كيف تحول الكنيست أداة بيد أحزاب الائتلاف الصغيرة لابتزاز نتنياهو؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/13 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/13 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
تضغط أحزاب الائتلاف الصغيرة على نتنياهو عبر الكنيست/ عربي بوست

"تمثل ظاهرة الابتزاز السياسي من قبل أحزاب الائتلاف الصغيرة في الكنيست سمة بارزة ومتكررة، حيث تسعى هذه الأحزاب لتمرير مصالحها الخاصة عبر ممارسة ضغوط مكثفة على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ما اضطره في غالب الأحيان إلى الاستجابة لمطالبها لضمان استقرار الائتلاف واستمراريته."

وفي إسرائيل، وفي ظل النظام السياسي والبرلماني، من الصعوبة أن يتمكن حزب واحد من تحقيق أغلبية مطلقة (61 مقعداً من أصل 120)، وفي الحكومة الإسرائيلية الـ37، اضطر نتنياهو للجوء لتلك الأحزاب الصغيرة رغم الاختلافات.

ولكي يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومته في ديسمبر/ كانون الأول 2022، اضطر لخوض مفاوضات مع الأحزاب الصغيرة ليحظى بالأغلبية في الكنيست، ليضع نفسه أمام مطالب وجب عليه تحقيقها عبر تشريع قوانين جديدة.

ووفقاً للاتفاقيات الموقعة بين حزب الليكود وشركائه في الائتلاف، والمبادئ التوجيهية، فإنه تم تحديد عدة أولويات، أبرزها مكافحة تكاليف المعيشة، وزيادة مركزية السيطرة الأرثوذكسية على الخدمات اليهودية للدولة، وتمرير إصلاحات قضائية، وتوسيع المستوطنات في الضفة والنظر في سياسة ضمها.

كما أنه منذ تولي الحكومة الإسرائيلية مقاليد الحكم في دولة الاحتلال، شهدت أزمات عدة، استخدمت خلالها التهديد بإسقاط الحكومة، أو الانسحاب من الائتلاف وتفكيكه، ما لم تتم الاستجابة لمطالب حزب صغير داخله.

ومن أشكال ابتزاز أحزاب الائتلاف الصغيرة:

  • الطلب بتمرير قوانين خاصة وأولوية لمشاريع قوانينهم، فقد كانت أحزاب الائتلاف الصغيرة مثل "شاس"، "يهودوت هتوراه"، و"عوتسما يهوديت" تصر على تمرير قوانين محددة تخص قضايا دينية، اجتماعية وأمنية تخدم مصالحها.
  • التهديد بالامتناع عن التصويت والانسحاب من الحكومة إذا لم تُعطَ الأولوية لمشاريع قوانينها.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي/رويترز
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي/رويترز
  • التهديد بحل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، حيث قامت بعض الأحزاب بالتهديد بدعم حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة كوسيلة ضغط لتحصيل مكاسب سياسية أو تشريعية.

ما هي أبرز القوانين التي اشترطتها أحزاب الائتلاف الصغيرة مع تشكيل الحكومة؟

  • (قانون بن غفير) : وقد سمي باسمه لأنه يتعلق بتوسيع صلاحيات وزير الأمن القومي الإسرائيلي، لتشمل مجالات أمنية متعددة، ما يعزز نفوذه داخل الحكومة الإسرائيلية.
  • (قانون درعي): والذي يهدف إلى تمكين زعيم حزب شاس آرييه درعي، من تعيينه بالحكومة كوزير، رغم إدانته سابقاً بقضايا فساد وأدين بحكم قضائي سابق.
  • (قانون سموتريتش): والذي بموجبه يسمح بتعيين وزير إضافي في وزارة قائمة، وقد تمكن الوزير المتطرف من أن يصبح مسؤولاً عن "إدارة المستوطنات" التي تعمل ككيان شبه مستقل داخل الوزارة.

كيف استخدمت أحزاب الائتلاف الصغيرة مؤخراً الكنيست لابتزاز نتنياهو؟

وانطلقت الدورة الشتوية للكنيست في أكتوبر/ تشرين الأول 2025، مع معضلات كبيرة يواجهها نتنياهو الذي يقترب رويداً من ائتلافه إلى نهاية ولاية الحكومة بعد عام.

وقد تسببت الخلافات بين الحكومة الإسرائيلية، وأحزاب حريدية، بـ"شلل في الكنيست"، بسبب الامتناع عن التصويت في مشاريع القوانين المهمة التي يسعى نتنياهو لتمريرها عبر الكنيست.

ولم يقتصر الأمر فقط على الأحزاب الحريدية، فقد اتبع هذا النهج إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش من أجل تمرير قوانين أثارت الجدل مؤخراً في الكنيست.

ومن أبرز الأمثلة على استخدام الكنيست كأداة لابتزاز سياسي مؤخراً:

  • مقاطعة التصويت من الحريديم بسبب قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية الإلزامية.
  • تهديدات بن غفير إذا لم يمرر قانون الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين.
  • اشتراطات بن غفير للتصويت على قانون الحاخامات.
  • تهديدات سموتريتش بشأن قانون المزايا الضريبية لجنود الاحتياط.

أولاً:: قانون المزايا الضريبية

وقبل التصويت الأسبوع المقبل، تم التوصل إلى اتفاق بين نتنياهو وسموتريتش، لإقرار قانون إعفاءات ضريبية لجنود الاحتياط، في القراءتين الثانية والثالثة، بحسب القناة 12 العبرية.

وفي مارس/ آذار 2025، أعلن سموتريتش عن تخصيص 3 مليارات شيكل إضافية لتوسيع نطاق المزايا لأفراد الخدمة الاحتياطية وعائلاتهم، ومن بين البنود تقديم إعفاءات ضريبية لمن يخدمون بالتشكيل القتالي.

وقبل ثلاثة أسابيع، وجه سموتريتش رسالة غاضبة إلى نتنياهو بسبب قرار رئيس لجنة المالية في الكنيست عدم طرح المقترح، الذي زعم وزير المالية بأنه قد حظي بموافقة رئيس الوزراء ووزير الجيش قبل أشهر.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز

وبسبب الجدل بشأن قانون المزايا الضريبية، أعلن حزب "الصهيونية الدينية" أنه قرر التوقف عن التصويت مع الائتلاف الحكومي حتى تتم المصادقة على القانون بالقراءة الثانية والثالثة.

وجاء في بيان للحزب: "جنود الاحتياط قبل أي أحد آخر، إسرائيل مدينة لهم بكل شيء، وهذا يفوق أي اعتبار سياسي، لن يُسمح لأي عضو كنيست بإلحاق الأذى بهم".

لكن رئيس الائتلاف أوفير كاتس رفض ادعاءات حزب سموتريتش، مشيراً إلى أن مشروع القانون يستهدف أصحاب الدخل المرتفع، أما الطلاب وأصحاب الدخل المنخفض فلن يتمكنوا من الاستفادة من الميزة.

ثانياً: قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون يتيح إعدام الأسرى الفلسطينيين، والذي قدمه حزب "عوتسما يهوديت".

وينص مشروع القانون "على أن الشخص الذي يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي، وعندما يُنفذ الفعل بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل، فإنه يجب أن يواجه حكم الإعدام"، كما ينص على أنه لا يجوز تخفيف عقوبة من صدر بحقه حكم نهائي بالإعدام.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير/رويترز
وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير/رويترز

لكن إقرار القانون بقراءته الأولى سبقه تهديد من بن غفير على حسابه في منصة (إكس)، بأنه "إذا لم يُعرض القانون للتصويت خلال ثلاثة أسابيع، فلن يكون حزبه ملتزماً بالتصويت مع الائتلاف الحكومي".

وكان بن غفير قد زعم أنه عندما شُكلت الحكومة، تم الاتفاق على إقرار القانون، ولكن حزب الليكود دأب على تأجيله بذَرائع مختلفة، منها الخشية على حياة الأسرى الإسرائيليين في غزة.

ثالثا: قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية

وتسبب قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية الذي ما زال الجدل قائماً حوله، في فقدان حكومة نتنياهو أغلبيتها في الكنيست بعد انسحاب الأحزاب الحريدية منها، والتهديد بحل الكنيست بالتوافق مع المعارضة الإسرائيلية.

ومنذ أشهر تقاطع أحزاب الحريديم المشاركة في جلسات التصويت على القوانين التي يريد الائتلاف تمريرها عبر الكنيست.

وتقترح المسودة الحالية للقانون إعفاء واسع لطلاب المعاهد الدينية حتى سن الـ26، مع رفع تدريجي للعدد السنوي للمجندين من الحريديم إلى 4800 في السنة الأولى، ثم زيادة تدريجية حتى عام 2030.

والقانون المقترح يتضمن إلغاء معظم العقوبات التي فُرضت على المتخلفين عن الخدمة من طلاب المعاهد الدينية بعد قرار المحكمة العليا عام 2024، كما يستأنف التمويل الحكومي للمعاهد الدينية التي جُمدت ميزانياتها.

لكن الصيغة المقترحة تكرس التهرب الجماعي من الخدمة العسكرية من الحريديم، وقد وُجهت انتقادات داخل الائتلاف الحكومي والمعارضة، وما زالت الأحزاب الحريدية متمسكة بإعفاء كامل وترفض أي تعديل في الوضع القائم.

وتثير المخاوف من أن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية قد يؤدي إلى عرقلة ميزانية 2026، كما حصل قبل إقرار ميزانية 2025.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن مسألة مشروع القانون الذي يتجدد الجدل بشأنه تثير العديد من علامات الاستفهام، وتهدد سلامة الائتلاف، لأنها تعتمد على اضطرابات في الشارع الحريدي وفي المحاكم الحاخامية، وهي أحداث قد تخرج عن سيطرة السياسيين الذين يحاولون الحفاظ على الائتلاف وكسب الوقت.

ماذا سيفعل نتنياهو لمواجهة الأزمة؟

وللخروج من الأزمة، يعمل الائتلاف مع الحريديم على اقتراح بديل، وهو قانون لدعم دور الحضانة من شأنه إلغاء العقوبات المفروضة على دور الحضانة ما دام لم يلتحق الحريديم بالجيش.

ولكن في ظل غياب موافقة الحاخامات الليتوانيين، لا يملك الائتلاف الأغلبية اللازمة لإقرار مشروع قانون الإعفاء، علاوة على ذلك، لا يملك نتنياهو أي حافز لبدء مناقشات حوله، خوفاً من الانتقادات العامة التي سيواجهها، حتى في أوساط اليمين.

أزمة تجنيد الحريديم تهدد استمرار حكومة نتنياهو/ عربي بوست
أزمة تجنيد الحريديم تهدد استمرار حكومة نتنياهو/ عربي بوست

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يُعد الائتلاف والأحزاب الحريدية سيناريو بديلاً في حال عدم التوصل إلى اتفاق بشأن قانون التجنيد خلال أسابيع قليلة، من خلال إقرار قانون دعم السكن الجامعي مقابل تحويل ميزانية، حتى تحديد موعد للانتخابات.

ويدرك الحريديم أنه في حال عدم وجود ميزانية لعام 2026، ستكون أحزابهم أول المتضررين، وخاصة في شبكات التعليم التي ستواجه تخفيضات كبيرة وستواجه صعوبة في دفع رواتب المعلمين.

والسؤال الذي يُطرح حول البديل الناشئ هو ما إذا كان هذا الحل سيُقبل من وجهة نظر عامة لدى الحريديم في غياب قانون تجنيد ينظم وضعهم، ووفقاً للصحيفة الإسرائيلية، فإنه حتى بين الليكود و"المتدينين"، يدور جدل حول جدوى إلغاء العقوبة الكبيرة المفروضة على المتهربين من الخدمة العسكرية في عام انتخابي، في وقت من الواضح أن مثل هذا الاتفاق سيستمر حتى الصيف أيضاً.

تحميل المزيد