“القتل وإلا تفكك الائتلاف”.. هكذا تسعى حكومة الاحتلال لفرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/31 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/31 الساعة 13:18 بتوقيت غرينتش
يدفع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لإقرار مشروع عقوبة إعدام الأسرى/ عربي بوست

تسعى حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى إقرار عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين، وذلك بعد التهديد الذي وجّهه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بانسحاب حزبه من الائتلاف الحكومي إذا لم يُطرح مشروع القانون للتصويت خلال ثلاثة أسابيع.

وقبل شهر تقريباً، ناقشت لجنة الأمن القومي قانون عقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين، وأُقر بالقراءة الأولى، رغم تواصل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع بن غفير من أجل إلغاء المناقشة، لكن الأخير رفض ذلك.

ويُعد هذا المسار أحد المسارين اللذين يهدفان إلى إقرار عقوبة الإعدام، حيث يتمثل المسار الآخر بحراك وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين مع رئيس لجنة الدستور سمحا روتمان بإنشاء "محكمة خاصة" للمقاومين المعتقلين الذين شاركوا في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويسعى مشروع القانون المسمى "قانون حبس ومحاكمة المشاركين في أحداث 7 أكتوبر" إلى إنشاء محكمة جنائية خاصة تنظر فيها هيئة من القضاة، ووفقاً للمقترح سيتاح تجاوز الإجراءات القانونية المتعارف عليها، وينطلق من فرضية أن أحداث 7 أكتوبر، بموجب قانون "منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1950".

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير/رويترز
وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير/رويترز

ومن بين القضايا الرئيسية في القانون تعريف "المقاتل غير الشرعي في أحداث 7 أكتوبر"، والذي تمت شرعنته عام 2002، ويُشرع اعتقال الأشخاص المشتبه بكونهم شاركوا في "أعمال عدائية" ضد إسرائيل.

ويسعى القانون إلى إنشاء لجنة خاصة تُحدد سياسة الملاحقة القضائية، وتتألف اللجنة من ممثلين عن وزارات القضاء والجيش والخارجية، ولم تُقدَّم لوائح الاتهام إلا إلى المحكمة الخاصة، وبالتالي تشكيل منظومة جديدة موازية للجهاز القضائي في دولة الاحتلال.

جدلية عقوبة الإعدام في إسرائيل منذ تأسيسها

اللافت أن إسرائيل تطبق عقوبة الإعدام منذ تأسيسها، وهي مخصصة فقط لحالات استثنائية ونادرة.

فقد ورثت دولة الاحتلال القوانين التي شرعها الانتداب البريطاني على فلسطين، بما في ذلك قانون العقوبات لسنة 1936، والذي يُعد جوهر القانون الجنائي في إسرائيل.

وخلال الانتداب البريطاني، كانت عقوبة الإعدام إلزامية في جرائم القتل، ومع تأسيس دولة الاحتلال بقي الأمر على ذلك حتى عام 1954، حيث أقر الكنيست بعد مناقشات طويلة إلغاء عقوبة الإعدام في جرائم القتل.

واستندت أسباب إلغاء الإعدام في جرائم القتل إلى التقاليد اليهودية، وتبني معايير القانون الدولي الإنساني.

ورغم أن عقوبة الإعدام تم إسقاطها في جرائم القتل، إلا أنها بقيت سارية في القضايا المتعلقة بـ:

  • محاكمة "النازيين الذين ارتكبوا جرائم إبادة ضد الشعب اليهودي" بموجب قانون 1950.
  • الخيانة العظمى والتعاون مع العدو، وترك المواقع العسكرية أمام قوات معادية وفقاً لقانون القضاء العسكري لعام 1955.

ما عمليات الإعدام التي وقعت في إسرائيل؟

رغم وجود قانون الإعدام في إسرائيل، إلا أن القضاء الإسرائيلي لم يشهد سوى حالتين فقط من عمليات الإعدام، وهما:

  • وفقاً لقانون محاكمة "النازيين وشركائهم" لعام 1950، فقد تم إعدام شخص واحد فقط، ففي عام 1962 أُعدم أدولف أيخمان الذي اتُّهم بارتكاب جرائم عدة ضد يهود أوروبا خلال ما يسمى "الهولوكوست".
  • وفي عام 1948، أعدمت السلطات الإسرائيلية الضابط مئير توبياتسكي بتهمة الخيانة ضد إسرائيل، ولكن تم تبرئته لاحقاً بعد وفاته.

هل شهد القضاء الإسرائيلي أحكاماً بإعدام فلسطينيين؟

بعد احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، طالب أعضاء في الكنيست الإسرائيلي بتطبيق عقوبة الإعدام على فلسطينيين، ورغم ذلك، فإنه ما بين عامي 1967 و1989، أصدرت المحاكم العسكرية أحكاماً بالإعدام في حالات قليلة، ولكن تم تخفيف هذه الأحكام جميعها إلى أحكام بالسجن مدى الحياة عند الاستئناف.

ومنذ عام 1967 وحتى عام 2011، طلب الادعاء العسكري فعلياً 10 مرات فرض عقوبة الإعدام، لكن لم يُنفذ أي قرار منها لعدم وجود إجماع لدى الهيئة القضائية.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية لمشروع قانون العقوبات، والذي قدمه حزب "إسرائيل بيتنا"، ويتضمن إعدام الأسرى الفلسطينيين المتهمين بقتل إسرائيليين.

الأسرى المرضى في سجون الاحتلال يعانون من الإهمال الطبي المتعمد/ رويترز
الأسرى المرضى في سجون الاحتلال يعانون من الإهمال الطبي المتعمد/ رويترز

وينص مشروع القانون على أن عقوبة الإعدام التي قد تفرضها محكمة عسكرية على شخصٍ مُدان بالقتل في "ظروف إرهابية" لا تتطلب موافقة بالإجماع، وستكون المحاكم المدنية قادرة أيضاً على فرض عقوبة الإعدام، ولم يتقدم الاقتراح إلى أبعد من ذلك.

وقبل وصول إيتمار بن غفير إلى الائتلاف الحكومي، طُرح قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين أربع مرات بمشاركة أعضاء في حزب الليكود، لكنه لم يتجاوز مراحل التشريع الأولى.

ومن أبرز قضايا الإعدام التي طالت أسرى فلسطينيين ولم تُنفذ:

الأسير المحرر محمود حجازي:

أسره الاحتلال بعد تنفيذه مع مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين عملية لنسف أحد الجسور قرب بلدة بيت جبرين قضاء الخليل، وذلك في يناير/كانون الثاني 1965 بعد عملية عيلبون.

وحُكم عليه بالإعدام، وبعد الاستئناف عُقدت محاكمة جديدة حُددت فيها عقوبته بالسجن 30 عاماً، فيما أُطلق سراحه بعد ذلك في فبراير/شباط 1971، في صفقة تبادل أسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة فتح في لبنان.

الأسير موسى جمعة الطلالقة:

وكان الطلالقة أحد منفذي ما يُعرف بعملية "فندق سافوي" في مارس/آذار 1975، ورغم المطالبات بإعدامه من المحكمة العسكرية، إلا أن النيابة العسكرية اكتفت بطلب السجن المؤبد، مبررة موقفها بضرورة احترام اعتبارات سياسية–أمنية عليا تتجاوز سلطة الادعاء نفسه.

الأسيرين المحررين كريم وماهر يونس:

في مطلع الثمانينيات، وجّهت النيابة العسكرية الإسرائيلية إلى كريم وماهر يونس تهم الانتماء إلى حركة فتح، وحيازة الأسلحة وقتل الجندي الإسرائيلي أفراهام برومبغ في العام 1980.

وقد حكمت المحكمة بإعدامهما شنقاً بجرم "خيانة المواطنة" لأنهما يحملان الجنسية الإسرائيلية، ولكن بعد الاستئناف حُكم عليهما بالسجن المؤبد لمدة 40 عاماً.

الأسير المحرر سعيد بدارنة:

وهو أول فلسطيني ينفذ فكرة الحزام الناسف، حيث اتهمته المحكمة العسكرية بالتخطيط والتنفيذ لعمليتي تفجير في المحطة المركزية في مدينتي الخضيرة والعفولة عام 1994.

وحكمت عليه المحكمة العسكرية بالإعدام، ولكن ووفقاً للتشريعات في منطقة الضفة الغربية، تم تقديم استئناف تلقائي إلى محكمة الاستئناف العسكرية، التي ألغت الإدانة وأعادت القضية إلى جلسة استماع جديدة، حيث حُكم عليه بالسجن المؤبد. وقد أُطلق سراحه في صفقة شاليط.

سجن إسرائيلي/ رويترز
سجن إسرائيلي/ رويترز

قضية الشرطي رائد الشيخ:

في العام 2003، طلب اثنان من قضاة المحكمة فرض عقوبة الإعدام على الشرطي الفلسطيني رائد الشيخ، بعد إدانته بقتل جنديين إسرائيليين في حادثة قتل جنديين إسرائيليين في رام الله، لكن هذا الطلب يتطلب قراراً بالإجماع، وقد عارضت القاضية الثالثة ذلك، ففُرض عليه حكم بالسجن المؤبد مرتين.

ومنذ ذلك الحين، لم تطالب النيابة العسكرية بعقوبة الإعدام ضد منفّذي الهجمات، حتى في الحالات التي تعرّضت فيها لانتقادات علنية بسبب ذلك. وفي جلسة النطق بالحكم على منفّذ قتل أفراد عائلة سلومون في مستوطنة حلميش، أعرب أحد القضاة عن وجوب فرض عقوبة الإعدام.

هل فعلاً لم يُنفذ الاحتلال تصفيات للأسرى؟

رغم أن الاحتلال الإسرائيلي لم يُنفذ أي حكم إعدام بحق الفلسطينيين عبر المسار القضائي، لكنه نفذ آلاف عمليات الإعدام الميدانية، من خلال تنفيذ عمليات اغتيال ممنهجة.

وتزايدت عمليات الإعدام خارج المسار القضائي بعد الحرب على غزة، فقد سجلت مؤسسات حقوقية استشهاد عشرات الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ بدء الحرب على غزة ارتفع إلى 80 شهيداً، وهم فقط من تم التعرف على هوياتهم، في ظل استمرار جريمة الإخفاء القسري التي تطال عشرات المعتقلين.

متى تجددت المطالبات بإعدام الأسرى الفلسطينيين؟

ومع تشكيل الحكومة الإسرائيلية في بداية عام 2023، تم تضمين مقترح إعدام الأسرى الفلسطينيين في اتفاقيات الائتلاف بين الليكود و"القوة اليهودية" الذي يقوده بن غفير.

وبحسب صحيفة "معاريف"، فإنه رغم تضمين الاقتراح في اتفاقيات الائتلاف، إلا أن تقدمه توقف بسبب التحفظات القانونية من المستشار القانوني للكنيست والمؤسسة الأمنية، الذين حذروا من أن تطبيق القانون قد يضر بالعلاقات الدبلوماسية والأمنية لإسرائيل.

وبعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ادعى مسؤولون في مجلس الوزراء الأمني ​​أيضًا أن القانون قد يعيق جهود التفاوض على عودة المختطفين من قطاع غزة، خوفًا من أن يعيق ذلك احتمالات تبادل الأسرى.

وتشير "معاريف"، إلى أنه مع عودة الأسرى الإسرائيليين الأحياء وتزايد المطالبات العلنية، قرر الائتلاف إعادة طرح القانون للتصويت.

تحميل المزيد