أظهر حديث المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند، التي قتلت خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استمراراً للاتهامات الموجهة لمؤسسات غربية بالتحيز والكيل بمكيالين في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والتي شملت عدداً من وسائل الإعلام والصحف الغربية الكبرى.
تغطية عدد من المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند لم يظهر حقيقة ما مرت به ولا حجم التعاطف الإنساني الذي حازته قصتها عبر منصات التواصل الاجتماعي طوال نحو أسبوعين منذ طلبها الاستغاثة لإنقاذها من القوات الإسرائيلية التي حاصرت سيارة عائلتها بعد أن قتلتهم جميعاً، وفقاً لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
حتى إن بعض الصحف تعاملت مع مقتل الطفلة البالغ عمرها 6 أعوام باستخدام لفظ "وفاة" بدلاً من "قتل" أو "فتاة/بنت" بدلاً من "طفلة" أو أرجعت قتلها إلى مصدر مجهول.
تغطية الصحف الغربية عن الطفلة هند دون ذكر إسرائيل بالعنوان
BBC: "عُثر عليها ميتة".. لكن ماذا كتبت عن أطفال أوكرانيا؟
"هند رجب، 6 أعوام، وُجدت ميتة في غزة بعد أيام من طلب المساعدة باتصالات هاتفية"
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية خبر قتل هند تحت هذا العنوان الذي عالج الخبر بصيغة المجهول حول "العثور على فتاة تبلغ من العمر ست سنوات فُقدت الشهر الماضي ميتة إلى جانب العديد من أقاربها واثنين من المسعفين الذين حاولوا إنقاذها".
لم يذكر التقرير في عنوانه أو فقراته الأولى أن هند كانت طفلة، بل استخدم كلمة فتاة/بنت (Girl) مع الإشارة لعمرها. ثم أشارت الشبكة البريطانية الحكومية إلى إسرائيل بنهاية الفقرة بالقول "بعد أن تعرضوا على ما يبدو لنيران الدبابات الإسرائيلية".
الصحيفة أكدت في تقريرها أن هند كانت "مختبئة من القوات الإسرائيلية بين جثث أقاربها"، وأكدت في متن التقرير أن مسعفي الهلال الأحمر الفلسطيني تمكنوا من الوصول إلى المنطقة التي "كانت مغلقة في السابق لكونها منطقة قتال نشطة"، ووجدوا السيارة التي كانت تستقلها هند بينما كان "زجاجها الأمامي ولوحة القيادة محطمة، وتناثرت ثقوب الرصاص على جانبها"، دون إشارة صريحة إلى مسؤولية إسرائيل، التي جاءت في فقرات لاحقة بنسبها لتصريحات الهلال الأحمر الفلسطيني.
الصحيفة ذكرت تفاصيل قصة هند على لسان مسؤولين بالهلال الأحمر الفلسطيني ووالدة هند، ورغم أن التصريحات المنقولة على لسانهم أشارت إلى مسؤولية إسرائيل، إلا أن الصحيفة انتهت تقريرها بالقول: "وسبق أن اتهمت إسرائيل حماس باستخدام سيارات الإسعاف لنقل أسلحتها ومقاتليها".
عنوان شبكة BBC تحديداً أثار سخط مستخدمي الشبكات الاجتماعية على رأس الصحف الغربية عن الطفلة هند، الذين استغربوا استخدام "وُجدت ميتة" (Was found dead) بدلاً من القتل (Kill) في عنوانها.
كما استفز البعض لمقارنة تغطية خبر مقتل هند بخبر مقتل طفلة رضيعة في أوكرانيا حيث كان يذكر بكل وضوح في عنوان الخبر أن الرضيع "قتل في غارة روسية على مدن أوكرانية".
"فرانس 24": "فتاة عُثر عليها ميتة كما تقول عائلتها"
"العثور على فتاة في غزة عمرها 6 سنوات ميتة؛ كما تقول عائلتها التي تلقي باللوم على إسرائيل"
استخدام فعل الموت المبني للمجهول (found dead) كان سمة بارزة لتغطية الشبكة التلفزيونية الفرنسية في تغطيتها هي الأخرى، كما فضلت الشبكة المملكة للدولة استخدام لفظ "فتاة" بدلاً من "طفلة" في العنوان ضمن تغطية المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند.
إذ بدأت خبرها بالقول إنه "عُثر على فتاة فلسطينية تبلغ من العمر ست سنوات ميتة بعد أن فُقدت عقب تعرض سيارة عائلتها لإطلاق نار في قطاع غزة الذي مزقته الحرب"، دون ذكر اسم الطفلة بهذه الفقرة الافتتاحية.
الشبكة الفرنسية لم تشِر في فقرتها الأولى إلى مطلق النار أو المتسبب في تمزق القطاع من الحرب، وأرجعت مصدر الخبر إلى وزارة الصحة وأقاربها، وهنا ذكرت أنهم يتمون إسرائيل بقتل الطفلة. فيما أكدت الشبكة في خبرها القصير محاولتها التواصل مع الجيش الإسرائيلي للتعليق لكنه لم يفعل.
"نيويورك تايمز": "هند وفريق الإنقاذ وُجدوا ميتين"
"العثور على طفلة مفقودة عمرها 6 سنوات وفريق إنقاذ ميتين في غزة، بحسب ما تقول هيئة إغاثية"
كان ذلك العنوان الذي اختارته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية لتغطية الخبر، والتي نقلته عن الهلال الأحمر الفلسطيني وقالت إنه "عثر على هند ورجال الإنقاذ ميتين بعد نحو أسبوعين من البحث الذي أنهى الجهود اليائسة لمعرفة مصيرهم".
وبنهاية الفقرة الثانية من الخبر، وحينما أشارت الصحيفة إلى إسرائيل أو كلمة "القتل" للمرة الأولى بمتن تقريرها، أرجعت المعلومة إلى منظمة الإغاثة الفلسطينية وأن هذه الجهة هي من قالت "إنهم -هند وعائلتها والمسعفين- قتلوا بنيران إسرائيلية".
ذكر التقرير كلمة "وفاة" 6 مرات، فيما ذكر كلمة "قتل" 4 مرات، وجميعها كانت مبنية للمجهول. مرة من المرات الأربع التي استخدم فيها مصطلح "القتل" كانت للحديث عن القتلى الإسرائيليين (1200) الذين سقطوا منذ بداية الحرب، رغم أن الصحيفة عندما أشارت إلى مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني استخدمت مصطلح "الوفاة" أيضاً.
HuffPost: عُثر على الطفلة ميتة
"هند رجب، 6 سنوات من غزة، التي تحدثت عن الخوف عبر الهاتف لرجال الإنقاذ، وُجدت ميتة"
في عنوان مليء بالتفاصيل ما عدا كلمتي "طفلة" أو "إسرائيل" اختار الموقع الأمريكي "هاف بوست" الحديث عن قتل الطفلة الغزاوية التي استمر البحث عنها لنحو أسبوعين.
الموقع الأمريكي أشارت إلى إسرائيل في الفقرة الثانية لتؤكد أنه "عُثر على جثمان هند في منطقة تل الهوى بمدينة غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة، وتم العثور على بقايا سيارة إسعاف مدمرة تم إرسالها لإنقاذها من منطقة قريبة".
وفي معالجة الخبر لم يذكر الموقع الأمريكي أن الطفلة قُتلت حتى على لسان جهات أخرى، كما فعلت مواقع وصحف أخرى ذكرت بهذا التقرير، بل نقل الموقع في خبره تفاصيل مكالمة الاستغاثة الأخيرة بالإشارة لتعرضهم لـ"إطلاق النار" أو "الخوف" أو "طلب المساعدة" بشكلٍ عام دون ذكر مطلق النار أو تحديد سبب الخوف وطلب المساعدة.
فيما لم تكن صورة التقرير الرئيسية صورة لهند مثل المواقع والصحف سالفة الذكر، لكنها أضيفت في نحو منتصف التقرير بإضافة رابط تغريدة للهلال الأحمر الفلسطيني عبر منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، والتي احتوت على التسجيل الأخير لهند وفي خلفيته صورتها.
ثم في الفقرة الـ12 من التقرير، نقل التقرير تصريح والدة هند الذي تُلقي فيه "باللوم في وفاتها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، حسبما ذكرت وكالة فرانس برس".
لحقها بفقرة إشارة ثانية إلى إسرائيل بالقول: "الهلال الأحمر زعم أن الاستهداف المتعمد من قِبَل قوات الاحتلال أدى لمقتل زميليهم يوسف زينو وأحمد المدهون، اللذين كانا على بُعد أمتار قليلة من الطفلة هند". وأعقب هذه الفقرة مباشرة تأكيد الموقع تواصله مع الجيش الإسرائيلي للحصول على رد. ثم انتهى التقرير بفقرتين أخريين تتحدثان عن إجمالي القتلى والنازحين؛ أي إن هذه المعلومات التي ذكرت إسرائيل بشكل متحفظ للغاية ذُكرت تقريباً بنهاية التقرير.
The Guardian: لم يذكر أنها طفلة أو المتسبب بـ"موتها"
"أنا خائفة جداً، أرجوكم تعالوا": العثور على هند رجب، ستة أعوام، ميتة في غزة بعد 12 يوماً من طلب المساعدة
صحيفة The Guardian البريطانية اختارت عنواناً يعلن قتلها باستخدام لفظة "الوفاة" أيضاً، ورغم أنها ذكرت عمر الطفلة، لكنها لم تذكر مطلقاً في تقريرها كلمة "طفلة" بل استخدمت لفظ "فتاة/بنت" بدلاً منها.
أما إسرائيل فلم تذكر قبل الفقرة الخامسة، حيث نقلت الصحيفة عن والدتها تصريحات صحفية تتحدث عن اكتشاف جثمان طفلتها بعد "انسحاب القوات الإسرائيلية من المنطقة". ثم في الفقرة الـ12 ذكرت مسؤولية القوات الإسرائيلية بشكل غير متحفظ بالقول:
"بدأت المأساة في 29 كانون الثاني/يناير، عندما حاولت هند وعمها وخالتها وأبناء عمومتها الفرار وحينها اقتربوا من القوات الإسرائيلية وتعرضت سيارتهم لإطلاق النار"، دون تحديد مصدر إطلاق النار، وذلك ضمن تغطية المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند.
بل مع الإشارة إلى أن العائلة هي من اقتربت من القوات الإسرائيلية، أما تفسير وجود القوات الإسرائيلية في غزة فكانن بحسب الصحيفة لـ "تعرض مدينة غزة للدمار بسبب القتال بين إسرائيل وحماس منذ اندلاع الحرب قبل أربعة أشهر، وكانت عائلة هند، حسبما ورد، تأمل في البحث عن مأوى في مكان آخر".
تغطية الصحف الغربية عن الطفلة هند مع ذكر إسرائيل بالعنوان
ضمن تغطية المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند منصات أخرى الخبر بعناوين ذكرت اسم إسرائيل وإن كان بذكر متحفظ أطال العناوين لتصل إلى سطرين، ومن أبرز هذه الأمثلة:
شبكة CNN الأمريكية: "العثور على طفلة فلسطينية تبلغ من العمر خمس سنوات ميتة بعد أن حوصرت في سيارة تحت النيران الإسرائيلية"
موقع Business Insider الأمريكي: "فتاة من غزة، 6 سنوات، طلبت عبر الهاتف أن يتم إنقاذها بعد هجوم إسرائيلي وعثر عليها ميتة مع المسعفين الذين أرسلوا لإنقاذها"
شبكة NBC الأمريكية: "قتلوها مرتين": والدة هند رجب تنعى طفلتها البالغة من العمر 6 سنوات، التي وُجدت مقتولة بعد أيام من محاصرتها تحت النيران الإسرائيلية
لمعرفة تفاصيل قصة الطفلة الفلسطينية بعيداً عن ضمن تغطية المواقع والصحف الغربية عن الطفلة هند؛ اقرأ: