تحت عنوان "لماذا النساء في الوطن العربي أكثر بدانةً من الرجال"، نشرت مجلة إيكونوميست مقالاً تُسلّط الضوء فيه على ظاهرة الوزن الزائد لدى النساء في الوطن العربي وفارق الوزن بين الجنسين.
لكن وسائل التواصل الاجتماعي ضجّت بالمقال لسببٍ آخر يتعلّق بالصورة المرفقة؛ إذ استخدمت المجلة اسم وصورة الممثلة العراقية إيناس طالب في سياق التدليل على البدانة وارتباطها بمفهوم الجمال لدى العرب، واصفةً إياها بـ"الممثلة ذات المنحنيات الوافرة"، وهو ما حدا بإعلان الممثلة عن عزمها مقاضاة المجلة.
ونوّهت المجلة إلى أنّ ظاهرة زيادة نسب البدانة لدى النساء عن الرجال هي ظاهرة عالميّة، وليست محصورة بالعرب، وإن كان التفاوت بين الجنسين أكثر بروزاً وثباتاً في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
لكن المجلّة أحالت ظاهرة بدانة المرأة العربية لعوامل متعددة، مثل تقييد حركة المرأة وانخفاض نسب التوظيف وغيرها، وإن أوردت بعض العوامل بصورةٍ غير مُستدلّ عليها على نحوٍ جيد، مثل ثقافة الطهو وعلاقتها باستهلاك الكربوهيدرات المفرط، وتفضيل بعض الرجال العرب للمرأة الممتلئة مثل "نساء روبنز".
نعود في "عربي بوست" إلى الإحصائيات العالمية التي تقارن بين مستويات البدانة لدى النساء والرجال في مختلف دول العالم لنرصد حجم المشكلة على المستوى العربي، مع محاولة لفهم العوامل وراء ازدياد نسب البدانة لدى المرأة العربية.
هل المرأة العربية أكثر بدانةً من الرجال؟
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ترتفع مستويات نسب البدانة لدى النساء عن الرجال في عموم العالم، فقد بلغت 15% لدى النساء مقابل 11% لدى الرجال في عام 2016، ويُستثنى من ذلك مجموعة من الدول ذات الدخل المرتفع وشرق أوروبا.
لكن تزداد الفجوة بين النساء والرجال في جميع الدول العربية؛ إذ يبدو التفاوت في النسب ثابتاً ومداوماً باطّراد في بيانات الصحة العالمية من عام 1975 إلى 2016، والتي يوفّرها موقع Our World in Data في هذا الرسم البياني:
وتظهر أعلى النسب من بين الدول العربية في الكويت؛ إذ سجلت الأرقام نسبة أشخاص مفرطي السمنة 45.6% عند النساء الكويتيات مقابل 33.3% لدى الرجال في 2016، وقد ارتفعت من 28% لدى النساء و11.8% لدى الرجال في 1975.
وتأتي بعدها قطر (43.1% نساء، 32.5% رجال)، ومن ثم السعودية (42.3% نساء، و30.8% رجال) والأردن (43.1% نساء، و28.2% رجال)، وكذلك الإمارات العربية المتحدة (41% نساء، و27.5% رجال) ومصر (41.1% نساء، و22.7% رجال)، وهي الدول العربية الأعلى بمعدلات السمنة وفقاً لإحصائية 2016.
وتعدّ الدول المذكورة ضمن الدول الأعلى في نسب الأشخاص البدينين لمجموع السكان، لا يسبقها في ذلك إلا بعض الدول الصغيرة في جزر المحيط الهادئ مثل جزر مارشال وناورو وساموا وتونغوا وكاريباتي.
ووفقاً لإحصائية 2022، حوت الكويت أعلى نسبة أشخاص بدينين من السكان من بين الدول العربية (37%)، ومن ثم الأردن والسعودية، ويليها قطر ولبنان وليبيا ومصر.
بينما تعود النسب الأقل للصومال والسودان وموريتانيا وجيبوتي واليمن.
وباستثناء الصومال والسودان، تجاوزت نسب النساء البدينات للمجموع النسب العالمية في جميع الدول العربية حتى الدول الأقل بدانةً منها، فبينما كانت النسبة العالمية للنساء البدينات 15%، كانت 18% في جيبوتي، و22% في اليمن، و32% في المغرب.
السمنة وباء عالمي
يُلاحظ أن الإحصائيات السابقة معنيّة بالسمنة لا بزيادة الوزن، فصحيح أن الحالتين تتضمنان فكرة الوزن الزائد، لكن الشخص ذا الوزن الزائد عما يعتبر طبيعياً أو صحياً لعمره وبنيته، قد لا يعاني من تراكم الدهون الزائدة.
أما في حالة السمنة فتشمل التراكم المفرط للدهون في الجسم، وتتسبب بمشاكل صحية خطيرة، فهي المسبب الخامس للموت على الصعيد العالمي، وقد أدّت لوفاة أكثر من 5 ملايين وفقاً لإحصائية منظمة الصحة العالمية لعام 2019.
وتحدد منظمة الصحة العالمية الفارق بينهما عبر مؤشر كتلة الجسم، ويعتبر الشخص زائد الوزن عندما يتجاوز المؤشر لديه 25، وتبدأ السمنة عند تجاوز المؤشر لرقم 30، يمكنك أن تقيس درجتك هنا.
تضاعفت السمنة في العالم بنحو 3 أضعاف منذ عام 1975، ويعاني حالياً أكثر من مليار شخص من السمنة، والأمر ذاهب نحو ازدياد، فقد تحوّلت السمنة للوباء الأكثر إلحاحاً عالمياً؛ إذ أصبح معظم سكان العالم يعيشون في بلدان يموت الناس فيها من فرط الوزن والسمنة (عوضاً عن نقص الوزن).
كانت السمنة في السابق ترتبط مع البلدان مرتفعة الدخل، لكنها الآن مشكلة عامة، وقد تجتمع السمنة مع نقص التغذية في مكانٍ واحد، لا سيما في البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل، بسبب طبيعة التغذية الحديثة.
لماذا البدانة أعلى لدى المرأة؟
يبين تقرير إحصائيات الصحة العالمية الصادر هذا العام وجود ارتباطٍ بين الوضع الاقتصادي ومستوى التعليم وبين معدل انتشار السمنة.
فعند النظر إلى بيانات النساء والرجال بين عمر 15 إلى 49، وخلال الفترة 2010-2019، يظهر ازدياد معدل انتشار السمنة مع ازدياد غنى الدول، مع فارق الازدياد بين الجنسين، فبالنسبة للرجال يرتفع المؤشر من 0.5% في الدول الأفقر إلى 5.9% في الدول الأغنى، بينما يرتفع المؤشر لدى النساء من 2.5% في الأفقر إلى 15.4% في الأغنى.
تتداخل عوامل كثيرة وديناميكيات اجتماعية وثقافية متعددة لأسباب ازدياد انتشار السمنة لدى النساء في عموم العالم، وترتبط المعدلات بنوعية الثقافات السائدة وكذلك معطيات العصر الحديث.
على سبيل المثال، تنوّه دراسة مختصة بتفاوت السمنة عند الجنسين، صادرة عن الجمعية الأمريكية للتغذية، لأثر زيادة انتشار المهن المتضمنة للجلوس والخمول الطويل، وقلة النشاط الجسدي في أوقات الفراغ لدى الدول المتقدمة، وارتفاع حصة السعرات الحرارية لأفراد بلدان الدخل المرتفع، لكن قد تتداخل عوامل التفضيلات الغذائية على الفارق بين السمنة بين الجنسين.
وتشدد الدراسة على أن العوامل الاجتماعية والثقافية المتداخلة في هذه الحالة "يصعب قياسها"، فقد كشفت دراسة فرامنغهام للقلب أن الذكور تزيد نسبة اكتسابهم السمنة 100% إذا أصيب صديقهم بها، بينما لا يظهر هذا الأثر عند النساء، وعلى هذا المنوال تُعدد الدراسة عوامل أخرى مُتعلقة بالتثاقف والمكانة والصورة الاجتماعية وغيرها من "عوامل لا تُعدّ ولا تُحصى".
أما في الدول النامية، تربط الدراسة ارتفاع انتشار السمنة مع تغير النظام الغذائي المدفوع أساساً بالنمو الاقتصادي، فالتحضر السريع والمرحلة الانتقالية في التغذية التي تمرّ بها البلدان متوسطة الدخل تؤدي للمزيد من استهلاك الدهون والسكر والكربوهيدرات المكررة.
يترافق ذلك مع أنماط حياة تتضمن فترات خمول أطول، خصوصاً أن العديد من البلدان النامية انتقلت في نهاية القرن العشرين انتقالاً ملحوظاً من قطاع العمل الزراعي (للإنتاج والمعيشة) إلى العمل المأجور ذي النشاط البدنيّ الأقل، وهو ما ظهر لدى النساء أكثر من الرجال.
يترافق ذلك مع تدفق المنتجات الغذائية المصنّعة (بما فيها من كربوهيدرات مكررة ومُحليات مضافة) إلى هذه البلدان، وهو ما يتسبب بأثر أكبر لدى النساء بسبب وجود اختلافات بين الجنسين في استقلاب الكربوهيدرات وما ينتج عن ذلك من زيادة أكبر في مستويات الدهون الثلاثية لدى النساء.
وفي دراسة عن "السياسات الغذائية والسمنة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل"، صدرت حديثاً عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية وجامعة مينيسوتا، تُظهِر النتائج علاقة بين التجارة والسياسات المالية ونتائج وزن الجسم للمرأة.
إذ ترتبط زيادة التعريفة الجمركية على السكر والحلويات بتقليل معدلات زيادة الوزن، وزيادة معدل الدعم الحكومي مع زيادة الوزن، ويبدو هذا الأثر أوضح لدى الأسر الأكثر فقراً نسبياً، بسبب وضعهم ميزانية أكبر على استهلاك الغذاء وترجيح اعتمادهم على الأغذية الأرخص والأقل صحة.
فيما تبين دراسة منشورة في مجلة نيتشر وجود ارتباط مستمر ما بين التفاوت في معدلات السمنة وعدم المساواة بين الجنسين، بغضّ النظر عن مستوى الدخل، وتحيل الأمر أيضاً لمجموعة معقدة من الأسباب الاجتماعية والثقافية المسببة للتفاوت الكبير بنسبة السمنة لدى النساء بين دولة وأخرى، ومن الأمثلة التي تذكرها تقسيم الموارد غير المتكافئ في الأسر المغربية، والارتباط بين معدلات السمنة ومستوى التعرض للعنف في مصر، وغيرها من عوامل جنسانية متباينة بين البلدان.
وتضع دراسة الجمعية الأمريكية أيضاً عوامل اللباس المحلّي في الحسبان بالنسبة للدول الإفريقية، وكذلك تعرض النساء في الدول العربية لما أسمته بـ"الحماية المفرطة" وفرض القيود الثقافية على أنواع النشاط البدني.