جاء تصعيد إسرائيل الأخير للعنف ضد إيران ليمثل أحد أكبر التحديات التي واجهتها إدارة بايدن حتى الآن، وذلك فيما يتعلق بمحاولتها إبعاد الولايات المتحدة عن حرب جديدة في الشرق الأوسط. إذ يُعد القصف الإسرائيلي للمجمع الدبلوماسي الإيراني في دمشق تصعيداً واضحاً، وفضلاً عن كونه عملاً عدوانياً داخل الأراضي السورية، كجميع الضربات الجوية الإسرائيلية السابقة، يُعتبر ضرب مجمع السفارة بمثابة هجوم مباشرٍ على إيران.
وسيتعرض قادة إيران لضغط كبير من أجل الرد بقوة، ويُمكن تقدير حجم الضغط بتصور الأوضاع معكوسة، فإذا قصفت إيران سفارة إسرائيلية أو أمريكية سيطالب الجمهور والساسة برد عنيف ومميت، كما يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
كيف ستردّ إيران على هذا الهجوم المميت؟
يتعرض قادة إيران لضغوط في الاتجاه الآخر أيضاً، إذ إن التورط في حرب جديدة لن يخدم المصالح الإيرانية، ولم يكن قادة البلاد يسعون إلى حرب كهذه.
وتشمل الأسباب أن القدرات العسكرية الإيرانية أضعف من نظيرتها الإسرائيلية أو الأمريكية بشكلٍ محسوم، فضلاً عن المشكلات الاقتصادية الجوهرية التي تُعانيها إيران. ويُمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم زيادة تصعيد التوترات الإقليمية المتمحورة حول الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، هو ضبط النفس الذي أظهرته إيران حتى الآن في الأشهر الستة الأخيرة منذ هجوم حماس على جنوب إسرائيل.
لكن إيران ستردّ على الهجوم الإسرائيلي بطريقةٍ أو بأخرى، وسيكون التنبؤ بما ستستخدمه من الخيارات المتاحة أمراً صعباً بقدر صعوبة اتخاذ القرار لدى القادة الإيرانيين، بالتزامن مع محاولتهم الموازنة بين الاعتبارات المتضاربة التي تُثقل كاهلهم.
ويقول الموقع الأمريكي إنه يمكن تطبيق عددٍ من التكهنات المحتملة على دوافع إسرائيل لمهاجمة مجمع السفارة في دمشق، فربما نظرت إسرائيل إلى الأمر باعتباره مجرد عمليةٍ أخرى في حملة قصفها الجوي المستمرة منذ سنوات ضد الأهداف المرتبطة بإيران داخل سوريا، حيث قدمت الاستخبارات فرصةً لضرب أحد الأهداف نتيجة وجود ضباط الحرس الثوري داخل المجمع، ثم استغلت إسرائيل تلك الفرصة.
أو قد يرى البعض أن الهجوم كان مظهراً آخر من مظاهر الغضب غير المنضبط الذي سيطر على إسرائيل منذ عملية السابع من أكتوبر. وربما يكون هذا هو نوع الضربات المدمرة والطائشة التي حذر منها الرئيس بايدن، عندما قال للإسرائيليين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن الأمريكيين يتفهمون "صدمتهم، وألمهم، وغضبهم"، لكن يجب ألا "يستنزف" ذلك الغضب إسرائيل، على حد تعبيره.
هل تخطط إسرائيل لجر أمريكا لحرب مع إيران؟
مع ذلك، سنجد أن قصف منشأة السفارة في دمشق كان تصعيداً واضحاً بما فيه الكفاية (وتوسيعاً للتعديات الإسرائيلية بما يخالف قوانين الحرب)، كما أنه يمثل على الأرجح قراراً محسوباً بعناية داخل أعلى مستويات حكومة بنيامين نتنياهو. ولم يكن للقرار علاقة كبيرة بأي تأثير على القدرات الإيرانية نتيجة فقدان ضباط الحرس الثوري.
بل كان الهجوم جزءاً من جهد إسرائيل للتصعيد من أجل الخروج من وضعها الراهن، حيث أصبح هدفها المُعلن بتدمير حماس هدفاً بعيد المنال، كما لم يعد من الممكن إنكار العزلة العالمية لإسرائيل بسبب تصرفاتها في غزة، فضلاً عن التراجع الواضح في الدعم الأمريكي الذي كان يصل تلقائياً في المعتاد.
وبالنسبة لنتنياهو شخصياً، فإن تصعيد وتوسيع الحرب يعني استمرارها إلى أجل غير مسمى، فضلاً عن أنه أمله الظاهر الوحيد لتفادي الصعوبات السياسية والقانونية التي يواجهها.
وينقسم التصعيد إلى شقين، باعتباره طريق إسرائيل المختار للخروج من طريق غزة المسدود. ويتمثل الشق الأول في استفزاز إيران للرد، ما قد يُمكِّن إسرائيل من تقديم نفسها كطرفٍ مدافعٍ بدل كونها طرفاً مهاجماً، وبهذا ستُبعد النقاش عن الدمار الذي تُحدثه في غزة وتنقله إلى ضرورة أن تحمي نفسها من الأعداء الأجانب.
بينما يتمثل الشق الثاني في زيادة فرص تورط الولايات المتحدة في صراع مباشرٍ مع إيران، وإذا حدث ذلك فلن يُنظر إلى الحرب في الشرق الأوسط باعتبارها مجرد اعتداء من إسرائيل على الفلسطينيين، بل ستصبح مرتبطةً بمصالح القوة العظمى التي ترعى إسرائيل، كما يقول الموقع الأمريكي.
كيف يمكن جر أمريكا للحرب؟
من الممكن جر الولايات المتحدة إلى الصراع الإسرائيلي-الإيراني بواحدةٍ من طريقتين. إذ قد يحدث ذلك عبر المطالبات السياسية من داخل الولايات المتحدة حتى تتحرك واشنطن بشكلٍ مباشر أكثر للدفاع عن "حليفتنا إسرائيل" أثناء تعرضها لهجوم من إيران.
أما الطريقة الأخرى فستكون عبر امتداد الضربات الانتقامية الإيرانية ضد إسرائيل، لتشمل الأهداف الأمريكية أيضاً. وستكون هذه الفكرة معقولة ومفهومة إذا فكرنا بأدوار معكوسة، إذ لا تتردد الولايات المتحدة مطلقاً في تحميل إيران المسؤولية عن أفعال من يتلقون مساعداتها، حتى ولو لم تكن إيران متورطة في أفعال حلفائها، كما حدث في هجوم حماس الأخير على المستوطنات الإسرائيلية. ولهذا يقول الكاتب ديفيد إغناتيوس مثلاً إن "إسرائيل لديها مبرر عادل لقتال حماس ومموليها في إيران"، على حد تعبيره.
بينما حصلت إسرائيل من مموليها في واشنطن على ما هو أكثر بكثير من أي شيء قدمته إيران لحماس أو أي من أصدقائها الآخرين. وتؤكد هذه الحقيقة على تصريح ممثل إيران في مجلس الأمن، عندما قال إن "الولايات المتحدة مسؤولة عن جميع الجرائم التي يرتكبها النظام الإسرائيلي". أضف إلى ذلك حقيقة أن الهجوم الإسرائيلي على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق قد جرى تنفيذه بواسطة طائرة عسكرية متطورة من صنع الولايات المتحدة، كما هو حال الهدم الإسرائيلي للأحياء في غزة.
ماذا سيحدث إذا ردت إيران بشكل عنيف؟
يقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي إن الحرب مع إيران التي تحاول إسرائيل توريط واشنطن بها، ستكون مدمرة بشدة للمصالح الأمريكية لعدة أسباب، منها التكلفة البشرية والمادية المباشرة، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية الذي سيؤثر على الأمريكيين، والاستياء الخارجي الذي سيؤدي إلى مزيد من أعمال الانتقام العنيفة، مع نسف الدبلوماسية المفيدة، وتحويل الانتباه والموارد بعيداً عن الاهتمامات العاجلة الأخرى في السياسة الخارجية الأمريكية.
ويتطلب تفادي حرب كهذه التحلي بحنكة سياسية حاذقة في التعامل التكتيكي مع الأزمة، بالإضافة إلى ابتعاد أكثر استراتيجية عن العلاقة الغريبة مع إسرائيل، التي أدخلت الولايات المتحدة في وضعها الصعب والخطير حالياً. ويجب على الولايات المتحدة أن تبتعد عن التصورات البالية لمن هو حليف ومن هو خصم، وأن تُولي اهتماماً أكبر لمن هو معتدٍ ومن ليس كذلك.
ورغم الإشارات المتكررة إلى "حرب الظل" بين إيران وإسرائيل على اعتبارها متماثلة، سنجد أن مجموع الأحداث في هذه الحرب يُظهر نمطاً غير متماثل يشهد بدء إسرائيل بغالبية أحداث العنف واكتفاء إيران بالرد عادة. وإذا نأت الولايات المتحدة بنفسها عن ذلك النمط، فسيخدم هذا المصالح الأمريكية ومصالح الاستقرار والأمن في المنطقة ككل، كما يقول الموقع الأمريكي.