وثّق تقرير جديد أصدره مركز عدالة الحقوقي تمرير الكنيست الإسرائيلي لأكثر من 30 قانوناً جديداً يُرسّخ نظام الفصل العنصري والتفوق اليهودي على مدار عامين من حرب الإبادة الجماعية في غزة، لتُضاف هذه القوانين إلى قائمة تضم أكثر من 100 قانون تمييزي سابق ضد فلسطيني الداخل.
وشملت قائمة القوانين التمييزية الجديدة التي رصدها تقرير مركز عدالة ومقره حيفا، والتي سُنّت بدعم من أحزاب المعارضة اليهودية في الكنيست، قوانين تقوض حرية التعبير والفكر والاحتجاج لفلسطيني الداخل، حسبما أشار تقرير لمجلة +972 الإسرائيلية.
وتحظر هذه القوانين نشر أي محتوى قد يُفسَّر على أنه "إنكار لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول"، وتتيح لحكومة الاحتلال تقييد بث وسائل الإعلام الناقدة التي "تمس بأمن الدولة".

وخوّل قانون آخر وزارة التعليم فصل أعضاء هيئة التدريس وقطع التمويل عن المؤسسات التعليمية بناءً على آراء تعتبرها تعبيراً عن دعم أو تحريض على عمل إرهابي أو منظمة إرهابية.
وفي مارس/آذار الماضي، صادق الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يحظر أي إطار طلابي في الجامعات يتعاطف مع الكيانات المعادية للاحتلال، خاصة قوى المقاومة، التي يصنّفها بـ"الإرهابية"، ويقصد بذلك النقابات والتكتلات الطلابية الخاصة بالطلاب الفلسطينيين من الداخل المحتل.
وإلى جانب حملة تقودها الدولة لترحيل النشطاء الدوليين الذين يعربون عن تضامنهم مع الفلسطينيين، منع قانون ثالث الرعايا الأجانب من دخول البلاد إذا أدلوا بتصريحات تنتقد إسرائيل، أو لجأوا إلى المحاكم الدولية لاتخاذ إجراءات ضد الدولة ومسؤوليها.
ملاحقة حسابات فلسطيني الداخل
ولعل أخطر مشروع قانون هو الأمر المؤقت الذي أقره الكنيست ويستهدف المواطنين الذين يسعون لمجرد الحصول على معلومات من مصادر لا تروق للاحتلال، وفق مركز عدالة.
فبعد شهر واحد فقط من أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أقر الكنيست أمراً مؤقتاً لمدة عامين – جُدّد لمدة عامين آخرين – يجرّم "الاستهلاك المنهجي والمستمر لمنشورات منظمة إرهابية"، ويُعاقب عليه بالسجن لمدة عام. بمعنى آخر، يجرّم المشرّع الآن أي سلوك يقع بالكامل ضمن نطاق حياة الشخص الخاصة.
ووفقاً للملاحظات التوضيحية لمشروع القانون، يستند التشريع إلى فرضية أن "التعرض المكثف لمنشورات الإرهاب الصادرة عن بعض المنظمات قد يؤدي إلى عملية التلقين – وهو شكل من أشكال "غسل الدماغ" الذاتي – وهو ما من شأنه أن يرفع الرغبة والدافع لارتكاب عمل إرهابي إلى مستوى استعداد عال جداً".
لكن القانون لا يحدد ما يُعد "تعرضاً مكثفاً" أو "استهلاكاً مستمراً"، تاركاً مدة التعرض وعتبته دون تحديد كامل.
كما أنه لا يوضح الأدوات التي قد تستخدمها السلطات لإثبات أن شخصاً ما قد استهلك محتوى محظوراً.
وكما يشير تقرير مركز عدالة، فإن تحديد مكان المشتبه بهم المحتملين يتطلب في حد ذاته عمليات تجسس، ومراقبة شاملة للسكان، ورصداً لنشاط الإنترنت.
وأتاح هذا التعديل لأجهزة الأمن ملاحقة فلسطينيي 48 بناءً على الحسابات التي يتابعونها، أو المنشورات التي يتفاعلون معها. وبالفعل، تزايدت الملاحقات الأمنية والدعاوى القضائية التي حرّكها الاحتلال ضد الناشطين بسبب تعليقاتهم على منصات التواصل، وفق تقارير.

وفي حين أن "المنشورات الإرهابية" المحظورة لا تشمل حالياً سوى مواد تتعلق بحماس وداعش – وهي قائمة أعرب وزير العدل في حكومة الاحتلال بالفعل عن نيته توسيعها – سعى المشرّعون أيضاً إلى قطع الوصول إلى مصادر معلومات إضافية قد تكشف للمواطنين الإسرائيليين عن كامل نطاق الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها جيش الاحتلال وما زال يرتكبها في غزة.
ومن هنا جاء إقرار ما يسمى "قانون الجزيرة"، الذي حرم الجمهور الإسرائيلي أحد أكثر مصادر تغطية الأحداث في غزة موثوقيةً على مستوى العالم، بحسب تقرير مجلة 972+.
وبالمثل، فإن قانون "إنكار أحداث السابع من أكتوبر" لا يرقى بالهجمات إلى مستوى جريمة تضاهي الهولوكوست فحسب، بل يتجاوز نطاق الفعل إلى مجال الفكر والتعبير. فهو لا يفرق بين الدعوات المباشرة إلى العنف أو الإرهاب، وهي محظورة أصلاً، ومجرد التعبير عن موقف سياسي، أو رواية نقدية، أو التشكيك في الرواية الرسمية للدولة، من جهة أخرى.
وبحسب مركز عدالة، فإن "القانون مصمم لإثارة الخوف، وخنق النقاش العام، وقمع النقاش حول مسألة تهم الرأي العام".
ولا يزال من غير الواضح ما هي الأفعال التي تُعد "إنكاراً"، والتي يحظرها القانون، خاصة وأن حكومة الاحتلال لم تعيّن حتى اليوم لجنة تحقيق رسمية في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وفق ما أضاف مركز عدالة.
ومنذ الأيام الأولى للحرب على غزة، انتهك النظام الإسرائيلي بشدة الحقوق الأساسية لحرية الرأي والاحتجاج. في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن مفوض الشرطة آنذاك، يعقوب شبتاي، سياسة "عدم التسامح مطلقاً" مع "التحريض" والاحتجاجات، وقوبلت كل محاولة للتظاهر ضد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي غزة بقبضة من حديد على مدى أشهر.
حظر لمَّ شمل العائلات الفلسطينية داخل إسرائيل
لكن موجة التشريعات الجديدة القاسية تتجاوز ذلك. فبالإضافة إلى إرساء البنية التحتية القانونية للاضطهاد المنهجي للمعارضين، اليهود والفلسطينيين على حد سواء، فإنها تتضمن إجراءات تستهدف المواطنين الفلسطينيين بشكل صريح، مثل ما يسمى "قانون ترحيل عائلات الإرهابيين".
وبموجب هذا القانون، وُسع تعريف "الإرهابي" – وهو وصف يطبق حصرياً تقريباً على الفلسطينيين في إسرائيل – ليشمل ليس فقط المدانين بالإرهاب في إجراءات جنائية، بل أيضاً الأفراد المحتجزين للاشتباه بارتكابهم هذه الجرائم، بمن فيهم المحتجزون رهن الاعتقال الإداري. أي الأشخاص الذين لم توجه إليهم أي تهم، ناهيك عن إدانتهم، بأي شيء.
وفي الوقت نفسه، شدد الكنيست الحظر الصارم على "لم شمل العائلات" في محاولة لمنع المواطنين الفلسطينيين من الزواج من فلسطينيين/ات في الضفة الغربية وغزة، ووسع العقوبات على الفلسطينيين الذين "يقيمون بشكل غير قانوني" في إسرائيل.
وفي الواقع، استغل المشرعون الحرب على غزة لتصعيد حربهم الديموغرافية طويلة الأمد ضد الفلسطينيين، بمن فيهم أولئك الذين يعيشون داخل حدود عام 1948.
انتهاك حقوق الأسرى الفلسطينيين
ووثق فصل منفصل من تقرير مركز عدالة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، والذين، وفقاً لشهادات وتقارير أخرى، احتجزوا في معسكرات التعذيب.
كما انتهكت مجموعة القوانين التي أقرها الكنيست بشكل خطير حقوق الأطفال، ملغية "التمييز القانوني الراسخ بين البالغين والقاصرين" في الجرائم المتعلقة بالإرهاب.
إضافة إلى ذلك، فصل التقرير تشريعات تلحق الضرر عمداً بالمواطنين الفلسطينيين من خلال التوسع في استخدام الخدمة العسكرية كمعيار للحصول على المزايا الاجتماعية والموارد العامة، وتلحق الضرر باللاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة من خلال حظر منظمات الإغاثة مثل الأونروا.