خدع الأمريكيون -لاسيما من يديرون سياسة الأمن القومي في العاصمة واشنطن- خدعوا أنفسهم على مدى وقت طويل بالتفكير في أن هيمنة ما بعد الحرب الباردة التي تمتعت بها البلاد ستدوم إلى الأبد. وأصرّت نخبة السياسة الخارجية في الولايات المتحدة لوقت طويل على أن لا أحد، وخاصة جمهورية الصين الشعبية، يستطيع أن يهدد عظمة الجيش الأمريكي. وبغضّ النظر عن الثروة التي جمعتها بكين بفضل العولمة، فإن الصينيين لم يُنظر إليهم إلا بوصفهم مقلدين لتكنولوجيا أمريكا المُهيمنة.
هذا ما يقوله محلل شؤون الأمن القومي براندون وايكيرت في مقال له بمجلة The National Interest الأمريكية، مشيراً إلى أن مثل كثير من الافتراضات التي وضعها الأمريكيون، ثبت خطأ فرضيتهم التي تقول إن الولايات المتحدة قادرة على مواجهة "الممارسات التجارية الصينية العدوانية، وتبقى متقدمة على الصين اقتصادياً وعسكرياً إلى أجل غير مسمى".
المدمرة الصينية تايب 055.. قدرات مرعبة وغير تقليدية
وبحسب وايكيرت، تتجلى هذه الحقيقة بدرجة أكبر في تطوير الصين لمدمرة الصواريخ الموجهة الشبحية تايب 055 (Type 055).
وذلك لأن المدمرة تايب 055 "تجسد تتويجاً لجهود الصين لبناء سفن سطح طويلة المدى قوية من أجل استعراض القوة ومرافقة أسطول البحرية الصينية الآخذ في النمو من حاملات الطائرات"، وفقاً لما نشره خبير شؤون البحرية الأمريكية إريك فيرتهايم، في موقع المعهد البحري للولايات المتحدة.
وتقول المحللة لدى مجلة The National Interest، مايا كارلين، إن المدمرة تايب 055 تبدو سفينة حربية ملائمة لمتطلبات القرن الحادي والعشرين، أكثر من كونها مدمرة تقليدية. تحاول البحرية الأمريكية أن تطابق بين التصميمات الصينية الجديدة وبين جيلها الجديد من السفن، وهي مدمرة الصواريخ الموجهة من طراز Constellation، التي تُعد أيضاً حتى الآن أكبر من أي مدمرة صواريخ موجهة تقليدية. وبكل تأكيد تتغلب الصين على الأمريكيين على صعيد الانتشار بعقد زمني.
البحرية الصينية.. الإنتاج الضخم للصين يتفوق على إنتاج أمريكا
بفضل قدرات الإنتاج الضخم التي تمتلكها الصين -التي ورثوها من الولايات المتحدة خلال جنون الاستغناء عن الصناعة في وول ستريت- تُشغِّل البحرية الصينية 8 مدمرات من طراز تايب 055 إجمالاً، ويبنون المزيد. والفجوة بين حجم أسطول الصين وحجم الأسطول الأمريكي تصير تذكيراً بالموقف الذي برز خلال الحرب العالمية الثانية بين البحرية البريطانية والبحرية الأمريكية.
فحينها كانت البحرية الملكية أقوى بحرية في العالم. ولكن مع نهاية الحرب، اندثرت القدرات الصناعية لبريطانيا وانخفض اقتصادهم، في حين أن القدرات الصناعية لأمريكا كانت في أعلى مستوياتها على الإطلاق واقتصادها كان ينمو وحسب.
وتحول حجم الأسطول بين القوتين الحليفتين. ضمد البريطانيون جراح غرورهم بادعائهم أن بريطانيا بعد الحرب ربما تملك ثاني أكبر أسطول بحري في العالم بعد الولايات المتحدة، لكن أسطول أمريكا كان من الدرجة الثانية. كان من الممكن لآلية المجاراة هذه أن تستمر طويلاً. لكن الإنتاج المحلي لبريطانيا، لاسيما بعد إنهاء الاستعمار، لم يستطع مضاهاة قوة الولايات المتحدة. وبالمثل، في أعقاب الاستغناء عن الصناعة، لا تستطيع الولايات المتحدة مضاهاة القوة الإنتاجية لقطاع الصناعات الدفاعية للصين.
قدرات مرعبة.. المدمرة تايب 055 ليست مجرد نسخة مقلدة
ليست مدمرة الصواريخ الموجهة تايب 055 مجرد نسخة مقلدة، بل إنها أحد الابتكارات. صُممت السفن الحربية عن طريق مهندسين صينيين للتصدي لأي تهديد يمكن أن تمثله السفن الحربية للبحرية الأمريكية على قوات البحرية الصينية. تمتلك المدمرة تايب 055 منظومة رادار متطورة ضرورية لاكتشاف التهديدات التي تتعرض لها السفينة الحربية، بالإضافة إلى 112 نظام إطلاق عمودي عالمي (VLS) قادر على إطلاق مجموعة من الأسلحة.
من الناحية التقنية، يملك طراد البحرية الأمريكي من فئة تيكونديروجا (Ticonderoga) أنظمة إطلاق عمودي أكثر بـ10 أنظمة. لكن أنظمة الإطلاق العمودي التي لدى المدمرة تايب 055 أعمق وأوسع نطاقاً. يعني هذا أن المدمرة تايب 055 قادرة على إطلاق أسلحة أقوى وذات مدى أطول.
تملك المدمرة تايب 055 صواريخ ملائمة للحرب المضادة للغواصات، والدفاع الجوي، والحرب المضادة للسطح. تحمل المدمرة تايب 055 صاروخ الدفاع الجوية الصيني طراز HHQ-9، وهو عملياً منسوخ من منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-300. لدى السفن الحربية الصينية أيضاً منظومة دفاع جوية قصيرة المدى طراز HHQ-10 ذات الـ 24 صاروخاً.
ومثل المنافسين الأمريكيين، لدى المدمرة الصينية تايب 055 نظام أسلحة القتال القريب (CIWS). الأكثر من هذا أن المدمرة تايب 055 يراد منها خوض المعارك ضد السفن الحربية للعدو. تحمل المدمرة تايب 055 صاروخ Yu-8 الصيني المضاد للغواصات، في حين أن الصاروخ YJ-18 يهيمن على ترسانتها المضادة لسفن السطح.
وأشار المحللون إلى أن الصاروخ YJ-18 يعادل تقريباً الصاروخ الأمريكي القوي هاربون، لكن المدمرة تايب 055 تحمل صواريخ YJ-18 أكثر من صواريخ هاربون التي تحملها نظيراتها الأمريكية. والأكثر من هذا أن صواريخ YJ-18 هي أسلحة أسرع من الصوت قادرة على تهديد أسطول البحرية الأمريكية بالكامل، وذلك وفقاً للشواغل التي أعرب عنها بعض المحللين.
فقد كان الهدف من وراء هذه المدمرة الصينية، هو أن تتغلب على أي سفينة حربية أمريكية قد تواجهها في معركة.
تشكل المدمرة تايب 055 مشكلة للسفن الحربية الأمريكية
في الوقت الحالي، تستطيع المدمرة تايب 055 تحدي السفن الحربية الأمريكية المنتشرة حالياً ضدها. فضلاً عن أن المدمرة تايب 055 تبحر بأعداد أكبر. تملك هذه السفن الحربية قدرات تقليل المقطع العرضي الراداري أكثر تطوراً مما تملكه الطرادات الأمريكية تيكونديروجا، التي سوف تواجهها إذا اندلعت حرب بين الولايات المتحدة والصين قريباً.
وفي الوقت الحالي، تجنَّبت بكين التعقيدات العسكرية التي وقعت فيها واشنطن وموسكو، ولكن في حال اختارت يوماً أن تبعث بأكثر الإشارات قوة، فإنَّ السفينة الحربية المُسلّحة بصواريخ كروز الجوّالة للهجوم البري ستُمثّل أداةً بالغة القوة.