لم يكن زهران ممداني، عمدة مدينة نيويورك المنتخب، المرشّح المسلم الوحيد الذي فاز في انتخابات الثلاثاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني في الولايات المتحدة، حيث شملت قائمة الفائزين أيضاً مرشحين مسلمين في ولايات عدة، من بينها فرجينيا وميشيغان، ما شكّل نقطة تحول تاريخية للمجتمع المسلم في البلاد.
ففي ولاية فرجينيا، فازت الديمقراطية وعضوة مجلس الشيوخ، غزالة هاشمي، بمنصب نائب حاكم الولاية، وباتت أول مسلمة تفوز بمنصب نائب الحاكم في الولايات المتحدة.
وفي ولاية ميشيغان، فاز ثلاثة مرشّحين مسلمين في انتخابات رئاسة البلدية في ضواحي ديترويت التي يسكنها أغلبية من الأمريكيين العرب.

يأتي ذلك بينما كانت هناك محاولات لتشويه صورة المرشّحين المسلمين، وفي مقدمتهم ممداني الذي واجه اتهامات بمعاداة السامية، أطلقها منافسه المرشّح المستقل، أندرو كومو، في محاولة لكسب أصوات الناخبين.
ويحتل الإسلام المرتبة الثالثة من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة، بعد المسيحية واليهودية، ووفقاً للدراسات، يوجد حوالي 4.45 مليون مسلم في البلاد، وهو ما يمثّل حوالي 1% من إجمالي السكان.
ويرتكز وجود المسلمين بشكل كبير في كل من ولاية فرجينيا وولاية أريزونا، وبدرجة ثانية في ولايات نيويورك، ونيوجيرسي، وكاليفورنيا، وإلينوي، وفلوريدا، وميشيغان، بالإضافة إلى ألاباما، وتكساس، وتينيسي.
من هم المرشّحون المسلمون الذين فازوا في انتخابات الثلاثاء؟
يُعدّ ممداني أبرز المرشّحين المسلمين الذين حققوا نجاحاً في انتخابات الثلاثاء الماضي، والذي أثارت حملته حماسة العديد من الناخبين، حيث أفاد مجلس الانتخابات في مدينة نيويورك بأنه تم الإدلاء بأكثر من مليوني صوت، بما يشمل التصويت المبكر في أنحاء المدينة، وهو أكبر عدد من الأصوات في سباق على منصب رئيس البلدية منذ عام 1969 على الأقل.
وخاض ممداني (34 عاماً) انتخابات شهدت منافسة كبيرة بينه وبين كومو، الداعم لإسرائيل بقوة، والذي نال 41.6% من الأصوات، ومرشّح الحزب الجمهوري، كورتيس سليا، الذي حصل على 7.2%.

وبجانب ممداني، حققت غزالة هاشمي فوزاً آخر في ولاية فرجينيا، وسيتم تنصيبها نائبة للحاكم في 17 يناير/كانون الثاني المقبل، عندما تصبح نائبة لأول حاكمة لولاية فرجينيا، وهي أبيجيل سبانبرجر، عضوة الكونغرس والضابطة السابقة في وكالة المخابرات المركزية.
ووفدت هاشمي إلى الولايات المتحدة من حيدر أباد في الهند، عندما كانت في الرابعة من عمرها، وفي عام 2019، وبعد عقدين في المجال الأكاديمي، أصبحت أول عضوة مسلمة في مجلس الشيوخ في ولاية فرجينيا.
وينتمي كل من سبانبرجر وهاشمي إلى الحزب الديمقراطي، وفي ولاية فرجينيا يتم انتخاب نائب الحاكم بشكل منفصل بدلاً من الترشّح على بطاقة مشتركة لمنصب الحاكم.
وقال كين مارتن، رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية – التي تشرف على عمليات الحزب في جميع أنحاء البلاد – في بيان إن هاشمي "أدارت حملة رائعة ركزت على خفض التكاليف، وتنمية اقتصاد فرجينيا، وضمان حصول أطفالنا على رعاية الأطفال والتعليم عالي الجودة".
وقال مارتن: "إن الديمقراطيين مثل الحاكمة المنتخبة أبيجيل سبانبرجر ونائبة الحاكم المنتخبة غزالة هاشمي يقفون في وجه ترامب ويقاتلون من أجل عائلات فرجينيا".
وأضاف مارتن: "لا تخطئوا: إن فوز الليلة هو جزء من اتجاه أوسع نطاقاً من الانتصارات والأداء المتفوق للديمقراطيين، وهذا من شأنه أن يثير ذعر دونالد ترامب".
وقال هاريس تارين، نائب رئيس السياسات والبرامج في منظمة "مجلس الشؤون العامة للمسلمين"، لموقع ميدل إيست آي، إن هاشمي، وعلى غرار ممداني، لم تُشنّ حملة انتخابية ضد ترامب. وأضاف: "لقد ركّزت حملتها على قضايا تؤثّر على ولاية فرجينيا".
Virginia state Sen. Ghazala Hashmi on Tuesday became the first Muslim-American woman elected to statewide office in the U.S. with her victory in the state's lieutenant governor's race, NBC News projects.https://t.co/F3ecWeetgs pic.twitter.com/VabysPbKYV
— NBC News (@NBCNews) November 5, 2025
وأضاف أن "المشاعر المعادية للمسلمين وكراهية الإسلام استُخدمت كأداة في الانتخابات – كسلاح – منذ عام 2001… وكان بث الخوف ناجحاً بالفعل في العديد من الحالات في جميع أنحاء البلاد".
ومع ذلك، قال تارين إن الأمور أصبحت مختلفة الآن، وإن الناس سئموا من ذلك.
وفي خطاب النصر الذي ألقته فجر الأربعاء 5 نوفمبر/تشرين الثاني، تحدثت هاشمي عن تحدي الصعاب في المشهد السياسي المتغيّر بسرعة.
وفي ديربورن هايتس بولاية ميشيغان، تم انتخاب رئيس المجلس البلدي، محمد بيضون، رسمياً رئيساً للبلدية بعد اختياره في البداية لشغل المقعد الشاغر في أكتوبر/تشرين الأول، والذي غادره بيل بازي، الذي يشغل الآن منصب السفير الأمريكي في تونس.
وحصل بيضون على 68% من الأصوات، بينما حصلت منافسته دينيس مالينوفسكي ماكسويل على 32%.
ويُعدّ بيضون ضابط احتياط في مكتب شريف مقاطعة واين، وجعل السلامة جزءاً أساسياً من برنامجه، حسبما ذكرت صحيفة عرب أميركان نيوز.
وقال في إطلاق حملته في يوليو/تموز: "هذه ليست حملة خاصة بي فقط".

وفي مدينة ديربورن المجاورة، أُعيد انتخاب رئيس البلدية، عبد الله حمود، بسهولة لفترة ولاية ثانية بحصوله على أكثر من 71% من الأصوات، مقارنة بخصمه ناجي المذحجي الذي حصل على 28%.
وتصدر حمود عناوين الأخبار عندما رفض، على الرغم من تعريفه بأنه ديمقراطي، تأييد الرئيس السابق جو بايدن أو خليفته كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بسبب دعم بايدن غير المشروط لحروب إسرائيل على غزة ولبنان.
ماذا نعرف عن حملة التشويه التي طالت ممداني؟
خلال الشهر الماضي، وبينما كان ممداني يتصدّر استطلاعات الرأي بين المرشّحين لمنصب عمدة مدينة نيويورك، أظهر تقرير ارتفاع معدل محتوى المنشورات المعادية للمسلمين ولممداني بنسبة تزيد على 450% في الفترة من سبتمبر/أيلول إلى أكتوبر/تشرين الأول.
ووفقاً للتقرير الذي أصدره مركز دراسة الكراهية المنظمة في وثيقة مكونة من 20 صفحة، فقد تم نشر 35,522 منشوراً أصلياً يتعلق بمحتوى معادٍ للمسلمين بواسطة 17,752 حساباً فريداً على منصة إكس.
ودعا التقرير منصة إكس إلى تنفيذ ضمانات خاصة بالانتخابات، وتطبيق إرشادات المجتمع ضد الهجمات على العرق والدين، وتعزيز الحجج المضادة التصحيحية في خوارزميتها.
وقال التقرير إن 45% من جميع المنشورات التي غطّتها الدراسة كتبها مستخدمون موثَّقون يحملون شارة زرقاء.
ووجد التقرير أن هناك أربعة مواضيع معادية للإسلام استُخدمت لتشويه سمعة ممداني. وكان "الوصف بالإرهابي" هو السردية السائدة، حيث شكّل 72% من جميع المنشورات الأصلية.
ماذا يعني فوز مرشحين مسلمين للمجتمع المسلم في أمريكا؟
يمثّل فوز مرشحين مسلمين في انتخابات الولايات في أمريكا نقطة تحوّل للمجتمع المسلم، وخاصة في مدينة نيويورك، الذين لطالما شعروا بالتهميش من جوانب عديدة من الحياة العامة في المدينة، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
ونقلت الصحيفة عن رنا عبد الحميد، مؤسِّسة منظمة كوينز غير الربحية، قولها: "المسلمون منتشرون في كل مكان تقريباً في المدينة. المعلمون وأصحاب المتاجر. تجوّل في الشارع، وستجد طعاماً حلالاً. لقد كنا ركيزة أساسية في أجزاء كثيرة من المدينة لفترة طويلة، والآن حان دورنا".
وبالنسبة للمسلمين مثل أميناتا ديالو، وهي طالبة تبلغ من العمر 28 عاماً، انتقلت إلى برونكس من مالي، كان فوز ممداني المرة الأولى التي شعرت فيها أن زعيماً سياسياً يمثلها ويفهمها.
وقالت: "قصة زهران هي بمثابة قصصنا جميعاً. إنه يُظهر أننا ننتمي إلى كل مكان – وأن أصواتنا وقيمنا لها مكان في تشكيل مستقبل المدينة".
وقال مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) في بيان، الثلاثاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني، إن فوز ممداني في مدينة نيويورك يمثّل "نقطة تحول تاريخية في المشاركة السياسية للمسلمين الأمريكيين".
وأضافت كير: "إن قدرة رئيس البلدية المنتخب ممداني على الفوز في الوقت الذي يدافع فيه علانية عن حقوق الإنسان الفلسطينية ويواجه وابلاً من الكراهية ضد المسلمين، يمثّل أيضاً توبيخاً تاريخياً لكل من الإسلاموفوبيا والعنصرية ضد الفلسطينيين في السياسة".
وقال المدير التنفيذي للحملة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين، أحمد أبو زنيد، إن "فوز ممداني التاريخي في أكبر مدينة في الولايات المتحدة يُثبت أن الشعب يدعم الحقوق الفلسطينية. لقد سئموا من السياسيين الذين يُسلّحون إسرائيل بالمليارات، بينما لا يستطيع الأمريكيون شراء البقالة".