منذ بداية الحرب على غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عمل رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وضع إسقاطات دينية وتوراتية وتاريخية عند اليهود لشرعنة الحرب على القطاع وارتكاب الجرائم، فتارة يذكر "العماليق" في إطار سعيه لإعطاء مزيد من الحماسة للجنود لقتل كل ما أمامهم وارتكاب المجازر، وتارة يقول إن جنود جيشه هم جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام منذ عهد "يوشع بن نون".
وأخيراً يذكر نتنياهو "هامان" ويتوعد زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار بمصير مشابه له، وذلك في إطار احتفالات الإسرائيليين هذه الأيام بـ"عيد المساخر"، وهو ذكرى خلاص اليهود في بلاد فارس من مخططات هامان وزير الإمبراطور الفارسي الأخميني أحشويرش، حين ألقى قرعة ليرى اليوم المناسب لتنفيذ قتل اليهود، لكن كان مصيره الشنق، بحسب الروايات الإسرائيلية في "سفر إستير"، والكتاب المقدس العبري "التناخ".
وقال نتنياهو، الأحد 24 مارس/آذار 2024، إن الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح، ويحقق ما أسماه "النصر المطلق". وأوضح في كلمة له من قاعدة عسكرية للشرطة العسكرية: "حماس ارتكبت في 7 أكتوبر/تشرين الأول ما أسماه الرئيس الأمريكي جو بايدن الشر المطلق.. ولا يمكن الانتصار على الشر المطلق عندما نتركه كما هو في رفح، سندخل إلى رفح وسنحقق النصر الحاسم وسنقضي على السنوار، كما قضينا على هامان". فمن هو هامان الذي ذكره نتنياهو؟
من هو هامان عند اليهود؟
في الثقافة الإسلامية، فإن هَامَان هو شخصية وردت في النصوص القرآنية. كان وزير فرعون في زمن نبي الله موسى والمقرب الأول من حاشيته. وذكره الله تعالى في كتابه الكريم، في ستّة مواضع؛ حيث دلّ موضعان منها صراحةً على أنّ هامان كان من حاشية فرعون، فيما قال مفسرون إنّ هامان هو لقب وزير الملك في مصر في ذلك العصر.
أما في الثقافة والأساطير اليهودية، فشخصية هامان مختلفة، فهو "هامان الأجاجي" أو "هامان الشرير" الذي كان وزيراً في بلاط الملك الفارسي "أحشويروش/خشايارشا"، وقد حاول إقناع الملك بقتل اليهود في القرن الخامس قبل الميلاد، بحسب المصادر العبرية.
وهامان هو العدو الرئيسي لليهود في "سفر إستير"، فهو وفقاً للكتاب المقدس العبري "التناخ"، كان وزيراً عظيماً في الإمبراطورية الفارسية تحت حكم الملك أحشويروش، إلا أنه كان عادة يتم مساواته بالملك أرتحشستا الأول أو أرتحشستا الثاني. وكما يشير لقبه أجاجيت، فإن هامان من نسل أجاج، ملك العمالقة. ويفسر بعض المعلقين أن هذا النسب هو نسب رمزي نظراً لأن شخصيته كانت مشابهة لشخصية العماليق عند اليهود.
كيف قُتل هامان؟
في "سفر إستير"، يذكر هامان بن حمداثا الأجاجي، وبعدما تم تنصيب هامان في منصب الوزير الرئيسي للملك أحشويروش كان مطلوباً من كل خدم الملك أن يسجدوا إلى هامان، إلا أن مردخاي أحد حاشية الملك رفض هذا الأمر. فقام هامان غضباً من هذا الرفض، ولمعرفته بديانة مردخاي اليهودية، حاول هامان إقناع الملك أحشويروش بأن يسمح له بقتل جميع اليهود في المملكة الفارسية.
لكن الملكة إستير اليهودية -زوجة الملك الحديثة- قامت بإحباط هذه المؤامرة. فقد دعت إستير هامان والملك إلى مأدبتين. وأخبرت الملك في المأدبة الثانية أن هامان يخطط لقتلها (وقتل اليهود الآخرين). فأغضب هذا الأمر الملك، كما ازداد غضبه عندما عاد إلى الغرفة بعد وقت قصير ووجد هامان طريح أريكة إستير بقصد توسل الرحمة من إستير، إلا أن الملك فسر ذلك بأنه خطوة تمهيدية لممارسة الرذيلة مع الملكة.
وتقول الروايات اليهودية إنه تم شنق هامان بأمر الملك على المشنقة التي كان ارتفاعها 50 ذراعاً، والتي أعدها هامان بنفسه لشنق مردخاي. كما تم تعليق جثث أبناء هامان العشرة بعد أن تم قتلهم في معركة ضد اليهود في فارس.
"هامان الشرير" في روايات يهودية أخرى
يُعتبر هامان في التراث الحاخامي من أحد الأشرار التاريخيين الذين اضطهدوا اليهود، لكن كثيراً ما توصف قصته بالخرافة. وتقول الروايات إنه حاول إبادة اليهود في آسيا، وبذلك أصبح ألد أعدائهم، وأصبح هامان بطبيعة الحال محور العديد من الأساطير التلمودية. حيث تذكر إحدى الروايات أنه كان في وقت من الأوقات فقيراً للغاية، لدرجة أنه باع نفسه عبداً لمردخاي. كما أنه كان يعمل حلاقاً لمدة تصل إلى اثنين وعشرين عاماً. وأنه بعدما أصبح وزيراً كان يضع على ملابسه صورة وثنية مطرزة، بحيث من يسجد له بأمر الملك يسجد أيضاً إلى هذه الصورة.
وتقول الأساطير اليهودية إنه عندما كان هامان على وشك تحديد موعد إبادة اليهود في فارس بدأ بعمل قُرعة لهذا الغرض. وبالتالي فإن شهر أبريل/نيسان كان هو الشهر المفضل لليهود نظراً لوقوع عيد الفصح فيه؛ وشهر مايو/أيار نظراً لوقوع عيد الفصح الصغير فيه. ولكنه عندما وصل إلى شهر مارس/آذار وجد أن علامة بروجها هي الحوت، وعندها قال: "الآن سوف أكون قادراً على ابتلاعهم مثل السمك الذي يبتلع بعضه بعضاً". وتقول رواية يهودية أخرى إن هامان أمر بقتل النبي دانيال الذي تمكن من الحياة حتى عهد الملك أحشويروش.
ما علاقة هامان بعيد المساخر؟
عيد المساخر أو (الفور أو البوريم) هو عيد يهودي يصادف يوم 14 مارس/آذار في التقويم العبري، وهو يصادف هذا العام يومي 23-24 مارس/آذار 2024، وهو ذكرى قصة خلاص اليهود من "المجزرة" التي كانت تخطط لهم في بلاد فارس من قبل هامان، الذي تمت هزيمته وشنقه في القرن الخامس قبل الميلاد بحسب الأساطير والخرافات اليهودية.
وفي هذا العيد اليهودي، تتم قراءة "سفر إستير" علانية، وتتم إثارة الكثير من الضوضاء والضجيج والرقص في كل مرة يتم فيها ذكر اسم هامان. ويقوم اليهود في ذلك اليوم باستخدام أداة صانعة للضجيج تعبيراً عن ازدرائهم لهامان يطلق عليها بالعبرية اسم رعشان، أو "hamandreyer". وتقليدياً في هذا اليوم يتم أكل معجنات تعرف باسم هاناشين أو (آذان هامان)، سخرية منه.
لكن أصبح احتفال اليهود بهذا اليوم النابع من أساطير وربما خرافات، يتحول في أكثر من مرة إلى مجازر يرتكبونها بحق الفلسطينيين، حيث أحرق المستوطنون بلدة حوّارة في نابلس في 6 مارس/آذار 2023 ودمروها وقتلوا وأصابوا فلسطينيين، وقد شاركهم جنود الجيش الإسرائيلي في الرقص احتفالاً بعيد المساخر وحرق منازل ومزارع وممتلكات الفلسطينيين.
وسبق تلك الجريمة بأيام قليلة فقط، هجوم نفذه مئات المستوطنين بحماية الجيش الإسرائيلي في 26 فبراير/شباط 2023، حيث قاموا بإحراق 52 منزلاً و130 سيارة، وإصابة 150 مواطناً، واستشهد الشيخ سامح أقطش برصاص المستوطنين.
وفي 25 فبراير/شباط 1994، أي في عيد المساخر في تلك السنة، نفّذ المستوطن الكاهاني باروخ غولدشتاين، المقيم في مستعمرة كريات أربع في الخليل، مجزرة مروعة في الحرم الإبراهيمي سقط فيها 29 شهيداً فلسطينياً وعشرات الجرحى. وارتفع عدد الشهداء إلى 50 بعد القمع الذي مارسه الجيش الإسرائيلي على المحتجين والمشيّعين الفلسطينيين. وتحول قَبْر غولدشتاين في كريات أربع إلى مزار في عيد المساخر، ويجري اليوم التعامل مع هذا السفاح بصفته قديساً من قبل المستوطنين.
ومنذ عدة أعوام، تحول عيد المساخر لمناسبة دينية يقتحم فيها مئات وفي أحيان آلاف المستوطنين المسجد الأقصى بعد إخراج الفلسطينيين منه، للاحتفال بعيد المساخر وتعزيز التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.