كشفت مصادر عراقية وإيرانية، الأربعاء، 22 فبراير/شباط 2023، اعتزام رجل الدين الشيعي والسياسي، مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في العراق، العودة للحياة السياسية مرة أخرى، وذلك بعد زيارة سيجريها إلى إيران، سبقتها وساطة من حزب الله اللبناني لإنهاء التوتر بين الجانبين.
أوضحت المصادر الخاصة لـ"عربي بوست" أن زيارة الصدر إلى إيران لم تجدول بعد، مؤكدة أنها ستكون خلال الأشهر القليلة المقبلة، تمهيداً لعودته إلى الحياة السياسية من جديد.
الصدر كان قد أعلن انسحابه من العملية السياسية، في نهاية أغسطس/آب 2022، بعد عام من الانسداد السياسي، والأحداث الدامية في العاصمة العراقية بغداد.
ليست هذه المرة الأولى التي يعلن فيها مقتدى الصدر انسحابه من المشهد السياسي، فقد سبقتها مرات عشر، أعلن عنها في السنوات الماضية، متحدثاً عن أنه سيعتزل السياسة، قبل أن يعود عن قراره في كل مرة.
زيارة إلى إيران
أفاد مصدر سياسي عراقي مطلع في بغداد، ومقرب من إيران، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته، بأن "زيارة الصدر ستشمل العديد من اللقاءات مع المسؤولين الإيرانيين، لا سيما المسؤولين عن إدارة الملف العراقي في طهران".
من بين المسؤولين الذين سيلتقيهم الصدر، بحسب المصدر ذاته، "مسؤولون بارزون في وزارة المخابرات الإيرانية، بهدف مناقشة عودته إلى الحياة السياسية مرة أخرى".
أوضح كذلك أن "الإيرانيين حريصون على استعادة التوازن السياسي للشيعة في العراق"، مؤكداً أن "عودة مقتدى الصدر مهمة لحدوث هذا الأمر".
سبق ذلك، وفق المصدر، أسابيع من تكثيف قنوات الاتصال بين مقتدى الصدر وإيران، لتحقيق عودته السياسية مرة أخرى، والعمل على التقريب بينه وبين خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من إيران، الذي يعد مظلة سياسية تنضوي تحتها أغلب الأحزاب الشيعية والفصائل المسلحة العراقية المدعومة من طهران.
في السياق ذاته، أكد مسؤول إيراني مقرب من وزارة المخابرات الإيرانية، لـ"عربي بوست"، احتمالية زيارة مقتدى الصدر لإيران بالفعل.
وقال شريطة عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع: "منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022، والمحادثات مع التيار الصدري جارية على قدم وساق، وأستطيع القول الآن إن الأمور إيجابية بشكل كبير، لكن زيارة الصدر إلى طهران مهمة للغاية، لتتويج المحادثات بعودته إلى الحياة السياسية، واستعادة التوافق داخل البيت الشيعي العراقي".
تأكيدات من داخل التيار الصدري
علق 3 قادة بارزين في التيار الصدري لـ"عربي بوست"، بشأن زيارة الصدر المحتملة لإيران، وإعلان عودته للحياة السياسية.
رغم وجود تضارب في تصريحات القادة داخل التيار الصدري، إلا أن اثنين منهما أكدا الزيارة، وثالثاً نفى أن تكون الزيارة في حال حدوثها ملزمة لمقتدى الصدر.
المصدر الثالث من التيار الصدري قال لـ"عربي بوست": "المحادثات بين مقتدى الصدر والإيرانيين جارية بالفعل، لكن هذا لا يعني أنه سيقوم بزيارة إلى طهران، أو أن هذا الأمر ملزم له، أو مرتبط بأي قرار قد يصدر عنه فيما يتعلق بعودته للحياة السياسية، فهذا أمر غير مقبول".
بينما أكد المصدران الأول والثاني إمكانية حدوث هذه الزيارة في المستقبل القريب، مؤكدين أن "إمكانية سفر مقتدى الصدر إلى إيران موجودة، فالإيرانيون إخوة لنا، ولا يوجد مانع لدى السيد مقتدى من الجلوس معهم والتحدث إليهم، فهذه لقاءات سياسية".
وأكدا أن "هناك وساطة إيرانية بين مقتدى الصدر والإطار التنسيقي، وأن الإيرانيين أخبروا الصدر برغبتهم القوية في عودته إلى المشهد السياسي، وقاموا بدعوته لزيارتهم في طهران"، مشددين على أن "الأمر وارد الحدوث في أي وقت".
لكن لم يحدد أي من المصادر سواء من التيار الصدري، أو المصادر السياسية العراقية والإيرانية، موعد الزيارة بالتحديد.
وساطة حزب الله اللبناني
بعد إعلان مقتدى الصدر انسحابه من الحياة السياسية ظهرت العلاقة بينه وبين إيران متوترة قليلة، بحسب مصدر عراقي، قال إن تدخل حزب الله اللبناني منع حدوث الكثير من التصدعات بينهما.
وقال لـ"عربي بوست" إن حزب الله "توسط لمنع تطور الأحداث الدامية، بعد اقتحام أنصار مقتدى الصدر للمنطقة الخضراء المحصنة بالعاصمة العراقية بغداد، واقتحام البرلمان العراقي والقصر الرئاسي، ووقوع اشتباكات بينهم وبين قوات الأمن والفصائل المسلحة الشيعية الأخرى المنافسة والمنضوية تحت الإطار التنسيقي الشيعي".
خلفت الاشتباكات حينها بين أنصار التيار الصدري والقوات المحسوبة على الإطار التنسيقي 22 قتيلاً، أغلبهم من الصدريين.
أوضحت المصادر العراقية أن "مكالمة من حزب الله اللبناني، وبالتحديد من الشيخ محمد الكوثراني، الذي يعد حلقة الوصل بين حزب الله اللبناني والجماعات الشيعية المقربة من إيران في العراق، استطاعت إنهاء هذه الحادثة، ودفعت مقتدى الصدر في اليوم التالي إلى دعوة أنصاره إلى الانسحاب بسرعة وبشكل مفاجئ، لإنهاء العنف في الشوارع".
في حين لا يمكن التأكد من صحة هذه المعلومة من مصادر مستقلة.
في سياق متصل، كشف زعيم سياسي عراقي مطلع لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، عن "زيارة أجراها أعضاء من التيار الصدري، إلى لبنان بشكل مكثف في الآونة الأخيرة، لحل مسألة عودة التيار الصدري إلى المشاركة السياسية مرة أخرى" في العراق.
لكن الجديد في الأمر، الذي زاد من وتيرة المحادثات، والحديث عن عودة قريبة مرتقبة لمقتدى الصدر، إلى المشهد السياسي مرة أخرى، "اجتماع قادة التيار الصدري، مع المسؤولين العراقيين في العاصمة اللبنانية، بيروت، بحضور مسؤولين من حزب الله اللبناني"، وذلك بحسب ما كشف عنه مسؤول أمني إيراني مقرب من حزب الله اللبناني.
يقول المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، طالباً عدم الكشف عن اسمه لحساسية الأمر: "المحادثات بين الصدر وطهران كانت بمساعدة حزب الله بالطبع، للتوصل إلى إمكانية طريقة حل الخلافات وتقليل التوترات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي الشيعي".
أوضح كذلك أن وساطة حزب الله اللبناني تمت بدون إجراء مقابلة مباشرة بين الصدر وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، مضيفاً: "المحادثات كانت على مستوى المسؤولين في التيار الصدري والإيرانيين، بحضور الكوثراني، لكن لا يوجد أي لقاء تم بين الصدر ونصر الله حتى الآن".
العقبات أمام عودة الصدر
رغم "الأجواء الإيجابية" التي تحدثت عنها المصادر في كل من بغداد وطهران، إلا أن هناك بعض العقبات التي تحول دون عودة الصدر إلى الحياة السياسية مرة أخرى.
في هذا الصدد، قال دبلوماسي إيراني ضمن البعثة الدبلوماسية الإيرانية في بغداد، لـ"عربي بوست"، إن "هناك بعض الأطراف داخل الإطار التنسيقي ترفض عودة مقتدى الصدر إلى الحياة السياسية".
لم يرغب الدبلوماسي الإيراني ذكر الأطراف المعرقلة لعودة الصدر للحياة السياسية، بشكل مباشر، لكن قيادياً في الإطار التنسيقي الشيعي العراقي، عدّد منهم لـ"عربي بوست": "نوري المالكي، وقيس الخزعلي"، معتبراً أنهما يمثلان العقبة أمام عودة عن اعتزاله السياسة.
يشار إلى أن المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، (2006:2014)، وزعيم ائتلاف دولة القانون في البرلمان العراقي، ويعد من أبرز قادة الإطار التنسيقي، ولديه تاريخ من العداء المشتركة مع مقتدى الصدر، تعود إلى عام 2006:2008، عندما كان يترأس رئاسة الحكومة حينها، وواجه فصيل مقتدى الصدر، المسلح "جيش المهدي"، الذي احتل مدينة البصرة العراقية الغنية بالنفط.
وبمساعدة الولايات المتحدة، استطاع المالكي هزيمة التيار الصدري، وإخراج فصيله المسلح من البصرة. وطوال تلك السنوات لم يستطع الرجلان إنهاء عداوتهما.
أما الخزعلي، فهو قائد عصائب أهل الحق، وهو فصيل شيعي مسلح قوي، مقرب من إيران، ويعد الداعم الرئيسي لحكومة محمد شياع السوداني، الحالية، وكان قائداً لجيش المهدي ومقرباً من الصدر، قبل أن ينشق عنه في عام 2008، ويؤسس فصيله المسلح الخاص به.
وساطة نجل السيستاني بين الصدر والمالكي
بهذا الصدد، كشف مصدر سياسي عراقي لـ"عربي بوست"، عن أن "إيران والسيستاني يحاولان الآن التوفيق بين الصدر والمالكي".
يُعد علي السيستاني، رجل الدين الشيعي الأبرز في العراق، والمرجعية الشيعية الأكبر في البلاد.
أضاف المصدر ذاته أن "هناك اجتماعاً جرى في مدينة النجف بين النجل الأكبر للسيستاني والصدر، لحث الأخير على الموافقة على المصالحة مع المالكي"، وأن إيران دفعت لإجراء هذا اللقاء.
لكن مصدراً مسؤولاً من التيار الصدري، رفض تأكيد أو نفي حدوث مثل هذا الاجتماع بين نجل السيستاني ومقتدى الصدر، قائلاً لـ"عربي بوست": "ليس لدينا معلومات مؤكدة تنفي أو تؤكد هذا الأمر، ولا يمكن الحديث عن حدوث هذا الاجتماع في الوقت الحالي، فالأمر سابق لأوانه".
أوضحت المصادر أيضاً أن السبب الذي يدفع إيران لإجراء محادثات تؤدي إلى عودة الصدر إلى الحياة السياسية، يتمثل بـ"خشية طهران أن يقوم الصدر باستخدام احتجاجات الشوارع، خاصة أن حكومة السوداني المدعومة من الإطار التنسيقي المقرب من إيران، لم تحقق أي شيء إلى الآن".
شددت كذلك على أن "لجوء الصدر إلى الشارع، من الممكن أن يؤدي إلى القضاء على حكومة السوداني، في حين أن الإطار التنسيقي حريص على الحفاظ عليها، ما قد يدفع المالكي إلى حل خلافه مع الصدر"، وفق تقديره.
أما بالنسبة للصدر، فإن دافعه للعودة عن اعتزاله السياسة، يكمن بحسب المصادر ذاتها في أنه "يدرك أنه لا يستطيع تجاوز خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي، والانفراد بالحكم الشيعي في العراق، فكان لا بد من التفاوض لحل الخلافات".
“بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة.
نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”