سؤالان مركزيان تثيرهما الهجمات الأمريكية على الحوثيين، التي نُفذت بالتعاون مع بريطانيا، هل تستطيع هذه الهجمات ردع الحوثيين وإضعاف قدراتهم على استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل كما تريد واشنطن وحلفاؤها، والثاني هل تؤدي هذه الهجمات إلى توسيع الحرب وصولاً لاندلاع حرب شاملة في المنطقة بين أمريكا وإسرائيل من جهة وبين إيران وحلفائهما من جهة أخرى.
وشنّت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات جوية على ما يقرب من 30 موقعاً في اليمن يوم الخميس، وضربة أصغر في اليوم التالي، في أعقاب سلسلة من الهجمات الحوثية على سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل داخل البحر الأحمر.
هل تؤدي الهجمات الأمريكية على الحوثيين إلى وقف استهدافهم للسفن المرتبطة بإسرائيل؟
ويقول المحللون إن الهجمات البريطانية الأمريكية على اليمن مساء الخميس، 11 يناير/كانون الثاني، قد تتسبب في تحويل الحرب الإسرائيلية على غزة إلى صراع إقليمي أوسع، ولن تكون فعالةً في ردع الحوثيين عن شن الهجمات على سفن البحر الأحمر مستقبلاً، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وأجبرت الهجمات على طرق التجارة في واحد من أهم ممرات الشحن العالمية شركات الشحن على تعليق عملياتها في بعض الحالات، أو سلك طريق الرحلة الأطول والأكثر تكلفةً حول أفريقيا.
وقد حذرت واشنطن ولندن الحوثيين مراراً من مهاجمة السفن المارة عبر البحر الأحمر، مع تصريح الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن القصف جاء لأن الحوثيين يهددون "حرية الملاحة في واحد من أكثر الممرات المائية حيويةً في العالم"، علماً بأن الحوثيين أكدوا أنهم لا يستهدفون سوى السفن المملوكة لإسرائيليين أو تلك الذاهبة للدولة العبرية إلى حين توفير الطعام والمؤن لأهل غزة.
ومن غير المعروف، كم من الوقت سيستغرق الحوثيون لاستعادة قدراتهم بعد الهجوم الأمريكي، وتهديد السفن في البحر الأحمر مرة أخرى، كما تعهدوا. وقال مسؤول في البنتاغون للصحفيين في وقت سابق يوم الجمعة إن الرد كان خافتاً حتى الآن، حيث تم إطلاق صاروخ واحد فقط مضاد للسفن دون ضرر في البحر.
وقبل ذلك قال مسؤولو الإدارة الأمريكية ليلة الخميس ،إنه إذا لم يمكن ردع الحوثيين، فقد تتدهور قدراتهم على الأقل، ولوحوا بأنه يمكن تفجير مواقع الصواريخ وتدمير مراكز القيادة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ولكن كثيراً من المحللين متشككون في ذلك.
شكوك في جدوى الغارات والحوثيون كانوا يتوقون لمثل هذه المواجهة
إذ يقول جريجوري جونسن، زميل غير مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، إن الحوثيين معتادون على العيش والقتال تحت القصف العنيف، إنهم يخبئون بعض صواريخهم تحت الأرض وينشرون قوات في المناطق المدنية. وأشار جونسن إلى أن "المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قصفت اليمن لعدة سنوات ولم تتمكنا من تركيع الحوثيين على ركبتيهم".
بل يجادل بعض المحللين بأن الضربات بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يمكن أن تعزز الحوثيين، مما يرفع مكانتهم في "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في صراع وجودي مع إسرائيل والغرب. إنه يجعل منهم لاعباً عالمياً، حسب الصحيفة البريطانية.
"كان الحوثيون ينتظرون بشدة لمدة 20 عاماً للتعامل مع ""أمريكا وإسرائيل""." منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قاموا بتجنيد 45000 مقاتل من أجل "معركة الغزو الموعود والجهاد المقدس"، حسبما قالت ندوى دوساري، وهي باحثة غير مقيمة في معهد الشرق الأوسط، على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تضيف قائلة "اليوم حققت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حلمهما."
ويعتقد الخبراء أن الضربات الجوية لن يكون لها تأثير كبير في إضعاف الحوثيين أو وقف هجماتهم، التي تقول الحركة المتحالفة مع إيران إنها تأتي رداً على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وتحدث موقع Middle East Eye البريطاني إلى أندرياس كريغ، المؤلف والأستاذ المشارك في قسم الدراسات الدفاعية بكلية كينجز لندن، الذي قال إن التحالف الدولي الذي تشكّل مؤخراً لوقف حملة الحوثيين في البحر الأحمر يواجه معادلةً بالغة الصعوبة أثناء هجومه على اليمن.
وأردف: "تريد بريطانيا والولايات المتحدة إرسال رسالة قوية، دون أن تكون قوية بدرجةٍ تحوّل الأمر إلى تصعيد أطول يتجاوز الحرب في غزة".
إنهم جماعة غير مركزية تجاوزت قصفاً استمر لسنوات
تحدى الحوثيون باستمرار التوقعات بمرونتهم. عندما دخل السعوديون في الحرب الأهلية اليمنية في عام 2015، اعتقدوا أنها ستنتهي في غضون أسابيع قليلة. بعد تسع سنوات، يأس التحالف العربي من إنهاء الصراع، وتريد الدول الأعضاء في التحالف الآن البقاء بعيداً عن الصراع الحوثي الأمريكي، متشبثين بالهدنة المتفق عليها في أبريل/نيسان 2022، حسب وصف تقرير الصحيفة البريطانية.
وقال كريغ إنه سيكون من الصعب تحقيق ذلك لأنه "ليست هناك طريقة لتوجيه ضربة قوية بما يكفي لتدمير القدرات العسكرية للحوثيين".
كما يعتقد أن عمل الحوثيين كـ"شبكة" يجعل مهمة ردعهم أصعب، لأنهم ليسوا جماعة مندمجة ومركزيةً مثل الجماعات الأخرى.
وتابع قائلاً: "إذا نظرت إلى آخر 9 سنوات في الحرب التي قادتها السعودية على اليمن، سيتضح بجلاءٍ أن الحوثيين لا يستجيبون للردع، وأن الردع يفشل معهم دائماً"، وأضاف أن الحركة مستعدة لتحمل الضغط إلى أجل غير مسمى، كما فعلوا على مدار العشرين عاماً الماضية في اليمن وتحت ضغط السعوديين.
الهجمات الأمريكية قد تعزز قبضة الحوثيين على السلطة باليمن
يعتقد الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط إبراهيم جلال، أن الهجمات لن تحقق الكثير على صعيد ردع الحوثيين، وأنها تمثل طريقة "لإعادة تأكيد ديناميات القوة".
إذ قال للموقع البريطاني: "كان الهجوم بمثابة محاولة لتفادي إحراج التقاعس عن التحرك، وحماية الهيبة، والحفاظ على صورةٍ تُثبت تصميم الغرب على الدفاع عن حرية الملاحة في وجه الهجمات الحوثية الإيرانية المتواصلة".
وأردف: "لا يسعى هذا القصف إلى توسيع الصراع، لكن الفعل نفسه يمثل توسعةً لما يُعد توسيعاً لرقعة الصراع، والهدف هو إعادة رسم قواعد الاشتباك وإعادة تأكيد ديناميات القوة بعد أن شهدنا انهيار الردع بالكامل".
ويرى جلال أن الحوثيين اكتسبوا منذ عام 2004 ما يزيد على العقدين من الخبرة في حرب العصابات، ونجوا من حرب إقليمية مستمرة منذ عام 2015. وإذا أضفنا إلى ذلك عدم مركزيتهم، وأسلحتهم الثقيلة، وحركيتهم المتطورة في زمن الحرب، وإتقانهم للدعاية والمعلومات المضللة؛ فهذا سيجعل هزيمتهم أمراً صعباً.
وأضاف المحلل أن الهجمات قد تسفر عن تداعيات منها بث الرعب بين المدنيين، ومنح الحوثيين "عدواً أجنبياً" آخر، وتعميق القمع الداخلي، وتعزيز دعمهم المحلي من معارضي التدخل الأجنبي.
وعلاوةً على احتمالية إغراق اليمن في أزمة إنسانية أعمق، قال جلال إنه يمكن للحوثيين استغلال ذلك الوضع لحشد الدعم الشعبي ومواصلة هجماتهم البحرية.
وأردف أن الهجمات الحوثية قد تتوسع لتشمل المصالح الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك دول الخليج.
وكتب على منصة إكس: "هناك خطر متزايد يتمثل في شن هجمات متعددة الاتجاهات من قبل محور المقاومة الإيراني لاستهداف المصالح الأمريكية في السعودية والإمارات، وكذلك الدول المتورطة الواقعة في متناولهم".
ما هي احتمالات توسيع الصراع؟
منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس قبل ما يقرب من 100 يوم، ناضل الرئيس بايدن ومساعدوه لإبقاء الحرب تحت السيطرة، خوفاً من أن يؤدي التصعيد الإقليمي إلى توريط القوات الأمريكية بسرعة.
الآن، مع الهجمات الأمريكية على الحوثيين، لم يعد هناك سؤال حول ما إذا كان سيكون هناك صراع إقليمي. لقد بدأت بالفعل. والسؤال الأكبر الآن هو مدى حدة الصراع، وما إذا كان من الممكن احتواؤه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
وقال هيو لوفات، خبير شؤون الشرق الأوسط في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "إن هذه حرب إقليمية بالفعل، ولم تعد مقتصرة على غزة، ولكنها امتدت بالفعل إلى لبنان والعراق وسوريا واليمن". وأضاف أن واشنطن تريد إظهار استعدادها لردع الاستفزازات الإيرانية، لذلك وضعت بشكل واضح حاملات طائراتها ومقاتلاتها في وضع يمكنها من الرد بسرعة. لكن هذه المواقف نفسها تجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للخطر.
وفي كل مرة، قالت الولايات المتحدة إن ردها يهدف إلى ردع المزيد من الهجمات ويهدف إلى إرسال رسالة إلى إيران ووكلائها الذين يعملون بحرية في العراق وسوريا. لكن لم يُقتل أي جندي أمريكي. وما يثير القلق، وفقاً لمسؤولين أمريكيين، هو أنه عاجلاً أم آجلاً، ستؤدي إحدى الهجمات إلى مقتل جنود أمريكيين، مما قد يؤدي للحاجة لرد فتاك قد يشعل حرباً واسعة، وفقاً لما ورد في تقرير The New York Times .
يقول كريغ لموقع Middle East Eye إنه لا يؤمن بأن الصراع سيتصاعد إقليمياً إلى خارج حدود البحر الأحمر والمحيط الهندي.
حيث أوضح: "حرص الأمريكيون والبريطانيون على عدم توجيه تلك الضربات من العُديد أو القواعد الموجودة في الإمارات. إذ لا تريد قطر ولا الإمارات ولا السعودية أن تكون جزءاً من هذا الصراع، ولا يرغبون في تعريض أنفسهم للخطر". (أعلنت بريطانيا أنها طائراتها الأربع من طراز تايفون التي شاركت في الهجوم انطلقت من قبرص).
وقال إنه ليس من المستبعد أن يضرب الحوثيون الإمارات كما فعلوا قبل عامٍ واحد، لكنه أردف أن الرد المرجح هو المزيد من الهجمات الحوثية على السفن باستخدام الصواريخ والمسيّرات.
وأضاف كريغ: "يرى الحوثيون في أنفسهم رأس حربة محور المقاومة المدعوم من إيران. وهم ينافسون الجماعات الموجودة في العراق وحزب الله في لبنان، ويقدمون أنفسهم في طليعة الجماعات المسؤولة عن إنهاء حرب إسرائيل على غزة. لهذا لا يمكنهم التراجع الآن حتى لا يفقدوا شرعيتهم".
كما حذّر من أنه يجب على المملكة المتحدة والولايات المتحدة ضمان ألا يتجاوز نطاق عمليتهم الحرب في غزة، ولهذا يتعيّن عليهم الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب.
احتمالات التدخل الإيراني المباشر ضعيفة جداً
اتفق توماس جونو، الأستاذ المساعد في جامعة أوتاوا، مع الرأي القائل بأن هجمات مساء الخميس لن تتطور إلى حرب إقليمية على الأرجح. لكنه تحدث عن وجود "خطر جاد" يتمثل في الرد الحوثي.
وصرّح جونو للموقع البريطاني قائلاً إن "العامل الرئيسي الذي قد يدفعنا إلى حرب إقليمية أوسع هو التدخل الإيراني المباشر، ولا تزال هذه الاحتمالية مستبعدةً في الوقت الراهن".
ثم أوضح: "من الممكن أن يضرب الحوثيون السفن التجارية في البحر الأحمر ثانيةً، ومن المحتمل أن يحاولوا ضرب سفن فرقة العمل التي تقودها الولايات المتحدة. وربما يحاولون ضرب القواعد الأمريكية في المنطقة، بما في ذلك منطقة الخليج. كما قد يحاولون ضرب إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات من جديد أيضاً".
وأردف جونو أن الضربات الجوية المحدودة تخاطر "بتشجيع الحوثيين عن طريق تعزيز روايتهم القائمة على المقاومة ضد السياسات الأمريكية الإقليمية".