جذور ملتبسة وأهداف استيطانية.. من هي قبيلة “بني منشيه” التي يريد نتنياهو جلبها إلى الجليل؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/30 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/30 الساعة 13:43 بتوقيت غرينتش
حكومة نتنياهو صادقت على جلب الآلاف من قبيلة "بني منشيه" الهندية/ عربي بوست

تُعدّ مسألة الهجرة حجر الزاوية في استراتيجية البقاء الإسرائيلي، إذ استند الاحتلال تاريخيًا إلى استيعاب القادمين الجدد بوصفه ركيزةً وجودية ثابتة، غير أن هذه المعادلة شهدت انهيارًا دراماتيكيًا عقب هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023؛ ذلك الهجوم الذي لم يُطِح بالإحساس الجمعي بالأمان فحسب، بل أسفر أيضًا عن حركة نزوح واسعة ومغادرة للبلاد يمكن وصفها بـ"الهجرة العسكرية" الناتجة عن المخاوف الأمنية لدى قطاعات مجتمعية مختلفة.

وفي محاولةٍ لترميم هذا التصدع الديموغرافي، برزت على السطح مؤخرًا قضية استقدام "بني منشيه"، وهم جماعة من شمال شرق الهند تطالب بالاعتراف بجذورها اليهودية القديمة؛ حيث سارعت حكومة الاحتلال إلى اتخاذ خطوات تنفيذية لتسريع وتيرة جلبهم إلى إسرائيل، كحلٍ بديل لملء الفراغ الذي خلفته الحرب وتراجع وفود المهاجرين التقليديين.

الهجرة في العقلية الصهيونية

الهجرة، أو "العْلِيَة" (Aliyah) كما تُعرف في السياق اليهودي، وتمثل في العقلية الصهيونية بـ"الصعود إلى أرض الميعاد"، ويقابلها "اليَرْدَة" (Yerida) للهجرة منها، والتي تعني حرفيًا "النزول".

يرتكز الفكر الصهيوني على فكرة إقامة وطن قومي يهودي في "إسرائيل"، ويضع هذا الفكر قضية الهجرة اليهودية في صميم اهتماماته.

وقد حددت الصهيونية الدينية العليَة هدفًا رئيسيًا منذ هرتزل، الذي رآها خطوة عملية نحو إقامة دولة يهودية آمنة بعد فشل الحلول في الغُلَة (الشتات)، ويعتقد الإسرائيليون أن الهجرة إلى فلسطين المحتلة ضرورية لتعزيز الكثافة السكانية اليهودية.

وبحسب معهد الاستراتيجيات الصهيونية، فإن الهجرة ترتبط بمسألة ما يسمى "حق دولة إسرائيل في الوجود"، وبعد قيام دولة الاحتلال تجلت الفكرة الصهيونية في "قانون العودة" و"قانون الجنسية"، ويُعدّ الطعن في هذين القانونين بمثابة طعن في "حق دولة إسرائيل في الوجود".

من هم "بني منشيه"؟

ينتمي بنو منشيه إلى جماعات إثنية تعيش في ولايتي مانيپور وميزورام في شمال شرق الهند.

وتزعم هذه الجماعة إنها من نسل "قبيلة منسّى" المذكورة في التقاليد اليهودية القديمة، لكن الأدلة التاريخية ضعيفة وتعتمد بشكل أساسي على التقاليد الشفهية والنسب الديني أكثر من الوثائق التاريخية المباشرة.

أفراد من قبيلة بني منشيه في تل أبيب/ هآرتس
أفراد من قبيلة بني منشيه في تل أبيب/ هآرتس

ويروي بنو منشيه أسطورة شفهية تنسب أصلهم إلى سبط منسّى، الذي نُفي عام 722 ق.م. إلى آشور، ثم هاجر شرقًا عبر "أرض ميشانا" (ميانمار حاليًا)، محافظين على عادات مثل الختان، والشبات، وقرابين الفصح غير المكسورة.

وخلال القرن العشرين فقط، ظهرت حركات محلية داخل تلك المناطق تبنّت الممارسات اليهودية، وأبدت رغبة في الارتباط بدولة الاحتلال، ففي عام 1951 أبلغ زعيم قبلي محلي عن حلم رآه بأن الوطن القديم لشعبه هو "إسرائيل"، ونتيجة لذلك بدأ بعض أفراد القبيلة في تبني فكرة أنهم يهود.

وفي أواخر القرن العشرين، زعم الحاخام الإسرائيلي إلياهو أفيتشايل، إطلاق اسم "بني مناشيه" عليهم، بناءً على ادعائهم أنهم من نسل سبط مناشيه.

هل تقرّ دولة الاحتلال بأنهم يهود؟

لم تدعم دولة الاحتلال رسميًا هجرة "بني منشيه" حتى عام 2005، عندما اعترف بهم الحاخام شلومو عامر، الذي كان آنذاك الحاخام الأكبر للسفارديين، باعتبارهم من "نسل إسرائيل"، لكن تحقيقًا لصحيفة "هآرتس" توصل إلى أنه لم يتم إصدار أي حكم من هذا القبيل بشكل صريح.

ويُستخدم مصطلح "نسل إسرائيل" لوصف الأفراد الذين لا يُعتبرون يهودًا وفقًا للشريعة الدينية (الهالاخاه).

وحتى اليوم، لا يزال الحصول على موافقة خاصة من الكنيست والحكومة الإسرائيلية مطلوبًا للسماح بهجرة "بني منشيه" إلى دولة الاحتلال، وبمجرد وصولهم تتولى منظمة "شافي" ترتيبات اعتناقهم اليهودية الأرثوذكسية، حيث تحظر الهند التحولات الدينية على أراضيها، ولهذا السبب عليهم الانتظار حتى وصولهم إلى إسرائيل، بحسب صحيفة "هآرتس".

وفي عام 2002، كتبت المؤلفة والمترجمة هليل هالكين كتابًا عن المجموعة، وخلصت إلى أنه على الرغم من أنها ربما كان لها أصول يهودية بعيدة، إلا أن أيا من أسلافهم القريبين لم يكن يهوديًا.

وقالت هالكين لوكالة الأنباء اليهودية: "إن ما هو زائف هي الخرافة القائلة بأن هؤلاء الناس في شمال شرق الهند عاشوا حياة يهودية لأجيال، لقد كانوا وثنيين، ولم يكونوا موحدين، ولم يمارسوا أي شيء يشبه اليهودية من أي ناحية".

ما هي أسباب جلب "بني منشيه" إلى إسرائيل؟

تشير المعطيات إلى أن نحو 4 آلاف شخص من "بني منشيه" كانوا قد هاجروا بالفعل من الهند إلى "إسرائيل" خلال العقدين الماضيين، ضمن برامج الاستقدام التي تديرها مؤسسات "إسرائيلية" تُعنى بالهجرة الدينية والقومية.

وقد أغلقت حكومة إيهود أولمرت (2006/ 2009) الأبواب أمام هجرة مجموعة "بني منشيه" إلى إسرائيل، لكن الحكومات التي أشرف عليها الليكود سعت إلى جلبهم.

في مايو/ أيار 2021، وافقت حكومة نتنياهو السابقة على قرار بجلب 548 من "بني منشيه" إلى إسرائيل بحلول نهاية العام ذاته.

ومؤخرًا، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الحكومة الإسرائيلية أقرت خطة واسعة لإحضار آلاف من أفراد بني منشيه على مراحل تمتد حتى عام 2030.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز

حيث صادقت الحكومة الإسرائيلية على جلب حوالي 5800 شخص من مجموعة "بني منشيه" في الهند، على أن يتم إحضار 1200 شخص كمرحلة أولى تنتهي في عام 2026، على أن يكتمل العدد الكلي مع نهاية العقد الحالي.

وخصصت الحكومة الإسرائيلية مبلغ 90 مليون شيكل للمرحلة الأولى، وتشمل تكاليف الطيران، والتحويل الديني، وتعليم اللغة العبرية، والإسكان.

أولًا: اعتبارات حزبية وانتخابية

يأتي القرار الجديد الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية قبيل الانتخابات المرتقبة التي ستُجرى في أكتوبر/ تشرين الأول 2026، وقد تقدم بخطة جلب ما تبقى منهم إلى إسرائيل وزير الهجرة أوفير سوفر، وهو عضو في الحركة الصهيونية الدينية.

هذا الحراك سبقه خطوة مشابهة قبل نحو 13 عامًا، حيث قامت حكومة الليكود التي كان يترأسها نتنياهو في أكتوبر/ تشرين الأول 2012 (قبل 3 أشهر من الانتخابات الإسرائيلية) بالتصويت لصالح السماح لمجموعة كبيرة من الأفراد من شمال شرق الهند الذين لا يُعتبرون يهودًا بموجب القانون بالهجرة إلى إسرائيل، وبعد عام بالضبط صوتت الحكومة التالية التي شكلها نتنياهو لصالح استقدام مجموعة أكبر.

واللافت أن المنظمة التي كانت سابقًا تصرّ وترعى جلب مجموعة "بني منشيه" إلى إسرائيل هي "شافي"، والتي كان يديرها مايكل فرويند، وهو مهاجر أمريكي عمل سابقًا مساعدًا لنتنياهو خلال فترة ولايته الأولى في أواخر التسعينيات.

ومن المعلوم أن هؤلاء المهاجرين يمرون بعملية "تهويد" دينية أرثوذكسية صارمة، تزرع فيهم قيم "الصهيونية الدينية" والولاء للأحزاب التي جلبتهم، وبما أن الليكود وأحزاب اليمين هي التي تتبنى قضيتهم، فإن جلبهم يخدم الأهداف الحزبية لليمين الإسرائيلي.

ثانيًا: تعزيز الوجود اليهودي في مناطق معينة

في الماضي، أُعيد توطين العديد من أفراد "بني منشيه" في مستوطنات الضفة الغربية، ومؤخرًا أُرسلوا إلى مدن في شمال فلسطين المحتلة.

وتُعدّ الناصرة العليا، أو "نوف هجليل" بالتسمية الإسرائيلية، وهي مدينة مختلطة يهودية عربية قريبة جدًا من الناصرة، وجهة رئيسية لإسكان مجموعة "بني منشيه"، بحسب صحيفة "هآرتس".

ووفقًا لقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي، سيتم أيضًا توطين الآلاف من المقرر وصولهم خلال السنوات القادمة هناك.
ووصف نتنياهو هذه الخطوة بأنها "مهمة وصهيونية"، قائلًا إن "هذا التدفق سيساهم في تعزيز الجليل ودعم الجهود الأوسع نطاقًا لدعم المجتمعات الشمالية في إسرائيل".

ويُعدّ توجيه هؤلاء نحو منطقة الجليل والشمال حجر الزاوية، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الغرض هو توطينهم هناك كجزء من استراتيجية حكومية إسرائيلية أوسع في تلك المنطقة.

مستوطن إسرائيلي/ رويترز
مستوطن إسرائيلي/ رويترز

وتُعدّ منطقة الجليل تاريخيًا منطقة ذات ثقل سكاني عربي فلسطيني كبير، وهو ما تسميه الدوائر الأمنية الإسرائيلية "التحدي الديموغرافي الشمالي"، وتهدف سياسة "تهويد الجليل" إلى كسر الأغلبية العربية عبر زرع تجمعات يهودية مكثفة.

وفي تعليقه على قرار مجلس الوزراء، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف: "إن الهجرة إلى الجليل وإعادة التوطين في نوف هجليل يعزز سيطرتنا على الشمال ومستقبل دولة إسرائيل".

وفي تعليقات سابقة على صحيفة "جيروزاليم بوست"، حثّ مايكل فرويند على تبنّي نهج أكثر ابتكارًا تجاه الهجرة، كما وصفها، لضمان احتفاظ اليهود بأغلبيتهم في إسرائيل.

وفي مقال كتبه عام 2001، زعم أن الكثير من الناس يرغبون بالانتقال إلى إسرائيل، والمشكلة هي أن معظمهم ليسوا يهودًا، مدعيًا أن "هناك من يريد أن يصبح يهوديًا، ومن واجب إسرائيل على الأقل استكشاف الإمكانيات التي تتيحها هذه الفئات السكانية".

وفي إشارة خاصة إلى قبائل شمال شرق الهند، كتب في العمود نفسه: "بالنسبة لبلد يكافح لإيجاد مصادر جديدة محتملة للهجرة، فإن جماعات مثل بني مناشيه وغيرها من الجماعات المماثلة قد تقدم الحل الأمثل".

تحميل المزيد