اغتالت قعيداً وارتكبت جريمة الغدر.. إليك القوانين الدولية التي مزقتها إسرائيل في مذبحة مستشفى جنين

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2024/02/01 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/01 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
فرد من الطاقم الطبي يقف بجوار بقع الدم في الموقع الذي اغتالت فيه قوات الاحتلال ثلاثة فلسطينيين خلال غارة على مستشفى ابن سينا في جنين بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، في 30 يناير/كانون الثاني 2024/رويترز

"جريمة الغدر"، هذا هو التوصيف لـ"مذبحة مستشفى ابن سينا في جنين بالضفة الغربية" وفقاً للقانون الدولي، والتي نفذها الاحتلال الإسرائيلي بحق ثلاثة من مرتادي المستشفى، بينهم شخص مشلول، ولكن لم تكن هذه الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها إسرائيل في هذه الجريمة التي تمثل انتهاكاً للاتفاقات الدولية. 

ويوم الأربعاء 31 يناير/كانون الثاني، داهم أفراد من جيش الاحتلال الإسرائيلي وشرطة الحدود وجهاز الأمن التابع لها "الشاباك" مستشفى ابن سينا ​​في جنين شمالي الضفة الغربية. وأطلق أفراد إسرائيليون -جميعهم متنكرون في ملابس طواقم طبية أو معطف الطبيب الأبيض- النار على ثلاثة رجال فلسطينيين وقتلوهم، وسجلت كاميرات المراقبة الداخلية الواقعة.

أحد ضحايا مذبحة مستشفى ابن سينا في جنين قعيد يعالج من شلل في العمود الفقري

ومن المحتمل أن يكون هذا قد خرق العديد من قوانين الحرب، بما في ذلك حظر اللجوء إلى الغدر وقتل الأشخاص المحميين، حسبما ورد في تقرير لموقع The Intercept الأمريكي. 

ووفقاً لصحيفة The New York Times الأمريكية، أصدرت حماس بياناً كشفت فيه أنَّ أحد الرجال الذي اُغتيلوا في مستشفى ابن سينا كان قائداً في جناحها المسلح، كتائب القسام، واسمه محمد جلامنة. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان عن عملية المداهمة إنه "خطط لهجوم مستوحى من عملية طوفان الأقصى". وذكرت حركة الجهاد الإسلامي أنَّ الرجلين الآخرين، وهما الشقيقان محمد وباسل غزاوي، ينتميان إلى تنظيمها.

ولم تتضح بعد الظروف الدقيقة لمقتل الرجال الثلاثة، مع وجود تباينات بين التقارير المختلفة.

مذبحة مستشفى ابن سينا في جنين
مشهد لأفراد قوات الاحتلال التي اقتحمت المستشفى التقط الكاميرات الداخلية/رويترز

وقال مدير مستشفى ابن سينا الدكتور ناجي نزال لوكالة Reuters إنَّ الإسرائيليين "أعدموا الرجال الثلاثة أثناء نومهم في المستشفى… أعدموهم بدم بارد بإطلاق الرصاص مباشرة على رؤوسهم في الغرفة التي كانوا يُعالَجون فيها".

ولم يحدد نزال سوى هوية واحد من الرجال، وهو باسل غزاوي، الذي كان يتلقى العلاج هناك – من إصابة في العمود الفقري أدت إلى إصابته بالشلل في معركة مع القوات الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول.

وذكرت صحيفة The Times البريطانية أنَّ مدير عام الصحة الفلسطينية في جنين، وسام صبيحات، قال إنَّ جلامنة كان يزور غزاوي. ومن المرجح أنَّ محمد غزاوي كان يزور شقيقه أيضاً.

"جريمة الغدر".. أمريكا كانت ستصدم لو نُفذ هجوم مماثل على مستشفى بواشنطن أو تل أبيب

إنَّ احتمال أن تكون المداهمة غير قانونية واضح في ظاهره. ومن المؤكد أنَّ الولايات المتحدة كانت ستنزعج إذا تسلل عراقيون، خلال حرب العراق، مرتدين زي الأطباء والممرضات إلى مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني في واشنطن العاصمة، وقتلوا العديد من الجنود الأمريكيين. وبالمثل، ستعترض إسرائيل إذا تمكن الفلسطينيون من الوصول إلى مستشفى في تل أبيب من خلال ارتداء الأزياء الطبية ثم اغتيال الجنود الإسرائيليين.

ويقول كينيث روث، الرئيس السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش: "أولاً وقبل كل شيء، هناك حاجة مُلحَّة لإجراء تحقيق مستقل حول مذبحة مستشفى ابن سينا في جنين" لتحديد حقائق الموقف. ويؤكد روث أنَّ حقيقة "تنكر القوات الإسرائيلية في هيئة أفراد طبيين لا تعرض العاملين الطبيين الحقيقيين للخطر فحسب، بل تشير أيضاً إلى أنَّ الإسرائيليين مذنبون بارتكاب جريمة الحرب المتمثلة في الغدر".

ويتفق مع هذا الرأي أوريل ساري، الأستاذ المساعد في القانون الدولي العام في جامعة إكستر البريطانية وزميل المقر الأعلى لقوى التحالف في أوروبا.

يقول ساري: "يتضمن الغدر قتل الخصم أو إصابته من خلال كسب ثقته في الحماية التي يوفرها قانون النزاعات المسلحة في البداية، ثم خيانتها بعد ذلك. وفي القضية الحالية، التظاهر بأنك موظف في المجال الطبي أو المدني، وكلاهما يتمتع بالحماية بموجب القانون سيكون غادراً".

إسرائيل لم توقع على التعديل القانوني الذي يحظر جريمة الغدر ولكن ملتزمة بتجريمها

اللافت أن إسرائيل هي واحدة من الدول القليلة (والولايات المتحدة دولة أخرى) التي لم تصدق على البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وهو تعديل عام 1977 الذي يحظر الغدر على وجه التحديد. 

ومع ذلك، فإنَّ الغدر غير قانوني أيضاً بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي.

والمحكمة العليا الإسرائيلية قبلت بأنَّ إسرائيل مُلزَمة بالقانون الدولي العرفي، حسب أوريل ساري، الأستاذ المساعد في القانون الدولي العام في جامعة إكستر البريطانية.

وهناك مسألة الحماية الخاصة للمستشفيات

ثم هناك مسألة ما إذا كان المسلحون مثل أعضاء حماس أو الجهاد الإسلامي يعتبرون أهدافاً مشروعة إذا كانوا في مستشفى. ويقول ساري إنَّ الحماية القانونية العامة للمنشآت الطبية لا تنطبق في هذه الحالة، لأنَّ "العملية الإسرائيلية لم تكن موجهة ضد مستشفى ابن سينا"، بل ضد المسلحين الثلاثة فقط. 

وقال أيضاً إنَّ قوات العدو "تظل قابلة للاستهداف في جميع الأوقات، ما لم تتمتع بحماية خاصة أو تعرب بوضوح عن نيتها للاستسلام".

مذبحة مستشفى ابن سينا في جنين
المستشفيات تخضع لحماية خاصة وفقاً للقانون الدولي/رويترز

ومسألة الحماية الخاصة مهمة بسبب التقارير التي تفيد بأنَّ باسل غزاوي كان مريضاً مشلولاً في المستشفى. وأشار ساري إلى أنه في مثل هذه الظروف، سيكون الغزاوي "بالتالي محصناً ضد الهجوم". ويتفق روث مع هذا الرأي، قائلاً إنَّ الغزاوي "على أسوأ الأحوال، كان يمكن اعتقاله".

الأمر الأهم الذي لم يتطرق إليه تقرير الموقع الأمريكي، هو أن إسرائيل تحتل جنين ومجمل الضفة الغربية ولديها القدرة على القبض على من تصفهم بالمقاومين أو الطلب من السلطة الفلسطينية توقيفهم، بدلاً من قتلهم بهذه الطريقة الغادرة.

هل يمكن محاكمة إسرائيل أمام الجنائية الدولية بسبب المذبحة أم أنها تحاكم العرب والأفارقة فقط؟

فتحت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحقيقاً عام 2021 في جرائم محتملة في الضفة الغربية وقطاع غزة لا يزال مستمراً. (المحكمة الجنائية الدولية منفصلة عن محكمة العدل الدولية، التي تناولت مؤخراً الشكوى المقدمة من جنوب أفريقيا بشأن ارتكاب إسرائيل لإبادة جماعية في غزة، والتي من المرجح أن تتجاهلها تل أبيب تماماً تماماً). وقد دخل نظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ في عام 2002، لكن بما أنَّ الولايات المتحدة أو إسرائيل لم تصدقا عليها، فإنَّ المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها التحقيق في الجرائم التي يرتكبها مواطنون أمريكيون أو إسرائيليون على أراضيهم.

ومع ذلك، يكفي أنَّ فلسطين صادقت على نظام روما الأساسي. وهذا يعني أنَّ المحكمة الجنائية الدولية لها ولاية قضائية على الجرائم المحتملة التي يرتكبها الإسرائيليون أو الفلسطينيون أو أي شخص على الأراضي الفلسطينية، مثل مستشفى جنين.

إلى أين سيتجه تحقيق المحكمة الجنائية الدولية الآن؟ عندما أُعلن عن التحقيق الأصلي للمحكمة قبل ثلاث سنوات، أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أنَّ "الولايات المتحدة تعارض هذا القرار بشدة وتشعر بخيبة أمل شديدة إزاءه". ووصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصرفات المحكمة الجنائية الدولية بأنها "معاداة سامية خالصة وقمة النفاق".

ويقول موقع The Intercept الأمريكي "إنه على الرغم من أنَّ النتيجة غير مؤكدة، لكنها ليست محل شك إلى هذا الحد. فمن بين إجمالي القضايا التي نظرت فيها المحكمة الجنائية الدولية والبالغ عددها 31 قضية، كانت جميعها تقريباً تتعلق بمتهمين أفارقة، وعدد قليل من المتهمين غير الأفارقة هم من العرب".

تحميل المزيد