تسبب نتنياهو والحرب على غزة في تقويض صورة الزعيم العالمي ذي الخبرة التي كان جو بايدن يتمتع بها بين الناخبين الأمريكيين قبل أشهر من انتخابات الرئاسة؟
نشرت مجلة Politico الأمريكية تحليلاً يرصد السيناريوهات التي ينتظرها الرئيس بايدن، الطامح إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية في مواجهته الانتخابية الشرسة ضد سلفه الجمهوري دونالد ترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
تطورات الحرب على غزة
قالت مجلة Politico الأمريكية في تحليها إنه حين اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزة قبل ستة أشهر، بدا أن تلك الأزمة العالمية هي من نوع الأزمات التي لطالما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن لناخبيه إنه الرجل المتمرس الجاهز لمواجهتها أكثر بكثير من غيره.
ففي هذا السياق كانت الحرب الروسية الأوكرانية، التي اندلعت في فبراير/شباط 2022، قد أسهمت في تعزيز شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي رفع لواء الدفاع عن الديمقراطية، وحشد الغرب لتقديم الدعم لكييف في مواجهة موسكو.
ومع ذلك، ذهبت المجلة الأمريكية إلى أن إدارة بايدن أخذت تتخبطها مصاعب جمة، وهي تحاول كبح الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من التفاقم إلى كارثة إنسانية، والتمسك في الوقت بدعمها الراسخ للهجوم الإسرائيلي على القطاع؟
ومن ثم بدأ القلق ينتاب بعض مستشاري بايدن وحلفائه المقربين، من أنه بدلاً من تعزيز صورة الزعيم العالمي ذي الخبرة التي كان يقدم نفسه بها، فإن دعمه الثابت لإسرائيل يُضعف حُجته بأن الانتخابات بينه وبين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هي اختيار بين النزاهة الأخلاقية والكفاءة المهنية من جهة، وبين الفوضى من الجهة الأخرى.
وقالت "بوليتيكو" إن هذه المخاوف ترددت في عدة مقابلات وتصريحات أدلى بها في الأيام الماضية نواب بارزون من الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ وحلفاء للحزب، مثل السيناتور الديمُقراطي تيم كين والسيناتور بيرني ساندرز.
بايدن ومخاوف الديمقراطيين
بحسب تحليل المجلة، تعد هذه المخاوف أحد الدوافع المستترة وراء قرار البيت الأبيض الأسبوع الماضي، بإصدار تهديد صريح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بأن الدعم الأمريكي يمكن أن يتلاشى إذا لم تتخذ إسرائيل تغييرات كبيرة لسياستها، في أعقاب مقتل سبعة من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة "المطبخ المركزي العالمي" في ضربات صاروخية إسرائيلية.
كانت تلك الغارة الإسرائيلية، التي وقعت الأسبوع الماضي، قد تسببت في صدمة عالمية، وأضفت مزيداً من الغضب تجاه تل أبيب. ورغم نفي جيش الاحتلال أن يكون هناك تعمد في استهداف قوافل المساعدات وعمال الإغاثة، إلا أن جميع حلفاء إسرائيل بدوا غير مقتنعين بذلك النفي، وتعالت المطالبات بإجراء تحقيق حقيقي فيما يحدث.
إذ نقلت صحيفة "Politico" الأمريكية عن مسؤول أمريكي قوله إن الهجوم على عمال الإغاثة الأجانب في غزة "بدا متعمداً لأنه تم بواسطة 3 قنابل"، وهو الأمر الذي أقرت به إسرائيل.
لكن المسؤول قال للصحيفة، الثلاثاء 2 أبريل/نيسان، بشأن تحقيق إسرائيل في الحادث: "لا أعتقد أن تحقيق إسرائيل في الغارة على عمال الإغاثة الأجانب سيكون شفافاً أو نزيهاً"، حيث سبق أن خلصت تحقيقات سابقة إلى نتائج غير مكتملة.
كما قال المسؤول الذي فضَّل عدم ذكر اسمه: "نشك في أية مساءلة ومحبطون من تحقيقات إسرائيل السابقة، كما حصل بمقتل شيرين أبو عاقلة، وإسرائيل ستفعل وتقول كل ما هو ضروري للحفاظ على الوضع الراهن".
وفي هذا الإطار، جاء الإنذار من بايدن لرئيس الحكومة الإسرائيلية كتحول مباغت، مدفوعاً بإحباط متفاقم على مدى أشهر من تحدي نتنياهو المتواصل لمستشاري الإدارة الأمريكية، فضلاً عن غضب بايدن نفسه من تزايد عدد الضحايا الفلسطينيين على أيدي الإسرائيليين في غزة، لا سيما وقد التحق بتلك القائمة الطويلة من الضحايا مواطن أمريكي في الهجوم على قافلة المطبخ العالمي.
ودلَّ الإنذار كذلك على أن فريق الرئيس الأمريكي يرى أن النزاع في غزة نشأت عنه مشكلات سياسية جانبية، ربما تتفاقم وتمتد إلى نطاق أكبر من قاعدة تأييده الديمقراطية، بحسب تحليل بوليتيكو.
كيف تضررت "سمعة" بايدن؟
وفي سياق الحديث عن آثار معالجة بايدن لمسألة الحرب في غزة، نقلت "بوليتيكو" عن مات دوس، مستشار السياسة الخارجية في "مركز السياسة الدولية" الأمريكي، قوله: "لقد قوضت أحد أهم مكامن قوة بايدن في مواجهة ترامب"، "قد كانت سمعة بايدن -سواء اتفقت مع ذلك أم اختلفت- أنه رجل محترم، ورجل يتعاطف مع غيره، ورجل نزيه. لكن السياسات التي اتبعها [في هذه الحرب] كانت قاسية".
السيناتور تيم كين، وهو أحد السياسيين الديمقراطيين البارزين في شؤون السياسة الخارجية، قال للمجلة الأمريكية: "أُثني على نجاح الرئيس بايدن في حثِّ نتنياهو على فتح معبر حدودي آخر من إسرائيل، والسماح بزيادة المساعدات الإنسانية"، "لكن هذا المسلك حلٌّ واضح كان ينبغي تنفيذه منذ أشهر"، ولذلك أرى أن "نهج بايدن الحالي غير ناجح".
أشارت المجلة الأمريكية كذلك إلى أن بايدن أحكم ارتباطه برئيس الحكومة الإسرائيلية، في أعقاب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، رغم المآخذ الراسخة على الزعيم اليميني، ظناً من الرئيس الأمريكي بأن ذلك الارتباط سيُتيح لإدارته فرصة تأثير أقوى في مسار الهجوم الإسرائيلي على غزة، وييسر لها قطع الطريق على اندلاع حرب أوسع في المنطقة.
إذ كان بايدن نفسه وكبار المسؤولين في إدارته يتوقعون أن تنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة بنهاية العام الماضي، أو مطلع يناير/كانون الثاني 2024، على أقصى تقدير، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية، لكن ذلك لم يحدث.
إلا أن العدوان الإسرائيلي استمر بلا هوادة، واستُشهد عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وبدأت إدارة بايدن ينتابها الإحباط، والغضب أحياناً، من حكومة نتنياهو التي تجاهلت في كثير من الأحيان مشورتها بشأن العمليات العسكرية في غزة، ورفضت علناً التصورات الأمريكية عن السلام الدائم بعد الحرب، ومن ثم وجدت الإدارة الأمريكية نفسها الآن في مأزق سياسي بلا مخرج سهل، ومعضلة ذات خيارات أحلاها مر، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
نتنياهو وإسرائيل في مواجهة "غضب" بايدن
في أعقاب مقتل عمال الإغاثة التابعين للمطبخ العالمي، وفي غضون ساعات من مكالمة بايدن التي وصفتها "بوليتيكو" بأنها كانت "صارمة" مع نتنياهو، أعلنت إسرائيل أنها ستفتح طرقاً أخرى لمرور المساعدات إلى غزة.
وقد قوَّت تلك الاستجابة السريعة لضغوط الرئيس الأمريكي حجةَ الديمقراطيين الذين لطالما جادلوا بأن البيت الأبيض يجب أن يتخذ نهجاً أكثر صرامة في التعامل مع الأزمة، وأن الاستمرار في تحمل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي يضر بأهداف بايدن في خارج الولايات المتحدة وداخلها.
قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، لمجلة بوليتيكو: "لقد برهن هذا الأمر على أن الرئيس حين يستخدم النفوذ الأمريكي لفرض مطالبه، فإن الضغط يؤتي أكله"، و"الولايات المتحدة ستبدو عاجزة إذا لم توافق بين ما تقوله وما تفعله".
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بيتس، في بيان: إن "خبرة بايدن الكبيرة، ورباطة جأشه، وعلاقاته، ونزاهته كانت ذات تأثير حاسم في إدارته لتحديات السياسة الخارجية الصعبة في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم"، و"قد حققت قيادة الرئيس بايدن تغييرات مهمة طوال الصراع، وقللت من الاضطرابات، خلافاً لما كان سيحدث لو اتَّبعنا الأساليب الأخرى التي اقترحها الناقدون للإدارة من التيار اليميني".
هل تضعف الحرب على غزة فرصة بايدن؟
ومع ذلك، لفتت المجلة الأمريكية إلى أن هناك مخاوف مستمرة في الأوساط الديمقراطية من أن الصور المحزنة التي تخرج من غزة كل يوم تنال من عزيمة ناخبي بايدن.
وقد أثار تدهور الوضع الإنساني في غزة الغضب بين جزء مهم من قاعدة بايدن، وهي قاعدة الناخبين الشباب والأمريكيين العرب والمسلمين والتقدميين، الذين أساءهم تقاعس الولايات المتحدة عن وقف الفظائع المتوالية التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة. ويواجه بايدن الآن احتجاجات في كل مكان يسافر إليه تقريباً، وتخشى حملته الانتخابية أن يستنزف غضب الناخبين في الشوارع الاهتمام بمؤتمر الحزب الديمقراطي للإعلان عن ترشيحه هذا الصيف.
هناك أيضاً شواهد تشير إلى أن قطاعاً واسعاً من الأمريكيين باتوا مستائين من تعامل بايدن مع الصراع، إذ كشف استطلاع أجرته مؤسسة "غالوب"، في مارس/آذار، عن انخفاض التأييد لاستراتيجية بايدن في الشرق الأوسط بين المصوتين الديمقراطيين من 60% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى 47% فقط في مارس/آذار. أما نسبة تأييد سياسة بايدن في الشرق الأوسط بين المصوتين المستقلين فبلغت 21% فقط.
وتحدثت "بوليتيكو" إلى أحد كبار مستشاري بايدن، الذي رفض الكشف عن هويته، فقال إن هناك قلقاً من أن الصعوبة التي يواجهها بايدن في السيطرة على نظيره الإسرائيلي ربما تقوض صورة الزعيم المحنك صاحب الكفاءة في أعين الناخبين، وترفع من شأن ترامب على حسابه.