يضيق الخناق على بنيامين نتنياهو في الداخل والخارج، بينما تزداد عزلة إسرائيل، بعد 6 أشهر من الحرب على غزة، فهل فقد رئيس الوزراء دعم أبرز الحلفاء أخيراً؟
"نتنياهو يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية ومن الأصدقاء والأعداء"، تحت هذا العنوان رصد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كيف يضيق الخناق على رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد 6 أشهر من الحرب على غزة.
بايدن وتهديد نتنياهو
ولعل أبرز مؤشرات الخناق الذي يضيق على رئيس الوزراء الإسرائيلي هو ذلك التهديد أو التحذير أو "الفرصة الأخيرة" من جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى نتنياهو.
جاء التحذير، الذي نقله البيت الأبيض عن بايدن، خلال مكالمة هاتفية مع نتنياهو الخميس 4 أبريل/ نيسان، في أعقاب الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قافلة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي هذا الأسبوع أسفرت عن مقتل سبعة من موظفي المنظمة.
حفزت الغارة، التي قتلت عمال إغاثة أجانب، دعوات جديدة من زملاء بايدن في الحزب الديمقراطي لوضع شروط على المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وقللت على ما يبدو من مقاومة الرئيس الأمريكي، الداعم الأبرز لإسرائيل، الضغوط لحجب المساعدات أو وقف شحن الأسلحة إلى إسرائيل.
هذه هي المرة الأولى التي يهدد فيها بايدن بفرض شروط على المساعدات لإسرائيل، إذ قال البيت الأبيض إن بايدن "أكد ضرورة أن تعلن إسرائيل وتنفذ سلسلة من الخطوات المحددة والملموسة والقابلة للقياس للتعامل مع الأذى الذي يلحق بالمدنيين وعمال الإغاثة وقوافل المساعدات"، وأضاف بيان البيت الأبيض أن الرئيس "أوضح أن السياسة الأمريكية فيما يتعلق بغزة ستتحدد في ضوء تقييمنا للإجراءات الفورية التي ستتخذها إسرائيل بشأن هذه الخطوات".
"الولايات المتحدة تنتظر رد نتنياهو بعد التحذير الأخير من بايدن"، تحت هذا العنوان، رصد تحليل لشبكة CNN الأمريكية المأزق الضخم الذي يواجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بعد هذا التحول اللافت في موقف الرئيس الأمريكي.
ترامب وشومر وانتقاد نتنياهو
التحول في موقف بايدن هو المحطة الأخيرة وليس الأولى في الانتقادات التي يواجهها نتنياهو من المسؤولين في الولايات المتحدة، أكبر مورد للأسلحة لإسرائيل والدرع الدبلوماسي لها في الأمم المتحدة.
فقد تعرض نتنياهو لانتقادات حادة أيضاً من الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي كان يوماً مقرباً من نتنياهو وحليفاً سخياً للغاية مع إسرائيل؛ إذ قال ترامب عنه في تصريحات الشهر الماضي: "لقد تلقى ضربة شديدة بسبب هذا الأمر. لم يكن مستعداً. هو لم يكن مستعداً، وإسرائيل لم تكن مستعدة".
كما شنَّ رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، هجوماً لاذعاً، في مارس/آذار أيضاً، على نتنياهو وحكومته وطالب بإجراء انتخابات عامة مبكرة، واصفاً رئيس الوزراء بأنه "إحدى أكبر العقبات أمام السلام في الشرق الأوسط".
وشومر هو أكبر مسؤول أمريكي يهودي منتخب وأحد أشرس المدافعين عن إسرائيل، بل تربطه علاقة قوية للغاية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، وبالتالي فإن وقوفه في قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي منتقداً نتنياهو وحكومته ومطالباً بإجراء انتخابات جديدة في إسرائيل، هو أمر استثنائي وأثار زلزالاً سياسياً في واشنطن وتل أبيب، على حد سواء.
وحاول رئيس مجلس النواب، الجمهوري مايك جونسون، التخفيف عن نتنياهو فتحدث معه وأعلن عن توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس (بمجلسيه الشيوخ والنواب)، بهدف شرح موقف إسرائيل، لكن مرت الأيام ولم يحدث ذلك، في مؤشر على تحول نتنياهو إلى "Persona non grata أو شخص غير مرغوب فيه" في واشنطن.
موقف بريطانيا من إسرائيل
ومن واشنطن إلى لندن، حيث الحليف الثاني في الأهمية بالنسبة لإسرائيل ولنتنياهو، لا يبدو الموقف مختلفاً إلى حد كبير، إذ يواجه نتنياهو وإسرائيل تحولاً كبيراً أيضاً. فالحكومة البريطانية حليف قوي لإسرائيل منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ورئيس الوزراء ريشي سوناك زار تل أبيب لإبداء دعمه ويقاوم الدعوات لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، قائلاً إن البلاد لديها "نظام ترخيص دقيق للغاية"، وستواصل الالتزام به.
لكن في أعقاب الغارة القاتلة على قافلة المطبخ المركزي العالمي، والتي راح ضحيتها 3 مواطنين بريطانيين ضمن عمال الإغاثة في غزة، أجرى سوناك اتصالاً بنتنياهو أبلغه فيه أن "القتل روع بريطانيا"، وطالب بإجراء تحقيق مستقل ودقيق وشفاف.
ومع تزايد الضغوط على سوناك بشأن مبيعات الأسلحة لإسرائيل، يبدو أن نتنياهو وإسرائيل يواجهان تحديات خطيرة وعزلة متزايدة، ولا أحد يمكنه توقع ما قد تحمله ألأيام القادمة، خصوصاً في أعقاب مقتل 7 عمال إغاثة يحملون جنسيات أجنبية لدول حليفة لتل أبيب (بريطانيا وأستراليا وكندا وأمريكا).
غضب بايدن ومأزق نتنياهو
البيت الأبيض وصف بايدن بأنه يشعر بغضب وألم جراء الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي، مؤكداً في بيانه على أن الرئيس شدد خلال الاتصال مع نتنياهو "على ضرورة وقف إطلاق النار فوراً من أجل استقرار وتحسين الوضع الإنساني وحماية المدنيين الأبرياء".
كما أضاف البيت الأبيض أن بايدن حثّ نتنياهو على تمكين المفاوضين الإسرائيليين من التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن المحتجزين لدى حماس منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهي المفاوضات التي تتهم المعارضة الإسرائيلية وأطرافاً دولية نتنياهو بعدم الجدية في إنجاحها.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال أيضاً إن إسرائيل "لا بد أن تكون على قدر هذه اللحظة" من خلال زيادة المساعدات الإنسانية وضمان أمن من يقدمونها، وأضاف للصحفيين في بروكسيل (حيث يحضر اجتماعات خاصة بحلف الناتو): "إذا لم نرَ التغييرات التي نحتاج إلى رؤيتها، فستكون هناك تغييرات في سياستنا".
تعكس هذه التصريحات تغييراً لافتاً من جانب بايدن، الذي وصف نفسه بأنه صهيوني، ويقدم لإسرائيل الدعم الأهم عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً منذ الأيام الأولى من الحرب. لكن مع ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة، وأغلبهم من الأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، واتساع نطاق الحرب مع فتح جبهات جديدة في لبنان واليمن، بدأت إدارته في الضغط من أجل وقف إطلاق النار والحث على إدخال المساعدات الإنسانية.
وامتنعت الولايات المتحدة في مارس/آذار عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار طالب بوقف إطلاق النار، بعد أن استخدمت واشنطن الفيتو 3 مرات لمنع صدور مثل هذا القرار.
الموقف الداخلي من الحرب على غزة
الموقف الداخلي في إسرائيل لا يقل تعقيداً بالنسبة لنتنياهو بعد 6 أشهر من الحرب على غزة عن الموقف الدولي. فالمظاهرات التي يقودها أهالي الأسرى ومعارضو استمرار الحرب بدأت تتحول إلى مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة، وسط قنابل دخان واعتقالات، وارتفاع أعداد المشاركين فيها إلى عشرات الآلاف.
وزادت كثافة الاحتجاجات لتتحول إلى عدة مسيرات كل أسبوع ، وقال أحد المتظاهرين لصحيفة Times Of Israel السبت الماضي: "إن الاحتجاجات تهدف إلى زيادة الضغط عليه (نتنياهو) حتى يذهب إلى انتخابات جديدة".
كما اتهم عاموس مالكا الرئيس السابق لمديرية المخابرات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي نتنياهو بالتخلي عن الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" في غزة: "لو عرفت العائلات مدى صغر الفجوة التي يرفض نتنياهو سدها في المفاوضات مع حماس، لانفجرت. وهذا دليل آخر على عدم أهليته للخدمة".
وتظهر استطلاعات الرأي الأخيرة تراجعاً كبيراً في شعبية الرجل الذي تولى منصب رئيس وزراء الاحتلال لفترات أطول من أي سياسي آخر منذ إعلان قيام إسرائيل كدولة على جزء من أرض فلسطين عام 1948، حيث يتفوق بيني غانتس، عضو مجلس الحرب على نتنياهو.
اقتصاد إسرائيل يعاني
في الوقت نفسه، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من حالة ركود غير مسبوقة، إذ انكمش بنسبة تزيد عن 20% منذ بداية الحرب على غزة، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية. إذ أدت الحرب على غزة إلى إصابة شركات إسرائيلية بالشلل، بعد استدعاء جيش الاحتلال مئات الآلاف من جنود الاحتياط.
ووفق تقرير بلومبرغ، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل بنسبة 19.4% على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023، وكان ذلك أسوأ من كل التقديرات الواردة في استطلاع بلومبرغ للمحللين، الذين كان متوسط توقعاتهم يشير إلى انخفاض بنسبة نحو 10%.
ولا شك أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تتحمل تداعيات هذه الخسائر البشرية والمادية للحرب، وهو ما يزيد من الضغوط ويضيق الخناق على نتنياهو الذي يواجه اتهامات بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وربما ينتهي به الحال خلف القضبان في نهاية المطاف.
نتنياهو ومقصلة حلفائه في الحكومة
لكن إذا كانت الحلقة تضيق على رقبة نتنياهو من جانب المعارضة وخصومه الساعين إلى الإطاحة به، فإن الوضع مع حلفائه وأصدقائه المفترضين لا يبدو أنه أفضل حالا. إذ رصد تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية بعنوان "على طريق التطهير العرقي"، تغييراً لافتاً في أهداف الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة من جانب الشخصيات النافذة التي يعتمد عليها تحالف حكومة نتنياهو.
ففي يوم الثلاثاء، 30 يناير/كانون الثاني 2024، أقام قادة الأحزاب اليمينية مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وكبار نشطاء الليكود مثل حاييم كاتس، ورئيس المجلس الإقليمي للضفة الغربية يوسي داغان، تجمعاً لأنصارهم؛ وذلك لعرض الهدف الجديد للحرب، والاحتفاء بذلك من خلال الرقصات.
وقالت الصحيفة العبرية في تقريرها إن هؤلاء لم يعودوا راضين عن أهداف الحرب التي أعلنتها الحكومة، وهي "تدمير حماس" وتحرير الأسرى المحتجزين في القطاع، إذ يطالب اليمين المتطرف الآن بالتطهير العرقي لقطاع غزة، وطرد السكان الفلسطينيين منه، وتأسيس مستوطنات يهودية في مكان البلدات والقرى الفلسطينية التي دمرها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
ووصف تقرير الصحيفة نتنياهو بأنه في موقف ضعيف للغاية ولا يملك سوى أن "ينفذ أوامر أسياده" في الائتلاف حتى لا تسقط الحكومة.
لكن تنفيذ نتنياهو لأجندة اليمن المتطرف وعتاة المستوطنين أدت إلى تضييق الخناق على رقبته شخصياً وعلى مستقبل حكومته في المدى القصير، إضافة إلى زيادة عزلة إسرائيل على المسرح الدولي بصورة غير مسبوقة. والسؤال الآن: هل يمكن أن يستوعب نتنياهو الصدمات المتلاحقة في سعيه لتقليل الخسائر؟
خطوات لامتصاص الضغوط؟
بعد مكالمة بايدن الغاضبة مع نتنياهو وتوجيه "التحذير"، أعلن مكتب نتنياهو موافقة إسرائيل على إعادة فتح معبر إيريز المؤدي إلى شمال قطاع غزة والاستخدام المؤقت لميناء أسدود في جنوب إسرائيل لزيادة توصيل المساعدات وكذلك الموافقة على زيادة الإمدادات القادمة من الأردن مباشرة إلى غزة من خلال معبر كرم أبو سالم.
كما أعلنت إسرائيل أنها ستغير أساليبها في الحرب على غزة بعد أن وصفت الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي بأنه كان نتيجة خطأ، وذكرت أن نتائج التحقيق ستعلن قريباً.
والجمعة 5 أبريل/نيسان، خلص التحقيق الإسرائيلي إلى ارتكاب جيش الاحتلال أخطاء جسيمة وانتهاكات للإجراءات وهو ما أدى إلى إقالة ضابطين وتوبيخ قادة كبار رسمياً.
وقال بيان عن نتائج التحقيق إن القوات الإسرائيلية اعتقدت خطأ أنها تقصف مركبات تقل مسلحين من "حماس" عندما قصفت الطائرة المسيرة السيارات الثلاث التابعة لمنظمة المطبخ العالمي المركزي الخيرية، لكنها انتهكت الإجراءات المتبعة في العمليات. وقال جيش الاحتلال في بيانه: "قصف مركبات الإغاثة خطأ فادح نتج عن فشل كبير بسبب خطأ في تحديد الهوية وأخطاء في اتخاذ القرار وشن هجوم يتعارض مع الإجراءات المتبعة في العمليات".
أدريان واتسون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض قالت إن هذه الخطوات (التي أعلنت عنها إسرائيل) "يجب تنفيذها الآن وبسرعة".
الخلاصة هنا هي أنه بعد 6 أشهر من الحرب على غزة، وجدت إسرائيل نفسها في عزلة دولية متفاقمة، بينما يضيق الحبل بشدة حول رقبة نتنياهو بعد أن فقد دعم أقرب حلفائه (بايدن وسوناك) وارتفعت حدة الانقسام الداخلي وبات واضحاً أن حل الائتلاف الحكومي والتوجه إلى انتخابات مبكرة ربما يكون أقرب؛ مما يتصور رئيس الوزراء المأزوم.
فالإنذار النهائي الذي وجهه بايدن لنتنياهو يعني إبطاء عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل أو تقليص الدعم الأمريكي في الأمم المتحدة، بحسب محللين. إذ قال ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة بحثية، لرويترز "يبدو الأمر كلحظة من لحظات العودة إلى المسيح (لحظة إدراك مفاجئة تُفضي عادة إلى تغيير جوهري)"، في إشارة إلى تعليق بايدن الشهر الماضي بأن علاقته بنتنياهو تتجه نحو نقطة تحول مماثلة.
وذكر دينيس روس الدبلوماسي الأمريكي المخضرم الذي يعمل حالياً في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى "الرئيس، في الواقع، يقول إن (عليهم) تلبية هذه الاحتياجات الإنسانية وإلا فلن يكون أمامي خيار سوى فرض شروط على المساعدة (العسكرية)".