أعلنت محكمة العدل الدولية، الثلاثاء 6 فبراير/شباط 2024، تعيين القاضي اللبناني نواف سلام رئيساً لها، إثر انتهاء ولاية الرئيسة الأمريكية القاضية جون دونوغيو، ليصبح بذلك سلام ثاني عربي يترأس هذه المحكمة منذ إنشائها عام 1945، بعد وزير خارجية الجزائر الأسبق ورئيس المحكمة الدستورية فيها محمد بجاوي.
في الوقت نفسه أعلنت المحكمة تعيين القاضية الأوغندية التي انحازت لإسرائيل في دعوى جنوب أفريقيا، جوليا سيبوتيندي نائبة لسلام، لمدة 3 سنوات. وقالت "العدل الدولية" في بيان عبر منصة "إكس": "تم اليوم (الثلاثاء)، انتخاب القاضي نواف سلام (لبنان) رئيساً لمحكمة العدل الدولية من قبل أقرانه، لفترة ولاية مدتها ثلاث سنوات". فمن هو القاضي اللبناني نواف سلام، وما مواقفه السابقة تجاه القضية الفلسطينية؟
من هو القاضي اللبناني نواف سلام؟
القاضي اللبناني نواف سلام (69 عاماً)، هو أستاذ جامعي ورجل قانون، ودبلوماسي لبناني شغل منصب قاضٍ في محكمة العدل الدولية في لاهاي من 2018، وكان قبل ذلك يشغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نيويورك، في الفترة ما بين يوليو/تموز 2007، وديسمبر/كانون الأول 2017، ولديه العديد من الكتب والمؤلفات والأوراق البحثية في القانون والسياسة وغيرهما.
والقاضي نواف سلام هو من مدينة بيروت، وابن عائلة سنّية سياسية معروفة، فهو حفيد سليم سلام، مؤسس "الحركة الإصلاحية في بيروت"، وقد انتُخب نائباً عن بيروت في مجلس المبعوثان العثماني عام 1912. أما عمه صائب سلام فقد عُرف بنضاله من أجل استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، وقد تولّى لاحقاً رئاسة الحكومة اللبنانية أربع مرات بين 1952 و1973. فيما تولّى ابن عمه تمام سلام رئاسة الحكومة اللبنانية بين 2014 و2016. وأما زوجته فهي الصحفية سحر بعاصيري، سفيرة لبنان لدى منظمة اليونيسكو.
ونال سلام شهادة دكتوراه دولة في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس عام 1992، وقبلها شهادة ماجستير في القوانين من كلية الحقوق في جامعة هارفارد (1991)، وقبلها كان قد حصل على شهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة السوربون (1979).
يُذكر أن سلام حصل عام 2012 على وسام جوقة الشرف الفرنسي (Légion d'honneur) برتبة ضابط، من قِبل الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي.
نواف سلام.. من العمل الأكاديمي إلى المحافل الدولية
عمل القاضي اللبناني نواف سلام منذ 1979 إلى 1981 محاضراً في مادة التاريخ المعاصر للشرق الأوسط في جامعة السوربون. وغادر باريس عام 1981 ليمضي سنة باحثاً زائراً في مركز ويذرهيد للعلاقات الدولية في جامعة هارفارد.
وبين 1985 و1989 كان محاضراً في الجامعة الأمريكية في بيروت، إلى جانب ممارسته لمهنة المحاماة في مكتب "يوسف تقلا". وبين الأعوام 1989 و1990 عاد باحثاً زائراً إلى كلية الحقوق في هارفارد، كما عمل مستشاراً قانونياً في مكتب محاماة إدواردز وانغلز Edwards & Angell LLP من 1989 إلى 1992.
وصار سلام أستاذاً زائراً مساعداً في العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 2003، ثم أستاذاً مساعداً عام 2005. وقد تولَّى منصب مدير دائرة العلوم السياسية والإدارة العامة فيها من 2005 إلى 2006.
انتُخب سلام عضواً في المكتب التنفيذي للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الأول في لبنان بين 1999 و2002، كما كان عضواً في الهيئة الوطنية لليونيسكو من 2000 إلى 2004.
وفي الأعوام 2005 و2006 عيّنه مجلس الوزراء عضواً في الهيئة الوطنية لإصلاح قانون الانتخابات، المنوط به إعداد مسودة قانون انتخابي جديدة في لبنان، وانتخب أمين سر لها، وهو أيضاً عضو في مجلس أُمناء المركز اللبناني للدراسات.
سلام مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة
شغل القاضي اللبناني نواف سلام منصب سفير ومندوب دائم للبنان في الأمم المتحدة في نيويورك، بين يوليو/تموز 2007 وديسمبر/كانون الأول 2017.
وتميّزت ولاية سلام في الأمم المتحدة بمداخلات متكررة في مجلس الأمن، داعياً إلى احترام سيادة لبنان وتأمين استقراره، من خلال تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، وتعزيز سياسة النأي بالنفس من النزاع السوري، والسعي إلى إنهاء الإفلات من العقاب من خلال إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1757.
ومثَّل سلام لبنان في مجلس الأمن إثر انتخابه عضواً غير دائم في مجلس الأمن لعامي 2010 و2011. وتسلَّم لبنان الرئاسة الدورية لهذا المجلس خلال شهر مايو/أيار 2010، ممثلاً بسلام نفسه.
وشغل القاضي اللبناني منصب نائب رئيس الدورة الـ67 للجمعية العامة في الأمم المتحدة، بين سبتمبر/أيلول 2012، وسبتمبر/أيلول 2013. كما مثَّل لبنان في المجلس الاقتصادي والاجتماعي ECOSOC في الفترة ما بين 2016 و2017.
ما موقفه من القضية الفلسطينية؟
يقول القاضي اللبناني نواف سلام في مقابلة سابقة له عام 2020، مع قناة BBC، إنه تأثّر باليسار في شبابه، وناضل من أجل القضية الفلسطينية في فترة الدراسة بالجامعة، وتأثر كأي فرد من أفراد جيله بهزيمة النكسة في فلسطين عام 1967.
ويقول سلام إنه خلال تمثيله لبنان في مجلس الأمن وتسلّمه الرئاسة الدورية لهذا المجلس، خلال شهر مايو/أيار 2010، بكى عند تسلمه الملف الفلسطيني لتقديم عضويتها للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنها كانت لحظة مؤثرة بالنسبة له، مضيفاً أن لبنان حينها كان الدولة العربية الوحيدة التي دعمت الموقف الفلسطيني بصلابة في الحصول على هذه العضوية التي طال انتظارها، وعدم تأجيل هذه الخطوة، كما طالبت بذلك بعض الدول العربية خشية من الضغوطات الأمريكية.
كما ثابر سلام في الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بما فيها حق تقرير المصير، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، خلال 10 سنوات من تمثيله لبنان في الأمم المتحدة.
الإعلام العبري: تطور مقلق!
من جهتها، علقت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية على نبأ تعيين القاضي اللبناني نواف سلام رئيساً لمحكمة العدل الدولية بقولها إنه "تطور مقلق" لإسرائيل، فيما علقت مواقع إخبارية عبرية أخرى بأنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان تعيين سلام سيؤثر على القضية القانونية التي رفعت ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، وما علينا الآن سوى انتظار قرارات المحكمة التي ستصدر في المستقبل.
ويقول موقع ice العبري الإخباري قد تكون هذه أخباراً مقلقة بشكل خاص للإسرائيليين، ولكن لا يزال هناك مجال للتفاؤل، فلقد تم تعيين نائبة لسلام هي أقرب لإسرائيل، حيث إن القاضية الأوغندية جوليا سابوتيندا عارضت جميع الأوامر الصادرة ضد إسرائيل في الجلسة الأخيرة، وأظهرت في الواقع دعماً غير مشروط لصالح الجانب الإسرائيلي. في النهاية يجب الانتظار قبل معرفة ما سيحدث بالنسبة لمستقبل هذه القضية، وتأثيرها على إسرائيل وصورتها في العالم.