالات بعبارت ثورية أخرى مثل "من تضامن مع جثثنا ولم يتضامن مع صواريخنا فهو منافق".
وفي جامعة ميشيغان، قال بعض الطلاب اليهود إنهم شعروا بالانزعاج عندما كانوا يسيرون إلى الفصل مروراً بالمتظاهرين وهم يهتفون "تحيا الانتفاضة"، باستخدام كلمة "الانتفاضة" باللغة العربية.
وشعرت تيسا فيكسلر، وهي طالبة بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا، بالذعر عندما رأت، في المركز المتعدد الثقافات بالمدرسة، لافتة على باب صالة الطلاب تقول: "الصهيونية غير مسموح بها". ويعارض المتظاهرون في الحرم الجامعي فكرة أن حركتهم جعلت الطلاب المؤيدين لإسرائيل غير آمنين.
وتقول ناس عيسى، خريجة جامعة كولومبيا التي تدعم منظمي الاحتجاج وتقدم لهم المشورة، إن هناك فرقاً بين الشعور بعدم الارتياح والشعور بأنك في خطر؛ "خاصة إذا كنت تشعر أن هويتك مرتبطة بممارسات دولة معينة أو بأيديولوجية سياسية". وقالت السيدة عيسى، وهي فلسطينية: "قد يؤثر ذلك على شخصيتي، وأعتقد أن هذا أمر مفهوم، لكنني أعتقد أن الخلط بين ذلك والسلامة، يمكن أن يكون مضللاً بعض الشيء".
مناهضون للصهيونية وغير معادين للسامية
ويقول المتظاهرون إنهم مناهضون للصهيونية ولكنهم ليسوا معادين للسامية. لكنه ليس تمييزاً يشتريه الجميع في أمريكا. بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي، قفز إيزيدور كارتن، وهو يهودي إسرائيلي، فوق السياج ودخل المعسكر المؤيد للفلسطينيين في كولومبيا. وقال كارتن، خريج جامعة كولومبيا لعام 2022: "أعتقد أنه من المهم للغاية أن نذهب ونظهر جانبنا أيضاً، يجب أن يُسمح لنا بالتواجد هناك". وبمجرد دخوله، رفع العلم الإسرائيلي. وقال إنه بينما كان يحاول التحدث مع المتظاهرين، عرقلت جهوده من قبل قادة الاحتجاج. وكان أحدهم خيماني جيمس، الطالب الذي تم منعه لاحقاً من دخول الحرم الجامعي بسبب مقطع الفيديو الحارق الخاص به. وقال، بحسب كارتن: "نحن لا نتعامل مع الصهاينة".
يقول القس مايكل ماكبرايد ، أحد مؤسسي لجنة العمل السياسي للكنيسة السوداء، والذي ضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، إن تعليقات السيد جيمس حول الصهيونية لا تمثل الحركة المناهضة للحرب. وقال القس مكبرايد، الذي يقود كنيسة في بيركلي، كاليفورنيا: "يمكنك الذهاب إلى الاحتجاج والعثور على أي شيء تبحث عنه. إذا كنت تبحث عن ذلك، فستجده".
وفي كولومبيا، نشرت منظمة الاحتجاج الطلابية CUAD يوم الجمعة بياناً على موقع إنستغرام جاء فيه: "كلمات خيماني في يناير لا تعكس وجهة نظره، ولا قيمنا، ولا اتفاقيات مجتمع المخيم". وأضاف البيان: "بنفس الطريقة التي كان البعض منا فيها صهاينة في السابق، أصبحنا الآن مناهضين للصهيونية، نعتقد أن نسيان ما تعلمناه ممكن دائماً".