ما الذي يمكن لمجلس الأمن أن يفعله بعد تجاهل إسرائيل قراره بشأن وقف الحرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/01 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/02 الساعة 06:09 بتوقيت غرينتش
مجلس الأمن/الأناضول

أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، فتجاهلته إسرائيل وواصلت حربها على القطاع، فماذا يمكن للمجلس الأممي أن يفعله؟

صحيفة The New York Times الأمريكية نشرت تقريراً يرصد كيف أنه وبعد أسبوع من قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، لا يبدو أن أي شيء قد تغير في الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.

قرار أممي أم مجرد بيان سياسي؟

قالت الصحيفة الأمريكية إنه على الرغم من أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أصدر يوم الإثنين 25 مارس/آذار قراراً يطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، فإن الآثار المترتبة على هذا القرار وحدها هي التي تحدد ما إذا كان للقرار أي تأثير ملموس على مسار الحرب، أم تؤول به إلى أن يصبح مجرد بيان سياسي.

وجاء قرار مجلس الأمن رقم 2728 في أعقاب ثلاث محاولات سابقة قطعت فيها الولايات المتحدة طريق تمرير القرارات المطالبة بوقف إطلاق النار، باستخدامها حق النقض (الفيتو). وجاءت الموافقة بأغلبية 14 صوتاً، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت. ويدعو القرار أيضاً إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين من دون قيد أو شرط، وإزالة العوائق أمام دخول المساعدات الإنسانية، لكنه لا يربط بشكل مباشر بين وقف إطلاق النار وملفي الأسرى وإدخال المساعدات.

أهوال حصار مجمع الشفاء
الاحتلال الإسرائيلي أحرق المباني في مجمع الشفاء الطبي/الأناضول

أدانت الحكومة الإسرائيلية القرار، وخلصت صحيفة "نيويورك تايمز" بناء على الشواهد الأولية إلى أن خطوة الأمم المتحدة لم تسفر عن تغيير كبير في أرض الواقع، ولا أسهمت في تحفيز التقدم الدبلوماسي نحو وقف إطلاق النار.

إسرائيل لم تلتزم، فماذا يمكن لمجلس الأمن أن يفعل؟

قالت "نيويورك تايمز" إن مجلس الأمن ليس لديه سوى وسائل قليلة لتنفيذ قراراته، إلا أنه يمكن له اتخاذ إجراءات عقابية على الدول المخالفة لما أصدره من قرارات، وفرض عقوبات عليها. وقد لجأ المجلس من قبل إلى فرض عقوبات اشتملت حظر السفر لمسؤولين في الدول المنتهكة لقراراته، وفرض قيود اقتصادية على هذه الدول، وحظر بيع الأسلحة إليها.

ومع ذلك، نقلت الصحيفة الأمريكية عن خبراء قانونيين قولهم إن أي إجراء إضافي، في هذه الحالة، يتطلب قراراً جديداً من المجلس، وتمريره يقتضي موافقة الدول الخمس التي تتمتع بحق النقض (الفيتو) في المجلس، ومنها الولايات المتحدة، أوثق حلفاء إسرائيل.

مجلس الأمن
امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن الذي دعا إلى وقف إطلاق ناري فوري في غزة ضدم إسرائيل/رويترز

وزعمت الصحيفة أن فرض القرار على إسرائيل يعترضه تحديات قانونية أخرى، ففي حين أن الأمم المتحدة تقول إن قرارات مجلس الأمن تعد قانوناً دولياً ملزماً، يخالف بعض الخبراء القانونيين هذا الرأي، ويقولون إنه ليست جميع القرارات ملزمة للدول الأعضاء، وإنما فقط القرارات المعتمدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتناول التهديدات للسلم والأمن الدوليين. ولم يتطرق القرار الذي صدر يوم الإثنين إلى الفصل السابع في منطوقه.

لكن إذا كانت تلك هي وجهة النظر الأمريكية، فيبدو أن واشنطن فقط هي من ترى أن قرار مجلس الأمن ليس ملزماً لإسرائيل، لأنه حتى حلفاؤها الغربيون مثل لندن وباريس عبروا عن القناعة بأن جميع قرارات مجلس الأمن تعتبر ملزمة لجميع الدول.

ملزم أم غير ملزم لإسرائيل؟

ومع ذلك، قال مسؤولون في الأمم المتحدة إن القرار يبقى ملزماً لإسرائيل، إلا أن بعض الدول خالفوها في ذلك. وقالت كوريا الجنوبية إن القرار "لا يفرض الإلزام بموجب الفصل السابع"، لكنه يعكس إجماع المجتمع الدولي على فحواه.

في غضون ذلك، شددت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، على أن القرار غير ملزم. ورجَّح خبراء أن الولايات المتحدة، التي لديها سلطة كبيرة في مجلس الأمن بسبب مقعدها الدائم، ترى القرار أداة سياسية معتبرة أكثر من كونه أمراً ملزماً.

وقال إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت (السماح بتمرير القرار) إشارة واضحة إلى الأمور التي تضعها في صدارة اهتمامها السياسي في الوقت الحالي، حتى لو كان من المستبعد أن يتخذ مجلس الأمن خطوات أخرى لتنفيذ القرار في وقت قريب.

هل أثَّر القرار في مسار القتال؟

نقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين كبار أن الجيش الإسرائيلي تجاهل الدعوة إلى وقف إطلاق النار، لأنه لا بدَّ من مواصلة الحرب حتى تفكيك الجناح العسكري لـ"حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية" (حماس). وذكرت الصحيفة أن مسار الحملة العسكرية الإسرائيلية لم يطرأ عليه تغيير يذكر بعد القرار، فقد واصل سلاح الجو الإسرائيلي قصف غزة بالغارات، ولا تزال المقاومة الفلسطينية تشن هجماتها على قوات الاحتلال وآلياته المتوغلة في القطاع.

غزة
سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد – رويترز

واستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في حملته العسكرية على مستشفى الشفاء في شمال غزة، وهو أكبر منشأة طبية في غزة والضفة الغربية، ولم ينسحب من المستشفى ومحيطه إلا قبيل فجر الإثنين 1 أبريل/نيسان، كما واصلت قوات الاحتلال هجماتها على خان يونس، أكبر مدينة في جنوب غزة.

وتقع مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وفلسطين، وتبلغ مساحة المدينة 55 كيلومتراً مربعاً؛ ما يجعلها أكبر مدن القطاع في الجنوب، وهي ملاصقة للشريط الحدودي لشبه جزيرة سيناء المصرية، حيث يوجد معبر رفح، وهي الآن مقر لنحو مليون ونصف المليون نازح فلسطيني من أهل القطاع.

ما تأثير القرار في إدخال المساعدات إلى غزة؟

يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على طرق إدخال المساعدات إلى غزة، وقالت الأمم المتحدة ووكالات تابعة لها إن أهالي غزة يواجهون أزمة جوع متفاقمة توشك على بلوغ المجاعة، وخاصة في شمال القطاع.

واتهمت منظمات إغاثة، منها اتحاد المنظمات الخيرية الدولية "أوكسفام"، إسرائيل بأنها المسؤولة عن الحصار المفروض على غزة منذ 6 أشهر، وعن قلة المساعدات التي تدخل إلى الأهالي، وقالت المنظمات إن الجيش الإسرائيلي يعطل تسليم المساعدات بإجراءات التفتيش المبالغ فيها والقيود المشددة. أما إسرائيل، فتدَّعي أنها تسعى إلى منع وصول المساعدات إلى حماس.

وقالت "نيويورك تايمز" إن الأيام الماضية لم تشهد كذلك تغييراً يُذكر في إدخال المساعدات، فقد أشارت بيانات الأمم المتحدة إلى أن عدد شاحنات المساعدات التي دخلت غزة يوم الثلاثاء 26 مارس/آذار من المعبرين الحدوديين المفتوحين لتقديم المساعدات يعادل تقريباً متوسط العدد اليومي للشاحنات التي عبرت هذا الشهر.

كما زعمت الصحيفة أن متوسط الشاحنات التي عبرت يومياً خلال هذا الشهر بلغ نحو 150 شاحنة، وهذا العدد من الشاحنات أقل بنسبة 70 % تقريباً من عدد الشاحنات الذي كان يدخل يومياً إلى القطاع قبل أن تشدد إسرائيل حصارها المفروض على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ما أثر القرار في المسار الدبلوماسي؟

يبدو أن إسرائيل وحماس لا تزال بينهما خلافات كبيرة في بنود المفاوضات الجارية لوقف القتال وتبادل المحتجزين الإسرائيليين مقابل المعتقلين الفلسطينيين.

وقال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إن قرار مجلس الأمن يبرهن على أن إسرائيل معزولة دبلوماسياً. وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن القرار عرقل المفاوضات، وشجَّع حماس على التمسك بشروط أحسن لها.

الحرب على غزة
عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز

وفي السياق ذاته، فرضت محكمة العدل الدولية ثلاثة إجراءات احترازية جديدة، وأصدرت حكماً يقضي بضرورة تعاون إسرائيل الكامل مع الأمم المتحدة، من أجل تزويد سكان غزة بالخدمات الأساسية.

قرار محكمة العدل الدولية الصادر يوم 28 مارس/آذار الماضي قضى باتخاذ تدابير احترازية جديدة في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، لتأخذ القضية مساراً مناهضاً لرغبات تل أبيب، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

محكمة العدل وحكم جديد ضد إسرائيل

فقد أصدرت المحكمة قراراً يتضمن الأخذ في الاعتبار بتدهور الأوضاع المعيشية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، ولا سيما انتشار حالات المجاعة. وعليه، أصدرت حكماً يقضي بضرورة تعاون إسرائيل الكامل مع الأمم المتحدة، من أجل تزويد الفلسطينيين في غزة بالخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الغذاء والماء والكهرباء والوقود والمأوى والملابس ومواد التنظيف، فضلاً عن الإمدادات الطبية والرعاية الطبية.

كما طالب حكم المحكمة جميع الأطراف المعنية باتخاذ جميع التدابير اللازمة والفعالة، دون تأخير، لضمان توفير المساعدات الإنسانية وفي مقدمتها زيادة قدرة وعدد المعابر البرية وإبقائها مفتوحة لأطول فترة.

وفي المادة الثانية من الحكم، طالبت المحكمة الجيش الإسرائيلي بعدم انتهاك حقوق الفلسطينيين في غزة، واعتبار سكان غزة مجموعة بشرية محمية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، وعدم منع أنشطة إيصال المساعدات الإنسانية اللازمة في القطاع.

وفي المادة الثالثة، قضت المحكمة بأنه يتعين على إسرائيل أن تقدم تقريراً إلى المحكمة خلال شهر واحد عن الأنشطة المتخذة في إطار تطبيق التدابير الإضافية.

وستقوم المحكمة بدورها بـ "إرسال التقرير الجديد الصادر عن إسرائيل إلى جنوب أفريقيا وسيتم السماح للأخيرة بالتعبير عن آرائها بشأن التدابير المدرجة من قبل إسرائيل في التقرير"، بخلاف الإجراء السابق الوارد في قرار المحكمة يوم 26 يناير/كانون الثاني الماضي، ترسل بموجبه تل أبيب التقرير إلى محكمة العدل الدولية للتقييم فحسب، دون إرساله إلى جنوب أفريقيا.

تحميل المزيد