زعمت إسرائيل أنها "منطقة آمنة" وبها يوجد أكثر من مليون نازح، ماذا نعرف عن "رفح"، أكبر مدن جنوب قطاع غزة التي تريد إسرائيل اجتياحها برياً رغم تحذيرات العالم؟
فالأمم المتحدة تحذر من وضع كارثي في مدينة رفح وتقول إنها تواجه ضغوطاً هائلة من أجل وضع خطة تهدف إلى مساعدة أكثر من مليون نازح فلسطيني، حيث تعاني المدينة على المستوى الصحي ولا يوجد بها إلا عدد قليل من المستشفيات أبرزها مستشفى رفح المركزي.
أين تقع مدينة رفح الفلسطينية؟
تقع مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة على الشريط الحدودي الفاصل بين مصر وفلسطين، وتبلغ مساحة المدينة 55 كيلومتراً مربعاً؛ ما يجعلها أكبر مدن القطاع في الجنوب، وهي ملاصقة للشريط الحدودي لشبه جزيرة سيناء المصرية، حيث يوجد معبر رفح.
تقع رفح في أقصى جنوب السهل الساحلي الفلسطيني على الحدود الفلسطينية المصرية، على خط الطول الشرقي 30-52، وخط العرض الشمالي 29-36، وتبتعد عن ساحل البحر المتوسط 5.5 ميل. والمسافة بين رفح ومدينة غزة 38 كم، بينما تبلغ المسافة بينها وبين مدينة خان يونس في وسط القطاع 13 كم، وتبعد عن قرية الشيخ زويد في سيناء 16 كم، وعن مدينة العريش المصرية 45 كم.
وترتفع مدينة رفح عن سطح البحر بـ48 متراً، وتتميز بأرضها الرملية، حيث تحيط بها الكثبان الرملية من كل جهة. وقديماً كانت تمثل الحد الفاصل بين مصر وسوريا على البحر المتوسط، فمن بعدها تقل الأمطار وينتهي الخصب وتبدأ الصحراء.
ماذا عن اقتصاد رفح؟
على بساطته، يتنوع النشاط الاقتصادي في رفح، حيث يقوم على ثلاثة قطاعات اقتصادية، وهي: النشاط التجاري، النشاط الزراعي، النشاط الصناعي وصيد الأسماك.
ويزدهر أيضاً النشاط التجاري في رفح نتيجة موقعها الجغرافي الحدودي، وطبيعة تكوينها الرملي، والذي جعلها لا تصلح للزراعة، وبذلك اتجه سكانها نحو التجارة بين مصر وفلسطين، وساهم في ذلك رؤوس الأموال المتدفقة لها من أبنائها العاملين في الخارج. ويقام في رفح سوق شعبي كل يوم سبت يؤمه الناس من غزة وخان يونس.
أما النشاط الزراعي في المدينة فقد بدأ في التحسن بعد ستينات القرن الماضي، حيث قام أصحاب الأراضي بحفر الآبار؛ ما ساهم في إنجاح زراعة الحمضيات، كما تمّ استصلاح أراضٍ قريبة على شاطئ البحر؛ وبذلك أصبحت مواصي رفح لا تقل أهميتها عن مواصي خان يونس، وتقدر المساحة المزروعة في رفح بحوالي 7500 دونم مزروعة بالحمضيات، وأشجار اللوز، والخضراوات.
رفح.. مدينة عمرها أكثر من 5 آلاف عام
أما عن تاريخ رفح فهو ضارب في عمق الزمان ويعود إلى أكثر من 5 آلاف عام. فهي من المدن التاريخية القديمة، التي عرفت بأسماء عديدة، فسماها الفراعنة "روبيهوي"، وأطلق عليها الآشوريون "رفيحو"، وأطلق عليها الرومان واليونان اسم "رافيا". أما اسمها الحالي رفح فقد أطلقه عليها العرب بعد أن فتحها عمرو بن العاص أثناء عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
وفى عهد الآشوريين في القرن الثامن قبل الميلاد شهدت رفح معركة عظيمة بين الآشوريين والفراعنة الذين تحالفوا مع ملك غزة، وآل النصر في هذه المعركة للآشوريين.
وفي عام 217 قبل الميلاد، حدثت معركة في رفح بين البطالمة حكام مصر والسلوقيين حكام الشام، وخضعت رفح وسوريا لحكم البطالمة مدة 17 عاماً إلى أن عاد السلوقيون واسترجعوها. أما في العهد المسيحي؛ فقد اعتبرت رفح مركزاً للأسقفية إلى أن فتحها المسلمون العرب على يد عمرو بن العاص في عهد الخليفة بن الخطاب.
وفي القرن السابع للهجرة، لم يعد في مدينة رفح عمران، فأصبحت مهجورة من السكان، لكنها سرعان ما عادت للازدهار بعد ذلك. وبعد ذلك، كانت إحدى محطات نابليون بونابرت خلال عام حملته الفرنسية على بلاد الشام عام 1799.
ومنذ عام 1917، خضعت رفح للانتداب البريطاني الذي فرض على فلسطين كلها. وفي عام 1948 بعد إعلان إسرائيل، دخل الجيش المصري إلى رفح وظلت تحت الإدارة المصرية حتى عام 1967 عندما احتلتها إسرائيل، باستثناء فترة قصيرة خلال حرب 1956 عندما انسحبت منها مصر ودخلها جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يعود المصريون إليها عام 1957.
وبعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية السلام وانسحاب الأخيرة من شبه جزيرة سيناء وضعت أسلاك شائكة لتفصل بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.
وتتكون مدينة رفح اليوم من 12 حياً وتجمعا سكنياً وهي: منطقة المواصي، تل السلطان، وسط البلد "مخيم اللاجئين"، رفح الغربية، الحشاش، حي النخلة، خربة العدس، حي السلام، الجنينة. كما يوجد بها مواقع سياحية وتاريخية أبرزها "خربة رفح" و"تل رفح" و"خربة العدس" و"تل المصبح" و"أم مديد".
السكان في رفح
تعود أصول غالبية سكان مدينة رفح إلى مدينة خان يونس وإلى بدو صحراء النقب وصحراء سيناء. وفي أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948، نزح إلى رفح لاجئون فلسطينيون ترجع أصولهم إلى مختلف قرى ومدن فلسطين المحتلة. وكان عدد سكان رفح أقل من الألف حتى عام 1920، وأصبح أكثر من ألفين عام 1945، لكنه وصل إلى أكثر من 120 ألف نسمة بحسب إحصاء أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2007.
أما اليوم، فتقول الأمم المتحدة إن رفح باتت تستضيف أكثر من 1.3 مليون نازح فلسطيني، يمثلون نحو نصف سكان قطاع غزة، بينما ترفع تقديرات أخرى ذلك العدد إلى 1.5 مليون شخص. وقد نزح بعض هؤلاء نحو 6 مرات هروباً من القصف الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتظهر صور الأقمار الصناعية، التي التقطت خلال الشهرين الماضيين، تسارع وتيرة النزوح في قطاع غزة في الأسابيع الأخيرة، حيث إن جميع الأراضي غير المأهولة بالسكان تقريباً، الواقعة شمال غربي محافظة رفح، قد تحولت إلى ملاجئ للنازحين.
إذ نزح معظم سكان رفح الحاليين بسبب العدوان الإسرائيلي من أجزاء أخرى من غزة، ويعيشون في الخيام التي نصبوها من قضبان معدنية أو عصي، أو أغصان الشجر، وغطوها بالأقمشة أو المواد البلاستيكية، فيما تعد رفح الملاذ الأخير بالنسبة لهم.
وفضل العديد من النازحين البقاء في الجزء الغربي من المدينة القريب من البحر، خشية تعرضها لاجتياح من الجهة الشرقية القريبة من الحدود مع إسرائيل. وشُيدت الآلاف من الخيم في رفح منذ بداية ديسمبر/كانون الأول بالقرب من الحدود المصرية، ويظهر تحليل لصور الأقمار الصناعية قامت به هيئة الإذاعة البريطانية BBC الأعداد المتزايدة للخيام في رفح منذ بدء الحرب، حيث تغطي الخيم الجديدة مساحة تقدر بحوالي 3.5 كيلومتر مربع.
كيف هي الأوضاع الآن في رفح؟
منذ بداية العدوان الحالي على قطاع غزة، زعمت إسرائيل أن رفح "منطقة آمنة"، وطالبت الفلسطينيين بالتوجه نحوها، لكن الآن تزعم إسرائيل أن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" وكبار قادتها والأسرى الإسرائيليين موجودون في رفح، بحسب تقرير لشبكة ABC الأسترالية.
إذ كانت إسرائيل وجيشها قد روَّجت على مدى أسابيع إلى أن قادة حماس ومركز سيطرتها موجودون في قلب مدينة غزة شمال القطاع، ثم انتقل الحديث إلى خان يونس في الوسط، والآن يتحدثون عن رفح في الجنوب، حيث نشرت صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية تقريراً يزعم أن حماس قد نصبت فخاً لجيش الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة، وهو ما يعكس التخبط والارتباك وعدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالأهداف الإسرائيلية التي تعلنها الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.
ومنذ أن أعلن نتنياهو عن نية اجتياح رفح برياً، يكرر أن تلك هي الطريقة الوحيدة للانتصار في الحرب، بحسب تقرير الشبكة الأسترالية: "من المستحيل تحقيق هدف الحرب وهو القضاء على حماس إذا تركنا أربع كتائب لهم في رفح".
لكن على الرغم من أن إسرائيل كانت قد أعلنت أن رفح "منطقة آمنة"، إلا أن قصف المدينة لم يتوقف، حيث شنت طائرات الاحتلال أكثر من 290 عملية قصف مكثف في رفح في الفترة من 7 أكتوبر/تشرين الأول وحتى 9 فبراير/شباط، تسببت في استشهاد أكثر من 2100 فلسطيني، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين.
ويعيش النازحون في رفح في ظروف معيشية مزرية في مراكز إيواء مكتظة كالمدارس أو في الشوارع، أو في أي رقعة أرض، محاطين بالسياج الحدودية المصرية والإسرائيلية والبحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن القصف الإسرائيلي الذي لا يتوقف.
ويكافح الأطباء وعمال الإغاثة لتوفير المساعدات الأساسية، ووقف انتشار الأمراض بين النازحين. وتقول وكالات الإغاثة إنها لا تستطيع نقل الناس إلى مناطق أكثر أمناً، لأن القوات الإسرائيلية متمركزة في الشمال، وإنّ المساعدات المسموح بدخولها إلى القطاع محدودة للغاية.
وخلاصة الوضع الآن هو أنه بدلاً من مخيم رفح للاجئين الذي كان موجوداً قبل بداية العدوان الإسرائيلي، تحولت رفح بالكامل إلى ما يشبه مخيماً كبيراً للاجئين.
ومع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأنه أصدر توجيهاته للجيش بإعداد الخطط اللازمة لإجلاء النازحين والمدنيين من رفح، لشن هجوم بري عليها، يبرز السؤال الأهم، أين يمكن أن يذهب نحو 1.5 مليون نازح بعد ذلك؟