هل تساعد “برامج” جوجل إسرائيل في إنشاء قوائم اغتيالات منذ بدأت الحرب على غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/08 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/09 الساعة 06:12 بتوقيت غرينتش
آثار القصف الإسرائيلي على غزة/الأناضول

ذكرت تقارير إعلامية أن جيش الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي في توليد إنشاء قوائم اغتيالات خلال الحرب على غزة، فهل تساعد برامج جوجل إسرائيل بالفعل في هذا الاستهداف؟

موقع The Intercept الأمريكي نشر تقريراً يرصد الإجابة المحتملة على هذا السؤال، علماً بأن جوجل لا تتحدث أصلاً عن استخدام إسرائيل لبرنامج صورها من أجل إنشاء "قائمة اغتيالات" في غزة.

إسرائيل وتوظيف الذكاء الاصطناعي

كانت تقارير قد ذكرت أن الجيش الإسرائيلي طبَّق حملة تفتيش بالذكاء الاصطناعي في قطاع غزة عن طريق مسح وجوه الفلسطينيين العاديين أثناء حركتهم بطول المنطقة المدمرة، سواء وهم يحاولون الهروب من القصف المتواصل أم يبحثون عن طعامٍ لأسرهم.

ويعتمد هذا البرنامج على أداتين مختلفتين للتعرف على الوجه بحسب صحيفة New York Times الأمريكية: الأولى مصنوعة بواسطة شركة Corsight الإسرائيلية، والثانية مبنيةٌ على منصة تنظيم الصور الاستهلاكية الشهيرة التي يقدمها برنامج "صور جوجل".

وصرّح مسؤول إسرائيلي مجهول للصحيفة الأمريكية بأن "صور جوجل" يعمل أفضل من أي تقنية بديلة للتعرف على الوجه، ويساعد الإسرائيليين في إنشاء "قائمة اغتيالات" لمقاتلي حماس المزعومين الذين شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وقد أدت الرقابة الجماعية على وجوه الفلسطينيين، نتيجة جهود إسرائيل للتعرف على أعضاء حماس، إلى اعتقال الآلاف من سكان غزة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وقال العديد ممن تعرضوا للاعتقال أو السجن، بلا أدلة أو بأدلةٍ ضعيفة في أغلب الأحيان، إنهم خضعوا للاستجواب الوحشي أو التعذيب.

إذ كانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت، الخميس 7 ديسمبر/كانون الأول 2023، صوراً لرجال معصوبي العينين ومقيدين ومجردين من ملابسهم، زعمت أنهم "مقاتلون" تابعون لحركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة، وهو ما أكده متحدث باسم جيش الاحتلال، لكن تحقيقات أجرتها وسائل إعلام غربية وحقائق تتعلق بشخصيات بعض من ظهروا في الصور أكدت كذب الرواية الإسرائيلية، في دليل آخر على ارتكاب جيش الاحتلال لما يرقى إلى جرائم حرب.

غزة
آثار القصف الإسرائيلي على غزة / الأناضول

كان تحقيق أجرته شبكة CNN الأمريكية قد نسف المزاعم الإسرائيلية وكشف زيفها، إذ إن الرجال والشباب الذين تعرضوا لهذه المعاملة غير الإنسانية ليسوا إلا مدنيين لا علاقة لهم بأي من فصائل المقاومة الفلسطينية، و"استعرض" جيش الاحتلال قوته من خلال تلك الممارسات بحق مدنيين تحت الاحتلال في أحد ميادين مدينة غزة الواقعة في شمال القطاع.

وكشف تحقيق استقصائي أجرته الشبكة الأمريكية، المنحازة لإسرائيل شأنها شأن الإعلام الغربي بشكل عام، أن كثيراً من الشباب والرجال الذين يظهرون في تلك الصور "لا علاقة لهم بأي شكل من الأشكال بأي من الفصائل المسلحة في قطاع غزة". كما نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريراً عن تلك الصور جاء فيه أن "الجيش الإسرائيلي يعتقل وينتهك بشكل حاد أبسط حقوق العشرات من المدنيين الفلسطينيين".

صور جوجل تساعد إسرائيل؟

لكن حتى بعيداً عن اعتبارات الدقة، فإننا نجد أن استخدام ميزات تحليل "صور جوجل" المدعومة بالذكاء الاصطناعي لوضع المدنيين تحت تدقيق الجيش -أو ما هو أسوأ- يتعارض مع قواعد الشركة العملاقة المنصوص عليها علناً. إذ تُحذر جوجل تحت عنوان "الأنشطة الخطرة وغير القانونية" من أنه لا يمكن استخدام "صور جوجل" في "الترويج للأنشطة، أو السلع، أو الخدمات، أو المعلومات التي قد تُلحق أذى خطيراً وفورياً بالأشخاص".

ورفض المتحدث الرسمي باسم الشركة جوشوا كروز الإجابة عند سؤاله عن الكيفية التي يتوافق بها حظر استخدام "صور جوجل" في إيذاء الناس مع استخدام الجيش الإسرائيلي للبرنامج في إنشاء "قائمة اغتيالات"، بحسب موقع ذا إنترسبت الأمريكي.

كما لم يتضح كيف يجري تطبيق تلك المحاذير -والتزامات الشركة العلنية القديمة بحقوق الإنسان- على الجيش الإسرائيلي. إذ قالت آنا باكياريلي، المدير التقنية المساعدة في هيومن رايتس ووتش: "يعتمد الأمر على تفسير جوجل للأذى الخطير والفوري وللأنشطة غير القانونية، لكن المراقبة بالتعرف على الوجه من هذا النوع تُقوِّض الحقوق المنصوص عليها في قانون حقوق الإنسان الدولي".

"بالنظر إلى سياق استخدام القوات الإسرائيلية لهذه التقنية، ووسط الإنكار الممنهج والمستمر وواسع النطاق لحقوق الإنسان الخاصة بسكان غزة، آمل أن تأخذ جوجل الإجراء المناسب"، حسب ما أضافت باكياريلي.

هل جوجل تفعل الصواب؟

علاوةً على شروط الخدمة التي تحظر استخدام "صور جوجل" بأي طريقة تتسبب في إلحاق الأذى بالأشخاص، تزعم الشركة منذ سنوات عديدة أنها تتبنى مختلف معايير حقوق الإنسان العالمية. ويتضمن هذا الالتزام العميق التأكيد على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -الذي يحظر التعذيب-، بحسب الشركة.

لكن استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لمنتج صور جوجل المتوفر للعامة بالمجان يُثير التساؤلات حول التزامات الشركة المذكورة بحقوق الإنسان، ومدى استعداد الشركة للتصرف بموجبها فعلياً. إذ تقول جوجل إنها تؤيد وتلتزم بالمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، وهي عبارة عن إطار يدعو الشركات "لمنع أو تخفيف الآثار السلبية على حقوق الإنسان المرتبطة مباشرة بعمليات أو منتجات أو خدمات علاقاتها التجارية، حتى وإن لم تسهم الشركة نفسها في تلك الآثار".

جوجل
شركة جوجل الأمريكية / Shutterstock

وقالت باكياريلي للموقع الأمريكي: "تقع على عاتق جوجل وCorsight مسؤولية ضمان ألا تتسبب أو تسهم منتجاتهما وخدماتهما في انتهاكات لحقوق الإنسان". وأضافت: "أتوقع من جوجل اتخاذ إجراء فوري لإنهاء استخدام صور جوجل في هذه المنظومة بناءً على هذه الأخبار".

"لا تقنية لنظام الفصل العنصري"

بينما وجّه موظفو جوجل في حملة "لا تقنية للفصل العنصري No Tech for Apartheid"، وهي حركة احتجاج عمالية ضد مشروع نيمبوس، دعوةً إلى شركتهم حتى تمنع الجيش الإسرائيلي من استخدام تقنية "صور جوجل" للتعرف على الوجه في حرب غزة.

وقالت الحملة في بيانٍ شاركته مع موقع The Intercept الأمريكي: "فكرة أن الجيش الإسرائيلي حوّل تقنية استهلاكية مثل صور جوجل إلى سلاح، واستخدم أداة التعرف على الوجه المدمجة فيه للتعرف على الفلسطينيين ضمن جهاز المراقبة الخاص به، هي فكرة تُشير إلى أن الجيش الإسرائيلي سيستخدم أي تقنية متاحة أمامه، إلا في حال اتخذت جوجل خطوات لضمان عدم مساهمة منتجاتها في التطهير العرقي والاحتلال والإبادة الجماعية".

وأردف البيان: "بصفتنا عاملين في جوجل، نطالب الشركة بإنهاء مشروع نيمبوس على الفور، ووقف كافة الأنشطة التي تدعم الحكومة الإسرائيلية وأجندة الجيش الإسرائيلي للإبادة الجماعية التي تستهدف تدمير غزة".

مشروع نيمبوس

لن تكون هذه أول مرة تتعارض فيها مبادئ حقوق الإنسان المزعومة من جوجل مع ممارساتها التجارية، حتى داخل إسرائيل نفسها. إذ باعت جوجل تقنية حوسبة سحابية متطورة وأدوات تعلُّم آلي للجيش الإسرائيلي، وذلك عبر تعاقد "مشروع نيمبوس" المثير للجدل منذ عام 2021.

وبعكس صور جوجل، سنجد أن مشروع نيمبوس هو مشروع تقنية متخصص ومصمم خصيصاً لتلبية احتياجات الدولة الإسرائيلية. وتأتي براعة نيمبوس وصور جوجل في مطابقة الوجوه نتاجاً لموارد التعلُّم الآلي المهولة التي تمتلكها الشركة.

الذكاء الاصطناعي
إسرائيل توظف برامج الذكاء الاصطناعيفي حربها على غزة / shutterstock

لهذا فإن بيع هذه الأدوات المتطورة لحكومة متهمة دائماً بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب هو أمرٌ يتعارض مع مبادئ جوجل للذكاء الاصطناعي. إذ تحظر المبادئ التوجيهية استخدامات الذكاء الاصطناعي التي من المرجح أن تسبب "الأذى"، بما في ذلك أي تطبيق "يتعارض غرضه مع المبادئ المقبولة على نطاق واسع للقانون الدولي وحقوق الإنسان".

وكان تحقيق استقصائي مشترك بين مجلة Mag+972 وموقع Local Call، وكلاهما إسرائيلي، قد رصد أسباب الارتفاع غير المسبوق في أعداد الضحايا المدنيين بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو استخدام جيش الاحتلال لبرامج الذكاء الاصطناعي في توليد قوائم الاغتيالات للفلسطينيين في غزة.

هل تتغير العلاقة بين إسرائيل وجوجل؟

ليس من الواضح كيف أو ما إذا كانت جوجل ستُحوِّل تأكيداتها المُدوَّنة من المسؤولين التنفيذيين إلى تداعيات حقيقية على أرض الواقع أم لا. إذ قالت آرييل كورين، موظفة جوجل السابقة التي أُجبرت على ترك وظيفتها عام 2022 نتيجة احتجاجها على مشروع نيمبوس، إن صمت جوجل على قضية برنامج الصور يندرج تحت نمط أوسع من تجنب المسؤولية عن طريقة استخدام تقنياتها.

وأوضحت آرييل، مُنظِّمة حملة "لا تقنية للفصل العنصري"، للموقع الأمريكي: "من الاستهانة القول إن المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية هو انتهاك لمبادئ الذكاء الاصطناعي وشروط خدمة جوجل. وحتى في غياب التعليقات العامة، أوضحت سلوكيات جوجل أن المبادئ الأخلاقية العامة المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ليس لها تأثير أو وزن عند اتخاذ القرارات التجارية المتعلقة بمنصة جوجل السحابية، ولا يشكل التورط في الإبادة الجماعية عائقاً أمام سعي الشركة لتحقيق الأرباح مهما كان الثمن".

تحميل المزيد