حين شرع الزعيم العراقي الراحل صدام حسين بمغامرته للاستيلاء على الكويت في عام 1991، أطلق عشرات من صواريخ سكود على تل أبيب، آملاً أن يؤدي ذلك إلى ردٍّ إسرائيلي يبث الانقسام في التحالف الأمريكي الغربي والعربي الذي كان يحتشد لمواجهته، إلا أن واشنطن أقنعت رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق شامير، بعدم التدخل في المعركة، وبذلك أفلتت المنطقة من اندلاع حرب إقليمية شاملة.
وقد صارت إيران بعد الهجوم الذي نفَّذته مساء السبت 13 أبريل/نيسان أولَ دولة ذات سيادة تشن هجوماً مباشراً على إسرائيل منذ 33 عاماً. وتقول صحيفة The Guardian البريطانية إنه من الممكن القول إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه معضلة مماثلة لتلك التي واجهها شامير، لكن الصحيفة البريطانية ترى أن قرارات نتنياهو المتهورة ورغبته بالتصعيد وحساباته الخطأ منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول هي التي ساقت إسرائيل إلى هذا المفترق المحفوف بالمخاطر.
إلى أين يتجه نتنياهو المأزوم بعد الهجوم الإيراني؟
في سياق التعليق على ذلك، قالت داليا شيندلين، خبيرة الاستراتيجيات السياسية في "مؤسسة القرن" البحثية الأمريكية، للصحيفة البريطانية: "فيما مضى، كان يمكن القول إن بيبي [نتنياهو] ليس بالشخص الذي يميل في العادة إلى تصعيد الأمور. وقد آثر في حروبه السابقة مع حماس أن تكون حروباً قصيرة ومكثفة ومحدودة، وتخضع لحسابات يمكنه السيطرة عليها"، لكن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول "غيَّر (قواعد اللعبة)، فالقياس إلى تصرفات الماضي لم يعد له وزن، لأن الأمور اختلفت اختلافاً تاماً عن ذي قبل. والأمر نفسه يسري على إيران، فلطالما قال الناس إن طهران لا تلجأ أبداً إلى الانتقام الجدي، إلا أن ذلك قد تغير بعد هجوم هذا الأسبوع".
أطلقت إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيَّرة على إسرائيل أسهمت أمريكا وبريطانيا والأردن وفرنسا بإسقاطها إلى جانب إسرائيل، وهو ما جعل العدوين على شفا الحرب الشاملة أكثر من أي وقت مضى. وقالت طهران إن هجومها ردٌّ على الغارة التي اتهمت إسرائيل بشنِّها على مبنى دبلوماسي إيراني في دمشق في 1 أبريل/نيسان، وأسفرت عن مقتل اثنين من كبار قادة الحرس الثوري، وسبعة ضباط آخرين. وقد كشفت إيران عن موعد الهجوم قبل وقوعه، وحرصت على التنويه بأنه يأتي في سياق الرد.
وأشارت الغارديان إلى أن المسؤولين الإسرائيليين توعدوا "بردٍّ كبير وقوي" على الهجوم الإيراني، ومع ذلك فلا يُعرف ما إذا كان مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي قد ناقش عواقب استهدافه لهدف بارز مثل القنصلية الإيرانية في دمشق قبل تنفيذ الأمر، لا سيما أن هجومه يأتي في وقت تصاعدت فيه التوترات بين البلدين منذ اندلاع الحرب في غزة ومعركة الاستنزاف الجارية مع حزب الله اللبناني المدعوم من إيران.
نتنياهو يريد ذريعة لإشعال الحرب
تباينت التوقعات في إسرائيل بشأن الرد المزمع، وتساءل المحللون على "القناة 12″ الإسرائيلية عن المعيار الذي يجب أن يحدد الرد على أساسه: (هل نية الإيرانيين من الهجوم أم نتائجه؟)". وقالت داليا شيندلين، من مؤسسة القرن البحثية الأمريكية، إنه إذا كانت القيادة الإسرائيلية تسعى إلى إشعال حرب مع إيران، فإن هجمات يوم السبت ذريعة كافية.
وقالت "الغارديان" إن الشواهد الأولية التي تتوارد منذ يوم الأحد 14 أبريل/نيسان تشير إلى أن الولايات المتحدة كثفت الضغط على إسرائيل لعدم الرد على الهجوم وتجنب جرِّ العالم إلى صراع إقليمي في الشرق الأوسط. وقال بيني غانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، في بيان قبل انعقاد جلسة لبحث الرد على هجوم إيران: "سنبني تحالفاً إقليمياً، ونأخذ الثمن من إيران بالطريقة والتوقيت المناسبين لنا".
مع ذلك، ذهبت الصحيفة البريطانية إلى أنه ما دامت الحرب في غزة مستمرة، فإن احتمالات اندلاع الحرب الإقليمية لم تنفد، خاصة أن شركاء نتنياهو في الحكومة من اليمين المتطرف ما انفكوا يحرضونه على الانتقام بردٍّ "مدمر" على هجوم إيران، وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية يوم الأحد أن "طبول الحرب قرعت في جلسة اجتماع مجلس الوزراء الحرب الإسرائيلي".
وقالت "الغارديان" إن الصحفي الإسرائيلي المعروف رونان بيرغمان نقل عن مصدر مطلع على المحادثات التي جرت الأسبوع الماضي قبيل الهجوم الإيراني، قوله: "إن هذه المحادثات لو صورت ونُشرت على يوتيوب وشاهدها الناس، لهُرع 4 ملايين شخص إلى مطار بن غوريون بحثاً عن طريق للهروب من إسرائيل".
لكن من السابق لأوانه تحديد التداعيات السياسية للهجوم الإيراني، وعواقبها على نتنياهو، الذي تقول الصحيفة إنه يرى أن التشبث بالسلطة أطول مدة ممكنة هو أفضل فرصة للإفلات من تهم الفساد المتهم بها، لا سيما أن ائتلافه الحكومي لا يزال مستقراً، وقد بدأ التأييد له ولحزبه الليكود يعاود الارتفاع في الأسابيع الستة الماضية، على الرغم من أن نسبة معتبرة من الجمهور الإسرائيلي غاضبة من إصراره على عدم تحمل المسؤولية عن نكسة 7 أكتوبر/تشرين الأول والتقصير الاستخباراتي الذي أفضى إليها.
وكشفت استطلاعات الرأي في إسرائيل على مدار الأشهر الماضية عن تأييد شعبي لحرب برية على حزب الله في لبنان، إلا أن الحرب مع إيران لم تكن احتمالاً يناقش بجدية حتى هذا الأسبوع. وقد كادت حكومة الحرب الإسرائيلية تشن حرباً استباقية على حزب الله بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن الإدارة الأمريكية صرفتها عن ذلك.
نتنياهو لم يحقق أياً من أهدافه في غزة
ومع ذلك، تخلص الصحيفة إلى أنه بعد مرور أكثر من 6 أشهر من الحرب الإسرائيلية على غزة، فإن نتنياهو لم يبلغ أياً من أهدافه تقريباً في غزة، إذ لا يزال الأسرى الإسرائيليون محتجزين، وقد مات كثيرون منهم بالفعل؛ ولا يزال قسم كبير من قيادات حماس على قيد الحياة؛ ولا يزال الجيش الإسرائيلي يتعرض لهجمات مضادة ويتكبد خسائر في المناطق التي قال إنه سيطر عليها منذ عدة أشهر.
وتشير الغاديان إلى أن نتنياهو ظلَّ يلوح بسيف الحرب على إيران منذ سنوات، لكنه لم يحول كلامه حتى الآن إلى عمل مباشر وعلني، غير أن مكمن الخوف الآن أن يرى في هذا الخيار المجهول العواقب فرصة أخرى لتعزيز مكانته السياسية، ويجر على شعوب المنطقة برمتها ما لا يحمد عقباه.
أمريكا تحاول كبح جماح نتنياهو الهائج
من جهة أخرى، وفي مقال حمل عنوان "المعضلة الإسرائيلية: احتواء الهجوم أم الرد عليه بهجوم في إيران والمجازفة بالتصعيد؟"، قال موقع Walla الإسرائيلي إن الرئيس الأمريكي جو بايدن لم ينتظر حتى ينقشع الغبار عما قالت إسرائيل والولايات المتحدة إنه "نجاح" للتحالف الذي قادته واشنطن في التصدي للهجوم الإيراني على إسرائيل، بل سارع بايدن بوضع الحكومة الإسرائيلية أمام معضلة تكمن في معارضته المجازفة برد عسكري إسرائيلي على إيران.
وأشار الموقع الإسرائيلي إلى أن هذا أول هجوم مباشر لإيران على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وقد توعد الإيرانيون بأنه إذا ردت إسرائيل على الهجوم، فإن الردَّ الإيراني سيكون "أقوى بأضعاف" من هجوم السبت، أي إنهم يقولون صراحة إنهم اخترقوا المانع الذي لم يبلغوه من قبل، وإن أي صراع مع طهران بعد ذلك ربما يؤول إلى هجوم واسع بأسراب من المسيَّرات والصواريخ الباليستية.
خيارات الرد الإسرائيلي
وبناءً على ذلك، قال موقع "واللا" الإسرائيلي إن كبار أعضاء هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي طُلب منهم تقييم الردود المحتملة على إيران، وإنه يتعين عليهم النظر في توصيات مختلف الأجهزة الأمنية لتحديد طبيعة الرد، وما إذا كان ينبغي لإسرائيل أن ترد بقوة وتهاجم القواعد العسكرية للحرس الثوري الإيراني، والمواقع التي انطلقت منها المسيَّرات والصواريخ، أو استهداف عناصر أمنية إيرانية بارزة.
وزعم الموقع الإسرائيلي أن الخيار الثاني من خيارات الرد يشمل الاكتفاء بعملية محدودة، وشنِّ غارة جوية على هدف إيراني رمزي، مثل مبنى حكومي أو مستودعات أسلحة أو آبار نفط أو حتى سفن إيرانية.
أما الخيار الثالث، الذي يقول موقع "واللا" إن تلميحات إليه ظهرت في بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي وتصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت، فهو ألا تتسرع إسرائيل في الرد، وأن تدرس بعناية شدته المناسبة والوقت الملائم لتنفيذه.
ونقل الموقع عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن أبرز مسألتين في النقاش الذي سيجريه رئيس الأركان هرتسي هاليفي ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون هاليفا، من جهة، والمؤسسة السياسية من الجهة الأخرى، هو هل يكون الرد متوافقاً مع قرارات مجلس الأمن؟ وهل تحدد طبيعة الرد على أساس نتائج الهجوم الإيراني (الذي تقول إسرائيل إنها أحبطت معظمه) أم على أساس النية منه (التي تقول إسرائيل إنها كانت مهاجمة قواعد سلاح الجو في جميع أنحاء البلاد)؟
ويخلص "واللا" إلى أن الحكومة الإسرائيلية إذا حكمت على الأمر من منظور أن الهجوم كان غير مسبوق في تاريخ إسرائيل، وأن إيران أقدمت عليه رغم التهديدات والتحذيرات من رؤساء دول العالم، فإنها ستجد أنه لا بدَّ لها من الرد بطريقة ما على الهجوم. وقال مسؤولون في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية للموقع إن مجلس الحرب وقادة الجيش سيوصون بالتنسيق الوثيق مع الأمريكيين ضمن شروط الهجوم، وإنهم سيميلون إلى هجوم لا يشعل صراعاً مستمراً مع إيران وحلفائها في المنطقة.