منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، سارع الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى احتضان بنيامين نتنياهو، وسارعت إدارته إلى إمداد إسرائيل بالأسلحة، ووفرت الحماية لها من الانتقادات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ودعمتها في محكمة العدل الدولية. وفضلاً عن المساعدات الأمريكية السنوية البالغة 3.4 مليار دولار لإسرائيل، تنتظر 15 مليار دولار أخرى موافقة الكونغرس.
ولكن الآن، في الوقت الذي تحتاج فيه إسرائيل إلى الدعم الأمريكي أكثر من أي وقت -في ظل ارتكاب المزيد من المجازر وإصرار إسرائيل على التقدم في رفح، والتصعيد اليومي المتبادل الذي يجعلها على شفا حرب شاملة مع حزب الله- اختار نتنياهو استعداء البيت الأبيض بشكل غير مسبوق، وهو ما قد يهدد استمرارية هذه المساعدات، كما يقول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
أزمة "بنيامين نتنياهو" الأمريكية
تقول الصحيفة البريطانية إن نتنياهو في خلافه مع بايدن يراهن على أن مستويات النفوذ الأخرى التي اكتسبها على مدى عقود -من أعضاء داعمين في مجلس الشيوخ الأمريكي، إلى اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل والدور المحوري لإسرائيل في المنطقة- ستحفظ قدرته على شن الحروب والاستمرار في منصبه في الوقت ذاته. وقد خاض هذا الرهان من قبل لكنه لم يكن محفوفاً بالمخاطر إلى هذا الحد.
وقال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إن "نتنياهو يمارس لعبة خطيرة قد تكلف إسرائيل الكثير. ولو قرر بايدن معاقبة نتنياهو، فستتضرر إسرائيل أيضاً".
وقال مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل ومبعوث السلام لباراك أوباما: "الخلاف على الضحايا المدنيين مشكلة خطيرة تهدد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وقدرة نتنياهو على مواصلة حربه حتى تحقيق "النصر الكامل". لو كان نتنياهو يخشى على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل لما سمح بأن تتدهور الأمور إلى هذا الحد".
وقال إنديك إن الدافع الأساسي لنتنياهو هو إرضاء شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، وقال: "أفضل طريقة ليفعل ذلك صد بايدن بدلاً من مهادنته.. والآن ما علينا سوى أن نترقب ما سيحدث بقلق".
"هذه واحدة من أكبر الأزمات بين أمريكا وإسرائيل"
من جهته، قال مايكل أورين، سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة إبان إدارة أوباما ونائب وزير في حكومة سابقة: "هذه واحدة من أكبر الأزمات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأضاف أورين للصحيفة أن بايدن لا يفكر في وقف صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية التي تحمي المدن الإسرائيلية من صواريخ حماس وحزب الله، إلا أنه ليس واضحاً إن كانت الولايات المتحدة ستواصل إمداد إسرائيل بالأسلحة الهجومية الأكبر التي تستخدمها إسرائيل على نطاق واسع في غزة.
وكان استخدام القنابل التي زودتها بها الولايات المتحدة والتي يبلغ وزنها 2000 رطل، وهي الأكبر في ترسانتها التقليدية، في الأحياء الفلسطينية المكتظة بالسكان أثار غضباً واستهجاناً دولياً.
وأشار أورين إلى أن الولايات المتحدة ربما غيرت مزيج الذخائر التي ترسلها لإسرائيل. وقال: "المساعدات تغيرت بالفعل من حيث الجوهر، وليس الكم. أتصور أن القنابل الدقيقة لا يزال إرسالها مستمراً، لأن هذا في مصلحة بايدن، وأضرارها الجانبية أقل بكثير"، حسب تعبيره.
ونفى شخص مطلع إسرائيلي للصحيفة البريطانية على قرار نتنياهو بصد مطالب بايدن، وليس الاستجابة لها، أن يكون متأثراً بالانتخابات الأمريكية المقبلة، بالنظر إلى أن دعم الحزب الجمهوري لنتنياهو يفوق الديمقراطي.
وقال ذلك الشخص: "الأمريكيون يدعمون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها دعماً كاملاً. والجمهور الإسرائيلي يدعم سياسات رئيس الوزراء دعماً كاملاً. ولا يوجد أي تناقض في ذلك"، على حد وصفه.
وزعم هذا الشخص أن دعم نتنياهو في المؤسسة السياسية الأمريكية "يمتد إلى ما هو أبعد من البيت الأبيض"؛ "لأنه في عهد نتنياهو جعلت إسرائيل العالم أكثر أماناً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة".
ما الثمن الذي قد يدفعه نتنياهو؟
تاريخ نتنياهو مع السلطة الأمريكية طويل، فقد أقام علاقات حصد ثمارها بعد عقود، ففي التسعينيات، أعار جاريد كوشنر، وكان في سن المراهقة، نتنياهو، الذي كان صديقاً للعائلة، فراشه في نيوجيرسي. وبعد أن أصبح كوشنر مستشاراً لدونالد ترامب، صاغ خطة سلام أمريكية لتسليم القدس والضفة الغربية والجولان المحتلين إلى إسرائيل.
لكن نتنياهو يفتخر أيضاً بالتضحية بهذه العلاقات حين تهدد مبادئه أو سياساته. وقال أولمرت: "لم يهن أحد في التاريخ المكتب البيضاوي مثلما فعل نتنياهو"، في إشارة إلى الفترة التي اختلف فيها مع أوباما بشأن المحادثات النووية مع إيران عام 2015.
على أنه في ذلك الوقت، كان الثمن السياسي الذي دفعه نتنياهو ضئيلاً، فقد كان أوباما في طريقه للخروج من البيت الأبيض، وبخلاف حجب حق النقض الأمريكي عن قرار مجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 بإدانة المستوطنات الإسرائيلية، واصل تنفيذ الاتفاق النووي رغم اعتراضات نتنياهو المسرحية.
وفي وقت لاحق، انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، بعد أن استغل نتنياهو كراهية الرئيس لأي تشريع من عهد أوباما بوثائق سرية سلبها الموساد من طهران، تشير إلى أن إيران حاولت اكتساب سلاح نووي في أوائل الألفينات.
لكن الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني عزز قرار نتنياهو بالاعتماد على الجمهوريين، وليس المؤسسة السياسية الأمريكية بأكملها، في اكتساب دعم لا يتزعزع.
يقول إنديك: "الديمقراطيون لم ينسوا ذلك يوماً. لقد نجح نتنياهو في تدمير طبيعة دعم الحزبين لإسرائيل، وهي عادة راسخة هددها عمداً، معتقداً أن الإنجيليين أجدر بالثقة من اليهود الأمريكيين التقدميين".
لكن إدارة بايدن الآن تضم الكثير من الديمقراطيين الذين أساء إليهم نتنياهو، ولا يمكن الاتكال على كرم ترامب، لو فاز في الانتخابات الأمريكية. إذ قال ترامب لمراسل إسرائيلي عام 2021: "اللعنة عليه"، في إشارة إلى نتنياهو الذي هنأ بايدن على فوزه. وقال أورين: "الانتخابات لا تزال بعيدة، والتنصيب الرسمي بعد عام. فالإدارة الجديدة لن تتشكل غداً، وفي الوقت الحالي، لا خيار سوى التعامل مع بايدن".