تشهد المملكة المتحدة يوم 6 مايو/أيار 2023 حفل تتويج الملك تشارلز الثالث، فكم سيتكلف الحفل؟ وكيف ينظر البريطانيون إلى هذا التقليد الفريد الممتد لأكثر من 1000 عام؟
كان الملك تشارلز قد أصبح تلقائياً عاهلاً للمملكة المتحدة و14 بلداً آخر، بعد وفاة والدته الملكة إليزابيث الثانية قبل 9 أشهر، فلماذا تصر الأسرة الملكية على حفل التتويج، الذي عادةً ما يكون مليئاً بالفخامة والعظمة وله مغزى ديني مهيب؟ وكانت الملكة إليزابيث الثانية قد توفيت مساء الخميس، 8 سبتمبر/أيلول 2022، عن عمر 96 عاماً.
ونشرت صحيفة The Times البريطانية تقريراً يرصد التكاليف المتوقعة لحفل التتويج، وآراء الجمهور البريطاني في مدى جدوى الحفل، علماً بأن مراسم تتويج ملوك وملكات المملكة المتحدة أقيمت خلال معظم الألف عام المنصرمة في كنيسة وستمنستر في لندن، ولم تتغير المراسم كثيراً على مر القرون.
كم سيكلف حفل تتويج الملك تشارلز؟
من غير المحتمل أن يكون الإسراف الفج عنواناً ليوم الملك تشارلز الثالث المميز، مع تكهنات بأن الملك الشهير باقتصاده للمال سيهدف إلى حدث أصغر و"أقل تكلفة" من أسلافه. فبريطانيا، على أية حال، تمر بأزمة تكاليف المعيشة.
قال متحدث باسم قصر باكنغهام: "نظراً لأن التتويج مناسبة وطنية للدولة، فإن مصادر التمويل ستشمل المنحة السيادية وحكومة المملكة المتحدة". لكن القصر لن ينشر أية تفاصيل عن التكاليف إلا بعد انتهاء الحدث.
وحتى ذلك الحين، جاء التقدير الوحيد المتاح للجمهور من مصدر في اللجنة المنظمة لعملية الجُرم السماوي الذهبي -وهو الاسم الرمزي لعملية تنظيم مراسم تتويج الملك تشارلز- الذي أخبر The Sun بأن فاتورة الحدث قد تصل إلى 100 مليون جنيه إسترليني (125.7 مليون دولار أمريكي).
ورغم أن التتويج ليس ضرورياً ولا يوجد أي نظام ملكي آخر في العالم يقيم مراسم له على النمط نفسه، فإن حفل التتويج لملوك وملكات المملكة المتحدة يعد حدثاً رئيسياً على مر الأزمان. وقالت المؤرخة الملكية أليس هانت لرويترز: "شكل الحفل الذي سنشهده عند تتويج تشارلز الثالث يتفرد به هذا البلد، وهو فريد في استمراريته".
فعندما اعتلى الملك جورج الرابع العرش في عام 1821، أصر على واحدة من أغرب حفلات التتويج في التاريخ البريطاني. فقد أمر الجميع بارتداء أزياء من حقبتي تيودور (1485 – 1603) وستيوارت (1603-1714)، التي وصلت تكلفتها إلى 45000 جنيه إسترليني، أي حوالي 4 ملايين جنيه إسترليني بقيمة اليوم (نحو 5 ملايين دولار أمريكي). وتعاقد البلاط الملكي مع أفضل الملاكمين في البلاد ليرافقوه، وصُنِع تاج جديد مُرصّع بـ 12314 ماسة. وبعد الحفل تناول ضيوفه وليمة من ثلاثة أطنان من لحم البقر و9 أطنان من لحم الضأن و9840 زجاجة من النبيذ.
ووصلت الفاتورة النهائية لحفل التتويج إلى 230 ألف جنيه إسترليني (966 ألف دولار أمريكي)، أي أضعاف تكلفة حفل والده. وتضررت الخزائن العامة بسبب هذا الاستعراض، لدرجة أنه في مراسم تتويج ويليام الرابع، بعد عقد من الزمن، لم تُقام أية مأدبة على الإطلاق.
كم تنفق بريطانيا سنوياً؟
هل 100 مليون جنيه إسترليني تكلفة عالية؟ تنفق الدولة البريطانية كل عام حوالي تريليون جنيه إسترليني، وهو ما يكفي لـ10 آلاف حفل تتويج. وعند توزيع هذه التكلفة بالتساوي على عدد السكان، فسيكون نصيب كل فرد 1.50 جنيه إسترليني، وهو سعر عُلبة فاصولياء مطبوخة.
لكن بالنظر إلى أنها فعالية وطنية، فهذا الرقم جوهري. إذ يعادل تقريباً نفس تكاليف حفل زفاف تشارلز عام 1981 على الأميرة ديانا، الذي يعتبر واحداً من أغلى حفلات الزفاف الملكية على الإطلاق (وفي ذلك الوقت، دفعت العائلة المالكة الفاتورة بالكامل). لكنه يتضاءل أمام مبلغ 28 مليون جنيه إسترليني (35.2 مليون دولار أمريكي) الذي خصصته الحكومة لليوبيل البلاتيني العام الماضي.
ولا تختلف التكلفة كثيراً عن قيمة آخر حفل تنصيب رئاسي في الولايات المتحدة، إذ تتراوح تقديرات حفل دونالد ترامب من 100 مليون دولار إلى 200 مليون دولار، وإن كان هناك 13 حفل تنصيب رئاسي أمريكياً منذ التتويج البريطاني الأخير في عام 1953.
أما في بريطانيا، فقد شهدت كنيسة ويستمنستر تتويج 38 ملكاً وملكة، ولكن لم يجرِ تتويج إدوارد الخامس، وهو واحد من أميرين شابين يُعتقد أنهما قُتلا في برج لندن في القرن الخامس عشر، ولا إدوارد الثامن الذي تنازل عن العرش للزواج من المطلقة الأمريكية واليس سيمبسون.
إضافة إلى ذلك، فإنَّ مقارنة مراسم تتويج تشارلز بتتويج أسلافه أمر معقد. فبعد تعديل القيمة وفقاً لمعدلات التضخم، فإنَّ مبلغ 1.57 مليون جنيه إسترليني الذي أُنفِق على تتويج إليزابيث الثانية في عام 1953 يُقدَّر بـ 46 مليون جنيه إسترليني بأسعار اليوم. وحتى فاتورة حفل جورج الرابع المسرفة ستكون 23 مليون جنيه إسترليني من أموال اليوم، أي ربع التكلفة المزعومة لحفل تشارلز.
وربما يكون المقياس الأفضل هو كيف يُقارَن التتويج بحجم الاقتصاد في ذلك الوقت. إذ يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة حوالي 2.5 تريليون جنيه إسترليني (أكثر من 3 تريليونات دولار أمريكي) في السنة؛ لذلك إذا كانت قيمته 100 مليون جنيه إسترليني، فإنَّ حفل التتويج المقرر في 6 مايو/أيار سيشكل حوالي 0.004% من الإنتاج السنوي. وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون في الواقع الأقل تكلفة خلال 200 عام. ويُقدَّر حفل والدته بأكثر من الضعف، بنسبة 0.009%، بينما قيمة حفل جورج الرابع تبلغ 0.05%، أي أغلى بنحو 13 مرة.
ما رأي البريطانيين في حفل التتويج الملكي الآن؟
ومع ذلك، فإنَّ التكاليف النسبية واستعدادنا لدفعها لا يتوافقان. إذ يعتقد 32% فقط من الجمهور البريطاني أنَّ الحكومة يجب أن تدفع ثمن التتويج، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة YouGov مؤخراً، مقارنة بـ 50% قالوا إنه لا ينبغي لها دفعه. ويفضل معظم الناس في كل فئة عمرية شملها الاستطلاع ألا يضطر دافع الضرائب إلى دفع تكاليف حفل تتويج تشارلز، الذي تبلغ ثروته الشخصية 600 مليون جنيه إسترليني (754.4 مليون دولار أمريكي).
وتشمل الاعتبارات الاقتصادية ما هو أكثر من التكلفة الاسمية لإقامة حفل التتويج. إذ ربما سيأتي التأثير الأكبر للحفل من يوم العطلة الرسمية الإضافية، وهو اليوم الذي لن يعمل فيه الكثير من البريطانيين. وقدّر مكتب الإحصاءات الوطنية أنَّ التكلفة المضافة إلى جنازة الملكة في سبتمبر/أيلول نتيجة اعتبار اليوم عطلة وطنية تمثل "النصف" على الأقل من الانخفاض بنسبة 0.6% الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي في ذلك الشهر.
لكن لحسن الحظ، يستبعد الخبير الاقتصادي جوليان جيسوب، أن تدفع عطلة يوم التتويج اقتصاد بريطانيا المترنح إلى الركود؛ إذ يخفف الإنفاق الإضافي المرتبط بالحدث تأثير أي ضرر.
إذ تتوقع جمعية UK Beer and Pub Association التجارية استهلاك 62 مليون باينت (نحو 30 مليون لتر) من مشروبات الجعة خلال عطلة نهاية الأسبوع المزامنة للتتويج، أي بنحو 16 مليون باينت أكثر من عطلات نهاية الأسبوع العادية في مايو/أيار؛ ما يولد دفعة قدرها 71 مليون جنيه إسترليني (89.2 مليون دولار أمريكي) في هذه الصناعة. وتقول إيما مكلاركين، الرئيسة التنفيذية للجمعية: "في أوقات عصيبة للغاية بالنسبة إلى صناعتنا، نأمل أن يختار الناس الاحتفال بهذا الحدث الوطني من خلال دعم مؤسسة بريطانية عظيمة".
بالإضافة إلى ذلك، سيجلب الزوار الدوليون الأموال إلى البلاد؛ فقد ارتفعت حجوزات الرحلات الجوية من الولايات المتحدة إلى بريطانيا بنسبة 10% مقارنة بشهر مايو/أيار 2019. كما أُفِيِد بأنَّ بيع حقوق البث التلفزيوني إلى محطات البث في الخارج سيولد دخلاً كبيراً.
على الرغم من أنه من المحتمل أن يكون تأثير مراسم التتويج على المدى الطويل في بريطانيا كبيراً، إلا أنه من المستحيل تحديده. وما هو مؤكد هو أنَّ رعايا تشارلز سيحكمون على مدى عظمة وأبهة الحفل، تماماً كما هو الحال في كل تتويج قبله؛ هل كان مغالاً فيه للغاية وسيبدو سيئاً على أزمة تكلفة المعيشة؛ أم كان مقتصداً للغاية، وليس لدينا الكثير لنفتخر به.