لا تزال ما يعرف بالمرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تطرح أسئلة عديدة عن مصير إدارة القطاع المحاصر، ومسائل مثل مصير سلاح المقاومة ومستقبل القوة الدولية المقترحة للانتشار في غزة، وكذلك ملف إعادة إعمار القطاع الذي دمرته آلة الحرب الإسرائيلية بدعم أمريكي على مدار عامين. وتظهر التطورات الأخيرة أن المشهد السياسي ما زال متقلباً، كما أن الاتصالات بين الأطراف المختلفة تتحرك وإن كان ببطء شديد، بينما يحاول كل طرف أن يخرج من الاتفاق بأكبر عدد من المكاسب وأقل الممكن من الخسائر.
الإدارة الأمريكية تضغط على نتنياهو للمضي قدماً في المرحلة الثانية من اتفاق غزة
بحسب تقارير أمريكية وإسرائيلية، تضغط الإدارة الأمريكية على حكومة نتنياهو للانسحاب من قطاع غزة خارج ما يعرف بـ"الخط الأصفر" بعدما سلّمت حماس جثث جميع الأسرى القتلى الإسرائيليين، وتضغط إدارة ترامب للمضي قدماً في المرحلة الثانية من الاتفاق التي تشمل عملية إعادة الإعمار وترتيب إدارة القطاع المدمر وإدخال قوة دولية لحفظ الاستقرار.
كما تخطط واشنطن لإقامة قوة استقرار دولية ونشرها منتصف يناير/كانون الثاني المقبل في القطاع، وهو ما تعتبره القيادة المركزية الأميركية تقدماً مهماً بعد موافقة مجلس الأمن الدولي على خطة ترامب بشأن غزة.
لكن الإسرائيليون لا يزالون يعرقلون هذه الخطوات مشترطين حل مسألة سلاح الفصائل في غزة قبل ذلك. وتفيد تقارير أجنبية ومصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن حركة حماس أبلغت الوسطاء مؤخراً بأنها مستعدة لإيجاد حل لهذه المسألة ووقف هجماتها على إسرائيل ضمن هدنة طويلة تستمر لسنوات، وأنها على استعداد لدفن أسلحتها داخل القطاع وعدم استخدامه إذا انسحبت إسرائيل بالكامل من قطاع غزة.
أما على صعيد "مجلس السلام"، فقد أفادت صحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية باستبعاد توني بلير من قائمة المرشحين لعضوية "مجلس السلام" الذي يرأسه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإدارة قطاع غزة، بعد اعتراضات من عدد من الدول العربية والإسلامية، حسب ما قاله أشخاص مطلعون على الأمر للصحيفة، وهو ما كانت قد طالبت به حركة حماس مراراً للمضي قدمًا في بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في أكتوبر 2025 وأدى لوقف الحرب على غزة.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، "يرجع هذا الاستبعاد الأمريكي جزئياً إلى الضرر الذي لحق بسمعته في الشرق الأوسط نتيجة دعمه القوي للغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، كما كانت هناك مخاوف من تهميش الفلسطينيين من هيكل الحكم".
هل يتبنى ترامب "قوة السلام الدولية" في غزة بمشاركة أو قيادة تركيا؟
يقول الكاتب والمحلل الإسرائيلي في "هآرتس" تسفي باريل، إن التحالف "الودي" بين الرئيسين التركي والأمريكي ترامب وأردوغان قد يُسهم في "دعم طموح أردوغان ليصبح القوة الدافعة للمرحلة التالية من خطة السلام في غزة، وقد يؤدي إلى اتفاق تجمد فيه حماس أسلحتها بدلاً من تسليمها".
ويرى الكاتب الإسرائيلي، أنه "إذا تبنى ترامب قوة السلام التي سيقودها أردوغان في غزة، فقد تجد إسرائيل نفسها مهمشة مع بقاء حماس مسلحة. مضيفاً أن تركيا تحولت من دولة وسيطة إلى ضامنة لخطة الرئيس الأمريكي بشأن غزة، بينما أصبح يُنظر إلى إسرائيل على أنها عائق أمام تنفيذ الخطة. ويتضح جلياً تقسيم الأدوار بين الضامنين؛ فواشنطن مسؤولة عن سلوك إسرائيل، بينما الدوحة وأنقرة مسؤولتان عن سلوك حماس".
وفي هذا السياق، يستشهد الكاتب الإسرائيلي باريل بتصريحات لتوم باراك المبعوث الأمريكي للمنطقة، في كلمة له بقمة معهد ميلكن للشرق الأوسط وأفريقيا في أبوظبي. وفي حوار علني مع بول والاس، المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة بلومبيرغ، حيث قال: "لو كنت أقدم المشورة شخصياً لنتنياهو، لقلت إن هذا أحد أروع الأشياء التي يمكنه القيام بها"، مضيفاً أنه لا يعتقد أن هذا "الشيء الرائع" سيحدث بسبب انعدام الثقة. ويقصد باراك "موافقة نتنياهو على مشاركة تركيا في قوة الاستقرار الدولية" التي من المفترض أن تحمي النشاط المدني وإعادة الإعمار في غزة والتي تأمل إدارة ترامب أن تبدأ في غضون أسابيع قليلة.
Η συνέντευξη του Τομ Μπάρακ στο Milken Institute την Παρασκευή (5/12).
— Σταυροφόρος (@stavroforos_) December 7, 2025
Για την αδελφική σχέση Τραμπ Ερντογάν και την "μόνο ρητορική" αντιπαράθεση του με τον Νετανιάχου.
Εκτίμησε πως θα αποκατασταθούν οι σχέσεις Τουρκίας & Ισραήλ
Εδώ το PDFhttps://t.co/ebCNTMTD7g pic.twitter.com/ggoPQnR5Gc
ويعتقد باراك أن "مشاركة تركيا في إعادة تأهيل غزة ليست بالغة الأهمية فحسب، بل قد تُحدث نقطة تحول في العلاقات الإسرائيلية التركية. وتوقع باراك أنه في نهاية المطاف، "أعتقد أننا سنشهد في وقت ما عودة العلاقات بين تركيا وإسرائيل".
لكن قبل أن تبدأ العلاقة الإسرائيلية التركية بالازدهار، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان لوكالة رويترز على هامش مؤتمر منتدى الدوحة، بأن تركيا والدول الوسيطة تواصل المضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب لقطاع غزة، وأن واشنطن تضغط على إسرائيل لقبول عرض تركيا بالانضمام إلى القوة.
ويقول الكاتب الإسرائيلي باريل إن الرأي السائد في واشنطن هو ضرورة نشر قوة طليعية أجنبية. ويمكن أن يُسهم إنشاء مثل هذه القوة في استقطاب دول مترددة حاليًا في إرسال جنود إلى المنطقة دون تحديد واضح لدورها. وفي حال تمكنت القوات التركية من دخول غزة، فمن المرجح أن تنضم إليها أذربيجان وإندونيسيا، وهما دولتان تربطهما بتركيا علاقات وثيقة.
مع كون اشتراط الاحتلال نزع سلاح حماس الآن العامل الرئيسي الذي قد يؤخر دخول قوة دولية بمشاركة تركيا، يزعم الكاتب الإسرائيلي أن الأمريكيون تحدثوا مع قطر وتركيا لإيجاد حل مبتكر في مسألة سلاح حماس والفصائل. ويأمل الأمريكيون أن تُمكّنهم علاقات البلدين الوثيقة مع حماس من وضع برنامج مقبول لدى كل من حماس وإدارة ترامب، وبما لا يشمل "نزع سلاح حماس بل تجميد أو إلقاء السلاح"، بحسب الكاتب الإسرائيلي.
من جهته، أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مقابلة مع قناة الجزيرة إن هناك خطوات لازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدا أن تطبيق بعض البنود يقع على عاتق واشنطن والرئيس دونالد ترامب.
وأضاف أن تركيا تبذل جهودا مع كل من مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات العربية المتحدة لتطبيق الاتفاق. مشيراً أن هذه الدول تنتظر حاليا تنفيذ بعض الخطوات وخصوصا تشكيل "مجلس السلام" وتسليم إدارة القطاع للفلسطينيين وتأسيس جهاز للشرطة.
فيدان أكد أن "المشاكل الأمنية بالقطاع ستنتهي فور تطبيق الضمانات السياسية، وأن الولايات المتحدة بدأت تقدم دعماً أكبر وتتخذ خطوات أكثر عقلانية بسبب الاتصالات التركية معها". مشيراً إلى أن "هدف نتنياهو الأساسي هو تهجير سكان غزة والضفة الغربية وضمهما إلى إسرائيل".
حماس تقدم رؤيتها للمضي قدماً في المرحلة الثانية من الاتفاق
يقول مصدر خاص في حركة حماس لـ"عربي بوست" رفض الكشف عن هويته لحساسية الأمر، إن الحركة بلورت خلال الأيام الماضية تقدير موقف من أجل التعامل مع بنود المرحلة الثانية بمستقبل وشكل إدارة القطاع، بالإضافة إلى مسألتي قوة حفظ السلام التي ستنتشر في قطاع غزة، ومصير سلاح المقاومة، وقدمته للوسطاء مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو يتلخص في النقاط التالية:
أولاً: الموقف من "مجلس السلام"
يقول المصدر إن حماس ترفض فكرة الوصاية على قطاع غزة، لكنها أيضا تنظر بأن ما يتحقق هو "تدويل" للقضية، قد تنجح من خلالها الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. ولذلك فإن السيناريو المرجح هو التعامل مع مجلس السلام، ولكن ليس بشكله الحالي، وقد طالبت الوسطاء من أجل تحسين وضع مجلس السلام من خلال إضافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكذلك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان، وقادة من الدول العربية والإسلامية.
ثانياً: الموقف من المجلس التنفيذي لإدارة القطاع
يتبلور موقف حركة حماس بشأن المجلس التنفيذي، في قبول شخصيات فيه، ورفض شخصيات أخرى، من خلال التشاور مع الفصائل الفلسطينية والأطر الشعبية. أما بالنسبة للموقف من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، فإن هناك رفض قاطع بأن يكون على رأس المجلس التنفيذي، كما ترفض الحركة وجود شخصية رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، في المجلس التنفيذي. ويقول المصدر في حماس إن "الجهات الرسمية البريطانية أوصلت رسالة بأن توني بلير لا يمثلها".
ثالثاً: مصير قوة الاستقرار الدولية
يقول المصدر، إن هناك ضغط باتجاه إدخال القوات التركية إلى قطاع غزة، وقد أوصلت أندونيسيا وباكستان وأذربيجان رسائل إلى الوسطاء بضرورة وجود تركيا ضمن القوات، وأنها لن تدخل في أي مواجهة سواء مع حماس أو الجيش الإسرائيلي من أجل تطبيق الاتفاق. وترى الحركة بأن انتشار تلك القوات التي تعتبر معظم دولها صديقة للشعب الفلسطيني، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من الخط الأصفر، مهم في الوقت الذي يسعى الاحتلال لعرقلة تشكيل القوة الدولية وفرض أمر واقع جديد في قطاع غزة.
وتعتقد الحركة -بحسب المصدر- بأن التعامل مع القوات الدولية بشرط أن تقتصر مهامها على "فض الاشتباك"، أفضل من بقاء قوات الاحتلال في معظم مناطق قطاع غزة.
رابعاً: سلاح المقاومة
يقول المصدر في حماس لـ"عربي بوست"، إن الحركة تنظر بإيجابية في شأن إيجاد صيغة تتعلق بالسلاح دون "نزعه"، وتشير إلى أنه في المداولات الدولية فإن الترجمة المقصودة ليس "نزع"، بل "وضع السلاح"، وهي منفتحة على أي نقاشات تتعلق بهذا الجانب

وخلال الفترة المقبلة، فإن الحركة تسعى إلى ترويج فكرة الهدنة الطويلة المتمثلة بوقف كافة الأنشطة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة خلال 5 او 7 سنوات. مشيرة إلى أنه "لن يتم ترميم قدرات المقاومة الفلسطينية خلال فترة الهدنة". مع "عدم ظهور السلاح في الشارع" و"دمج الأجهزة الشرطية التابعة لها في الإدارة المحلية التي ستفرض سيطرتها أمنياً على قطاع غزة، وفق ما يتم تحديده".
خامساً: الإدارة المحلية للقطاع
يقول المصدر إن حركة حماس منفتحة تمامًا على تشكيل الإدارة المحلية للقطاع، وتسعى لنقل الوزارات إليها، وخلال الفترة السابقة جرى تداول مع الفصائل بشأن تشكيل رؤساء بلديات جدد على مستوى قطاع غزة. وترى الحركة بأن الإدارة المحلية يجب أن يكون لها مرجعية فنية فلسطينية، سواء من خلال السلطة الفلسطينية أو الفصائل الفلسطينية، وترفض بأن تكون أداة في المجلس التنفيذي من أجل مخطط يتعلق بالوعي.