جاءت استقالة الحكومة الفلسطينية التي يرأسها محمد أشتية، الإثنين 26 فبراير/شباط 2024، مثيرة للتساؤلات بشأن أسبابها وتوقيتها وعن الشخصية المحتملة لخلافته وهو محمد مصطفى، الذي يتردد اسمه كمرشح أبرز، بحسب ما أكدته مصادر من السلطة الفلسطينية لـ"عربي بوست".
اسم "محمد مصطفى" تكرر مراراً في وسائل الإعلام المحلية الفلسطينية، عند الحديث أكثر من مرة عن نية محمد أشتية الاستقالة منذ أشهر عدة، وهو شخصية اقتصادية أيضاً، في حين ستستمر حكومة محمد أشتية في تسيير الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة.
عن أسباب استقالة الحكومة، فإن ما هو معلن من أشتية نفسه، أنها تأتي "في ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالحرب على غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية المحتلة".
تحدث "عربي بوست" مع محللين في الشأن الفلسطيني، الذين تناولوا أسباباً أخرى متعلقة باستقالة الحكومة الفلسطينية، من وجهة نظرهم، مقللين من إمكانية حدوث تغيير كبير بشأن الحكومة المقبلة، التي من المتوقع أن يقودها الاقتصادي محمد مصطفى.
أسباب استقالة حكومة أشتية
من جانبه، رأى الكاتب والباحث الفلسطيني، ساري عرابي، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "هناك أكثر من سياق بشأن أسباب استقالة حكومة أشتية، أولها فشل هذه الحكومة الموصوفة من الفلسطينيين بأنها الأكثر فشلاً منذ تأسيس السلطة الفلسطينية وحتى هذه اللحظة، لاسيما على المستوى الاقتصادي، على الرغم من وصف رئيس الحكومة بأنه خبير اقتصادي، وأنه كانت له مواقع اقتصادية سابقة في إدارة مؤسسات تابعة للسلطة".
عن أسباب الاستقالة أيضاً، أوضح أن "السلطة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، وهناك أزمة اقتصادية مستحكمة، والحكومة لم تفعل شيئاً منذ مجيئها وحتى الآن، لمواجهة تحديات اقتصادية ذات طابع سياسي ناجم عن ابتزاز الاحتلال الإسرائيلي لها عن طريق أموال المقاصة، أو لتعزيز مجتمع اقتصادي عصامي للشعب الفلسطيني، أو زيادة الموارد المالية للسلطة الفلسطينية بما يمكنها من مواجهة الابتزاز المالي".
شدد كذلك على أن "هناك أزمة اقتصادية خانقة تعانيها السلطة الفلسطينية، ويدفع ثمنها المجتمع الفلسطيني، بحيث أن السلطة باتت تعتاش على الموارد المالية من ضرائب الفلسطينيين بدلاً من أن تعزز صمودهم في ظل الاحتلال الإسرائيلي".
الأمر الثاني بشأن أسباب استقالة حكومة أشتية، بحسب عرابي، أن "هذه الحكومة هي حكومة فتح، وهذا ما تختلف فيه عن الحكومات السابقة التي حرص الرئيس الفلسطيني محمود عباس فيها على عدم وضع شخصية فتحاوية على رأس الحكومة منذ ما يسمى بالانقسام حتى اليوم".
أوضح بالتالي أن "سلام فياض الذي قاد أول حكومة انقسامية بعد الانقسام الفلسطيني ليس من حركة فتح، ورامي الحمد الله بعده ليس من حركة فتح، بل كان رئيس حكومة في إطار توافق وطني مع حركة حماس لفترة ما، أما محمد أشتية، جاء بدل الحكومة التي يفترض أنها حكومة توافق وطني، وهو شخصية فتحاوية معروفة، بل قيادي فتحاوي كبير، لأنه عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، التي تعد أعلى هيئة قيادية تنفيذية فيها".
بحسب عرابي، فإن "فشل حكومة محمد أشتية لم يقتصر على مواجهة الأزمة الاقتصادية وحسب، ولكن في مواجهة التحديات السياسية والأمنية في الضفة الغربية، فنحن نتحدث عن اقتحامات يومية غير مسبوقة أفضت إلى اعتقال آلاف الفلسطينيين واستشهاد المئات منهم، وهناك اقتحامات يومية للمدن الفلسطينية، فضلاً عن تصعيب حركة الفلسطينيين بإغلاق الحواجز في وجوههم، بالإضافة إلى الموقف الصامت أو الانتظاري، وأحياناً غير المتعاطف مع الفلسطينيين في قطاع غزة أو مع حركة حماس هناك، رغم الحرب العدوانية الإسرائيلية غير المسبوقة بهذا الشكل والعمق وطول المدة".
تناول كذلك أسباباً داخلية، بما يتعلق بأسباب استقالة حكومة أشتية، موضحاً أن "هناك تدافعات فتحاوية داخلية، من قبيل محاولات تهيئة الموقف الفتحاوي الداخلي لمرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا سيما أن حركة فتح لا تزال تؤجل مؤتمرها الثامن الذي يفترض فيه أن يتم فرز نخبة قيادية جديدة للحركة".
وأضاف عرابي أنه "من الممكن أن تكون استقالة حكومة محمد أشتية محاولة فتحاوية للقول إن السلطة الفلسطينية وحركة فتح تحاولان أن تفعلا شيئاً بخصوص المرحلة الراهنة، التي منها الحرب العدوانية على الفلسطينيين في قطاع غزة، لا سيما أن فتح تتحمل مسؤولية كل ما يحصل الآن سياسياً واقتصادياً أمام المجتمع الفلسطيني".
ورجح أن تكون الاستقالة "محاولة لإظهار بادرة من حسن النية لتسهيل مثلاً تشكيل حكومة تكنوقراط، أو تشكيل حكومة توافق وطني، أو مد الجسور مع حركة حماس، أو تمهيداً ربما لمؤتمر الفصائل الفلسطينية الذي دعت له روسيا في موسكو، لانعقاده بوقت قريب".
تجدر الإشارة بهذا الخصوص، إلا أنه من المقرر أن تلتقي الفصائل الفلسطينية في موسكو 29 فبراير/شباط الجاري، بدعوة من روسيا لبحث المصالحة الفلسطينية، لا سيما بين حركتي فتح وحماس.
بدوره، رأى الكاتب والمحلل الفلسطيني، جهاد حرب، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "عباس جاهز للحديث حول حكومة جديدة في لقاء الفصائل الفلسطينية في موسكو، ولا يوجد أي عقبة أمام الفلسطينيين للنقاش الآن حول شكل الحكومة، وعلى ما يبدو يوجد موافقة من حماس على تشكيل حكومة تكنوقراط"، بحسب قوله.
وقال إن "السبب وراء استقالة الحكومة الفلسطينية الحالية والمضي لإيجاد حكومة تكنوقراط، أن الرئيس عباس، يريد أن يضع أمام المجتمع الدولي جهوزية السلطة الفلسطينية لاستلام وإدارة العمل في قطاع غزة"، وفق تقديره.
رأى كذلك حرب، في أسباب استقالة حكومة أشتية، أن "عباس يريد أن تكون الحكومة المقبلة جزءاً من تحديد وجهة اليوم الثاني في الرد على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي ألغى إمكانية وجود سلطة فلسطينية تدير شأن الفلسطينيين في الضفة وغزة".
خليفة أشتية المحتمل محمد مصطفى
بالعودة إلى ساري عرّابي، بما يتعلق بخليفة أشتية المحتمل، رأى أن طرح محمد مصطفى خلفاً لأشتية، "لا يغير من الأمر شيئاً"، موضحاً سبب ذلك، أنه "يعود إلى أن مصطفى جزء من السلطة الفلسطينية، ويعد أحد الخيارات الثابتة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان يقود صندوق الاستثمار الفلسطيني، وكان وزيراً سابقاً في السلطة، ومستشاراً لعباس".
شدد كذلك على أن مصطفى "وجه آخر لكل السياسيين الذين أداروا الحكومة الفلسطينية منذ ما يسمى بالانقسام الفلسطيني وحتى هذه اللحظة، بل قد يكون أقرب إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس من سلام فياض على سبيل المثال".
تمسك عرابي أيضاً بفكرة أنه لا يعتقد أن "تعيين محمد مصطفى يعد تغييراً جوهرياً ينم عن تحول حقيقي في سياسات السلطة الفلسطينية، بل تأكيد لها".
جهاد حرب من جانبه، أشار إلى أن مصطفى مستشار اقتصادي للرئيس عباس، بالإضافة إلى كونه عضو في اللجنة التنفيذية، مشيراً إلى أن ذلك يحتاج إلى توافقاً فلسطينياً.
حول إمكانية التوافق عليه بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، لم يكن حرب متأكد من ذلك، قائلا: "لا أعرف إمكانية حدوث توافق عليه، فلا يمكن تقرير كيف تنظر الفصائل إلى هذا الخيار، ولكن على ما يبدو، فإنه أقوى المرشحين حتى الآن لرئاسة الحكومة الفلسطينية المقبلة".
هل تكون حماس منفتحة على المشاركة بالحكومة المقبلة؟
بشأن إمكانية وجود انفتاح حركة حماس على المشاركة في الحكومة المقبلة، قال المحلل الفلسطيني ساري عرابي، إنه "يجب أن نفرق بين حديث حركة حماس عن حكومة وحدة وطنية أو عن حكومة تكنوقراط بعد الحرب على غزة، تكون مفتاحاً لإعادة الإعمار ورفع الحصار عن قطاع غزة، وبين ما ينوي أن يفعله الرئيس الفلسطيني محمود عباس".
وقال: "حتى هذه اللحظة، فإن استقالة حكومة أشتية، وربما تعيين حكومة بديلة عنها، لا تبدو أنها تأتي في إطار الاتفاق مع حركة حماس، بالتالي نحن نتحدث عن مسارين على الأقل منفصلين حتى هذه اللحظة".
لم تعلق حماس رسمياً بعد على استقالة حكومة محمد أشتية أو الحديث عن حكومة تكنوقراط، لكن عرابي يرى أن "حديث حركة حماس عن حكومة وحدة وطنية شيء، وإقالة محمد أشتية شيء آخر، لكن هذا لا يمنع في مرحلة ما بحسب الكيفيات التي ستنتهي بها هذه الحرب أن يكون هناك نوع من التفاهم ما بين مجمل الأطراف الفلسطينية على حكومة تكنوقراط يكون أهم أهدافها رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة الإعمار، وفق تقديره.
ترحيب باستقالة حكومة محمد أشتية ورغبة بالتغيير
كان لافتاً الترحيب الخارجي باستقالة حكومة محمد أشتية، إذ رحبت الولايات المتحدة الأمريكية بالتغيير في السلطة الفلسطينية، مؤكدة أنه "خطوة مهمة لضمان إعادة توحيد غزة والضفة الغربية"، وفق ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر خلال مؤتمر صحفي.
رحبت الأمم المتحدة أيضاً بالاستقالة، إذ قال متحدثها ستيفان دوجاريك، إن "وجود حكومة قوية تحكم جميع الأراضي الفلسطينية بما في ذلك غزة، له أهمية حاسمة على طريق السلام الدائم".
يعكس الترحيب الذي سارعت إليه أطراف دولية، رغبة بإجراء تغييرات على الحكومة والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي أكدته مصادر خاصة في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، أشارت إلى أن هناك رغبة من القيادات الأمنية في كل من الأردن وأمريكا في حدوث تغييرات في السلطة والحكومة وسط تصاعد التوترات الأمنية في مناطق الضفة الغربية".
مصدر أردني أفاد حينها لـ"عربي بوست"، بأن "المخابرات الأردنية أعربت عن قلقها من سيناريو انهيار السلطة الفلسطينية وتراجع شعبيتها، ونقلت رسالتها للرئيس عباس بأنها لن تسمح بهذه الفوضى كون أمن الأردن واستقراره سيكون معرضاً للخطر حال انهيار السلطة، جراء انشغال حركة فتح بالتحضير لمعركة الخلافة".
كذلك رأى جهاد حرب، في معرض تصريحاته لـ"عربي بوست"، أن استقالة حكومة أشتية تأتي "استجابة لمطالب عربية ودولية للتحضير لأي مسار سياسي مستقبلي لمسار ما بعد الحرب في غزة".
مدير "مركز القدس للدراسات" التابع لجامعة القدس الفلسطينية، أحمد رفيق عوض، أكد من جهته، بحسب تصريحات نقلتها "وكالة الأناضول"، بأن "حكومة فلسطينية جديدة هو مطلب دولي وفلسطيني، لإجراء تحديث وإصلاح للسلطة، وقد تلاقت الرغبتان معاً".
وقال: "أي حكومة فلسطينية يجب أن تحظى بموافقة الأطراف الإقليمية والدولية كافة حتى تستطيع أن تعمل".
لفت كذلك إلى أن "الحكومة القادمة عليها مهام كبيرة في ظل الحرب وما بعدها، منها تسلّم مساعدات وتوزيعها والإعمار والتحضير لانتخابات وإصلاح النظام السياسي والإداري والقانوني".
في حين تجدر الإشارة إلى أن محمد مصطفى كان مسؤولاً في البرنامج الحكومي الفلسطيني لإعمار قطاع غزة عام 2014.
من جانبها، اعتبرت وكالة "أسوشيتدبرس" الأمريكية أن استقالة حكومة محمد أشتية، "خطوة أولى في عملية الإصلاح التي حثت عليها الولايات المتحدة، كجزء من أحدث خططها الطموحة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، وفق قولها.
لكنها رأت في هذه الخطوة أنها غير كافية، و"لن تفعل الكثير لمعالجة افتقار السلطة منذ فترة طويلة إلى الشرعية بين شعبها، أو علاقاتها المتوترة مع إسرائيل"، وأن ذلك "يشكل عقبات كبيرة أمام الخطط الأمريكية التي تدعو السلطة الفلسطينية، إلى حكم قطاع غزة بعد الحرب، قبل إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف".
أشارت الوكالة الأمريكية أيضاً إلى أن الشخصية المتوقع أن يحل محل أشتية، وهو محمد مصطفى، اقتصادي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وشغل مناصب عليا في البنك الدولي، معتبرة أنه "من المرجح أن يكون تعيين مصطفى موضع ترحيب من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى".
يشار إلى أنه منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال الإسرائيلي عدواناً مدمراً على قطاع غزة، خلف عشرات آلاف الضحايا، معظمهم أطفال ونساء، وفق بيانات فلسطينية وأممية.
أدى ذلك إلى مثول الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب "إبادة جماعية" بدعوى من جنوب أفريقيا.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.