نشر وزير الإسكان والمجتمعات البريطاني مايكل غوف تعريفاً جديداً لـ"التطرف"، في 14 مارس/آذار 2024، والمجموعات التي ينطبق عليها هذا التعريف ستُمنع من العمل مع الهيئات الحكومية أو تلقي التمويل منها. وتأتي هذه الخطوة كما تقول الحكومة بعد تصاعد كبير في التصرفات المعادية للسامية والمعادية للإسلام في البلاد، في أعقاب اندلاع الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية.
وأثار التعريف الجديد، الذي تقول الحكومة إنه يهدف إلى "مكافحة التطرف الإسلامي واليمين المتطرف"، جدلاً بسبب ما قال البعض إنه يمثل رقابة على الفكر وليس الأفعال، ويستهدف الجمعيات الإسلامية دون غيرها، التي تقود التظاهرات ضد إسرائيل وتدعم الفلسطينيين الذين يتعرضون لحرب إبادة في غزة.
كيف تغير التعريف البريطاني لمفهوم "التطرف" وماذا يعني ذلك؟
تقول وكالة Bloomberg الأمريكية إنه في تعريف الحكومة للتطرف عام 2011، وصفته بأنه "معارضة صريحة أو قوية للقيم البريطانية الأساسية، وهي الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة". وشمل أيضاً الدعوات لقتل أفراد الجيش البريطاني.
أما التعريف الجديد فيصف التطرف بأنه "ترويج أو طرح أيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو التعصب، وتهدف إلى إلغاء أو تدمير الحقوق والحريات الأساسية للآخرين، أو تقويض أو قلب أو استبدال نظام المملكة المتحدة الديمقراطي البرلماني الليبرالي، القائم على الحقوق الديمقراطية، أو خلق بيئة متساهلة للآخرين" عن عمد ليفعلوا ذلك.
ما آثار التعريف الجديد؟
بحسب بلومبرغ فإن التعريف الجديد ليس ملزماً قانوناً ولا يؤثر على حقوق حرية التعبير، والهدف الأساسي منه عدم تعامل الحكومة مع الجماعات التي تعتبرها متطرفة، وسيراجع موظفو الحكومة وخبراء مكافحة الإرهاب التقارير الخاصة بالمنظمات قبل أن يبعثوا بتوصياتهم إلى مايكل غوف، الذي له القرار النهائي.
والجماعات التي اعتبرت "متطرفة" ستُنشر في قائمة متاحة علناً، ولن يكون لها حق الطعن أمام الحكومة، وإنما في المحاكم. وقد ترفض كيانات أخرى، مثل المجالس المحلية والجامعات، التعامل مع هذه المجموعات ولكنها ليست ملزمة بذلك.
من انتقد هذا التغيير؟
ضمّ رئيس الكنيسة الأنجليكانية بالمملكة المتحدة صوته إلى موجة الانتقادات المتزايدة لخطط الحكومة، التي تعتزم إطلاق تعريف جديد للتطرف، وحذّر رئيس الأساقفة من أن هذا الإجراء يهدد بـ"استهداف المجتمعات المسلمة في بريطانيا بصورةٍ غير متكافئة"، وذلك وفق ما جاء في بيان له نُشِرَ مساء الثلاثاء 12 مارس/آذار 2024.
وحذّر رئيس أساقفة كانتربيري جاستن ويلبي، ورئيس أساقفة يورك ستيفن كوتريل، بالبيان نفسه، من أن التعريف الجديد يُهدد حرية التعبير، وحقوق العبادة، والاحتجاج السلمي. كما قد يؤدي التعريف إلى "تشويه صورة الأشخاص الخطأ"، على حد قولهم.
فيما انتقد أعضاء البرلمان من حزب المحافظين الذي ينتمي إليه غوف هذا التغيير، لأنه يمثل رقابة على الفكر، وأعربوا عن خشيتهم من تأثيره المروع على قضايا أخرى يعتبرونها مسائل تتعلق بحرية التعبير. ومن جانبه، قال غوف إن "حرية التعبير في قضايا مثل النوع الاجتماعي والبيئة محفوظة".
وقال آدم فاغنر، المحامي والخبير البارز في حقوق الإنسان، على موقع التواصل الاجتماعي X إن الصياغة الغامضة للتعريف تهدد بأن تطبقه أي حكومة دون إنصاف. وقال: "لا نستغرب أن نرى حكومة تعرف الجماعات التي لا تتفق معها سياسياً بأنها "متطرفة"، وتستبعد الجماعات التي تتفق معها، أو تعرف أنها ستصوت لصالحها من هذا التعريف".
ما الجمعيات الإسلامية البريطانية التي يتهمها مايكل جوف بالتطرف؟
في إعلانه عن هذه السياسة الجديدة في مجلس العموم، حدد غوف ثلاث منظمات إسلامية ومجموعتين يمينيتين متطرفتين ستُقيَّم بناء على هذا التعريف الجديد. قال غوف: "منظمات مثل رابطة مسلمي بريطانيا، وهي الفرع البريطاني لجماعة الإخوان المسلمين، وجماعات أخرى مثل كيج وميند تثير القلق بسبب توجهاتها وأفكارها الإسلامية. وسنقيم هذه المنظمات ومنظمات أخرى لنعرف إن كانت تطابق تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب بناءً على ذلك". ويعطي موقع Middle East Eye فكرة مختصرة عن المنظمات الثلاث التي ذكرها غوف.
1- الرابطة الإسلامية في بريطانيا MAB
تتمتع الرابطة الإسلامية في بريطانيا (MAB)، التي تأسست عام 1997، بجذور عميقة في المجتمع الإسلامي، ونشأت من جمعية الطلاب المسلمين (MSS) التي تأسست عام 1961، وجمعية المرأة المسلمة (MWS). وتصف الرابطة نفسها بأنها حركة وطنية تضم الآلاف من الأعضاء في أنحاء المملكة المتحدة.
وأسهمت الرابطة بدور محوري في تعبئة الناخبين المسلمين وتنظيم مظاهرات كبيرة ضد الحرب في العراق ودعماً لفلسطين. ومن الشخصيات الرئيسية التي عملت مع الرابطة الإسلامية أنس التكريتي، رئيسها السابق، وداود عبد الله، نائب الأمين العام السابق للمجلس الإسلامي البريطاني.
وانتقدت رغد التكريتي، التي تقود المنظمة، مايكل غوف لاستهدافه كبرى المنظمات الإسلامية، واصفة إياه بأنه تهديد للديمقراطية والحريات الدينية وحرية التعبير. والرابطة الإسلامية مرتبطة أيضاً بدار الرعاية الإسلامية في شمال لندن، ويقال إنها أسهمت في طرد "أبو حمزة" المعروف بآرائه المتطرفة من مسجد فينسبري بارك.
2- كيج إنترناشونال
تأسست كيج إنترناشيونال Cage International، التي كانت تعرف في السابق بـ Cage Prisoners، في المملكة المتحدة عام 2003، رداً على احتجاز الأفراد دون محاكمة في معتقل خليج غوانتانامو، وكانت تركز بشكل خاص على قضية المعتقل الباكستاني معظَّم بيك. وتوسعت المنظمة بعد ذلك لتتناول قضايا أوسع تتعلق بسياسات مكافحة الإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان والحريات المدنية.
وعام 2013، غيرت اسمها لتصبح Cage، لتعكس توسُّع تركيزها. وشاركت كيج في قضايا بارزة، وقدمت دعماً قانونياً، وشنت حملات على التعذيب والتسليم السري، وطعنت في السياسات الحكومية التمييزية. ورغم نشاطها الحقوقي، واجهت كيج انتقادات حول آرائها عن الإرهاب والتطرف، حيث اتهمها البعض بالتعاطف مع الأيديولوجيات المتطرفة، على أن كيج رفضت هذه الاتهامات. ورداً على بيان غوف، قالت كيج إنها "ستنظر في كافة السبل، والقانونية منها، للطعن في إمعان الحكومة في الاستبداد".
3- منظمة المشاركة والتنمية الإسلامية (MEND)
منظمة المشاركة والتنمية الإسلامية Mend، التي تأسست عام 2008، من المنظمات الإسلامية البارزة في المملكة المتحدة التي تركز على مكافحة كراهية الإسلام والتمييز والظلم الاجتماعي داخل المجتمعات الإسلامية.
وتهدف إلى تمكين المسلمين البريطانيين من المشاركة في المجتمع والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم. وتحاول منظمة Mend تقويض الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، وتعزيز الشمولية والتسامح. وتنفذ حملات توعية بالإسلاموفوبيا. وتدعم منظمة Mend أيضاً ضحايا التمييز وتوفر التدريب على الاستجابة لظاهرة كراهية الإسلام.
وقال أزهر قيوم، الرئيس التنفيذي للمنظمة: "نتحدى مايكل غوف أن يكرر ادعاءاته خارج البرلمان ودون حماية الامتياز البرلماني، لو كان يعتقد أنه يمكنه تقديم دليل يدعم وجهة نظره بأن المنظمة دعت إلى إنشاء "دولة إسلامية تحكمها الشريعة".