حكومة تجمع كل المتناقضات.. آخر خطط نتنياهو للنجاة من ضغط أمريكا لإبرام صفقة وتهديدات بن غفير

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/01 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/01 الساعة 10:45 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد عندما كان وزيراً للمالية وهما يغادران بعد مؤتمر صحفي مشترك/رويترز، أرشيفبة

بين تهديد الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن عفير بإسقاط الحكومة الإسرائيلية إذا أقرت صفقة لتبادل الأسرى تضمن هدنة طويلة، وبين عرض زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد الانضمام للحكومة، يقترب بنيامين نتتياهو من اللحظة الحاسمة، التي لطالما حاول تجنبها، والتي قد تكلفه منصبه الحكومي إذا لم تُؤتِ مناوراته أكلها.

ويبدو أن بنيامين نتتياهو يعزز مناوراته السياسية، في محاولة للاحتفاظ بالحكم عبر الاستمرار في تحالفه مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، وخلق تحالف جديد مع المعارضة تحت لافتة ضرورة الوحدة الوطنية في حال الحرب، وذلك بعد أن وصل لمرحلة تتطلب إبرام صفقة لتبادل الأسرى مع حماس.

مفاوضات صفقة الأسرى تقترب من مرحلة حاسمة

اكتسبت صفقة تبادل الأسرى زخماً داخل وخارج إسرائيل، وصعدت مسألة تبادل الأسرى لتصبح أكثر مركزية كهدف للحرب، في ظل قناعة تتزايد، خاصةً بين العسكريين، بأن القضاء على حماس هدف غير واقعي، ودعوتهم لضرورة وضع أهداف محددة للحرب بعد عودة نشاط حماس في شمال غزة، كما أن الحليف الأمريكي لا يُخفي أنه يريد تخفيف وتيرة الحرب وقسوتها وتأثيراتها السياسية، والتي قد تشعل المنطقة، وبالتالي الحاجة لأن يكون هناك هدف غير الحرب من أجل استمرار نتنياهو في منصبه.

وتفيد التقارير بأن الصفقة المطروحة قد تتضمن إبرام وقف نار مؤقت، بحيث يطلق سراح 35 أسيراً إسرائيلياً على قيد الحياة من النساء والجرحى وكبار السن، مقابل هدنة مدتها 35 يوماً، كما يتضمن المقترح إمكانية تمديد التهدئة لأسبوع إضافي بعد الـ35 يوماً، من أجل إجراء مفاوضات حول إمكانية استكمال المرحلة الثانية من الصفقة، والتي تتضمن إطلاق سراح الشباب، وكل من تصفهم حماس بالجنود.

وقد يعني ذلك هدنة مدتها نحو مئة يوم تقل أو تزيد.

كل ذلك مقابل إطلاق عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين بينهم قيادات في الفصائل، مثل القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي، وهي النقطة التي عليها جدل كبير في إسرائيل.

وينظر إلى مشاركة رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز في اجتماع باريس، بشأن صفقة الأسرى، على أنه دليل أن الولايات المتحدة تضع ثقلها خلف الصفقة، وعززت التسريبات الصادرة من الخارجية الأمريكية بأنها تناقش سيناريوهات الاعتراف بالدولة الفلسطينية، التكهنات بأن هناك ضغوطاً كبيرة على نتنياهو للقبول بالصفقة، خاصةً أن بايدن يقترب من انتخابات مفصلية، وتفيد استطلاعات بتراجع التصويت له أمام دونالد ترامب، ويحتاج بشدة لأصوات المسلمين والعرب الحاسمة، خاصةً في ولايات متأرجحة مثل ميتشغان. 

ويرى الأمريكيون أن تنفيذ صفقة تبادل تؤدي لوقف إطلاق نار طويل قد يُفقد العملية العسكرية الإسرائيلية زخمها، ويفتح الباب للتفاوض حول وقف دائم لإطلاق النار، وترتيبات حول الوضع في غزة، وهناك تسريبات عن اقتراحات غربية وإسرائيلية بأن تشمل صفقة وقف الحرب خروجاً آمناً لقادة الصف الأول من حماس بغزة، وهو ما سترفضه الحركة في الأغلب.

بنيامين نتتياهو يفكر في شيء واحد هو كيفية البقاء في السلطة، ومصيره بيد بن غفير

لكن يصطدم كل ذلك بمخاوف من أن بنيامين نتتياهو لا يريد وقفاً دائماً أو طويلاً لإطلاق النار، خوفاً من سقوط حكومته واحتمال تعرضه للمحاكمة بعد الإقالة، كما أن رضوخه للضغوط الأمريكية والداخلية لإبرام صفقة، قد يؤدي إلى سقوط الحكومة، جراء الانسحاب المحتمل من الحكومة من قِبل الأحزاب المتطرفة.

ورداً على مطالبة أهالي الأسرى لنتنياهو خلال لقائه معهم بالموافقة على صفقة مع المقاومة الفلسطينية، حتى ولو كلّف ذلك حل الحكومة، قال نتنياهو إنه إذا توفرت صفقة "جيدة لإسرائيل من أجل عودة الأسرى وتحقيق أهداف الحرب فسوف أبرمها"، أما في حال كانت "ستشكل خطراً على أمن إسرائيل أو لن تحقق الأهداف التي نريدها فلن أفعل ذلك".

ولدى حكومة بنيامين نتتياهو أغلبية مريحة في البرلمان، تبلغ 65 مقعداً في الكنيست، ولكن بدون وجود الأحزاب المتطرفة لم يكن ليستطيع الحصول على هذه الأغلبية. 

بنيامين نتتياهو
وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير يقتحم ساحة المسجد الأقصى في 21 مايو/آيار 2023-رويترز.

وانضمَّ حزب الوحدة الوطنية المعارض، بقيادة وزير الدفاع الأسبق بيني غانتس، إلى الحكومة بعد أيام قليلة من هجوم طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أدخل خمسة وزراء إلى الحكومة، لكن جميعهم حالياً وزراء بلا حقيبة. وقال حزب الوحدة الوطنية إنه يعتزم ترك الحكومة عندما يستقر الوضع الأمني.

وهناك أزمة تختمر داخل الائتلاف الحاكم، وفقاً لصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية، حيث كرر رئيس حزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتطرف، ووزير الأمن القومي عضو الكنيست إيتمار بن غفير، أمس الأول الثلاثاء، التهديد الذي أطلقه عدة مرات هذا الأسبوع، بترك الحكومة إذا وافق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على ما يصفها بن غفير بأنها صفقة "متهورة" لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، مقابل وقف طويل لإطلاق النار والإفراج عن أعداد كبيرة من الأسرى الفلسطينيين المشاركين في عمليات المقاومة.

لابيد يلقي حبل النجاة لنتنياهو

وفي عرض مفاجئ، ألقى يائير لابيد، زعيم المعارضة، حبل النجاة لنتنياهو، إذ أعلن مؤخراً أن حزبه سيكون بمثابة "شبكة أمان" من أجل المضي قدماً في صفقة الرهائن إذا لزم الأمر. 

وفي مقابلة مع القناة 12 يوم الثلاثاء، أوضح لابيد أنه سيوافق على دخول الحكومة من أجل تحرير الأسرى، ولكن فقط إذا انسحب منها حزب "عوتسما يهوديت" والحزب الصهيوني الديني. 

وقال لابيد "البند الأول، السطر الأول، في العقد بين الدولة ومواطنيها، ينص على أن الدولة مسؤولة عن حياتهم، ليس فقط من أجل صحتهم أو تعليم أطفالهم، بل من أجل الحياة بأبسط معانيها، من أجل ضمان أن الدولة لن تتخلى عنهم أبداً ليموتوا".

والتقى يائير لابيد وبنيامين نتتياهو في وقت سابق لعقد مؤتمر أمني.

بنيامين نتتياهو
أسرى إسرائيليون أطلقتهم حماس في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 يرافقهم أعضاء من الصليب الأحمر الدولي، كجزء من صفقة تبادل الأسرى مع إسرائيل خلال الهدنة المؤقتة/رويترز

وقال لابيد إنه أبلغ رئيس الوزراء أنه "خلال حالة الطوارئ هذه، أنا على استعداد لتنحية جميع الخلافات جانباً، وتشكيل حكومة طوارئ محترفة ومحدودة لإدارة الحملة الصعبة والمعقدة والطويلة التي نواجهها". 

وقال لابيد في بيان له إن نتنياهو على علم بأن حكومته "المتطرفة وغير الوظيفية" لا يمكنها إدارة الحرب. "ليس لدي أدنى شك في أن وزير الدفاع السابق بيني غانتس سيشارك أيضاً في مثل هذه الحكومة". وحكومة الطوارئ "ستوضح لأعدائنا أن أغلبية ساحقة من المواطنين الإسرائيليين تقف وراء الجيش الإسرائيلي وهيئات الدفاع".

وقال حزب الليكود رداً على ذلك إن لابيد "يدفع من أجل إنهاء فوري للحرب (لكن) بدون تحقيق النصر الكامل لن نوافق على ذلك".

وأضاف الليكود أن أعضاءه "لا يتعاملون مع السياسة، بل القتال فقط".

نتنياهو يخشى أن يلتف الحبل حول رقبته 

من الواضح أن عرض لابيد بأن يقيل بنيامين نتتياهو الوزراء المتطرفين من حكومته قد لا يكون ملائماً لأهداف الأخير السياسية الذاتية، لأن ذلك يعني أنه سيكون تحت رحمة خصميه لابيد وغانتس فور انتهاء الحرب، أو حتى لو تم إبرام هدنة طويلة بعد أن يكون قد خسر دعم حلفائه المتطرفين.

كما أن الذهاب لانتخابات مبكرة قد يؤدي لهزيمة كبيرة لنتنياهو وحلفائه المتطرفين، إذ تفيد استطلاعات الرأي بتراجع شعبيته بشكل كبير، حيث أظهر استطلاع لصحيفة معاريف الإسرائيلية نشر مؤخراً اعتقاد 32% فقط من الإسرائيليين أن بنيامين نتنياهو هو الأنسب لرئاسة الحكومة، وأن 52% من الإسرائيليين يعتقدون أن غانتس هو الأنسب لمنصب رئيس الوزراء.

وقالت معاريف إنه لو جرت الانتخابات اليوم (في 26 يناير/كانون الثاني 2024)، فإن الأحزاب المعارضة لرئاسة نتنياهو للحكومة ستحصل على 71 مقعداً، فيما ستحصل الأحزاب المؤيدة له على 44 مقعداً.

ولذا بين مطرقة ضغط أمريكا وأهالي الأسرى لإبرام صفقة مع حماس، ومطالبات الجيش بتحديد أهداف واقعية للحرب، وبين سندان احتمال انهيار حكومته، فإن نتنياهو يبدو يحاول توسيع حكومته لا التخلي عن حلفائه المتطرفين، بحيث تضم الحكومة المتطرفين والمعارضة، ويصبح هو بيضة القبان بين الجانبين، لا أن يكون تحت طائلة مساومات أي منهما، بل على العكس، فإنه قد يصبح قادراً على ابتزاز الطرفين عبر التهديد باستبعاد أحدهما من الحكومة والإبقاء على آخر.

يبدو أن نتنياهو لديه خطة بديلة

في هذا الإطار، أفاد تقرير صحفي إسرائيلي بأن الليكود عرض على لابيد الانضمام لحكومة نتنياهو، وذلك في مؤشر على أن الأخير يسعى للتخلص من ابتزاز بن غفير، الذي يهدد بإسقاط الحكومة في حال تنفيذ صفقة مع حماس.

ووفقاً للصفقة المقترحة، عرض حزب الليكود على حزب المعارضة "يش عتيد" الذي يتزعمه يائير لابيد، تعيين أحد أعضائه وزيراً للعدل بدلاً من وزير العدل الحالي ياريف ليفين، مقابل انضمام حزب لابيد إلى الحكومة، حسبما نقل الصحفي زئيف كام عن "وزير كبير في الليكود" أمس الأربعاء.

وبحسب التقرير، فإن انضمام حزب "يش عتيد" إلى الحكومة لن يعني طرد الأحزاب الأخرى من الحكومة، بل سيتطلب إعادة توزيع الوزارات الحكومية، وهو ما يعني أن نتنياهو لن يكون تحت رحمة لابيد وغانتس إذا انتهت الحرب وفكّرا في إسقاط الحكومة.

ويشمل المقترح نزع وزارات إضافية من أعضاء الائتلاف الحاليين ومنحها إلى حزب "يش عتيد".

وأضاف التقرير أنه تم تقديم عرض مماثل إلى حزب الوحدة الوطنية بزعامة غانتس، إذا التزم بالبقاء في الحكومة لفترة أطول.

وكان حزب غانتس قد قرر الانضمام لحكومة غريمه نتنياهو في إطار تقديم رئيس الحزب نفسه كقائد يتعالى على الخلافات في أوقات الأزمات، ولكن حزب الوحدة الوطنية كان قد قال إنه يعتزم ترك الحكومة عندما يستقر الوضع الأمني.

ونفى المتحدثون باسم حزبي "يش عتيد" و"الليكود" هذا التقرير، حسب صحيفة The Jerusalem Post.

وقد يكون هذا النفي تحسباً لأن تغضب الصفقة قبل أن تنضج حلفاءَ نتنياهو المتطرفين.

وخلص التقرير إلى أن "تخلي (الليكود) عن وزارة العدل سيكون بالأساس عملاً رمزياً بعد الصراع الداخلي الإسرائيلي الصعب خلال العام الماضي حول تعديلات ليفين القضائية".

وبالتالي قد لا يمثل الأمر تضحية كبيرة من قِبل حزب بنيامين نتتياهو.

كما أن نتنياهو لو أبرم هذه الصفقة مع لابيد مع الإبقاء على تحالفه مع بن غفير ووزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، قد يتجنب محاولات الأمريكيين لإشعال تمرد ضده داخل الليكود، وهو الأمر الذي كانت قد تسربت تقارير عنه بعرض زعماء الليكود على الوزير في المجلس الخماسي لإدارة الحرب الجنرال غادي آيزنكوت، حليف بيني غانتس، تولي رئاسة الحكومة الحالية بدلاً من بنيامين نتنياهو لمدة سنة، وهو ما رفضه آيزنكوت، لأنه قال إنه مقتنع بأن إسرائيل تحتاج إلى إجراء انتخابات مبكرة فوراً لتغيير الحكومة، ومنح الشعب حق اختيار قيادة جديدة.

 

تحميل المزيد