يلقي تبادل الهجمات المفاجئ بين إيران وباكستان، الذي بدأته الأولى، الضوء على التاريخ المركب للعلاقة بين البلدين الجارين المسلمين اللذين يجمع بينهما عوامل كثيرة ويفرق بينهما عوامل أخرى.
وبدأت الأزمة يوم الثلاثاء الماضي عندما شنت إيران ضربات مباغتة على إقليم بلوشستان الباكستاني، ما أسفر عن مقتل طفلين وإصابة عدة آخرين، وفقاً للسلطات الباكستانية.
وقالت وكالة تسنيم الإيرانية المقربة للنظام إن طهران استهدفت معاقل جماعة جيش العدل السنية المتشددة داخل الأراضي الباكستانية، (المعروفة في إيران باسم جيش الظلم)، وزعمت إيران أنه لم يتم استهداف أي مواطن باكستاني.
لكن الهجوم أثار غضب باكستان التي وصفته بأنه "انتهاك فاضح للقانون الدولي وروح العلاقات الثنائية بين باكستان وإيران"، وطالبت السفير الإيراني بعدم العودة لإسلام أباد، وعلقت علاقتها مع طهران.
ثم ردت باكستان بعد يومين بما أسمته "سلسلة من الضربات العسكرية الدقيقة والمنسقة للغاية" على ما قالت إنه عدة مخابئ للانفصاليين المزعومين في سيستان وبلوشستان.
وتنشط الجماعة الانفصالية المسلحة على جانبي الحدود الإيرانية الباكستانية، وأعلنت في السابق مسؤوليتها عن هجمات ضد أهداف إيرانية. وهدفها النهائي هو استقلال إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني.
وتشترك الدولتان في حدود مضطربة تمتد حوالي 900 كيلومتر، مع مقاطعة بلوشستان الباكستانية من جهة، ومقاطعة سيستان وبلوشستان الإيرانية من جهة أخرى.
وتأتي الضربات الأخيرة في الوقت الذي يشن فيه حلفاء إيران ووكلاؤها في الشرق الأوسط -ما يسمى بمحور المقاومة- هجمات على القوات الإسرائيلية والأمريكية رداً على الحرب الإسرائيلية ضد غزة، فيما تدعم باكستان تقليدياً القضية الفلسطينية بقوة وإن لم يكن لها دور مباشر في الصراع، ولكن الجيش الباكستاني أرسل طيارين للمحاربة في صفوف القوات الجوية السورية في حرب 1973.
وباكستان، الدولة الإسلامية النووية الوحيدة، ذات أغلبية سنية مع أقلية شيعية كبيرة، في حين أن إيران و"محور المقاومة" التابع لها يتألف إلى حد كبير من الشيعة، وتمتلك طهران برنامج نووي متقدم ولكن يصل لمرحلة إنتاج الأسلحة النووية، وتقول إنه سلمي، بينما تتهمها الدول الغربية بالسعي لامتلاك قنبلة ذرية.
تاريخ العلاقة بين إيران وباكستان
يجمع بين إيران وباكستان الأخوة الإسلامية والبعد الإسلامي في تركيبة حكم البلدين، وشبه عزلة مفروضة عليهما من الغرب، والقلق من متمردي إقليم بلوشستان المقسوم بين البلدين، بينما يفرق بينهما المذهب والتحالفات السياسية، والتنافس حول الوضع في أفغانستان.
وعلى مدار قرون كان هناك تبادل حضاري وثقافي بين إيران (فارس) وشبه القارة الهندية، حيث تنتمي شعوب الإقليمين إلى أصل واحد بعيد عبر هجرات قدمت للمنطقتين من آسيا الوسطى تعرف باسم الهجرة الأندوإيرانية.
في العصر الإسلامي كانت إيران مدخل الإسلام إلى شمال الهند (الذي يشمل باكستان حالياً)، وأثرت الثقافة الفارسية في الثقافة الهندية لاسيما الإسلامية، وكثيراً ما كانت الفارسية لغة البلاط في معظم السلطنات الإسلامية بشمال الهند وآخرها إمبراطورية المغول (بينما التركية لغة معسكرات الجيش)، وعن طريق الفارسية دخلت أعداد كبيرة من الكلمات العربية للغات الهند، لاسيما الأوردية لغة باكستان الرسمية.
وكانت إيران أول دولة تعترف بباكستان في 14 أغسطس/آب 1947، كما كانت الدولة التي استضافت أول سفارة لباكستان في الخارج.
وعلى مدى العقود الماضية، حافظت باكستان وإيران على علاقات ودية بها قدر لا بأس به من التعاون، وغاب عنها وجود نزاعات رئيسية ولكن شابتها تنافسات وتوترات أحياناً.
أمريكا أكبر معرقل لتطوير العلاقات بين إيران وباكستان
وعلى الرغم من هذه النوايا الحسنة، فإن التعاون الثنائي الملموس أقل بكثير من إمكاناته، ، حسب موقع dawn الباكستاني.
ويزعم البعض أن العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران قوضت آفاق التعاون الثنائي، في حين يلقي آخرون اللوم على غياب الإرادة السياسية لدى أي من الجانبين. وبشكل عام، فإن إيجابيات العلاقة تفوق السلبيات بكثير، وفقاً للموقع الباكستاني.
وتشكل 3 قضايا محور العلاقة بين إيران وباكستان؛ وهي الطاقة، والحدود، والتجارة.
وباعتبارها جارة لباكستان، كان ينبغي لإيران أن تكون خياراً طبيعياً لتوفير احتياجات إسلام أباد من الطاقة.
وتم توقيع اتفاقية خط أنابيب الغاز بين إيران الغنية بالطاقة وباكستان الفقيرة فيها، في عام 2012، لكنها وقعت ضحية للعقوبات الأمريكية والدولية. أدى الإبرام الناجح للاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) في عام 2015 إلى زيادة الآمال في تحقيق انفراجة في الاتفاق، لكن انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق في عام 2018 أعاد إيران لتقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.
وفي عام 2022، أدرجت فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية إيران أيضاً على القائمة السوداء. وقد أعاقت هذه العوامل جهود باكستان لتعزيز التعاون مع إيران.
ومن المجالات ذات الأولوية الأخرى إدارة الحدود بشكل أفضل، والتي تصفها باكستان بأنها حدود "السلام والصداقة والمحبة". وفي هذا المجال، يقول الموقع الباكستاني إنه في حين أن هذه بالتأكيد حدود بين صديقين، إلا أن بعض الجماعات المسلحة تنغمس بشكل روتيني في الإرهاب عبر الحدود.
إحدى هذه الجماعات كانت جند الله، وهي تنظيم سني متشدد أُعدم زعيمه في إيران عام 2010. ومنذ ذلك الحين، عمل أعضاء التنظيم تحت أسماء مختلفة، بما في ذلك جيش العدل. وينشط جيش تحرير بلوشستان أيضاً في المنطقة، ربما بدعم أجنبي. كما تم القبض في بلوشستان على الهندي كولبوشان جادهاف، الذي ارتكب أعمال تجسس وتخريب.
ولكن بصرف النظر عن العلاقة الجيدة بين البلدين والدور السلبي الأمريكي عليها، كان للقضايا التاريخية والجغرافية والاقتصادية والدينية تأثيرها على العلاقات الثنائية بينهما.
تعد المخاوف الأمنية المشتركة بين باكستان وإيران أحد العوامل الأساسية التي تعزز التعاون. لدى كلا البلدين مصلحة في محاربة الإرهاب والتطرف لأنهما يقعان في منطقة معقدة. وقد تعاونا في مجموعة متنوعة من المواضيع، مثل التجارة والطاقة والبنية التحتية، فضلاً عن الجهود الرامية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي.
نظامان متشابهان مع مصالح متناقضة أحياناً
وهناك أوجه تشابه كبيرة بين البلدين، كلاهما بلد مسلم كبير له جيش قوي، وحضارة عريقة، وبنية علمية جيدة، كما أن هناك أوجه تشابه بين النظامين.
إذ نشأت باكستان كدولة لمسلمي باكستان، ما خلق بعداً دينياً قوياً في هوية البلاد، رغم أن حكام البلاد سواء العسكريون أم المدنيون لم يكونوا يوماً من الإسلاميين الحركيين، ولكن الإسلام والحركات الإسلامية لها دور مهمة في سياسة البلاد، بينما إيران تحولت من دولة قومية علمانية في عهد الشاه إلى نظام إسلامي شيعي يقوم على نظرية ولاية الفقيه، التي تجعل من المرشد الإيراني زعيماً دينياً وسياسياً وبمثابة وريث للأئمة الشيعة، وترى نفسها زعيمة للعالم الإسلامي، رغم أن هذا الادعاء لا يلقى سوى قبول جزئي في العالم الشيعي، ولا يحظى بالقبول في العالم الإسلامي السني.
جعل ذلك مواقف باكستان وإيران متشابهة في بعض القضايا الإسلامية العامة مثل القضية الفلسطينية، مع دور إيراني أكبر بكثير عبر المجاهرة بالعداء لإسرائيل ودعم حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية ضدها.
وبينما سياسة باكستان في كل الأنظمة كانت دعم كفاح الشعب الكشميري ضد الهند، والتحالف مع الجماعات الكشميرية ذات الطابع الإسلامي القوي التي تحارب نيودلهي، في حين حافظت طهران عادة على علاقة جيدة مع الهند.
باكستان لديها علاقة متقلبة مع أمريكا بينما العداء الإيراني معها ثابت
في العلاقة مع أمريكا، هناك اختلاف وأوجه تشابه، كانت إيران وباكستان حليفين مهمين للغاية للولايات المتحدة بعد استقلال دول العالم الثالث عقب الحرب العالمية الثانية، وكان كلاهما خصمين للشيوعية وعضوين في حلف بغداد الذي اقترحه الغرب في الخمسينيات لمناهضة النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط.
ولكن بعد الثورة الإسلامية تحولت إيران من حليف أمريكا الأهم بالمنطقة لخصمها الأكبر، فيما تقلبت العلاقات الباكستانية الأمريكية، فتحالف البلدان في مواجهة الغزو السوفييتي لأفغانستان (الذي قوبل أيضاً بمعارضة إيرانية)، ودعمت باكستان جماعات المجاهدين الأفغان الأقوى وأغلبها سنية بشتونية، فيما دعمت إيران الجماعات الأفغانية الشيعية.
لم تكن بوصلة العلاقات الأمريكية الباكستانية، مرتبطة كثيراً بإيران، بل كانت معلقة دوماً، بأفغانستان، فتتحسن إذا احتاجت واشنطن لإسلام أباد في هذا البلد المعقد، مثلما حدث خلال الغزو السوفييتي في الثمانينيات، أو خلال الاحتلال الأمريكي بعد عام 2001.
ودعمت باكستان حركة طالبان التي وصلت للحكم في أفغانستان أول مرة عام 1996، وهي الحركة التي كانت معادية بشدة لإيران والشيعة خاصة في نسخة حكمها الأولى.
واضطرت باكستان لتتعاون مع الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، لتتم الإطاحة بطالبان من قبل تحالف غربي دخل أفغانستان عبر الأراضي والأجواء الباكستانية.
ولكن ظلت باكستان، لا سيما جهازها الاستخباراتي، متهمة بدعم طالبان إلى حين وصلت للمرة الثانية للسلطة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس/آب 2021، الذي بدا كانتصار لباكستان على إيران في المضمار الأفغاني، ولكن سرعان ما تدهورت علاقة إسلام أباد مع طالبان لفترة، بينما نجحت طهران في إدارة العلاقة مع الحركة الراديكالية جزئياً رغم التاريخ المتوتر بينهما، لم يجمع تجدد المشاكل مع الحركة أحياناً.
وبصفة عامة، يشكل التنافس حول النفوذ في أفغانستان واحداً من نقاط الخلاف الرئيسية بين البلدين، خاصة في ضوء الاتهامات للقوى الحليفة لباكستان باضطهاد الشيعة الأفغان.
معضلة الشيعة في باكستان
يشكل المسلمون الشيعة بين 15 إلى 20% من السكان في باكستان، ولقد تعرضوا أحياناً لبعض الاعتداءات، ويقول منتقدو إسلام أباد إن شيعة البلاد يعانون من التمييز، بينما يقول منتقدو إيران إنها تستغل قضيتهم لصالح نشر نفوذها في باكستان.
وقد يكون كلا الرأيين على حق، فالطابع المحافظ للسياسة الباكستانية، والقلق من الهواجس الأمنية والتوجه الشعبوي غير المسيطر عليه للسياسة في البلاد، قد يعني أن هناك مشاكل حقيقية للشيعة، في المقابل، فإن محاولة إيران لاستغلال قضايا الأقليات الشيعية إذا استطاعت لذلك سبيلاً، أمر مثبت، والأدلة واضحة عليه في الدول العربية.
في المقابل، تتهم المنظمات الحقوقية وكثير من الجهات الإسلامية إيران بممارسة تمييز ضد الأٌقلية السنية لديها، خاصة إقليم بلوشستان سيستان المهمش والفقير.
تأثير السعودية على علاقة البلدين
ضاعف مشكلة الشيعة في باكستان، التنافس السعودي والإيراني، وصعود الصراع السلفي الشيعي في العالم الإسلامي.
إذ أثر التنافس بين الرياض وطهران دوماً على علاقات الأخيرة مع باكستان، حسب ما ورد في تقرير لموقع Modern Diplomacy.
وتعد إسلام أباد من أهم حلفاء الرياض تاريخياً، والمجال الديني والسياسي الباكستاني متأثر بها وبالنهج الديني السلفي السائد في المملكة تاريخياً، رغم غلبة المذهب الحنفي في باكستان.
وكثيراً ما تظهر تلميحات متبادلة بين باكستان وإيران بالتدخل في الشئون الداخلية لكل طرف عبر ملف الأقليات، إذ تقلق باكستان من النفوذ الإيراني المفترض في أوساط الشيعة الباكستانيين وتظهر تلميحات مضادة أن إسلام أباد قد تكون ممراً لدور خليجي لتحريك ملف الأقليات السنية في إيران لاسيما إقليم بلوشستان، رغم أن إسلام أباد لديها قلقها الخاص من التوجهات الانفصالية للإقليم الموزع بين البلدين.
وهذا يضع باكستان في موقف توازن صعب، حيث تحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع المملكة العربية السعودية حليفها الثري دون إغضاب إيران، جارها القوي.
توازن القوة بين البلدين وطبيعة العلاقات العسكرية بينهما
غالباً ما تشارك القوات المسلحة الباكستانية والإيرانية في تدريبات مشتركة. وفي مجالات مثل مكافحة الإرهاب وإدارة الكوارث، وتسعى هذه التدريبات إلى تحسين التعاون وزيادة إمكانية التشغيل البيني وتبادل أفضل الممارسات.
وهناك علاقات بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية، حيث حاولت كل من باكستان وإيران التعاون في تصميم وتصنيع الأنظمة والمعدات العسكرية، وكانت هناك أمثلة على حالات لنقل التكنولوجيا العسكرية بينهما.
وهناك أوجه تشابه لافتة بين البلدين في مجال الصناعات العسكرية، فهما يكادان يكونان من أكثر البلدان الإسلامية اكتفاءً ذاتياً من المعدات العسكرية مع بعض الاختلافات (إضافة لتركيا).
وتعاني إيران منذ الثورة الإسلامية من حصار حقيقي في مجال استيراد المعدات العسكرية، وهو حصار لم يقتصر على الغرب، بل لم تورد حتى روسيا والصين أسلحة بكميات مؤثرة لإيران منذ عقود.
ولقد بدأت طهران بناء صناعاتها الدفاعية الذاتية، في الثمانينيات خلال الحرب الإيرانية العراقية، وتعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلي والتسيير والتطوير الذاتي للمعدات العسكرية الغربية القديمة، ما يجعلها واحدة من أعلى بلدان العالم في الاكتفاء الذاتي العسكري، ولكن هذا جعل معدات الجيش الإيراني قديمة نسبياً، خاصة قواته الجوية.
عوضت إيران ذلك ببناء قوة صاروخية محلية الصنع، كأداة للردع، إضافة لما يشبه الميليشيات البحرية في الخليج العربي، إضافة لاستخدامها الميليشيات الشيعية في المنطقة كإحدى أدوات القوة العابرة للحدود.
يحمل ذلك أوجه تشابه مع باكستان التي طورت قوة صواريخ قوية ذاتية الصنع، رغم القيود الغربية، يضاف لها تطوير برنامج نووي عسكري في زمن قياسي جعلها أول دولة إسلامية نووية.
في المقابل، فإن باكستان رغم أنها بنت صناعة عسكرية متطورة؛ فإنها أقل اكتفاءً من إيران، إذ تمتعت إسلام أباد أحياناً برفاهية الحصول على أسلحة أمريكية متطورة، في أوقات تحسن العلاقات مع واشنطن عندما تحتاجها في أفغانستان، وهو الأمر الذي جعلها من أوائل دول العالم حصولاً على طائرات إف 16 في الثمانينيات.
ولكن مراراً تخلت عنها أمريكا، مثلما فعلت عندما فرضت عليها حظراً صارماً، على استيراد الأسلحة، بعد التجارب النووية الباكستانية في التسعينيات، كما كانت إسلام أباد مستورداً مهماً للأسلحة من الدول الأوروبية، حتى سنوات خلت، ولكن القيود الغربية ازدادت على باكستان خاصة بعد الانسحاب الغربي من أفغانستان وتصاعد أهمية الهند بالنسبة للولايات المتحدة، الأمر الذي ضاعف من اعتماد إسلام أباد على الصين، حليفها الأهم، باعتبارها المورد العسكري الأكبر.
ولكن باكستان سعت دوماً في علاقتها مع الصين والعلاقة المتنامية مع تركيا، إلى بناء صناعاتها المحلية بجانب استيراد الأسلحة، جعل هذا المزيج القوات الجوية الباكستانية والبحرية أكثر تطوراً من إيران، رغم أنها واجهت قيوداً اقتصادية وسياسية منعت تحديث سلاحها الجوي من الغرب بطريقة تناظر الهند والدول العربية.
وإيران بلد شاسع تبلغ مساحته أكثر من ضعف مساحة باكستان، ويبلغ عدد سكانه ما يقرب من ثلث سكانها. تمتلك إيران، الغنية بالموارد الطبيعية، ثاني أكبر احتياطي للغاز، ورابع أكبر احتياطي للنفط الخام، وموارد معدنية كبيرة، ولكن الحصار الغربي يشكل قيوداً على استفادتها القصوى من هذه الموارد، ولكن البلاد طورت اقتصاداً مقاوماً للحصار، ويتمتع باكتفاء ذاتي كبير مع اعتماد خاص على العلاقة مع الصين.
في المقابل باكستان أفقر كثيراً من إيران، ولديها مشكلات سياسية داخلية كبيرة، ونظام حكم أقل استقراراً من إيران ويتربص بها عدو أكبر كثيراً، وهي الهند التي يبلغ سكانها نحو خمس مرات سكان باكستان.
أي الجيشين أقوى؟
يبلغ عدد الجيش الباكستاني، 560 ألف جندي في الخدمة الفعلية، وهو واحد من أكبر الجيوش في العالم القائمة على التطوع وليس التجنيد الإجباري، ويعتقد أن نظام التطوع لديه من أكفأ الأنظمة في العالم، وله جذور بريطانية، ولديها احتياطي يبلغ 550 ألف فرد.
بينما حجم الجيش الإيراني يقدر بـ610 آلاف، ما يجعله أكبر جيش من حيث العدد في الشرق الأوسط، مع احتياطي يبلغ 350 ألفاً، إضافة إلى 210 آلاف من قوات الحرس الثوري الذي يعد من أكبر وأهم القوى ذات الطبيعة الخاصة في العالم، إضافة لنحو 65 ألفاً من القوى شبه العسكرية.
ويبلغ الإنفاق العسكري الباكستاني نحو 11 مليار دولار، في عام 2021، مقابل نحو 76 ملياراً للهند، و24 مليار دولار لإيران.
في القوة الجوية تتفوق باكستان بشكل كبير، وتظل القوة الجوية نقطة الضعف الكبرى لدى الجيش الإيراني.
في المجال الصاروخي البلدان قريبان في المستوى، وكلاهما لديه برنامج للصواريخ الباليستية (يعتقد أنه يحمل تأثيرات كورية شمالية في البلدين) وصواريخ كروز، ولكن يعتقد أن هناك هامش تفوق باكستاني تقني، يعززه السلاح النووي.
في القوات البحرية، البلدان لديهما أسطولان كبيرين، ولكن الأسطول الباكستاني أحدث عبر تعاون إسلام أباد في شراء وإنتاج قطع بحرية مع دول مثل الصين وتركيا وفرنسا، بينما إيران لديها اكتفاء ذاتي ولكن لا يوصلها إلى مستوى إنتاج القطع البحرية التي تنتجها باكستان مع الدول المشار إليها، ولكن تتفوق إيران في الاستفادة من موقعها الاستراتيجي على الخليج العربي ومضيق هرمز وتطوير الحرس الثوري لقوة بحرية تشبه قوة عصابات بحرية لكي تستطيع مشاكسة البحرية الأمريكية.
في الطائرات المسيرة، تعد إيران أحد الرواد العالميين في هذا المجال، وباتت تصدر طائراتها المسيرة لروسيا ثاني أقوى دولة في العالم، بينما باكستان بدأت تطور أسطولها من الطائرات المسيرة بالتعاون مع تركيا حليفتها والدولة التي تفوق إيران في هذا المجال.
في مجال استخدام الميليشيات الخارجية، لدى باكستان حلفاء من القوى الكشميرية المسلحة وعلاقة قوية ولكن متقلبة مع طالبان، ما يجعل سلطة باكستان على هذه القوى أضعف بصفة عامة، مقارنة بإيران بطلة استخدام الحرب بالوكالة عبر سلسلة من الميليشيات الشيعية المنتشرة في الدول العربية، وهي ميليشيات زادت قوتها في السنوات الأخيرة بشكل كبير، وتتمتع طهران بسيطرة مرنة ولكن قوية عليها، ما يمنحها أكبر أدوات تأثيرها في الشرق الأوسط، ولكن لم تستطع خلق هذا النموذج في منطقة جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان).
بصفة عامة، الجيشان كبيران ولديهما خبرة طويلة من الحروب، ولكن الجيش الباكستاني أحدث في معداته رغم أنه أصغر قليلاً، والبلاد بصفة عامة أفقر وتماسكها الداخلي أقل، كما أنها مشغولة بالأساس بصراعها مع الهند، بينما إيران لديها اقتصاد أغنى وأكثر قدرة على تحمل الحصار والحروب، وموقع جغرافي أكثر استراتيجية والميليشيات الشيعية تمثل لها أدوات نفوذ خارجي أكثر فعالية بكثير مما لدى باكستان، وتمثل لها أداة ضغط في مواجهة الدول العربية والولايات المتحدة.