قررت ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وفنلندا والنرويج وبولندا قبل أيام، إقامة منطقة دفاعية جديدة على طول الحدود مع روسيا أطلقوا عليها "سور المسيّرات"، ستعتمد بشكل كبير على الطائرات بدون طيار، لكن أيضًا على أنظمة مضادة للمسيّرات، لمواجهة "الاستفزازات" و"التهديد" الروسي للمنطقة منذ بدء الحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، بحسب تقرير لموقع فرانس 24.
قالت الحكومة الليتوانية الجمعة إن الدول الست الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) المجاورة لروسيا قد توصلت إلى اتفاق يقضي ببناء سور من المسيّرات للدفاع عن حدودها ضد "الاستفزازات" من دول غير صديقة.
في هذا الإطار، أوضحت وزيرة الداخلية في ليتوانيا آنيي بيلوتايت لوكالة "بي إن إس" للأنباء: "إنه أمر جديد تمامًا، سور من الطائرات المسيّرة يمتد من النرويج حتى بولندا. بهدف استخدام المسيّرات والتكنولوجيات الأخرى لحماية حدودنا". كما قالت: "يجب علينا حماية الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي بالطائرات بدون طيار".
وكشفت بيلوتايت عن هذه الخطة بعد محادثات عقدت في لاتفيا الجمعة مع نظرائها في دول البلطيق (لاتفيا وإستونيا) إضافة إلى فنلندا والنرويج وبولندا.
ما هو "سور المسيّرات"؟
وأشارت بيلوتايت إلى أن الخطة الدفاعية الجديدة لن تقوم فقط على "البنية التحتية المادية وأنظمة المراقبة"، ولكن أيضًا على "الطائرات بدون طيار وغيرها من التقنيات، التي من شأنها أن تسمح لنا بالحماية من الاستفزازات من الدول غير الصديقة ومنع التهريب".
وقالت الوزيرة في تغريدة على منصة إكس بعد القمة: "في ظل وجود أنظمة معادية وعدوانية بجوارنا، ينبغي علينا تعزيز تعاوننا في بناء الاستعداد والقدرة على الصمود. فإلى غاية أن يكون الجميع قادرين على الصمود، لا أحد قادر على الصمود" وحده.
إلى جانب نشر الطائرات المسيّرة للمراقبة الحدودية، ستستخدم هذه الدول الأنظمة المضادة للطائرات المسيّرة لوقف تلك "العائدة إلى العدو"، حسب بيلوتايت التي لم تحدد إطارًا زمنيًا لتنفيذ هذه الخطة، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
تعقيبًا، أوضح جاسم محمد، باحث في الأمن الدولي من بون في ألمانيا، في تصريحات لفرانس24، بأنّ هذه الخطوة تأتي في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها باستمرار الحرب في أوكرانيا، وخصوصًا انتقالها إلى مرحلة جديدة أبرز ما يميّزها "تصعيد روسي يتضمن سيناريو التهديد النووي".
كما قال جاسم إن هذا التحرك جاء أيضًا تثمينا لمناورات "المدافع الصامد" التي نفذها حلف شمال الأطلسي في الفترة ما بين مطلع فبراير/شباط وأواخر مايو/أيار على أراضي الدول المحاذية لروسيا أي الجناح الشرقي للناتو. واعتبر محاورنا بأن هذا التحول نحو "اعتماد الطائرات المسيّرة يأتي ضمن الحرب الهجينة التي نشهدها في أوكرانيا. كما أن دخول المسيّرات لساحات الحروب الحديثة مردّه أسباب تقنية واقتصادية. حيث إن لها مزايا أهمها توفير الموارد البشرية والتكلفة" المادية.
استراتيجيات دفاعية ضد "التهديد الروسي"؟
من جهة أخرى، اتهمت بيلوتايت روسيا وحليفتها بيلاروسيا بالسعي إلى ضرب استقرار دول المنطقة. وقالت وفق ما نقلت عنها وكالة بي إن إس ومقرها العاصمة الليتوانية فيلنيوس: "نرى ما يبذله النظامان الروسي والبيلاروسي لزعزعة استقرار الأمن الداخلي والنظام العام في بلداننا، ولإثارة الذعر وانعدام الثقة في المؤسسات. تواجه المنطقة برمتها تهديدات مماثلة بالتنسيق بين روسيا وبيلاروسيا، مثل استغلال الهجرة، والهجمات السيبرانية، والتضليل، وتخريب البنية التحتية الحيوية، وغيرها من التهديدات".
عن هذا الموضوع، قال عمر الرداد خبير استراتيجي ومحلل سياسي، لفرانس24، إن خطة هذه الدول المنضوية تحت لواء الناتو والتي تقضي بنشر طائرات بدون طيار على طول الحدود مع روسيا بدءًا من النرويج ووصولًا إلى بولندا، "تأتي في إطار استراتيجيات دفاعية وليست هجومية. بمعنى أنها ستتصدى لأية هجمات روسية صاروخية أو عبر الطائرات، لا سيما وأن منظومات الأسلحة الهجومية لدى روسيا أصبحت تهدد دول الناتو".
من جانبه، يرى جاسم محمد بأن دول البلطيق إلى جانب النرويج وفنلندا وبولندا سوف تعتمد على "سور المسيّرات" المقرر إقامته على حدودها "لأغراض دفاعية ضد أي تهديدات محتملة من روسيا منها خرق الحدود وربما عمليات التهريب". وهو يشرح هنا بأن الخطة هي أن "تعمل المسيّرات على مدار الساعة عند حدود هذه الدول لمنع أي خروقات محتملة من روسيا. يمكن القول إنه إجراء طبيعي ضمن أراضي الناتو أو البلطيق".
مخاوف مبررة؟
تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022 بإذكاء هواجس دول المنطقة التي تتخوف بأن تكون التالية في لائحة أعدتها روسيا مسبقًا لإعادة بسط نفوذها على دول الاتحاد السوفياتي سابقًا، وهو الاتهام الذي تواجهه موسكو منذ بدئها الحرب.
عزز هذه المخاوف وقوع عدة حوادث وأحداث مرتبطة بالحرب في أوكرانيا تورطت فيها روسيا وطالت العديد من تلك الدول يمكن الإشارة إلى عدد منها كما يلي:
أعلنت بولندا في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أي بعد أشهر من اندلاع الحرب، عن سقوط صاروخ روسي الصنع على قرية بريفودوف قرب الحدود الأوكرانية، ما أسفر عن سقوط قتيلين.
في فبراير/شباط 2023، أعلنت وزارة الدفاع الهولندية اعتراض مقاتلتين هولنديتين من طراز "إف-35" لثلاث طائرات حربية روسية اقتربت من "منطقة المسؤولية البولندية في إطار حلف شمال الأطلسي" الواقعة بين بولندا وليتوانيا.
في سبتمبر/أيلول 2023، طالبت بولندا ودول البلطيق الثلاث بيلاروسيا بطرد مجموعة فاغنر الروسية العسكرية، بعد اجتماع لوزراء داخلية هذه الدول عبّروا خلاله عن مخاوف أمنية بوقوع "حوادث مسلحة" ترتكبها المجموعة في المنطقة.
وتتهم دول المنطقة بيلاروسيا وروسيا بتدبير موجة من الهجرة تهدف، حسبها، لزعزعة استقرار المنطقة والاتحاد الأوروبي بأكمله، وهو ما تنفيه موسكو ومينسك. وكانت وزيرة الداخلية في ليتوانيا آنيي بيلوتايت قد عبّرت خصوصًا عن هذه المخاوف في تصريحاتها الأخيرة الجمعة.
في أبريل/نيسان 2024، أبدى الرئيس البولندي أندريه دودا استعداد بلاده لنشر أسلحة نووية على أراضيها "لتعزيز الجبهة الشرقية" للناتو، مشددًا على أن روسيا "تقوم بشكل متزايد بتعزيز التواجد العسكري في كالينينغراد. وفي الآونة الأخيرة، قامت بنشر أسلحة نووية في بيلاروسيا". للإشارة، تعد كالينينغراد منطقة روسية تقع على ساحل البلطيق تقع بين بولندا وليتوانيا.
إلى جانب ذلك، بادرت روسيا في فبراير/شباط لإصدار مذكرات بحث بحق مسؤولين من دول البلطيق، بما في ذلك رئيسة وزراء إستونيا كايا كالاس ووزير الخارجية الإستوني تيمار بيتركوب، واتهمت كل تلك الشخصيات بالمسؤولية عن قرارات تمثل "إهانة للتاريخ"، مما يفاقم من التوترات بين موسكو ودول المنطقة.
كذلك، فإن دول البلطيق تعتبر تهديد الغزو الروسي لها حقيقيًا، وهي تدعم كييف في حربها لتحرير أراضيها. كما تقيم أقليات روسية في إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، وتقول موسكو إنها تتعرض للاضطهاد، مما يذكر خصوصًا بسيناريو مشابه لما وقع في أوكرانيا بدءًا من 2014.
ما أهمية "سور المسيّرات" وهل سترد روسيا؟
في ظل هذه الهواجس والاتهامات المتبادلة، يبدو أن دول الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي باتت تسعى بشكل أكبر للتحرك تحسبًا لأي تهديد روسي لأراضيها، خصوصًا عبر الخطة الجديدة لبناء "سور المسيّرات".
لكن، كيف يمكن لهذا المشروع المساهمة في إزالة المخاوف التي تخيّم على دول الجناح الشرقي للناتو؟ يشرح عمر الرداد بأن من المهام التي ستضطلع بها مسيّرات الناتو، التي سيتشكل منها هذا الجدار الدفاعي، هي "جمع المعلومات الاستخباراتية عن الداخل الروسي لا سيما في المناطق الحدودية". ويحذر محاورنا من أن هذه المهام قد يكون لها تداعيات وخيمة. حيث يقول إن هذا "سيجعلها عرضة لاستهداف القوات الروسية"، ما يعزز المخاوف من الصدام بين موسكو والغرب.
كما يرى الرداد بأن موسكو ستكتفي في مرحلة أولى بالرد على "سور المسيّرات" عبر "إطلاق تصريحات تقلل من أهمية المشروع وتعهدات بإفشاله، وهي ستسعى لاستثماره إعلاميًّا للقول خصوصًا بأن روسيا معتدى عليها". ويخلص الخبير الاستراتيجي بأنه "على أية حال لا يتوقع أن يشكل [سور المسيّرات] متغيرًا نوعيًا في موازين القوى بين الناتو وروسيا. فالطائرات المسيّرة ظهرت بوصفها سلاحًا جديدًا في الحرب الأوكرانية، وظهرت معه روسيا بحالة ضعف ما دفعها إلى استيراد مسيّرات إيرانية".
من جهته، يرى جاسم محمد بأن استخدام الطائرات المسيّرة أصبح توجهًا حقيقيًا لدى كافة الجيوش وخاصة المتورطة في حرب أوكرانيا والحروب الهجينة. وهو يقول هنا إنه من "الممكن أن يكون الرد الروسي إطلاق بالون اختبار على سور المسيّرات عبر تنفيذ خرق جوي أو تحرك على الأرض".
في هذا السياق، يلحظ أن ما نشهده اليوم من استخدام كبير للمسيّرات، قد كان قبل بضعة سنوات افتراضات وتكهنات، وباتت حاليًّا معادلة صعبة في المواجهات المسلحة بالعالم، ولعل أبرز مثال عليها هو الحرب الدائرة في أوكرانيا.
يمكن في هذا الشأن الاستدلال بالتحذير الذي أطلقه في 2017 خبير الذكاء الاصطناعي ستيوارت راسل، من مستقبل قاتم لدور الطائرات المسيّرة. حيث يؤدي دمج التكنولوجيا والصناعات الحربية إلى إنتاج أسلحة فتاكة وغير مسبوقة مثل "الدرونز" بحجم العصافير الصغيرة، والروبوتات القاتلة.
كما سبق وأن دعا إيلون ماسك وشخصيات أخرى ضالعة في المجال التكنولوجي، الأمم المتحدة، إلى منع الأسلحة ذاتية التحكم بما فيها "الدرونز"، محذرين من "ثورة ثالثة في الحروب".
ويختم جاسم محمد بالقول إن روسيا قد تلجأ في مرحلة متقدمة إلى تنفيذ "مناورات بالسلاح النووي التكتيكي وكذلك تغيير إحداثيات الحدود البحرية أو المياه الإقليمية مع بعض دول البلطيق، وإقامة مناطق عازلة في أوكرانيا"، ردًّا على "سور المسيّرات".