مع توقف الرحلات الجوية، وعدم إمكانية الوصول إلى خدمات الطوارئ، وتوقف أنظمة الدفع عن العمل٬ يقوم العالم بتقييم الأضرار الناجمة عن سلسلة من انقطاعات تكنولوجيا المعلومات التي تثير قلق المستثمرين وتتسببت في توقف العديد من الشركات والخدمات الحكومية.
وأشعل أخطر انقطاع لتكنولوجيا المعلومات شهده العالم على الإطلاق شرارة فوضى عالمية اليوم الجمعة 19 يوليو/تموز 2024، إذ توقفت طائرات وقطارات، وتعطلت مؤسسات صحية، وأغلقت المتاجر، ولم تتمكن فرق كرة القدم من بيع التذاكر، وانقطعت خدمة البنوك والقنوات التلفزيونية٬ وغيرها الكثير من الأضرار.
وقالت شركة الأمن السيبراني كراود سترايك "Crowdstrike" إنها تواجه خللاً تقنياً في خدماتها في مختلف أنحاء العالم، مؤكدة أنه "ليس حادثاً أمنياً أو هجوماً إلكترونياً". وعلى الرغم من أن الانقطاع لم يستمر سوى ساعات٬ إلا أن الخبراء يتفقون بالفعل على أن الانقطاع الذي حدث صباح الجمعة بسبب خلل Crowdstrike هو أحد أكبر انهيارات الحوسبة حول العالم.
أكبر عطل تقني يشهده العالم.. لماذا هذا التأثير الواسع النطاق؟
أدى الانقطاع إلى إغلاق عدد لا يحصى من أجهزة الكمبيوتر والأنظمة التي تعمل بنظام التشغيل Windows. ويقول أحد الخبراء التقنيين إن هذا هو "يوم الحساب لشركة Crowdstrike"٬ حيث انخفضت أسهم الشركة، المدرجة في بورصة ناسداك، بنحو 12٪ في التداول قبل الافتتاح.
وتعرف "كراود سترايك" بأنها واحدة من أكبر شركات الأمن السيبراني في العالم٬ حيث تبلغ قيمتها السوقية حوالي 80 مليار دولار٬ وهي شركة أمريكية لتكنولوجيا الأمن السيبراني ومقرها في أوستن، تكساس. وهي تساعد الشركات في إدارة أمانها في "بيئات تكنولوجيا المعلومات"، وهي تشمل كل ما يتم الوصول إليه عبر اتصال بالإنترنت.
وتتمثل مهمتها الأساسية في حماية الشركات ومنع خروقات البيانات وهجمات الفدية والهجمات السيبرانية الأخرى. حيث شاركت الشركة في مكافحة العديد من الهجمات الإلكترونية البارزة، بما في ذلك اختراق شركة Sony Pictures في عام 2014، والهجمات الإلكترونية في الفترة 2015-2016 على اللجنة الوطنية الديمقراطية (DNC)، وتسريب البريد الإلكتروني لعام 2016 الذي شمل اللجنة الوطنية الديمقراطية.
ويعد المنتج الرئيسي لهذه الشركة هو "أمان نقطة النهاية" يسمى EDR، وهو اختصار لـ Endpoint Detection and Response، ويباع تحت اسم العلامة التجارية Falcon. وهو نوع من منصات مكافحة الفيروسات المتطورة التي تحمي الكمبيوتر من الفيروسات والبرامج الضارة الأخرى. ولذلك فهي تعد الشركة الرائدة في هذا السوق في العالم. حيث تم تثبيت هذا النظام الأساسي على عدد لا يحصى من أجهزة الكمبيوتر، خاصة في المؤسسات الكبيرة حول العالم.
وتحتاج مثل هذه البرامج إلى تحديث مستمر ومنتظم وتلقائي حتى تكون فعالة. ووفقاً للتقييمات الأولية، أصدرت الشركة تحديثاً روتينياً بين عشية وضحاها لجميع أنظمتها حول العالم. ومع ذلك، أصبح من الواضح على الفور أنه كان معيباً، مما تسبب في انهيار أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل Windows. وما زال الوقت مبكرًا لتحديد ما إذا كان ذلك خطأً صريحًا أم تدخلًا خبيثًا. ولكن النتيجة مثيرة للسخرية، على أقل تقدير، لأن برنامج مكافحة الفيروسات الذي كان يهدف إلى حماية أجهزة الكمبيوتر تسبب في أضرار لم تتمكن أسوأ الفيروسات من إحداثها على الإطلاق.
ونتيجة لذلك، فإن أجهزة الكمبيوتر المثبت عليها برنامج "كراود سترايك" تعرض في كثير من الحالات ما يسمى بشاشة الموت الزرقاء. وعرض مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صورا لشاشات الكمبيوتر في الشركات وفي المطارات ذات الشاشات الزرقاء. أبلغ البعض عن دخول أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم في حلقة تمهيد تؤدي إلى إيقاف تشغيلها بالكامل بشكل فعال.
ولكن الأمر المثير للقلق هو أن أجهزة الكمبيوتر التي تعطلت بالفعل لم تعد إلى العمل السليم، مما يزيد من المخاوف من أن الإصلاحات اليدوية ستكون مطلوبة في جميع أنحاء العالم.
ما الآثار الاقتصادية لهذا العطل التقني الأكبر حول العالم؟
تقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن هذه الحادثة تشير إلى مدى اعتماد الاقتصاد العالمي على مجموعة من شركات التكنولوجيا الكبرى لتشغيل البنية التحتية الحيوية. وتتحمل شركة "كراود سترايك"، العبء الأكبر من الضربة الاقتصادية.
وبدأت الجهات التنظيمية المالية في المملكة المتحدة بالفعل في التحدث مع شركات الخدمات المالية لمعرفة مدى الضرر الذي لحق بالبنوك وشركات الدفع، حسبما ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز.
ولم تصدر بعد أرقام دقيقة حول حجم الخسائر العالمية جراء هذا العطل المرعب٬ حيث يستغرق حساب الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي سيتطلب احصاؤها وقتاً طويلاً بالنسبة لشركات الأعمال والخدمات والمطارات والبنوك التي تعطلت.
وانهارت أسهم شركة "مايكروسوفت" التكنولوجية العملاقة في تعاملات قبل فتح الأسواق اليوم الجمعة نتيجة العطل التقني الذي أصاب الأجهزة والكمبيوترات والخوادم التي تعمل بنظام "ويندوز".
وخسرت الشركة التي تقدر قيمتها السوقية بنحو 3.2 تريليون دولار ما يزيد على 23 مليار دولار على الفور بعد هبوط قيمة أسهمها بأكثر من ثلاثة في المئة في التعاملات المستقبلية المبكرة، في ظل توقعات بأن ترتفع نسبة الخسائر مع فتح الأسواق الأميركية في وقت لاحق من اليوم.
أما الشركة المسؤولة عن العطل التقني "كراود سترايك"٬ فتشير التوقعات إلى خسارتها 20 مليار دولار على الأقل من قيمتها بمجرد فتح الأسواق للتعاملات.