مرحلة “ما بعد بايدن”.. لماذا يتحدث وزراء الدفاع الأوروبيون عن الحرب والاستعداد لها الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/27 الساعة 10:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/27 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
دبابات ألمانية تنفذ مناورات عسكرية 2023/ رويترز

اجتاحت موجة من القلق وزراء الدفاع وقادة القوات المسلحة الأوروبيين كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إذ بات الساسة والقادة العسكريون في أوروبا يرون أن دونالد ترامب– الرئيس الأمريكي السابق الذي لطالما شكَّك في أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو)- ربما يُعاد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في الانتخابات الرئاسية القادمة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، وأن الولايات المتحدة تحت إدارته قد تعدل عن مسار السعي لإخراج روسيا من أوكرانيا أو إلحاق الهزيمة العسكرية بها هناك.

وقد أدى هذا السياق المشحون بالمخاوف إلى ظهور تحذيرات متزايدة من قادة عسكريين أوروبيين من أن أوروبا قد تجد نفسها متورطة في حرب مع روسيا، حتى وإن كانوا يرون أن موسكو متأزمة حتى الآن في حربها على أوكرانيا.

في الوقت نفسه، لا تزال التوترات في الشرق الأوسط تتصاعد، إذ تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وتتزايد حدة الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله اللبناني المتحالف مع إيران، وتتناوب الولايات المتحدة وبريطانيا شنَّ غارات جوية على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في اليمن لوقف الهجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر.

ماذا قال السياسيون والقادة العسكريون الأوروبيون؟

قال الأدميرال الهولندي، روب باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الناتو، الأسبوع الماضي، إن "العيش في سلام ليس بالشيء المضمون" لدول الحلف، ولذلك فإننا "نستعد للصراع مع روسيا والجماعات الإرهابية إذا بلغ الأمر هذا الحد". وقد جاءت هذه التصريحات قبيل الشروع في تدريبات عسكرية وصفها حلف الناتو بأنها أكبر مناوراته التدريبية منذ عقود، ويشارك فيها 90 ألف جندي من دول التحالف.

أما وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس، فقد استخدم خطاباً أقوى وأشد صراحة، وقال إن مكاسب السلام المرتبط بانتهاء الحرب الباردة قد أدبر زمنها، ومن ثم فإن بريطانيا وحلفاءها "ينتقلون من عالم (ما بعد الحرب)" وانتهائها إلى "عالم (ما قبل الحرب)" والاستعداد لها، وينصرفون عن المثالية لكي تحل "الواقعية الصارمة" مكانها. وشدد على أن الوقت قد حان لإعادة تسليح أوروبا حمايةً لها من "غضب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين" وخطره.

وأجرى بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني، مقابلةً الأسبوع الماضي، زعم فيها أن روسيا من المستبعد أن تهاجم أوروبا في الوقت الحالي، إلا أن خبراء ألمانيا العسكريين يتوقعون أن يصبح هذا الأمر ممكناً بعد نحو خمس إلى ثماني سنوات. ومن ثم فعلى أوروبا أن "تتعامل مع وضع تواجه فيه التهديد العسكري… بعد أن كان هذا الوضع قد غاب عنها منذ 30 عاماً". وأصدر مسؤولون في النرويج والسويد تحذيرات شبيهة خلال الشهر الماضي.

أليست هذه التحذيرات إلا مساعي ترهيب من الجيوش كي يُخصَّص لها مزيد من الأموال؟

مهمة الجيوش هي التخطيط للحرب والاستعداد لحالة الطوارئ المرتبطة بها، وإن كانت بعيدة، ولذلك يلح القادة العسكريون ووزراء الدفاع دائماً على زيادة الأموال المخصصة لنفقات الجيوش والقوات المسلحة. إلا أن واقع الأمر أن الحرب الجارية في أوكرانيا- والتي تُكمل عامها الثاني خلال الشهر المقبل- تستنزف حقاً المخزونات الغربية من الذخائر والأسلحة.

في الوقت نفسه، يتزايد الترجيح بأن الكونغرس الأمريكي لن يوافق على حزمة المساعدات العسكرية الجديدة لأوكرانيا (التي طالبت بها إدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن، والتي بلغت قيمتها 61 مليار دولار)، في ظل إصرار النواب الجمهوريين على مقايضة هذا الطلب بمطلب آخر، وهو تشريع لزيادة النفقات المخصصة لتعزيز الأمن على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

ورغم كثرة الأسلحة التي قدَّمتها الدول الغربية حتى الآن إلى أوكرانيا، ومنها الدبابات الألمانية "ليوبارد 2″، والدبابات البريطانية "تشالنجر 2″، ومركبات "برادلي" القتالية الأمريكية، فإن المدفعية الصاروخية البعيدة المدى ومعها الذخيرة وقذائف المدفعية التي أرسلتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كلها لم تنجح في تفكيك الخطوط الأمامية الروسية.

وإذا استمرت أزمة الكونغرس وتوقفت المساعدات العسكرية الأمريكية في المستقبل، فإن أوروبا سوف تضطر إلى التكفل بسدِّ فجوة الاحتياجات الأوكرانية في مواجهة روسيا. ومع ذلك يخشى الخبراء أن يؤدي انصراف الولايات المتحدة عن تقديم الدعم إلى ترجيح كفة روسيا في الحرب وانقلاب ميزان القوة لمصلحتها شيئاً فشيئاً.

في غضون ذلك، اكتسح ترامب الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولايتي أيوا ونيوهامبشير، ومن ثم زادت فرصُه في الترشح عن الحزب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ولا تزال ذكريات الرئيس الأمريكي السابق حاضرة في أذهان الأوروبيين، فضلاً عن الشكوك في قربه من بوتين، وتهديداته في قمة الناتو في عام 2018، بأن الولايات المتحدة قد "تنفرد بسبيلها" وتنسحب من الناتو إذا لم ترفع الدول الأخرى من ميزانية إنفاقها العسكري.

ما آثار ذلك في حلف الناتو؟

في لقاء مع مجلة Politico الأمريكية، يوم الخميس 25 يناير/كانون الثاني، روَّج مانفريد ويبر، زعيم كتلة حزب الشعب الأوروبي المحافظ في البرلمان الأوروبي، فكرة أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتولى مهام حلف الناتو الخاصة بالدفاع عن القارة الأوروبية، واقترح إنشاء "قاعدة دفاع أوروبية" تشمل مظلة نووية تقدمها فرنسا، لكونها الدولة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي.

تبادل بعض السياسيين في الاتحاد الأوروبي أحاديث عن الحاجة إلى إنشاء مفوضية لشؤون الدفاع في الاتحاد الأوروبي، ولكن واقع الأمر أن هذه المبادرات من المستبعد أن تحل مكان حلف الناتو وأهميته، فالحلف يضم بين صفوفه جيوشاً كبرى، مثل الجيش البريطاني (الذي يقدم غطاء أسلحته النووية للحلف) والجيش التركي، علاوة على الجيش الأمريكي. ولذلك فإن المرجح أن تسعى دول الناتو إلى المهادنة، وتتحمل المدة الرئاسية الثانية لدونالد ترامب كما فعلت في مدته الأولى من عام 2016 إلى عام 2020.

هل يمكن أن تشهد أوروبا حرباً واسعة النطاق مع روسيا؟

قال باتريك ساندرز، قائد الجيش البريطاني، إن الجيش النظامي في بريطانيا أقل عدداً من أن يتحمل حرباً شاملة طويلة في مواجهة روسيا، ومن ثم فإن الانتصار في حرب كهذه يتطلب الاعتماد على "جيش مكون من مواطني البلاد"، وقد لمح بذلك إلى عودة التجنيد الإجباري في حالة الطوارئ الشاملة. ورغم أن مجلس الوزراء البريطاني استبعد هذا المسار بدعوى "قلة فائدته"، فإن دولاً أوروبية أخرى مثل لاتفيا والسويد أعادت الخدمة العسكرية الإلزامية، وقال وزير الدفاع الألماني، في ديسمبر/كانون الأول، إنه "يدرس جميع الخيارات" المتاحة في هذا السياق.

ومع ذلك، ومهما بلغت الميول العدوانية لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فلا أحد يعرف حقاً إذا كان قادراً على مهاجمة دول الناتو، لا سيما أن تقديرات الاستخبارات الغربية تشير إلى أن 315 ألف روسي قتلوا وأصيبوا في أوكرانيا، وأن القوات الروسية أخفقت مراراً في توطيد سيطرتها على أراضي جارتها صغيرة المساحة. والخلاصة أن المخاوف الأوروبية من تناقص الدعم الأمريكي وجيهة، لكن الخطر المحدق بأوروبا ليس بالخطر العظيم حتى الآن.

تحميل المزيد