حصل "عربي بوست" على صور أقمار صناعية تظهر بناء قوات الاحتلال الإسرائيلي منشأتين ضخمتين جنوب مدينة غزة، عند الطريق الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ويهدف الاحتلال إلى تحويلهما لنقطة تفتيش كبيرة للفلسطينيين الذين سيتحركون بين شمال القطاع وجنوبه، كما تمنح إحدى المنشأتين الاحتلال إمكانية التحكم في المساعدات القادمة عبر البحر.
يأتي بناء نقاط تفتيش إسرائيلية بغزة بعد إتمام قوات الاحتلال إنشاء الطريق الفاصل بين جزئي القطاع، الذي يُطلق عليه اسم "ممر نتساريم"، أو "الطريق 794″، والذي تم بناؤه بالأساس لمنع عودة مئات آلاف النازحين الفلسطينيين إلى مدينة غزة وشمال القطاع.
تحليل صور الأقمار الصناعية يظهر أن الاحتلال بدأ في بناء المنشأتين بشكل متزامن، وذلك بدءاً من أول مارس/آذار 2024، كما يظهر موقع بناء المنشأتين أن الاحتلال يريد تكريس تقسيمه للقطاع إلى جزئين.
موقع المنشأة الأمنية الأولى يقع عند أقصى الطرف الغربي للطريق الفاصل بين جزئي القطاع، وتحديداً بجوار شارع الرشيد الاستراتيجي الذي يمتد من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، وهو الشارع الذي يسكله نازحون فلسطينيون للتوجه إلى الجنوب، أو من أجل الحصول على المساعدات.
هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، ذكرت يوم الخميس 21 مارس/آذار 2024، في خبر مقتضب أن المنشأة الواقعة عند شارع الرشيد، مصممة لإجراء "تفتيش مكثف لسكان غزة"، وقالت إن حجمها يساوي حجم ملعبي كرة قدم.
بحسب ما تظهره صور الأقمار الصناعية فإن مساحة المنشأة التي يجري بناؤها عند شارع الرشيد، نحو 1.2 كيلومترمربع، وتقول هيئة البث الإسرائيلية إن الاحتلال سيدرس مسألة تخزين الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية داخل المنشأة الأمنية، وأوضحت أن من خلال هذه المنشأة ستمر شاحنات الإغاثة التي ستصل إلى غزة عن طريق البحر.
بذلك فإن هذه المنطقة الأمنية تمنح إسرائيل إمكانية أكبر للتحكم في المساعدات القادمة وتوزيعها، والسبب في ذلك أن موقع إنشاء المنطقة الأمنية، يتوسط موقع بناء كل من اللسان البحري الذي يجري إنشاؤه حالياً في محافظة غزة، وموقع إنشاء رصيف مؤقت لاستقبال السفن الكبيرة في خان يونس.
ولا يبعد موقع اللسان البحري في منطقة البيدر عن المنشأة الأمنية الجديدة إلا نحو 360 متراً فقط، كما ستضطر جميع شاحنات الإغاثة المتوجهة للشمال والقادمة من الرصيف البحري بخان يونس، إلى العبور من خلال هذه المنشأة.
المنشأة الأمنية الثانية تقطع شارع صلاح الدين
وعلى بعد 3.3 كيلومتر من موقع منشأة شارع الرشيد، تبني قوات الاحتلال منشأة أخرى عند شارع صلاح الدين، وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن عمليات التشييد والتجهيز في هذه المنشأة مشابهة لعمليات التشييد في المنشأة الأمنية الأولى.
تبلغ مساحة هذه المنشأة عند شارع صلاح الدين نحو 1 كيلومتر مربع، وتقسم المنشأة الشارع الواصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه، والمنطقة التي تُقام فيها هذه المنشأة الأمنية سبق أن شهدت عمليات قتل من قوات الاحتلال لنازحين فلسطينيين أثناء محاولتهم العبور من شمال غزة إلى جنوبها.
إنشاء هذه المنطقة الأمنية عند شارع صلاح الدين يصب في هدف الاحتلال الإسرائيلي بمنع عودة النازحين إلى شمال غزة.
وبوجود الطريق الفاصل (الذي يمتد على طول نحو 6.5 كيلومتر)، والمنشأتين اللتين تبنيهما إسرائيل، باتت مساحة 14 كيلومتراً من مدينة غزة إلى شمال القطاع، مفصولة عن 27 كيلومتراً من وسط وجنوب القطاع، وتُعد محافظتا شمال غزة ومدينة غزة من أكثر المناطق في القطاع اكتظاظاً بالسكان، الذين يبلغ عددهم في كامل غزة نحو 2.3 مليون نسمة.
كان "عربي بوست" قد رصد مسحاً واسعاً للأبنية على جانبي الطريق الفاصل بين شمال القطاع وجنوبه، وامتد هذا التدمير الممنهج من بداية الطريق شرقاً إلى نهايته غرباً، فضلاً عن تجريف وتخريب أراضٍ زراعية على طول الطريق.
هذا التدمير للأبنية يهدف إلى تأمين الطريق البري من هجمات من فصائل المقاومة، من شأنها أن تضعف سيطرة قوات الاحتلال على الطريق.
وتصر حركة "حماس" خلال المفاوضات على سماح الاحتلال للسكان بالعودة إلى شمال غزة، وانسحاب القوات العسكرية التابعة له من الطريق الفاصل بين جزئي القطاع، وهو ما يرفضه الاحتلال حتى الآن.
كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، قد نقلت عن مسؤولين عسكريين قولهم إن إنشاء الجيش الإسرائيلي للطريق الفاصل وسط غزة، يهدف إلى تسهيل العملية العسكرية التي يقوم بها في القطاع، ويُعد "جزءاً من خطة إسرائيل للحفاظ على السيطرة الأمنية على القطاع لبعض الوقت".
يأتي إنشاء هذا الطريق والمنشأتين الإسرائيليتين بالتزامن مع تفاقم المعاناة الإنسانية لسكان القطاع، وتفشي المجاعة في شمال غزة على وجه الخصوص، في ظل شح شديد في إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود.