عاودت مجموعة فاغنر الروسية، التي تعمل الآن تحت اسم الفيلق الأفريقي Africa Corpse، الظهور في عدد من مناطق الصراع في أفريقيا، وسط حديث عن أن الفيلق الأفريقي الروسي هذا يستفيد من انشغال الغرب في أزمة الشرق الأوسط وسخط الأفارقة على سياساته تجاه القضية الفلسطينية.
ويأتي ظهور الفيلق الأفريقي الروسي بعد 8 أشهر من محاولة "فاغنر" الفاشلة الزحف إلى موسكو، وبعد 6 أشهر من استهداف كبار قادتها، وأبرزهم مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين، الذي انتهت مغامرته الدرامية بمقتله في حادث تحطم طائرة غامض ألقي فيه اللوم على الكرملين.
الآن يُستدعى مقاتلو "فاغنر" للعودة إلى العمل بموافقة الكرملين، والانتقال من أراضي أوكرانيا المغطاة بالثلوج إلى أراضي أفريقيا القاحلة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ويذكّر الاسم الجديد لـ"فاغنر" بالفيلق الأفريقي الألماني Afrika Korps بقيادة القائد الشهير إرفين رومل خلال الحرب العالمية الثانية، والذي نال إعجاب خصومه الغربيين، وانتهت حياته بالانتحار بعد فشل محاولته للانقلاب على أدولف هتلر.
الفيلق الأفريقي الروسي يستغل انشغال الغرب بالشرق الأوسط وحاجة مقاتلي "فاغنر" للعمل
وكان الصراع الذي اندلع مؤخراً بين حماس وإسرائيل في غزة سبباً في اندلاع مواجهات براً وبحراً وجواً في الشرق الأوسط، وامتدت تداعياته إلى الخليج واليمن ولبنان وسوريا والعراق وإيران، بل حتى باكستان. وفي خضم ذلك، أصبحت أفريقيا نقطة محورية لأنشطة "فاغنر"، وتعمل تعزيز وجودها في ليبيا والسودان. وتعمل المجموعة أيضاً على تعزيز تمركزها في الدول الأفريقية التي انسحبت منها القوات الغربية.
وقيل إن مقاتلين سابقين في "فاغنر" أبدوا اهتمامهم بالانضمام إلى الفيلق الأفريقي. وتخاطب جهود التجنيد التحديات النفسية التي يواجهها المقاتلون العائدون إلى الحياة المدنية، وتسلط الضوء على صعوبات إعادة التكيف وخطر وقوعهم في مشكلات مثل تعاطي المخدرات والمشكلات القانونية. ويهدف الفيلق الأفريقي إلى منح هؤلاء المقاتلين إحساساً بالهدف والاستقرار بمنحهم فرصة لمواصلة الخدمة في مناطق النزاع (بشكل مفيد لموسكو).
ويعمل الكرملين، الحريص على الاستفادة من مواقف الأزمات، على استغلال حالة عدم الاستقرار الحالية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل. وينصب تركيزه على عدة أشياء أهمها منشأة بحرية روسية مقترحة في بورتسودان على البحر الأحمر، بدأت فاغنر العمل فيها سابقاً.
وتربط "فاغنر" أيضاً علاقات طويلة الأمد مع السودان، شهدت توريد أسلحة ومشاركة في تجارة الذهب غير المشروعة (وهناك تقارير غربية عدة عن علاقة وثيقة مع قوات الدعم السريع تشمل الحصول على الذهب مقابل توريد الأسلحة).
وفضلاً عن ذلك، تستعد روسيا لمرحلة ما بعد الصراع في الشرق الأوسط. إذ ظهرت تكهنات حول خطة محتملة لوقف إطلاق النار في غزة، ومحاولات الغرب لتسويق حل يتضمن نقل من تبقى من قيادة حماس إلى الجزائر، على غرار لجوء ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس عام 1982 عقب إجباره على مغادرة لبنان بعد الاحتلال الإسرائيلي. وقوبلت هذه الخطة، التي اقترحتها فرنسا والسعودية، برفض من إسرائيل. لكن في حال تنفيذها فستضع المرتزقة الروس في ليبيا على مقربة من قيادات حماس (علماً بأنه ليس هناك مؤشرات على هزيمة حماس وقبول قادتها بهذه الخطة).
قادة سابقون لـ"فاغنر" رُصدوا بأفريقيا
وأفادت تقارير برصد قادة سابقين لفاغنر في ليبيا، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها أمير الحرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي تدعمه موسكو في الصراع الداخلي في ليبيا.
وتغتنم موسكو الفرص الناشئة من استياء الدول الأفريقية من الفشل الملحوظ للغرب، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في إدانة إسرائيل بسبب ما تفعله في غزة. وأخذت جنوب أفريقيا زمام المبادرة في اتهام إسرائيل بالعزم على ارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتتطلع روسيا إلى استغلال هذا الاستياء، حسب تقرير صحيفة The Independent البريطانية.
تأكيد شبه رسمي لتشكيل الفيلق الأفريقي الروسي
ويضطلع مسؤولون روس بارزون، مثل نائب وزير الدفاع يونس بك يفكوروف واللواء أندريه أفريانوف من وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية GRU، بأدوار حاسمة في التركيز الروسي المتجدد على أفريقيا. فزاروا ليبيا وعدداً من الدول الأفريقية التي تنشط "فاغنر" أو تسعى إلى تعزيز وجودها فيها.
وصدر إعلان تشكيل الفيلق الأفريقي في البداية من مدونين عسكريين روس، وأكده لاحقاً إيغور كوروتشينكو، وهو شخصية قريبة من وزارة الدفاع في موسكو. ويستعد الفيلق لتولي دور فاغنر في أفريقيا، وتوفير الأمن للأنظمة والقادة مقابل الدفع، الذي غالباً ما يكون في شكل حقوق تعدين قيّمة.
رواتب مرتفعة
وتؤكد حملة التجنيد في الفيلق الأفريقي على القيادة ذات الخبرة والرواتب العالية والمزايا المتنوعة للمقاتلين وأسرهم. وتشجع أعضاء فاغنر السابقين على التقديم، وسيُسمح لهم بارتداء شارات فاغنر وفيلق أفريقيا على زيهم الرسمي.
وقال أحد المسؤولين الأمنيين الغربيين: "من الواضح أن روسيا تركز على أوكرانيا، ونفوذها في الشرق الأوسط، الذي كان كبيراً جداً، وتضاءل بشكل ملحوظ. وهم يرون الآن سبيلاً لإعادة الزخم لنشاط فاغنر.
يخضعون لسيطرة أكبر من قِبل الكرملين ويستفيدون من خروج الفرنسيين
وتُعد فاغنر، أياً كان الاسم الذي تحمله الآن أو ستحمله في المستقبل، وكيلاً مفيداً جداً لروسيا. والفرق الوحيد الآن أنها باتت تحت السيطرة المباشرة للكرملين وليس أشخاص مثل بريغوجين ورفاقه. ولا أحد ينكر أن هناك القليل من الفراغ الأمني الآن بعد ما حدث مع الفرنسيين في غرب أفريقيا، وتحاول روسيا ملء ذلك الفراغ بالاستعانة بشركة عسكرية خاصة".
وقدم الفيلق الأفريقي، في منشورات على تطبيق تيليجرام، "نافذة فرص" للمجندين المحتملين الذين ظهروا في أفريقيا بسبب تراجع النفوذ الغربي، مثل انسحاب القوات الفرنسية من مالي والنيجر. وقال أحد المنشورات: "الآن بعدما أصبحت روسيا قوية وتتحدى العالم كله، فإنها تحتاج إلى محاربين محترفين أكثر من أي وقت مضى".
تؤكد المؤسسة على أن قيادتها كانت تتألف من قادة ذوي خبرة خدموا في وحدات "النخبة" و"المتخصصة" في كل من القوات المسلحة الروسية والشركات العسكرية الخاصة.
وقال سيرجي، المقاتل السابق في فاغنر، والذي يعيش حالياً في إحدى دول أوروبا الوسطى: "لقد كانوا أيضاً إيجابيين للغاية بشأن قضية واحدة. كان الكثير من الأشخاص الذين غادروا فاغنر يشعرون بالقلق من أن يتم إلقاء اللوم عليهم في محاولة انقلاب بريغوجين حتى لو لم يكن لهم أي علاقة بها، ولكن على العكس، يقول هؤلاء الأشخاص إن التواجد في فاغنر لا يمثل مشكلة، على الإطلاق".
بل على العكس يبدو أن الكرملين لديه الجرأة والاستعداد لتحويل فاغنر، رغم انقلاب مؤسسها الذي هدد موسكو، لفرصة لتطويق النفوذ الغربي وتوسيع نفوذه، ولكن هذه المرة على بُعد آلاف الأميال من موسكو.