منذ سريان وقف إطلاق النار في غزة، أصبحت حياة الفلسطينيين في القطاع خاضعة لخط وهمي رسمه جيش الاحتلال يطلق عليه "الخط الأصفر"، ويعد عبوره بمثابة حكم بالإعدام، ومع ذلك فإنه وفقاً للمعطيات الميدانية يشهد هذا الخط توسعاً مستمراً من جيش الاحتلال، مع عقبة الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب.
ورغم الضغوطات الأمريكية من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية، يضع الإسرائيليون شرطاً يعيق ذلك، ويتمثل باستعادة جثة الجندي الإسرائيلي ران غويلي.
وكان موقع "أكسيوس" الأمريكي، ذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يعتزم الإعلان قبل نهاية العام الجاري الانتقال إلى المرحلة الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد للقطاع.
ونقل الموقع الأمريكي عن مصادر، أنهم في المراحل الأخيرة من تشكيل القوة الدولية، ووضع هيكل الحكم الجديد لغزة، والذي يأملون في إطلاقه خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع.
شرط إسرائيلي للانتقال إلى المرحلة الثانية
لكن المسؤولين الإسرائيليين، يضعون شرط العثور على آخر جثة إسرائيلي في قطاع غزة، قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية، فيما تؤكد مصادر ميدانية، أنه رغم أعمال البحث عن الجندي المتبقي إلا أن الوصول إليه يحتاج إلى المزيد من الوقت.
وتقول القناة 12 العبرية، إن المستوى السياسي والأمني في إسرائيل يدركان أن جميع الأطراف تريد المضي قدماً، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكن تل أبيب تصر على أن عودة غويلي جزء أساسي من العملية وليس بنداً يمكن تخطيه.
معضلات تواجه المرحلة الثانية من خطة ترامب
وتشمل المرحلة الثانية من خطة ترامب:
- تشكيل مجلس تنفيذي دولي.
- نشر قوات دولية في قطاع غزة.
- تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية.
- نزع السلاح في قطاع غزة.
- البدء في إعادة إعمار قطاع غزة.
وبحسب صحيفة "معاريف"، فإنه من ناحية ميدانية، يصطدم كل بند من بنود المرحلة الثانية بجدار، ومؤخراً أوضحت شخصيات في حماس أن الحركة لا تنوي نزع سلاحها.
وزعمت الصحيفة أن حركة حماس نجحت في إعادة بناء آليات الحكم، والاندماج بهدوء دون ضجيج في المحادثات حول "حكومة التكنوقراط"، بل وتوسيع نفوذها على الأرض.
وتشير إلى أن إسرائيل تطالب أولاً بنزع سلاح حركة حماس، وإزاحتها فعلياً من السلطة، قبل نشر القوات الدولية والانسحاب من قطاع غزة، لكن الوسطاء يقترحون تطبيق الآلية الدولية، ونشر قوة الاستقرار الدولية، وحكومة التكنوقراط، ثم "خلال العملية" تتم معالجة قضية حماس تدريجياً.
ويدرك نتنياهو أن ترامب لا ينوي على ما يبدو قبول صيغة "الشروط المسبقة" الإسرائيلية، والتقييم هو أن البيت الأبيض سيطالب بتحقيق تقدم متواز بشأن المرحلة الثانية.
ومن وجهة النظر الإسرائيلية، يمثل هذا كابوساً مزدوجاً، وعلى الصعيد السياسي، فإن أي خطوة تبدو وكأنها موافقة على شعار "حماس باقية، وإعادة الإعمار سيبدأ"، قد تؤدي إلى تفكيك الكتلة اليمينية في الائتلاف، بحسب الصحيفة.
ويراهن الإسرائيليون على فشل خطة ترامب، لذلك تضع الحكومة الإسرائيلية حالياً "خطة الانتظار" بدل الصدام مع الإدارة الأمريكية، والافتراض السائد على المستوى السياسي والأمني في تل أبيب، أنه من الصعب إيجاد دول توافق على إرسال جنود إلى قوة حفظ الاستقرار لتعمل ما بين حماس والجيش الإسرائيلي.
وأوضحت الصحيفة، أن المصريين والأردنيين ليسوا في عجلة من أمرهم للتطوع، والدول الأوروبية تكتفي بالشعارات، وحتى أذربيجان التي كان ينظر إليها على أنها دولة وافقت بالفعل، يبدو أنها غير متعجلة للتدخل وإرسال جنود إلى غزة.
وتابعت بأنه إذا لم يتم إنشاء الآلية متعددة الجنسيات على النطاق المطلوب، وإذا تعثرت عملية إعادة الإعمار في بدايتها، فسيكون بإمكان إسرائيل في مرحلة لاحقة، أن تقول لترامب: "لقد حاولت، لكنك لم تنجح"، ثم طرح بديل يتناسب مع ما يحدث على أرض الواقع.
كيف يعمل الاحتلال على فرض أمر الواقع عبر "الخط الأصفر"?
حددت خطة ترامب في مرحلتها الأولى، "الخط الأصفر" كموقع مؤقت لانتشار الجيش الإسرائيلي، وقد جرى تقييمه كإجراء تقني مؤقت هدفه تثبيت الهدوء ميدانياً، وضمان عدم الاحتكاك بين الجيش والسكان خلال مسار التهدئة.
غير أنّ الممارسة الميدانية أظهرت أن حكومة الاحتلال تتعامل مع الخط بخلاف طبيعته المؤقتة، وبدأت بوضع "مكعبات صفراء" مع تزايد التصريحات بشأن تحويله إلى "جدار برلين جديد".
ورغم النفي الإسرائيلي سابقاً بشأن تحويل "الخط الأصفر" إلى حدود دائمة، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، إن "الخط الأصفر" يمثل "الحدود الجديدة" بين إسرائيل وقطاع غزة، مشدداً على ضرورة الاستعداد لسيناريو حرب مفاجئة.
ووصف زامير "الخط الأصفر" بأنه "خط دفاع أمامي للمستوطنات وخط هجوم"، رغم الضغوط الأمريكية لاستكمال عملية الانسحاب والانتقال إلى المرحلة الثانية.
وبحسب المعطيات الميدانية، فإن الجيش الإسرائيلي أصبح يسيطر على 199.14 كم2 من أصل 365.02 كم2، أي ما يساوي 54.5% من مساحة قطاع غزة، في نطاق "الخط الأصفر" فقط.
كما تشير المعطيات الميدانية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر "نارياً" على 33.39 كم2، أي ما يساوي 9.30% من مساحة قطاع غزة.
ووفقاً للبيانات، فإن السيطرة الفعلية الإسرائيلية على مساحة قطاع غزة تساوي 63.8% من مساحة قطاع غزة، فيما لا يتبقى للسكان الفلسطينيين سوى نحو 36.15% من مساحة القطاع.
ويتسع نطاق منطقة السيطرة النارية الإسرائيلية مع الوقت، مع تقدم الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عدة، حيث تشير المصادر الميدانية إلى أن هناك عملية توسيع لـ"الخط الأصفر" في مناطق عدة.
وتوغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً خارج "الخط الأصفر" باتجاه دوار بني سهيلا في شرق مدينة خان يونس، أما مناطق "التفاح" و"الشجاعية" فتشهد عمليات إطلاق نار من الجيش باتجاه المواطنين.
هل يسعى الاحتلال لتحويل "الخط الأصفر" إلى حدود جديدة؟
تقول دراسة للمركز الفلسطيني للدراسات السياسية، إن الخط الأصفر أصبح من خلال تحديده وإزاحته وتوسيعه، وتكريسه كمنطقة نار، عنصراً محورياً في استراتيجية حكومة الاحتلال لإعادة هندسة البيئة الجغرافية والأمنية في غزة.
الدراسة تشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية تتعامل مع "الخط الأصفر" ليس بوصفه نقطة انسحاب مؤقتة، بل كنواة شريط أمني متحرك قابل للتوسع والانكماش، يشبه في بنيته وآليات تشغيله نماذج "المناطق الآمنة" التي اعتمدتها في تجارب سابقة.
ويُراد لهذا الشريط أن يؤسس لواقع تقسيمي جديد داخل القطاع، ويعيد تعريف شكل الاحتلال ونمط السيطرة، ويمنح الحكومة الإسرائيلية ورقة ضغط إضافية في ملفات التفاوض والإعمار.
وتشير الإزاحات التي يقوم بها الجيش على الخط الأصفر إلى أن حكومة الاحتلال تتعامل مع الخط كأداة إعادة رسم حدود ميدانية، لا كخط مؤقت يفترض التراجع عنه، بحسب الدراسة.
ولم يلبث الخط الأصفر أن يغادر وظيفته الأصلية كـ "خط انسحاب مؤقت" حتى بدأ يتحول، تدريجياً ومنهجياً، إلى بنية أمنية حاكمة تُستخدم كمساحة سيطرة وضغط، وتؤدي عملياً وظيفة "الشريط الأمني المتحرك" الذي لم يرد صراحة في الاتفاق، لكنه بات عنواناً للمرحلة الميدانية الجديدة، قائم على:
- توسع جغرافي متدرج.
- تحويل أجزاء من الخط إلى مناطق نيران مفتوحة.
- منع عودة السكان إلى المنطقة المحاذية للخط الأصفر.
ما الأهداف من "الخط الأصفر"؟
بحسب الدراسة، فإن الخط الأصفر تغيّر في مفردات القادة الإسرائيليين، فقد مثّل تصريح رئيس أركان الجيش بأن "الخط الأصفر حدود دفاعية جديدة" تحولاً لافتاً، لأنه للمرة الأولى يتم توصيفه كخط ذو طابع حدودي–أمني وليس مجرد عنصر في توقيتات تنفيذ الاتفاق.
وبالتوازي:
- ربطت الحكومة الإسرائيلية الالتزام بالخط بمفهوم "الأمن طويل المدى"، بما يتجاوز أي ترتيبات انتقالية.
- قدّم مسؤولون عسكريون الخط كجزء من "رؤية منع التهديد من غزة" وليس كجزء من آلية انتقالية مرتبطة بوقف النار.
هذا التحول في اللغة يعكس عملية سياسية مقصودة تهدف إلى رفع مكانة الخط من عنصر فني إلى جزء من "هندسة الوضع النهائي" في غزة.
فيما يمثّل الخط الأصفر اليوم أحد أهم عناصر المناورة الإسرائيلية في غزة، إذ لم يَعُد مجرد مسار انسحاب مؤقت، بل تحوّل إلى أداة مركّبة تُستخدم في ثلاثة مستويات متوازية: عسكرية، سياسية، وتفاوضية.
وأضافت الدراسة أن سيطرة جيش الاحتلال على المناطق المحيطة بالخط الأصفر تمنحه ميزة استخباراتية ورؤية أفضل لمسارات الحركة داخل القطاع.
فالخط يُستخدم كمنصة للتحكم بـ:
- الطرق الفاصلة بين الشمال والجنوب.
- المساحات الزراعية المفتوحة، والفراغات الجغرافية التي تُعد مساراً تقليدياً لتحرك المقاومة أو السكان.
وبهذا يتحول الخط إلى أداة لإعادة هندسة الحركة داخل غزة لخدمة الهيمنة العسكرية الإسرائيلية.
إلى ذلك، تقدّم الحكومة الإسرائيلية الخط الأصفر للمجتمع الدولي بوصفه "واقعاً قائماً" نشأ في سياق وقف إطلاق النار، وبالتالي يجب أخذه بالحسبان عند بحث مستقبل غزة، وفق الدراسة.
وتسوّق الحكومة الإسرائيلية وجود الخط على أنه "شرط أمني" لسلامة فرق الإعمار والمشاريع الدولية، ما يجعل بقاءه جزءاً من شروط التمويل الدولي، ومعايير عمل المؤسسات الإنسانية، وبروتوكولات الحماية الميدانية.
كما أصبح الخط عنصراً تفاوضياً بامتياز، إذ يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تلوّح بالتقدم أو التراجع عنه، تربط هذا التراجع بملفات حساسة، وتستخدمه لإبطاء تنفيذ الهدنة أو فرض شروط جديدة.