أخذت أزمة البحر الأحمر منعطفاً نحو الأسوأ، وربما تسفر عن اختناقات جديدة في سلسلة التوريد العالمية المضغوطة بالفعل، مع تصاعد هجمات الحوثيين البحرية على السفن المرتبطة بإسرائيل والهجمات الأمريكية البريطانية المضادة.
ويتحول الوضع إلى ورقة مجهولة أخرى بالنسبة للاقتصاد العالمي، الذي يعاني من غياب الاستقرار بدرجةٍ متزايدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Axios الأمريكي.
أسعار النفط والشحن ترتفع بسبب أزمة البحر الأحمر
وأدت التوترات إلى رفع أسعار النفط بسرعة، وتعقيد عملية الشحن لعدد من الشركات مثل تسلا -التي علّقت عمليات إنتاجها في ألمانيا بسبب مشكلات في سلسلة التوريد.
وأثارت أزمة البحر الأحمر المخاوف حيال نقص السلع الذي قد يعيد إشعال التضخم في حال استمراره، مع تضخيم المحادثات حول نقل الإنتاج إلى مكان أقرب لأرض الوطن (سواءً في الولايات المتحدة أو أوروبا).
وكما ذكرت إيميلي بيك، من موقع Axios الأمريكي الأسبوع الماضي، فإن هذه الاضطرابات تشعل نيران الأسعار، التي بدأت للتوّ في التعافي من أوجاع حقبة كوفيد.
الغرب كان يراهن على تقريب سلاسل التوريد بعيداً عن الصين
اكتسب الحديث عن "الاستثمار في السواحل المجاورة"، أو الإنتاج بالقرب من الوطن، زخماً أكبر في الغرب منذ أزمة سلسلة التوريد الكبرى في 2021-2022. إذ تضافرت جائحة كوفيد-19 مع التوترات الجيوسياسية لتخلق حالات نقص وتأخير واسعة النطاق، ما فرض ضغوطاً تصاعدية على تضخم أسعار السلع المرتفعة بالفعل.
ومع تصاعد القومية وتراجع الطابع المعولم للاقتصاد العالمي، برزت المكسيك كمستفيد أساسي من الحديث عن الاستثمار في السواحل المجاورة داخل الولايات المتحدة، بدلاً من الصين البعيدة جغرافياً وسياسياً.
وخلال العام الماضي، حلّت المكسيك محل الصين لتصبح أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.
وكتبت شركة Capital Economics في تحليل حديث لها: "تسعى الشركات إلى زيادة مرونة سلاسل التوريد بالتحول إلى الإنتاج على مقربة من مستهلكها النهائي، وداخل دول 'صديقة'. وسر جاذبية المكسيك واضح للغاية: إذ تقع على حدود الولايات المتحدة، ولديها اتفاقية تجارة حرة معها، كما أن تكاليف عمالتها منخفضة نسبياً".
وقال ألفونسو دي لوس ريوس، الرئيس التنفيذي لشركة الشحن الناشئة Nowports، لموقع Axios في مقابلةٍ أجراها مؤخراً: "إن أحد الإجراءات التي يمكن للشركات اتخاذها يتمثل في تنويع سلاسل توريدها… ومصادر سلعها".
ولكن تبين أن هناك حدوداً للقدرة على جعل سلاسل التوريد أقرب للوطن
منذ الجائحة، بذلت الشركات جهداً كبيراً لزيادة مرونة خدماتها اللوجستية في مواجهة الصدمات العالمية. وهناك حدود لمدى سلاسة استبدال أحد مراكز الإنتاج بمركز آخر يقع في مكان بعيد".
وأشارت Capital Economics إلى أن نجاح استراتيجية الاستثمار في السواحل المجاورة بالمكسيك جاء مبنياً على حقيقة أنها كانت أصلاً "مصدراً رئيسياً للواردات في الولايات المتحدة، ومنها واردات السيارات وبعض الإلكترونيات".
ثم أردفوا: "رغم ذلك، نعتقد أن هناك بعض المخاطر التي تهدد علاقة التجارة الحرة المكسيكية مع الولايات المتحدة، وهي أكبر مما قد يتصوره البعض على نطاقٍ واسع. وقد يؤدي هذا إلى عرقلة عملية الاستثمار في السواحل المجاورة بنهاية المطاف".
مخاوف من عودة التضخم
قد يكون نقل الإنتاج إلى مكانٍ قريب من أرض الوطن حلاً مثالياً بالنسبة للغرب، للتحوط ضد المخاطر الجيوسياسية، لكن الأقوال أسهل من الأفعال هنا. وفي الوقت الراهن، قد تتحول الاضطرابات الخارجية إلى تضخم على المدى القريب وخطر يهدد سلاسل التوريد بسهولة.
فبعدما بدا أن تأثير أزمة أوكرانيا الاقتصادي، يتم احتواؤه، ظهرت أزمة البحر الأحمر جراء هجمات الحوثيين البحرية التي تستهدف فقط السفن المرتبطة بإسرائيل بهدف إنهاء الحرب، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها مصرون على توسيع الأزمة واعتباره الهجمات تهديداً لحرية الملاحة العالمية برمتها.
ويبدو أن جهودهم العسكرية لم تؤدّ إلا لزيادة الأزمة اشتعالاً.
واضطرت سفن الحاويات إلى إعادة توجيه جميع أنحاء أفريقيا، مما رفع تكاليف النقل العالمية وهدد بعكس المكاسب التي حققتها إدارة بايدن ضد التضخم، تماما مع بدء حملة إعادة انتخابه.
وبينما نجح التحالف البحري المتعدد الجنسيات، المسمى "حارس الازدهار" ، الذي تم إطلاقه في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي لحماية الشحن، في اعتراض جميع الطائرات من دون طيار والصواريخ تقريباً التي أطلقها الحوثيون على السفن التي تبحر قبالة اليمن، ولكن كل محاولة إسقاط كلفت الولايات المتحدة وحلفائها ملايين الدولارات للدفاع ضد الأسلحة التي تكلف في بعض الأحيان الآلاف فقط.
وسيتطلب الأمر فقط قذيفة حوثية واحدة لاختراق هذا الدرع لإثارة كارثة جيوسياسية وبيئية.
على سبيل المثال في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، أخطأت صواريخ الحوثي بفارق ضئيل ناقلة تحمل شحنة هائلة من وقود الطائرات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
ويمثل محاربة التضخم الذي انفجر بعد إنهاء إغلاقات كورونا مع استمرار آثار الأموال المفرطة التي ضختها الحكومات في الاقتصادات، هدفاً رئيسياً اقتصادياً لإدارة بايدن، وسط مخاوف أثيرت من أن يكون التضخم سبباً رئيسياً لخسارته الانتخابات الرئاسية القادمة.
ولكن بعدما أن بدا لبايدن هذا الكابوس قد انقشع، فإن أزمة البحر الأحمر تهدد بالإطاحة بجهوده في هذا الصدد، والعودة للمربع صفر بالنسبة لأزمة سلاسل التوريد والتضخم على وجه الخصوص.