"'طائرة حربية قد تستمر في التحليق لمدة 130 عاماً"، إذ تعد طائرات إف 15 واحدة من أقوى طائرات الجيل الرابع من المقاتلات، وصاحبة أكبر سجل انتصارات جوية في الحديث، ورغم أنها حلّقت في السماء للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي، فإنها ما زالت طائرة القوات الجوية الأمريكية الضاربة، وها هي واشنطن تدخل نسخة جديدة تدعى F-15 II أو إف 15 إي إكس للخدمة.
فكيف يحدث هذا، رغم البحوث وعمليات التطوير المستمرة في مجال تكنولوجيا الطيران، ورغم تفوق تكنولوجيا الجيل الخامس منذ عقود، لماذا ظلت طائرات إف 15 مطلوبة بشدة رغم افتقادها للقدرات الشبحية؟
وعن طريق آخر عمليات التحديث، وهي إصدار إف 15 إي إكس، ستبقى طائرات F-15 في الخدمة خلال المستقبل المنظور، وقد يستمر ذلك حتى نهاية القرن الحالي، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
لماذا قررت أمريكا تطوير نسخة من المقاتلة إف 15 رغم أنها تعود للسبعينيات؟
المقاتلة إف 15 إي إكس، هي نسخة F-15 الأكثر تقدماً، والتي طورت استناداَ إلى متغير F-15QA من الطائرة الشهيرة، الذي صنع للقوات الجوية القطرية.
وتقدم المقاتلة إف 15 إي إكس وعداً بتوفير سرعة أعلى، ومدى أطول، وحمولة أكبر تبلغ 29500 رطل أي 14.06 طن (بما في ذلك محطتا أسلحة إضافيتين)، وتكاليف تشغيل أقل من النسخ السابقة.
ويتميز هذا المتغير أيضاً بأطول نطاق اشتباك جو-جو مقارنة بأي مقاتلة لدى القوات الجوية الأمريكية.
ستسمح متطلبات البنية التحتية والدعم والتدريب المماثلة لوحدات F-15 العاملة حالياً بالانتقال بسرعة إلى طائرات إف 15 إي إكس.
وتخطط القوات الجوية الأمريكية لشراء 104 من هذه الطائرات.
وجاء تطوير نسخة جديدة من F-15 رغم قدم تصميمها، بالنظر إلى التكلفة الكبيرة للطائرات الشبحية من طرازي F-22 وF-35، كذلك المدى القصير للأخيرة وحمولتها الأقل مقارنة بـF-15، التي تتميز أيضاً بسرعة لا تضاهى بين مقاتلات التفوق الجوي العاملة حالياً، حيث لا يتفوق عليها سوى المقاتلة ميغ 31 التي تعد مقاتلات اعتراض من بعيد، وليست مقاتلة اشتباك جوي.
إف 15 إي إكس قد تطير لنحو 130 عاماً بفضل هذه الميزات
وفقاً لشركة بوينغ الأمريكية، الشركة المصنعة لطائرات إف 15، "تعد طائرة إف 15 إي إكس، بديلاً جاهزاً الآن لطائرات إف 15 سي، التي لديها أفضل حمولة ومدى وسرعة في فئتها. ولما كانت مصممةً لتقديم القيمة المرجوة إلى القوات الجوية الأمريكية، سوف تكون طائرة إف 15 إي إكس عموداً فقرياً لهذه القوات، ليس اليوم فقط، بل على مدى العقود العديدة التالية".
حسناً إذاً، يبدو توصيف شركة بوينغ لنسختهم المُحدثة من الطائرة F-15 مبهماً، ويستهدف بوضوح الإعلان وليس التثقيف حولها، حسب المجلة الأمريكية.
لكن دعاية الشركة تقدم بعض الأفكار، أولاً، تُعد الطائرة إف 15 إي إكس بديلاً للطائرة F-15 سي، وليس للطائرة F-15 إي (مثلما قد يظن المرء بالنظر إلى تسميتها إي إكس). ومع ذلك، تعد الطائرة إف 15 إي إكس مشتقة من الطائرة F-15 إي، وليس من الطائرة F-15 سي. يبدو تصميم الطائرة المنطلق من الطراز F-15 إي والمعتمد عليه، أمراً منطقياً، نظراً إلى أن الفئة إي، أو سترايك إيغل، هي طائرة مقاتلة يمكنها تنفيذ المهام في جميع الأحوال الجوية، ولها أدوار متعددة، وقادرة على شن هجمات جو-أرض. على الجانب الآخر، فإن فئة سي هي مقاتلة تفوق جوي بحْت، صُممت في حقبة الحرب الباردة، عندما كان بناء مقاتلات ذات وظيفة واحدة من النفقات المسموح بها.
ولكن في الوقت الحالي، في عصر ما بعد الحرب الباردة المقيد نسبياً من الناحية المالية، يتوقع دافعو الضرائب الأمريكيون أن تكون مقاتلاتهم قادرة على الاضطلاع بالعديد من الوظائف في ذات الوقت.
كذلك يفاخر توصيف بوينغ بأن الطائرة المقاتلة إف 15 إي إكس سوف تبقى في الخدمة لعقود عديدة. لكن ذلك طرحٌ قابل للنقاش، في ظل المعدل المحموم للتطورات التي يشهدها مجال تكنولوجيا الطيران. حيث أن ذلك يعني أن الطائرة إف 15 إي إكس سوف تواصل التحليق في السماء في العام 2100 أو في الآونة القريبة منه، وبما أن انطلاق النسخة الأولى من الطائرة يعود للسبعينيات، فإن ذلك قد يعني أنها قد تطير لنحو 130 عاماً.
يبدو أمراً ممكناً، لا سيما إذا صُدرت الطائرة إف 15 إي إكس إلى البلاد ذات المطالب الأقل على صعيد التكنولوجيا الجوية (على سبيل المثال، قد تبقى لنهاية القرن مع القوات الجوية بدول مازالت تحلق بطائرات ذات تكنولوجيا تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حتى يومنا هذا). لكن التنبؤ باستمرارها لعقود عدة هو تنبؤ جريء، لا سيما بالنظر إلى شبكات الدفاع الجوي المتطورة الصينية والروسية، القادرة على إسقاط مقاتلات الجيل الرابع، بل وحتى النسخ المتطورة منها مثل إف 15 إي إكس.
قوة دفع هائلة وسقف تحليق شديد الارتفاع
سوف تطير الطائرة إف 15 إي إكس بطاقم مكون من طيار واحد أو طيارَين: وهما طيار، وضابط مسؤول عن منظومة السلاح (WSO) على الأرجح. سوف تكون الحمولة القصوى للطائرة 36.74 طن، ما يعني أنها ستكون قادرة على حمل الكثير من الذخائر أو الوقود، أو كليهما معاً.
صُممت الطائرة اعتماداً على محركين جنرال إلكتريك إف110-جي إي-129، وكلاهما محرك توربيني مروحي بحارق لاحق، ولذا سوف يكون لدى الطائرة إف 15 إي إكس حوالي 8 أطنان من الدفع الجاف (مضروبة في رقم اثنين لأنها تحتوي على محركين) الذي ينتجه المحرك، وحوالي 14.75 طن (مضروبة في رقم اثنين) من الدفع سينتجه المحرك، والذي سيتضمن الحارق اللاحق. ولذا بعد إضافة تأثير الحارق اللاحق، سيصل إجمالي الدفع الذي ستنتجه محركات الطائرة إف 15 إي إكس إلى حوالي 30 طناً. يعد ذلك كثيراً بالنسبة لطائرة واحدة. وإذا أردنا المقارنة التقريبية، فسنجد أن صاروخ ريدستون، الذي أطلق كبسولة ميركوري التي ضمت رائد الفضاء الشهير ألان شيبرد، أنتج دفعاً قدره حوالي 39 طناً.
ومع كل هذا الدفع الذي تتيحه هذه الطائرة، سوف تبلغ السرعة القصوى لها 2655 كيلومتراً في الساعة، وهي سرعة أعلى من ضعف سرعة الصوت (نحو 2.5 ماخ). سوف يكون المدى القتالي للطائرة 687 ميلاً بحرياً، ويفترض أن يصل سقف التحليق، أو ما يُعرف بـ"سقف الخدمة"، إلى حوالي 60 ألف قدم (18.29 كيلومتر). ليس سقف الخدمة في هذا الطائرة بنفس ارتفاع سقف الخدمة في الطائرة لوكهيد لو-2، أو لوكهيد إس آر-71، بكل تأكيد، لأن هاتين الطائرتين صممت كلتاهما للتحليق على ارتفاعات كبيرة ولأغراض تجسسية.
لكن سقف الخدمة البالغ 60 ألف قدم مرتفعٌ بكل تأكيد. ومع وجود محركين إف 110 النفاثين، لن تواجه الطائرة إف 15 إي إكس مشكلة إذا أرادت الوصول إلى سقف الخدمة، ومن الجدير بالملاحظة أن الطائرة F-15 إي إكس، سوف يكون لديها معدل صعود يصل إلى 50 ألف قدم في الدقيقة.
ما يعني أن الطائرة سوف تتجاوز الدقيقة بقليل من أجل الانطلاق من الأرض والتحليق وصولاً إلى سقف الخدمة البالغ 60 ألف قدم. وعلى طول الطريق وصولاً إلى هذا الارتفاع، ستتجاوز قوة التسارع 9 جي.