خلاف بين نتنياهو وحلفائه المتطرفين.. هكذا يهدد “الأقصى” وقانون تجنيد المتشددين ائتلافه مع بن غفير

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/29 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/29 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي إيتمار بن غفير خلال اقتحامه المسجد الأقصى في21 مايو/أيار 2023-رويترز

في خطوة مثيرة للانتباه تحدَّى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حليفه المتطرف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بموافقته على تجريده من السلطة الأمنية على المسجد الأقصى، وسط حديث عن احتمال تصاعد الخلافات بين نتنياهو وبن غفير، خصوصاً مع طرح وزراء إسرائيليين أيضاً لمقترح لتجنيد اليهود المتشددين بالجيش.

فهل بات نتنياهو مستعداً للتخلي عن تحالفه مع الوزراء المتطرفين أم أن الخلافات بين نتنياهو وبن غفير هي مجرد تغيير تكتيكي في موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي؟

ضربات متتالية لـ"بن غفير"

وفيما قد يكون بمثابة سلسلة من الضربات المتتالية لوزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريش المتطرفين، طالب وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت ليلة الأربعاء، بتمرير قانون جديد للتجنيد الإجباري يتضمن تجنيد اليهود المتدينين "الحريديم"، وفلسطينيي 48، معتبراً أنه لا خيار سوى هذا القانون لحماية ما وصفه بأرض إسرائيل الأم.

وعزَّزت دعوة غالانت التكهنات بشأن الخلافات بين نتنياهو وبن غفير، إذ جاءت بعد ساعات من قرار مجلس حكومة الحرب الإسرائيلية المصغر تجريد بن غفير من سلطة إدارة شؤون المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، لمنع تصعيد التوترات، حسبما ذكرت أخبار القناة 12 الإسرائيلية مساء الأربعاء.

وبالتالي لن يكون بن غفير جزءاً من المناقشات بشأن هذه المسألة، التي ستكون حكراً لمجلس الحرب، ولن يتم فرض أي قيود شاملة على وصول عرب إسرائيل للأقصى خلال رمضان، باستثناء ما تصفه سلطات الاحتلال بالدواعي الأمنية، وذلك بعدما كان بن غفير يريد السماح فقط لمن تخطى السبعين من عرب 48 بدخول الحرم القدسي.

وعادةً، يتم تنفيذ السياسة الأمنية في القدس الشرقية من قِبل الشرطة الإسرائيلية، التي تخضع للسلطة السياسية لوزارة الأمن القومي.

نتنياهو رضخ لضغوط المؤسسة الأمنية وغالانت وغانتس

وأشارت التقارير إلى أن نتنياهو رفض طلب بن غفير بإدخال قوات الأمن إلى الأقصى، إذا رفع المصلون الأعلام الفلسطينية أو لافتات تشيد بالمقاومة الفلسطينية.

وجاء القرار في أعقاب تحذيرات أصدرها مسؤولون كبار في جهاز الشرطة الإسرائيلية، من اتباع السياسة التي ينتهجها بن غفير، في المسجد الأقصى، وفرض قيود على دخول المصلين إلى الأقصى في شهر رمضان، وأوضحوا أن ذلك قد يؤدي إلى إشغال الوضع الأمني ​​في مدينة القدس المحتلة والمدن المختلطة التي تضم عرباً ويهوداً في أراضي الـ48.

الخلافات بين نتنياهو وبن غفير
اقتحام مستوطنين للمسجد الأقصى، صورة أرشيفية/Getty Images

ويعتقد أن قرار نتنياهو سحب سلطة الإشراف الأمني على الأقصى من بن غفير جاء نتيجة ضغوط كذلك من قِبل وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والوزير وعضو مجلس الحرب بيني غانتس، اللذين شددا على أنه وقت الحرب لا مجال للضغوط والاعتبارات الخارجية والسياسية، في ظل تحذير غالانت من أن إسرائيل تدخل مرحلة خطيرة خلال شهر رمضان، ملمحاً إلى أن بن غفير -دون أن يسميه- شخص غير مسؤول.

بن غفير غاضب من حليفه

وجاء هذا القرار، ليمثل تغيراً عن موقف آخر لبنيامين نتنياهو تسرب يوم الأحد الماضي بوقوفه إلى جانب دعوة بن غفير، لفرض مزيد من القيود على وصول فلسطينيي 48 الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى الحرم القدسي خلال شهر رمضان، حسبما ورد في تقرير لموقع the Times of Israel.

وفي مؤشر على احتمال تصاعد الخلافات بين نتنياهو وبن غفير، أعرب وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف (وهو ليس عضواً في مجلس الحرب) عن غضبه من هذه الأنباء، وقال على حسابه بموقع "X" إنه يتوقع من نتنياهو أن ينكر ما ورد، وإن الصلاحيات المعنية يجب أن تنتمي إلى وزارته، واتهم نتنياهو بأنه قرر "اتباع نهج عضو مجلس الحرب بيني غانتس القائل بأن السلام يتم شراؤه بالانطواء والاستسلام للإرهاب"، حسب تعبيره.

زعيم المعارضة الإسرائيلية يرحب بالقرار

من جانبه، رحب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بقرار مجلس الحرب بسحب صلاحيات بن غفير المتعلقة بالأقصى، في مؤشر أنه قد يحاول الاستفادة من الخلافات بين نتنياهو وبن غفير سياسياً.

وكان لابيد قد  عرض قبل بضعة أسابيع على نتنياهو أن يوفر حزبه "شبكة أمان" لحكومة نتنياهو في الكنيست من أجل المضي قدماً في صفقة الرهائن إذا لزم الأمر، وذلك في ظل مخاوف في إسرائيل والولايات المتحدة من أن نتنياهو يمتنع عن إبرام صفقة لتبادل الأسرى وإبرام هدنة خوفاً من انسحاب بن غفير ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش من الائتلاف الحاكم؛ ما سيؤدي لسقوط حكومته، وبالتالي احتمال تعرضه للمحاكمة. واشترط لابيد من أجل دخول حزبه لحكومة نتنياهو انسحاب حزب "عوتسما يهوديت" والحزب الصهيوني الديني منها. 

الهدنة في غزة قد تكون سبباً إضافياً لتفاقم الخلافات بين نتنياهو وبن غفير 

ويضاف هذا الموقف إلى سلسلة من الخلافات بين نتنياهو وبن غفير؛ حيث هدد الأخير مراراً بالتخلي عن نتنياهو إذا تراجعت وتيرة الهجوم على غزة أو عقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى وإبرام هدنة، فيما يعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يضغط حالياً لإبرام الصفقة بحلول شهر رمضان أو قبله.

واللافت أن الحديث عن الخلافات بين نتنياهو وبن غفير يأتي في وقت تدرس فيه الحكومة الأمريكية جولة إضافية من العقوبات ضد مستوطنين ومنهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وعناصر من حزبه، حسبما قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية.

هل يفجر مقترح تجنيد المتشددين دينياً أزمة داخل الائتلاف الحكومي؟ 

تظل المسألة الأكثر حساسية، والتي قد  تفجّر الخلافات بين نتنياهو وبن غفير وغيره من حلفائه المتطرفين في الائتلاف الحكومي، احتمال طرح، مشروع قانون لتجنيد اليهود المتشددين دينياً "الحريديم"، وعرب إسرائيل"، حيث يمثل الإعفاء من التجنيد واحداً من أبرز الخطوط الحمر للأحزاب الدينية المتطرفة في إسرائيل، وامتيازاً لا يريد المتشددون التخلي عنه، بينما يثير ذلك الاستياء في المقابل في أوساط المواطنين العلمانيين الذي يخضعون للتجنيد، مما يؤثر على تنافسيتهم في سوق العمل أمام خريجي المدارس الدينية. 

وأعلن يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي والقيادي بحزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو، مؤخراً، أن المؤسسة الأمنية ستقدم قانون التجنيد الذي ستؤيده فصائل التحالف الحاكم، في إشارة إلى تحالفه مع بيني غانتس رئيس حزب حزب "الوحدة الوطنية"، وغادي آيزنكوت القيادي بالحزب؛ لتمرير هذا المشروع.

كما ربط غانتس وغادي آيزنكوت، وهما رئيسان سابقان لأركان الجيش الإسرائيلي، إنضما للحكومة بعد طوفان الأقصى، بين تقديم دعمهما لجهود حكومة الاحتلال لتمديد فترة خدمة قوات الجيش الإسرائيلي وبين قبول خطتهما لتوسيع التجنيد والتي تسعى إلى زيادة عدد الإسرائيليين الذين يتم تجنيدهم تدريجياً على مدار فترة العقد المقبل، داعين للتجنيد من كل أطياف المجتمع الإسرائيلي بمن فيهم العرب والحريديم.

الخلافات بين نتنياهو وبن غفير

ويأتي هذا المقترح في وقت حساس، حيث يمثل استدعاء الاحتياطي واسع النطاق وغير المسبوق في الحجم في تاريخ إسرائيل ضغطاً على جيش دولة الاحتلال واقتصادها، ويضر بالقوى العاملة من العلمانيين الذين يمثلون عصب اقتصاد البلاد، في حين أن طلاب وخريجي المدارس الدينية المعفيين من الخدمة العسكرية ليس لهم دور كبير في الاقتصاد.

وبالتزامن مع هذا الجدل، نظرت المحكمة العليا في إسرائيل، يوم الإثنين 27 فبراير/شباط 2024، في طعون تتعلق بإعفاء اليهود المتشددين (الحريديم) من الخدمة في الجيش، حيث كانت المحكمة قد أبطلت في عام 2018 قانوناً يعفيهم من التجنيد إعمالاً لمبدأ المساواة. ولم تفلح مساعي الكنيست في التوصل لقواعد جديدة، وينتهي سريان أمر أصدرته الحكومة بتعليق التجنيد الإلزامي للمتشددين الشهر المقبل.

ويمثل مشروع قانون التجنيد تحدياً سافراً لابن غفير والوزراء المتطرفين، حيث إن الأحزاب الدينية المتشددة هددت في أغسطس/آب 2023، بحل الحكومة إذا لم يتم تمرير قانون يمدد الإعفاءات التي يتمتعون بها حالياً.

وإذا أصرت الأحزاب المتطرفة على موقفها الرافض لخطة تجنيد الحريديم، قد تذهب إسرائيل إلى انتخابات مبكرة، إلا إذا استسلم بيني غانتس لموقفهم، وهو سيناريو يستبعده كثير من المراقبين الذين يرون أن هذه مسألة حساسة لغانتس وآيزنكوت، اللذين بنيا إرثيهما السياسي على كونهما قائدين عسكريين محترفين لا يساومان على الاحتياجات الأمنية لدولة الاحتلال.

وتبقى الخطوة القادمة عند بنيامين نتنياهو، الذي يعمل دوماً على التلاعب بالمتطرفين والعلمانيين معاً، فهل يضطر في ظل الضغوط الأمريكية عليه وفشله في إطلاق الأسرى، وتصاعد أزمة تجنيد المتشددين، إلى الاختيار بين الأحزاب المتطرفة التي فقدت ثقة الشارع الإسرائيلي بعد الإخفاق الأمني في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وبين القوى الموصوفة بالعلمانية التي يخشى نتنياهو أن توفر له شبكة أمان مؤقتة في البرلمان، ثم ينتهي تحالفه المنتظر معها بانهيار حكومته وتعرضه للمحاكمة..

أم يستطيع مواصلة حيله في التلاعب بالطرفين للتشبث بالسلطة؟

تحميل المزيد