على النقيض من ما حدث في شهر إبريل/نيسان، تلتزم طهران الصمت بشأن حجم أو شكل أو نوع الهجوم الواسع على إسرائيل رداً على اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وسط طهران. وفي الوقت نفسه، تقول صحيفة هآرتس العبرية إن حكومة نتنياهو نفسها من شرح ما قد يتوقعه مواطنوها وتركت الإسرائيليين في الظلام، فيما يشغل رئيس الوزراء نتنياهو نفسه بحملة لإقالة وزير الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.
ومنذ الأربعاء الماضي، كانت إسرائيل في حالة تأهب قصوى٬ حيث انتقلت المؤسسة الدفاعية، بدءًا من القوات الجوية، إلى أقصى درجات الاستعداد الدفاعي في مواجهة تهديدات إيران وحلفائها بالانتقام المؤلم لأحدث الاغتيالات في طهران وبيروت قريبًا.
إسرائيل في حالة تأهب وجمهورها في حالة من التخبط
تقول صحيفة هآرتس٬ إن إسرائيل والولايات المتحدة تنسقان العمليات لصد الهجوم الصاروخي والطائرات بدون طيار محتمل على إسرائيل، حتى أن الأميركيين أعلنوا عن نشر حاملة طائرات أخرى في الشرق الأوسط، "يو إس إس أبراهام لينكولن"، للانضمام إلى "يو إس إس ثيودور روزفلت"، التي تقوم بدورية في خليج عُمان. كما تنشر الولايات المتحدة أنظمة دفاع جوي وسفن وطائرات مقاتلة في المنطقة٬ ومن المفترض أن هذه التدابير يتم تنسيقها مع الدول العربية الصديقة لإسرائيل٬ بحسب الصحيفة العبرية.
في الوقت نفسه، تدعو الولايات المتحدة والدول الغربية مواطنيها إلى مغادرة لبنان بسرعة. ورفضت إيران وحزب الله أي جهود الدبلوماسية التي تبذلها الدول الغربية وحتى عربية لتهدئة الأمور وتعديل رد فعلهما تجاه إسرائيل٬ حيث أكدت طهران أن إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" يوم السبت أن "مسؤولين عرباً قالوا إنهم نقلوا تحذيرات إلى إيران نيابة عن إسرائيل والولايات المتحدة بأن إسرائيل مستعدة لخوض حرب إذا رد حزب الله وإيران بشكل كبير للغاية"، مثل الهجوم على تل أبيب أو داخل إسرائيل. وفي الهجوم الإيراني السابق على إسرائيل في أبريل/نيسان، حرصت طهران على توضيح موعد إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار مسبقاً، وكانت إسرائيل والولايات المتحدة مستعدتين جيداً لاعتراضها بالإضافة للحلفاء الآخرين٬ وهذه المرة، يفضل الإيرانيون الصمت وشن حرب نفسية.
ولكن تقول "هآرتس"٬ إن "ما لم نشهده حتى الآن هو أي حوار بين الحكومة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي٬ فحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعتبر نفسها معفاة من الشرح للمواطنين الإسرائيليين ما يمكنهم توقعه من هجمات إيران٬ أو مناقشة القرارات والأحداث التي أوصلتنا إلى هذه النقطة المتوترة في المواجهة التي قد تتصاعد إلى حرب إقليمية.
وتضيف الصحيفة٬ يبدو أن وسائل الإعلام الإسرائيلية اعتادت على هذا. ويظهر نتنياهو أمام الكاميرات فقط عندما يستطيع التباهي بالإنجازات العسكرية، وحتى حينها عادة ما يتجنب الإجابة على الأسئلة الحرجة.
نتنياهو مشغول بحل أزماته الشخصية مع غالانت والقادة الآخرين
فضلا عن ذلك، وعلى عتبة مثل هذا التصعيد الخطير، وفي وقت لا يوجد فيه أي تقدم في الاتصالات مع حماس بشأن صفقة الرهائن، حيث ينشغل نتنياهو بالمشاورات والاستعدادات والتسريبات قبل إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت وربما استبداله بالنائب جدعون ساعر٬ وإقالة قادة آخرين.
ولكن رفاقه يلمحون إلى أنه لن يكتفي بذلك: فهو يحلم بقطع رؤوس كبار القادة بشكل منهجي، بما في ذلك إقالة رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي هرتزل هاليفي ورئيس جهاز الأمن الداخلي رونين بار وربما قائد الموساد. وعندها سيكون من الممكن أخيرًا تحميلهم مسؤولية الإخفاقات التي سمحت بحدوث كارثة السابع من أكتوبر، والتي يرفض نتنياهو قبول ذرة من اللوم على حدوثها.
وكل يوم تقريباً، يمكن للمرء أن يجد أمثلة على تجاهل نتنياهو تمامًا لجميع التحذيرات بشأن الكارثة الأمنية المتوقعة إذا أصر على تمزيق المجتمع الإسرائيلي بسبب أفعاله التشريعية.
واليوم، يبدو نتنياهو في غاية النشوة، مثل شخص مقتنع بأن الأحداث الأخيرة، من الاغتيالات الأخيرة إلى الترحيبات التي تلقاها خلال خطابه أمام الكونجرس الشهر الماضي، تؤكد أنه "كان على حق طوال الوقت". هذا الشعور يغذي ويزيد من تطرف أفعاله السياسية٬ كما تقول هآرتس.
في الوقت الذي يصطدم فيه نتنياهو بمؤسسة الدفاع والقضاء، تحشد آلة المحرضين والأتباع في وسائل الإعلام وعلى الشبكات الاجتماعية لتبرير كل أفعاله. وتبدو رحلة فرق التفاوض بشأن الرهائن يوم السبت إلى القاهرة لإجراء محادثات مع مسؤولي الاستخبارات المصرية أشبه بتصرفات نتنياهو الروتينية، خاصة على خلفية الاستعدادات للهجوم الإيراني.
وتقول هآرتس إن نتنياهو يستمر في التصرف في ظل مفارقات متعددة. في مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، طلب المزيد من المساعدات الأمريكية، على الرغم من أن الإدارة الأمريكية تقول إنها لم يتم إخطارها مسبقًا ببعض التحركات الإسرائيلية ووبخه بايدن مرة أخرى بشدة لتأخير صفقة الرهائن. ويوم الجمعة، أفادت قناة 12 الإخبارية عن صدام رئيس الوزراء مع رؤساء الدفاع، مما منع توصيتهم بدفع مفاوضات صفقة الرهائن إلى الأمام.
ولكن باستثناء تصريحات غالانت القصيرة، لم يتحدّ هؤلاء الضباط الكبار نتنياهو علناً حتى الآن. والجمهور غير مبال إلى حد كبير. وما زال البحث عن زعماء المعارضة مستمراً. وربما لن يستيقظوا من نعاسهم إلا عندما يكون الأوان قد فات.
وعندما قام بلطجية اليمين الإسرائيلي بأعمال شغب واقتحموا قاعدتين لجيش الدفاع الإسرائيلي الأسبوع الماضي، حرص نتنياهو على مقارنتهم بحركة الاحتجاج المناهضة للحكومة (التي تتظاهر أيضاً من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن)، مدعياً أنهم يتظاهرون بنفس العنف، رغم عدم وجود أي تشابه بينهم٬ كما تقول هآرتس.
في غضون ذلك، اعتقلت الشرطة يوم السبت نشطاء محتجين تجرأوا على إقامة نزهة في حديقة عامة بجوار منزل رئيس لجنة الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتاين للتحقيق معهم. وعلى نحو ما، لم يتم اعتقال أي من مثيري الشغب في قواعد جيش الدفاع الإسرائيلي، على الرغم من أن هويات بعضهم معروفة. حيث وقعت الشرطة الإسرائيلية بالفعل ضحية للانقلاب القضائي؛ ويعتمد مصير الأجهزة الأخرى على قوة المعارضة العامة لأفعال نتنياهو التالية.