من المثير للدهشة أن أسرع هيكل طائرة يطير على الإطلاق ليس من الجيل الخامس. حيث قُدِّمَت الطائرة إس آر-71 بلاك بيرد الأمريكية قبل ستة عقود، وتظل متفوقةً على الطائرات الأحدث والأكثر تقدماً. قد تكون هذه الطائرة هي الأكثر أسطورية في التاريخ، كما تقول مجلة National Interest الأمريكية.
ويتعرَّف هواة الطيران في كل مكان على اللون الأزرق والأسود المميز لطائرة بلاك بيرد، بالإضافة إلى مظهرها الأنيق ومداخل المحرك ذات الرؤوس المسننة.
قصة الطائرة إس آر-71 بلاك بيرد
مع احتدام الحرب الباردة في الخمسينيات من القرن الماضي، سعى المهندسون الأمريكيون إلى الحصول على هيكل طائرة استطلاع متطور يمكن أن يوفر معلومات استخباراتية أفضل من طائرة يو-2 آنذاك. كانت طائرة دراغون لادي التي صممتها شركة لوكهيد مارتن طائرة تجسس بارعة وقت طرحها لأول مرة في منتصف ذلك العقد.
ولكن بعد إسقاط الطيار غاري باورز في سماء الاتحاد السوفييتي في عام 1960، كان من الواضح أن الطائرة كانت بطيئة للغاية بحيث لا يمكنها تجنب أنظمة صواريخ سام الأرض-جو المتقدمة بشكل متزايد في الاتحاد السوفييتي.
كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بحاجةٍ إلى طائرة تجسس يمكنها التحليق على ارتفاع أعلى وأسرع من طائرة يو-2. وبدأت شركة لوكهيد مارتن العمل الذي أفضى إلى الطائرة إس آر-71 بلاك بيرد.
لماذا صممت طائرة "بلاك بيرد" وما سر سرعتها؟
تم تصميم طائرة بلاك بيرد للوفاء بمطلبين: السرعة العالية والمقطع العرضي الراداري المصغر. كان المسؤولون يأملون بأن تؤدي سرعة إس آر-71 وقدرتها على التخفي إلى جعل الصواريخ الأرض-جو السوفييتية عديمة الفائدة. طُوِّرَت الطائرة بذيول عمودية مزدوجة موضوعة في الداخل، وأعمدة حول جسم الطائرة.
تم تشغيل محركين نفاثين من طراز برات آند ويتني جاي-5 للطائرة إس آر-71، ما أدى إلى قوة دفع كافية لدفع الطائر إلى سرعة 3.2 ماخ. سمح الجزء الخارجي المصنوع من التيتانيوم لبلاك بيرد بمقاومة درجات الحرارة المرتفعة الناتجة عن هذه السرعات.
ورغم قدراتها، لم تقم الطائرة بلاك بيرد مطلقاً بمهام في سماء الاتحاد السوفييتي بعد حادثة غاري باورز. لكن هذه الطائرة الهائلة لعبت دوراً حاسماً في الحرب الباردة، حيث قامت بمهام في مواقع مهمة أخرى بما في ذلك فيتنام وكوريا الشمالية والشرق الأوسط.
وبحلول نهاية الثمانينيات، سُحِبَت إس آر-71 من الخدمة. ادعى المنتقدون أنها كانت مكلفةً وزائدة على الحاجة. في المتوسط، تكلف طائرة بلاكبيرد أكثر من 100 ألف دولار في ساعة الطيران، ويتطلب هيكل الطائرة ما يقرب من أسبوع من الصيانة بين كل مهمة، حيث إن الرحلات الجوية عالية السرعة غالباً ما تؤدي إلى تفكك المكونات.
ورغم أن إس آر-71 لم تعد في الخدمة، لا تزال بلاك بيرد تحمل لقبها كأسرع طائرة على وجه الأرض، كما تقول مجلة ناشونال إنترست الأمريكية.
قامت بآلاف المهمات والآن أصبح مكانها المتحف
ومنذ تاريخ إنتاجها عام 1966 حتى قيامها بآخر مهمة لها عام 1989 قامت الطائرة "لوكهيد إس آر – 71 بلاك بيرد" بآلاف المهام حول الكرة الأرضية، حيث صورت المواقع العسكرية في كل مكان من الصين إلى مصر ومن الدائرة القطبية الشمالية حتى كوريا الشمالية.
وقام العقيد ريتش غراهام بقيادة الطائرة بلاك بيرد من عام 1974 حتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وقام بهذا العمل كطيار يؤدي المهام المطلوبة ثم كمدرب، وبعد ذلك تولى قيادة أسراب طائرات البلاك بيرد في كاليفورنيا ثم في "يلندهول" بالمملكة المتحدة ثم في "كادنيا" بجزيرة أوكيناوا اليابانية، وألَّف غراهام بعض الكتب عن الطائرات الأسرع من الصوت وبالذات الطائرة بلاك بيرد الأولى في هذا المجال، وخصَّ غراهام القناة (BBC Future) بالحديث الصريح عن هذه الطائرة والمهمات التي أنيطت بها.
حلقت آخر طائرة من طراز SR-71 بواسطة وكالة ناسا في عام 1999، واستخدمت ناسا طائرتين من أجل إجراء أبحاث طيران عالية السرعة وعالية الارتفاع. ومنذ ذلك الحين، شقت الطائرات المتبقية من أسطول "بلاك بيرد" طريقها إلى المتاحف.