أثارت الأنباء حول انفجارات هزّت مدينة أصفهان الإيرانية، الجمعة 19 أبريل/نيسان 2024، تساؤلات بشأن محدودية الرد الإسرائيلي رغم عدم تبني تل أبيب الهجوم الذي استهدف الجمهورية الإسلامية، وذلك في إطار الرد الإسرائيلي المتوقع على استهداف إيران لإسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات المسيرة؛ رداً على قصف تل أبيب لقنصليتها في سوريا، والذي أسفر عن مقتل 7 مستشارين عسكريين، من بينهم محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس، وهو الذراع الخارجية للحرس الثوري.
بحسب الأنباء الواردة من طهران، فإن الانفجارات وقعت في مدينة أصفهان، التي تحتوي على مواقع مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك موقع التخصيب تحت الأرض في نطنز. وتحتوي على قاعدة عسكرية مهمة تعد مركزاً للأسطول الإيراني من طائرات إف-14 توم كات الأمريكية الصنع، والتي تم شراؤها قبل الثورة الإسلامية عام 1979، بالإضافة إلى مطار أصفهان المدني.
العديد من الصحف الناطقة باللغة الانجليزية سلطت الضوء على هذه الضربة، محللة الأسباب التي قد تكون وراء قيام تل أبيب بهذا الرد الذي وصفه البعض بالضعيف بما فيهم وزير الأمن القومي الإسرائيلي ايتمار بن غفير.
في هذا التقرير نرصد بعض الأسباب التي جعلت الضربة تخرج بهذه الطريقة.
1- تجنب مزيد من التصعيد
رغم عدم إعلان الجانب الإسرائيلي بشكل رسمي عن تبنيه للهجوم الذي استهدف مدينة أصفهان، إلا أن الترجيحات تشير إلى أن إسرائيل هي التي نفذت هجوماً محدود النطاق تجنباً لمزيد من التصعيد، وهذا قد يعد أحد أسباب الرد المدروس.
الصحيفة الأمريكية نقلت عن راز زيمت، الباحث البارز في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، أنه "من الواضح تماماً أن الهجوم لم يكن يهدف إلى إحداث مزيد من التصعيد، ولا يوجد هجوم واسع النطاق. وقد تم تحديد ذلك بدقة".
كما أن الهجوم يوصّل رسالة مفادها أن الضربة هي رد محدود يهدف إلى التوازن في مواجهة الهجوم الإيراني الأخير، بحسب ما أورده موقع غلوبس الإسرائيلي.
بينما اعتبر رونين سولومون، محلل المخابرت الإسرائيلي، أن الهجوم أكثر رمزية، ما يسمح لإسرائيل بإرسال رسالة إلى إيران، وأن تعلن طهران بدورها أن الهجوم الإسرائيلي لم يسبب سوى أضرار قليلة حتى لا تثير الرأي العام الإيراني الداخلي مثلما حدث في عملية قصف السفارة في دمشق.
ومما يؤكد هذا الطرح أن التلفزيون الرسمي الإيراني قللّ من شأن الهجوم ضمن بثه الصباحي، قائلاً إن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت ثلاثة أجسام طائرة صغيرة، مشيراً إلى أنها أُطلقت من داخل البلاد.
الرأي نفسه شاركه يوناتان توفال، عضو مجلس إدارة مركز ميتفيم للأبحاث الإسرائيلي، على موقع إكس، حين كتب: "ضربة بهدف خفض التصعيد". وأضاف: "باستثناء أي تطورات غير متوقعة، فإن الضربة الإسرائيلية داخل إيران فجر اليوم قد تستحق صياغة هذا المصطلح الجديد".
2- استهداف نووي باستهداف نووي مثله
على الرغم من نفي الحرس الثوري الإيراني أنه حين استهدف إسرائيل قبل نحو أسبوع منشآت نووية إسرائيلية مثل موقع مفاعل ديمونة الإسرائيلي، إلا أن تل أبيب قالت إن بعض الصواريخ وصلت إلى هذا المكان الحساس، ما يتطلب ربما رداً مشابهاً من قبل إسرائيل.
فالاستهداف الذي وقع اليوم في إيران طال مدينة أصفهان التي تحوي منشآت نووية بما فيها مركز التخصيب الحساس في نطنز في إيران.
فقد يكون السبب وراء استهداف هذا المكان هو إيصال رسالة لإيران بأن الموساد الإسرائيلي يمكنه ضرب موقع نووي أو عسكري سراً دون أن يكون ذلك قد تم تنفيذه بشكل علني.
كما يذكر أيضاً رونين سولومون، المحلل الإسرائيلي، أن الهجوم يبدو مشابهاً لضربات سابقة بطائرات من دون طيار نُسبت إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد. وأضاف أنه من المرجح أن إسرائيل أرادت تجنب استهداف المواقع النووية بشكل مباشر، أو هجوم أوسع نطاقاً، لأن المسؤولين الإسرائيليين كانوا قلقين من أن إيران قد "تستخدم الضربات كذريعة للمضي قدماً في برنامجها النووي".
3- إرضاء الولايات المتحدة
لطالما طلبت الولايات المتحدة من حليفتها إسرائيل ألا يؤدي ردها على الهجوم الإيراني الأخير إلى مزيد من التصعيد. وقال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن حذرت إسرائيل من أن التصعيد مع إيران لن يخدم المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية، وحثت إسرائيل على "توخي الحذر" في أي رد انتقامي.
لذا ربما أرادت إسرائيل إرضاء الولايات المتحدة، وتنفيذ ضربة محدودة لا تستدعي من إيران رداً آخر، ما قد يخاطر بجر الدولتين بشكل أعمق نحو دوامة من التصعيد قد تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية قد تطول الأخضر واليابس.
ورغم ما ذكره مسؤول أمريكي من أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً بالهجوم، إلا أن صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية نقلت عن مصادر إسرائيلية قولها إنه من غير الواضح لماذا كشف البنتاغون لوسائل الإعلام الأمريكية عن تورط إسرائيل في الهجوم ضد إيران، وأنه كان بإمكانهم التزام الصمت وتجنب التصعيد من تلقاء أنفسهم وحفظ كرامة إيران.
4- التركيز على جبهة غزة
سبب آخر قد يقف وراء الضربة المحدودة لإيران ولم تتبنَّها إسرائيل وهو الاستمرار في التركيز على قطاع غزة كمسرح رئيسي للحرب. حيث إن فتح ساحة قتال جديدة سيضر إسرائيل في الوقت الراهن.
ورغم مرور أكثر من 6 أشهر على عملية طوفان الأقصى، إلا أن إسرائيل لم تحقق أياً من أهدافها في غزة، ما جعل موقف نتنياهو وحكومته ضعيفاً جداً أمام الداخل الإسرائيلي.
وهذا قد يدفع إسرائيل للتريث قليلاً في فتح جبهة جديدة، خاصة مع إيران التي تمتلك إمكانات عسكرية كبيرة مقارنة بفصائل المقاومة في غزة وحزب الله في لبنان وأيضاً الحوثيين في اليمن.
وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال فإن إسرائيل تواجه عدداً متزايداً من التحديات العسكرية. فهي تقاتل بالفعل على ثلاث جبهات: في غزة ضد حماس، وعلى حدودها الشمالية مع حزب الله، فضلاً عن محاولة مواجهة الاضطرابات في الضفة الغربية. وهي تتعرض لضغوط لاستعادة الردع مع إيران، ومن ثم فإن فتح جبهة مع طهران قد يكون عكس ذلك التوجه ويضر بالمصالح العليا لإسرائيل كما تراها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها.
الموقف الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية بات في وضع صعب جداً عما كان عليه قبل عملية طوفان الأقصى، فحتى الآن ورغم مرور قرابة 7 أشهر على طوفان الأقصى، إلا أن كل الأهداف التي وضعها نتنياهو وحكومته باءت بالفشل، ما يجعل الدخول في حرب جديدة مع إيران القشة التي قد تطيح به من سدة الحكم، وهو يعلم ذلك جيداً رغم فراره إلى الحرب.