من التبرع لها للتظاهر ضدها.. قصة تحول نقابات أمريكا من دعم إسرائيل لقيادة الاحتجاجات على حروبها

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2024/01/09 الساعة 18:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/09 الساعة 18:22 بتوقيت غرينتش
حكيم جيفريز، زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، يسير مع أعضاء نقابة عمال السيارات مضربين خارج مصنع شركة فورد في واين بولاية ميشيغان الأمريكية في 17 سبتمبر/أيلول 2023- رويترز، أرشيفية

رغم برودة الطقس وقف مئات من أعضاء النقابة المتحدة لعمال صناعة السيارات في الولايات المتحدة وبعض مناطق كندا (UAW) يستمعون لدعوات لدعم وقف إطلاق النار في غزة تصدر عن أحد قادة النقابة وهو يقف على درجات مبنى مكتبة نيويورك العامة، ومن يعرف تاريخ النقابات الأمريكية سيندهش كثيراً لهذا المشهد.

وصاح براندون مانسيلا مانسيلا، البالغ من العمر 29 عاماً، في حشود أعضاء النقابة قائلاً: "لماذا نحن هنا؟ وقف إطلاق النار الآن، والتعاطف إلى الأبد!". كانت الحشود تهتف مع مانسيلا وتلوح بأعلام النقابة والأعلام الفلسطينية: "دعونا نجلب المزيد والمزيد من النقابات خلفنا".

ويعرض هذا المشهد الاحتجاجي الذي وقع في 21 ديسمبر/كانون الأول تحولاً في علاقة الحركة العمالية الأمريكية بإسرائيل. وقد تجلى هذا المشهد بعد وقت قصير من تصويت أعضاء النقابة المتحدة لعمال صناعة السيارات، البالغ عددهم 350 ألف عضو، لصالح دعم وقف إطلاق النار في غزة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وتمثل النقابة المتحدة لعمال صناعة السيارات في الولايات المتحدة نحو 400 ألف عامل في الولايات المتحدة وأكثر من 580 ألف عامل متقاعد، وهي أكبر نقابة أمريكية تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وفقاً لصحيفة the Guardian البريطانية.

النقابات الأمريكية كانت تدعم إسرائيل على مدى عقود، والآن هي منقسمة

وعلى مدى عقود، كانت أبرز النقابات العمالية الأمريكية تدعم إسرائيل بدرجة كبيرة. ولكن في الوقت الراهن، في خضم انبعاث الحركة العمالية الأمريكية، يحث بعض النشطاء نقاباتهم على المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة وينجحون في ذلك، وهو ما يمثل تغيراً يعكس تحولاً جيلياً أوسع.

بيد أن كثيراً من النقابات منقسمة حول الموقف الذي عليهم اتخاذه، أو إذا كان عليهم اتخاذ موقف من الأساس.

النقابات الأمريكية
احتجاجات عمالية ضد شركة ستارباكس الأمريكية/رويترز، أرشيفية

لا يزال بعض قادة النقابات الأمريكية العمالية داعمين للحرب التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، وبعضهم سارع بإدانة عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. ويبدو هؤلاء مستائين من آراء جيل أصغر من المنظمين، الذين يعارضون في بعض الحالات وجود إسرائيل بوصفها دولة يهودية.

وقال ستيوارت أبلباوم، رئيس لجنة العمل اليهودية (JLC)، ورئيس نقابة العاملين في البيع بالتجزئة والجملة والمتاجر الشاملة (RWDSU): "هناك تحول في المجتمع، وينعكس ذلك على الحركة العمالية مثلما هو كذلك في كل منحى آخر".

العلاقة تعود إلى ما قبل نشأة إسرائيل والنقابات الأمريكية ساهمت في تأسيسها

تعود العلاقة الوثيقة على نحو تقليدي بين النقابات الأمريكية وإسرائيل، إلى عقود شهدت دعم القادة العماليين اليهود لدولة إسرائيل، حتى قبل تأسيسها. في عام 1917، مرر الاتحاد الأمريكي للعمل (A.F. of L.) المنحل في خمسينيات القرن الماضي، قراراً يقضي بدعم وعد بلفور، الذي دعا لتأسيس دولة يهودية في فلسطين، وفي عشرينيات وثلاثينات القرن الماضي، تبرعت النقابات بملايين الدولارات لصالح الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية، هستدروت.

بعد تأسيس إسرائيل في عام 1948، بدأت النقابات الأمريكية في الاستثمار في برنامج السندات الخاص  بدولة الاحتلال، باستخدام أموال صناديق الإضراب والمعاشات. تبرعت كذلك بعض النقابات بأموال لبناء الملاعب ودور رعاية الأطفال في إسرائيل. بحلول عام 1994، وصلت الاستثمارات إلى مليار دولار في هذه السندات عن طريق 1700 نقابة أمريكية، وذلك وفقاً لبحوث أرشيفية أجراها المؤرخ العمالي لدى جامعة ولاية نيويورك إمباير ستيت، جيف شوركه.

قال شوركه: "بطرق عدة، يمكن القول إن النقابات العمالية ساعدت في بناء دولة إسرائيل".

ولكن حدث تحول في مواقف جعل الأجيال الأصغر أميل لفلسطين

منذ اندلاع الحرب ضد غزة، كشفت المناقشات حول القتال عن انقسامات أعمق حول الطريقة التي ينبغي أن تمثل بها النقابات تنوع أعضائها، وكيفية موازنة المناصرة السياسية مع التداعيات المهنية.

فقد واجهت نقابة الكتاب الأمريكية حالة من الغضب والإحباط التي عبر عنها أكثر من 300 من أعضائها، عندما لم تدِن النقابة على الفور عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس ضد إسرائيل في السابع أكتوبر/تشرين الأول. كذلك تقاضي شركة ستاربكس ونقابة العاملين فيها كل منهما الأخرى بسبب استخدام النقابة صور الشركة في منشور مؤيد لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي.

تأتي تغيرات اتجاهات النقابات في تعاملها مع إسرائيل في لحظة تشهد إحياءً أوسع للحركة العمالية الأمريكية. بعد الإضرابات في هوليوود وفي مصانع السيارات، ارتفعت نسب القبول العام للنقابات إلى 67% في العام الماضي، بعد أن كانت 54% قبل عقد زمني، وذلك وفقاً لمؤسّسة غالوب للتحليلات.

النشطاء يتوقون لمساهمة نقاباتهم في القضايا التقدمية

وقال مانسيلا، القائد العمالي في النقابة المتحدة لعمال صناعة السيارات: "على مدى عقود قليلة، وتزامناً مع تراجع الحركة العمالية، صارت رؤيتها أضيق بكثير. كانت في موقف دفاعي".

والآن، يتوق كثير من النشطاء أن يشهدوا استغلال نقاباتهم للزخم المشهود في هذه المرحلة الزمنية، عن طريق اتخاذ مواقف جريئة في القضايا التقدمية، التي يرونها جزءاً من تاريخ مشاركة الحركة العمالية في السياسات الدولية والمحلية.

وقالت ريبيكا جيفان، الأستاذة المساعدة في الدراسات العمالية لدى جامعة روتجرز: "الأشخاص الذين صاروا منخرطين للغاية في نقاباتهم يريدون أن تعبر نقاباتهم تعبيراً كاملاً عن سياساتهم. ثمة خطر دائماً بأن ذلك قد ينفِّر بعض الأشخاص، ويحتمل أنه سوف ينشط آخرين".

يريدون توسيع نضالهم إلى خارج أمريكا

ويشعر بعض منظمي النقابات بأنهم إذا كانوا يحملون على عاتقهم النضال السياسي داخل الوطن، فينبغي عليهم أن يتحملوا أيضاً على عاتقهم المعارك في الخارج.

ويقول خبراء الحركات العمالية المتمرسون إن المطالبة ببيانات تؤيد وقف إطلاق النار من النقابات العمالية، تقدم دليلاً على وجود تحول بين الأجيال. ثمة موجة جديدة من القيادات من النشطاء الشباب، الذين ولدوا بعد انهيار اتفاقيات أوسلو للسلام في تسعينيات القرن الماضي.

وقال سيث جولدشتاين، محامي العمل الذي عمل مع نقابة العاملين في أمازون: "يولد هذا عن طريق شباب الحركة الاجتماعية من أبناء جيل الألفية والجيل زد. لا أعتقد أنهم مناهضون لإسرائيل بالضرورة. لكن ما رأوه في إسرائيل، هي حكومة نتنياهو".

تحميل المزيد